< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/07/02

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس الثامن والستون: الجهة الرابعة المكان الذي يوجد فيه الكنز

قال السيد الماتن السيد محمد كاظم اليزدي في العروة الوثقى ما نصّه:

وسواء كان في بلاد الكفار الحربيين أو غيرهم أو في بلاد الإسلام في الأرض الموات أو الأرض الخربة التي لم يكن لها مالك، أو في أرض مملوكة له بالإحياء أو بالابتياع مع العلم بعدم كونه ملكاً للبائعين، وسواء كان عليه أثر الإسلام أم لا، ففي جميع هذه يكون ملكاً لواجده وعليه الخمس.

هذه المسألة فيها عشر صور لأنه تارة يوجد الكنز في بلاد الكفار وتارة يوجد الكنز في بلاد المسلمين هاتان حيثيتان، وتارة يكون في الأرض العامة التي ليس لها مالك كالأراضي الموات أو الخربة وأخرى يكون في أرضٍ مملوكة لشخصٍ بالإحياء أو الابتياع هاتان حيثيتان، واثنان في اثنان أربع:

الحيثية الأولى بلاد الكفر.

والحيثية الثانية بلاد المسلمين.

وفي كل منهما بلاد الكفر:

إما أن يكون في أرض عامة.

وإما أن يكون في أرض خاصة.

وفي بلاد المسلمين:

إما أن يكون في أرض عامة.

وإما أن يكون في أرض خاصة فهذه أربع صور.

في هذه الأربع صور توجد أيضاً حيثيتان:

الحيثية الأولى إما أن يكون عليه أثر الإسلام كأن يكون مسكوك بسكة المعاملة.

وإما أن لا يكون عليه أثر الإسلام.

أربعة في اثنين ثمانية، ثمان صور.

تبقى أيضاً حيثية وهي أن الأرض قد تكون ليست للمسلمين وليست للكفار أرض ثالثة غير معلوم أنها تحت سلطة المسلمين وغير معلوم أنها تحت سلطة الكفار هذه الأرض فيها احتمالان:

إما أن يكون على الكنز أثر الإسلام.

وإما أن لا يكون عليه أثر الإسلام.

إذاً هاتان صورتان يضمان إلى الصور الثمان (فتلك عشرةٌ كاملة).

وهناك اتفاقٌ بل إجماعٌ على أن الكنز لمالكه ويثبت فيه الخمس في ثمان صور، نعم وقع الخلاف في صورتين، ومن هنا سنذكر الصور التي نصوا عليها واتفقوا عليها ثم نذكر الصورتين المختلف فيهما ونشرع في بيان الصورة الأولى منها.

الظاهر عدم الخلاف بين الأصحاب في أربع صور من هذه الصور العشر، يوجد إجماع واتفاق، وهي ما يوجد في أرض الكفار مطلقاً بل دعوى الإجماع في كلمات غير واحد على أنه لواجده وعليه الخمس.

يراجع جواهر الكلام للمحقق النجفي جزء ستة عشر صفحة ثمانية وعشرين.

ويلحق بهذه الصور الأربع صورتان أخريان وهما ما يوجد من الكنز في أرضٍ ليست من المسلمين والكفار مطلقاً يعني سواء كانت أرض شخصية ملك شخصي أو أرض ملك عام.

وكذا أيضاً لا خلاف فيما وجد في أرض المسلمين وليس عليه أثر الإسلام سواء كان في الأراضي العامة أو الشخصية إذا علم بعدم كونه ملكاً للبائعين فإن الظاهر أنه لا كلام فيها أيضاً في كون الكنز الموجود فيها ملكاً لواجده وعليه الخمس.

إذاً ثمان صور لا شكّ ولا ريب في أن الكنز لواجده كما أنه لا شكّ ولا ريب في وجوب الخمس فيه إذا توفرت الشرائط.

نعم وقع الخلاف بين الفقهاء في صورتين:

الصورة الأولى إذا وجد الكنز في الأراضي العامة كالموات وعليه أثر الإسلام فبعضهم قال حكمها حكم اللقطة وبعضها قال حكمها حكم تخميس الكنز.

الصورة الثانية إذا وجد الكنز في ملكٍ شخصي واحتمل كونه للغير، وهذه الصورة الثانية فيها عدة فروض ذكرها السيد الماتن عند قوله: (ولو كان في أرضٍ مبتاعه مع احتمال كونه لأحد البائعين) إلى آخر المسألة.

بحثنا اليوم في الصورة الأولى وهي ما إذا وجد الكنز في الأراضي العامة كالموات وعليه أثر الإسلام ويدخل في ذلك ما يوجد في الأراضي المملوكة للمسلمين جميعاً وهي الأراضي المفتوحة عنوة لكن بناءً على عدم تبعيته ما في جوفها لها كما عليه مسلك السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ وقد رجحناه.

ومثلها ما في الأجام وبطون الأودية إذا كان عليه أثر الإسلام، وقد تطرق المحقق المدقق الشيخ محمد حسن النجفي في جواهر الكلام الجزء ستة عشر صفحة تسعة وعشرين إلى قولين في هذه المسألة ونحن نذكر نصّه مع تخريج المصادر:

طبعاً يمكن مراجعة النصّ في جواهر الكلام، الجزء السادس عشر.

يوجد في المسألة قولان:

القول الأول حكمها حكم اللقطة فيجب التعريف بها وقد ذهب إلى هذا القول الشيخ الطوسي في المبسوط الجزء الأول صفحة مئتين وستة وثلاثين، وتبعه العلامة الحلي في مختلف الشيعة الجزء الثالث صفحة ثلاثمئة وواحد، وقد ذهب إلى هذا القول الشيخ الطوسي في المبسوط الجزء الأول صفحة مئتين وستة وثلاثين، وتبعه العلامة الحلي في مختلف الشيعة الجزء الثالث صفحة ثلاثمئة وواحد وعشرين والشهيدان الشهيد الأول في البيان صفحة ثلاثمئة وثلاثة وأربعين والشهيد الثاني في مسالك الأفهام في شرح شرائع الإسلام الجزء الأول صفحة أربعمئة وستين.

وهكذا المحقق الحلي ـ رحمه الله ـ في شرائع الإسلام صفحة مئة وثمانين.

القول الثاني وقال جماعةٌ أخرى بدخوله في عنوان الكنز فيجري عليه حكم كالشيخ الطوسي ـ قدس سره ـ في النهاية صفحة مئة وسبعة وتسعين، وصاحب المدارك في مدارك الأحكام الجزء الخامس صفحة ثلاثمئة وسبعين.

إذاً عندنا قولان:

القول الأول أنه لقطة.

القول الثاني إنه كنزٌ يجري عليه حكم الكنز.

يمكن أن يستدل على القول الأول وهو أن حكمه حكم اللقطة بخمسة أدلة ووجوه:

الدليل الأول التمسك بالأصل، فإن الملكية أمرٌ حادثٌ يحتاج إلى دليل ومقتضى الأصل عدم التملك بمجرد الوجدان وبقاء ما عثر عليه على ملك مالكه.

وفيه إن هذا الوجه يندفع بأصالة عدم جريان يدّ محترمة على هذا المال فالأصل عدم سلطة يدّ محترمة على المال الذي عثر عليه وإثبات وجود يدّ سابقة يحتاج إلى دليل فيجوز تملكه كما لو وجد في دار الحرب فإن المحترمة إنما هو خصوص مال المسلم أو الذمي وأما غيرهما فلا احترام له فمع الشكّ في وضع يدّ المسلم أو الذمي على هذا المال فالأصل يقتضي عدمه.

ونتيجة ذلك جواز استملاك الواجد للمال إذا وضع يده عليه لأنه لم يثبت ملكٌ محترمٌ سابق لهذا المال.

الدليل الثاني إن اشتمال المال على أثر الإسلام وكونه في دار الإسلام أمارة وعلامة قوية على أن مالكه شخصٌ مسلمٌ محترم أو لا أقل محترم المال من مسلم أو ذمي، وحيث أن هذا المال لم يثبت أنه فيءٌ للمسلمين فلا يجوز تملكه بل يجب الفحص عنه.

وفيه إن وجود أثر الإسلام على المال مع كونه في دار الإسلام لا يوجبان ولا يقتضيان العلم بكون المال لمسلمٍ أو محترم المال بل غاية ما في الأمر حصول الظن بذلك (إن الظن لا يغني من الحقّ شيئا) فالظن ليس بحجة ولا يعول عليه في مقابل الأصول المعتبرة.

إذاً الدليل الثاني ليس بتام، وسيتضح إن شاء الله أن جميع الأدلة الخمسة ليست بتامة فيكون الراجح هو القول الثاني أن حكمه حكم الكنز لنهوض الأدلة على ذلك.

الدليل الثالث إن هذا المال مشمولٌ لتعريف اللقطة وهو المال الضائع الذي عليه أثر ملك إنسان وهذا التعريف يصدق على ما وجد في دار الإسلام فلا بدّ من إجراء حكم اللقطة عليه.

وفيه إن دعوى كونه لقطة لصدق تعريف اللقطة عليه دعوى ممنوعة لأن اللقطة مالٌ ضائع والكنز مالٌ مدفون عن قصد أو عن غير قصد الإدخار لكنه مال مدفوع.

فهنا قد يصدق عليه أنه مالٌ مدفون عن قصد وليس مال ضائع فلا يصدق عليه تعريف اللقطة.

الدليل الرابع التمسك بموثقة إسحاق بن عمار قال: سألت أبا إبراهيم ـ عليه السلام ـ أي الإمام موسى بن جعفر الكاظم ـ عليه السلام ـ عن رجلٍ نزل في بعض بيوت مكة فوجد فيه نحواً من سبعين درهماً مدفونه فلم تزل معه ولم يذكرها حتى قدم الكوفة، كيف يصنع؟

قال (يسأل عنها أهل المنزل لعلهم يعرفونها).

قلت: فإن لم يعرفونها؟

قال (يتصدق بها).

وسائل الشيعة، الجزء خمسة وعشرين، صفحة أربعمئة وثمانية وأربعين، أبواب اللقطة، الباب الخامس، الحديث الثالث.

رواها الشيخ الطوسي في التهذيب، الجزء السادس، صفحة ثلاثمئة وواحد وتسعين، حديث ألف ومئة وواحد وسبعين.

ودلالتها على المدعى واضحةٌ.

وفيه لا وضوح في هذه الموثقة على المدعى لأن المنزل هو بعض بيوت مكة ومعلومٌ إن البيت يطلق على ما كان فيه أهله عرفاً بخلاف إذا باد أهله أو أهل القرية فيقال لها خربة مضافاً إلى الفرق بين الدفن في البيوت وبين الدفن بعنوان الكنز المتعارف لأن حفر البيت أمرٌ على خلاف العرف ليس من المتعارف أن يحفر الإنسان في بيتٍ أو دارٍ فلعل المراد أنه وجد هذا المال في بعض زوايا البيت بحيث يعلم أن ما وجده للنازلين بهذا البيت وهذا لا يرتبط بـ باب الكنز.

لذلك الإمام ـ عليه السلام ـ قال (يسأل عنها أهل المنزل لعلهم يعرفونها) وتفرقون بين البيت والمنزل في اللغة العربية واللهجة العامية.

فالآن في الاستعمالات المتداولة يطلق البيت على المنزل ولكن في اللغة العربية البيت هو خصوص الحجرة والغرفة، تقول (بيوت النبي التسع) يعني حجر النبي التسع، ويفرق في اللغة العربية بين الحجرة والغرفة فالحجرة هي التي تكون في الطابق الأرضي والغرفة هي التي تكون في الطابق العلوي والمنزل هو ما يشمل الغرف والبيوت أي ما يعم الحجرات.

فهنا الإمام ـ عليه السلام ـ يقول: يسأل أهل المنزل الذي يضمن هذا البيت الذي وجد فيه المال مما يعني أن هذا البيت وهذا المنزل مأهول بالسكان ومن الواضح ناظر إلى اللقطة لا إلى الكنز فلعل أحد النزال ببيت ذلك المنزل حفر موضعاً ووضع فيه المال وادخر فيه المال فهذه لقطة وليست كنزاً إذاً موثقة إسحاق بن عمار لا تدل على المدعى.

الدليل الخامس التمسك بموثقة محمد بن قيس عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ قال: قضى عليٌ ـ عليه السلام ـ في رجلٍ وجد ورقاً في خربةٍ أن يعرفها فإن وجد من يعرفها وإلا تمتع بها.

تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي، الجزء السادس، صفحة ثلاثمئة وستة وأربعين، الحديث ألف ومئة وتسعة وتسعين.

رواها الحرّ العاملي في وسائل الشيعة، الجزء خمسة وعشرين، صفحة أربعمئة وثمانية وأربعين الباب الخامس من أبواب اللقطة الحديث الخامس.

تقريب الاستدلال:

يمكن الاستدلال بهذه الموثقة بأحد وجهين:

الوجه الأول التمسك بالإطلاق، ففي الرواية قضى عليٌ ـ عليه السلام ـ في رجلٍ وجد ورقاً والمراد بالورق النقدين (ورقكم) يعني عمله، الدينار الذهبي والدرهم الفضي، فنتمسك بمطلق الوجدان مطلق وجدان الورق، ووجدان الورق والأموال والدارهم والدنانير إما أن تكون على سطح أرض الخربة فتكون لقطة وإما أن تكون مدفونة تحت أرض الخربة فتكون كنزاً، فعنوان الوجدان مطلقٌ يشمل ما يلتقط على ظاهر أرض الخربة ويشمل ما يستخرج من باطن الخربة.

والإمام ـ عليه السلام ـ أجرى حكم اللقطة على مطلق الوجدان، قال يعرفها فإن وجد من يعرفها وإلا تمتع بها.

إذاً التقريب الأول للاستدلال بدليل الخامس هو التمسك بإطلاق موثقة محمد بن قيس.

التقريب الثاني التمسك بقرينة قوله (أن يعرفها) فإن التعريف ممكنٌ في خصوص الكنز الذي يستخرج من باطن الأرض لا الورق الذي يحصل عليه وهو على ظاهر الأرض لأن الورق والدراهم والدنانير الموجودة على ظاهر الخربة حالها حال بقية الدراهم والدنانير ليس فيها سمه وعلامه تميزها بخلاف الدراهم والدنانير التي تدفن عن قصدٍ في باطن الأرض فلها علامة تدل عليها.

إذاً التقريب الثاني في الاستدلال بهذه الرواية أن تكون هذه الرواية ناظرة إلى خصوص الكنز ولا تشمل اللقطة لأنها ناظرة إلى خصوص ما له علامة وهو الذي يكون تحت باطن الأرض من الكنوز المذخورة والمركوزة ولا يشمل ما يوجد على ظاهر الأرض الخربة والمكان الخرب.

إذاً إما أن نتمسك بالتقريب الأول وهو إطلاق الرواية الشامل للقطة على ظاهر الخربة والكنز في باطن الخربة معاً وإما أن نتمسك ونستظهر أن الرواية ناظرة إلى خصوص الكنز لأن التعريف ممكن بالنسبة إلى الكنز المدفون والمذخور في الأرض وعليه علامة تميزه لأنه يمكن تعريفه.

أما لو كان مطروحاً على الأرض فهذا لقطة وليس له علامة لأنه كسائر الورق وسائر العملات والدراهم والدنانير ليس له علامة تميزه فلا يقبل التعريف.

هذا تمام الكلام في بيان الدليل الخامس وسيتضح إن شاء الله تعالى أنه ليس بتام.

مناقشة الدليل الخامس يأتي عليه الکلام.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo