< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/06/29

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس السادس والستون: الجهة الأولى قصد الإدخار في الكنز

هل يعتبر في صدق عنوان الكنز أن يكون الكنز قد أدخر مع قصد الإدخار أو لا؟ فهل يتناول عنوان الكنز كل مالٍ مستترٍ في الأرض أو في غير الأرض؟ سواءً استتر عن قصدٍ أو بغير قصد؟ وسواء استتر بقصد الإدخار أو استتر بغير قصد الإدخار؟ كما لو استتر للحفظ والإخفاء ونحو ذلك.

المشهور هو عدم اعتبار قصد الإدخار وخالف في ذلك الشهيد الثاني ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ في المسالك والروضة فاشترط قصد الإدخار في صدق عنوان الكنز، قال الشهيد الثاني في المسالك:

يعتبر في الإدخار كونه مقصوداً ليتحقق الكنز فلا عبرة باستتار المال في الأرض بسبب الضياع بل يلحق باللقطة ويعلم ذلك بالقرائن الحالية كالوعاء.

مسالك الأفهام في شرح شرائع الإسلام، الجزء الأول، صفحة أربعمئة وتسعة وخمسين.

وقال الشهيد الثاني أيضاً في الروضة:

وهو المال المذخور تحت الأرض قصداً.

يراجع الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، الجزء الثاني، صفحة ثمانية وستين.

وربما يظهر ذلك أيضاً من المحقق الشيخ آقا رضا الهمداني حيث قال:

إن إطلاق المذخور عن العاري عن القصد مبنيٌ على ضربٍ من التوسع فلا يبعد أن يكون إطلاق اسم الكنز عليه أيضاً من هذا الباب.

مصباح الفقيه، الجزء الرابع عشر، صفحة خمسة وأربعين.

بل ربما ينسب هذا القول إلى كل من فسر الكنز بالمال المذخور بدعوى أن القصد مأخوذٌ في الإدخار فبحكم التبادر وانسباق ينسبق إلى الذهن من لفظ الكنز أنه المال المكنوز أي المال الذي قصد كنزه وإدخاره والاحتفاظ به فمن هنا قيل باشتراط قصد الإدخار في صدق عنوان الكنز على المال المركوز في الأرض.

ولكن الصحيح هو ما ذهب إليه المشهور من عدم اشتراط قصد الإدخار فإننا لو رجعنا إلى كلمات بعض اللغويين لوجدنا أن بعضها خالٍ من اشتراط قصد الإدخار ولكن ربما يستفاد من كلمات بعض المتأخرين من اللغويين اشتراط قصد الإدخار فيمكن مراجعة بعض المعاجم اللغوية مثل المصباح المنير للفيومي الذي وضعه لبيان مصطلحات الفقه الشافعي.

المصباح المنير صفحة خمسمئة واثنين وأربعين مادة (كنز)، ويمكن أيضاً مراجعة مجمع البحرين للطريحي الذي وضعه كـ تفسيرٍ للقرآن الكريم بنحو المعجم اللغوي، يراجع مجمع البحرين، الجزء الرابع، صفحة اثنين وثلاثين، وغيرهما من المعاجم اللغوية التي فسرت كنزت المال كنزاً من باب ضرب يضرب أي جمعته وأدخرته فيؤخذ فيه عنوان قصد الإدخار.

ولكن لا إشكال ولا ريب إنه بحسب الإطلاقات العرفية وبحسب الاستعمالات عند العرف العام فإن الكنز يشمل مطلق المدفون سواء كان عن قصد أو لم يكن عن قصد كما يقال لمن وجد مالاً في الأرض وإن كان بواسطة الزلزال أو الخسف وغير ذلك يقال إنه وجد كنزاً من دون وجود أي عناية.

فمثلاً لو كانت قرية ظالمة فجاءها بأسنا وغضب الله عليها وقلب عاليها سافلها ثم بعد ذلك حصل زلزال ووجد شخصٌ كنزاً أو مالاً فإن العرف يرى صدق عنوان الكنز على هذا المال أم لا؟

قطعاً أن العرف يرى أنه كنز مع أن صاحب المال الذي باد لم يكن يقصد الإدخار فاللفظ بحسب الإطلاقات العرفية أعم من قصد الإدخار وعدم قصد الإدخار والشارع سيد العرف فإذا أطلق الشارع لفظاً كـ لفظ الكنز فإنه يحمل على المتفاهم العرفي ومن الواضح أن العرف لا يشترط قصد الإدخار في صدق عنوان الكنز.

ولو سلمنا جدلاً وقلنا إن عنوان الكنز أخذ فيه الإدخار قال تعالى (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله) يكنزون يعني يدخرون ويحتفظون، فلو تنزلنا جدلاً وقلنا أن عنوان الكنز قصد فيه قصد الإدخار فحينئذٍ أو لا أقل من الشكّ أنه قد يكون قصد الإدخار معتبراً في صدق عنوان الكنز فمع عدم وجود قصد الإدخار أو الشكّ فيه يشك في ثبوت الخمس.

قلنا نتمسك بما ورد من الروايات التي ذكرت عنوان الركاز والركاز إشارة إلى الشيء المركوز ومن الواضح أن الكنز الذي لم يقصد إدخاره هو مال مركوز في الأرض فيخمس من جهة الركاز فقد ورد تخميس الكنز بعنوان الركاز في عدة روايات نذكر روايتين معتبرتين وروايتين ضعيفتين:

الرواية الأولى صحيحة زرارة وقد تقدمت.

والرواية الثانية معتبرة زيد بن علي عن آبائه ـ عليهم السلام ـ قال قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ (العجمام جبار) إلى أن يقول (وفي الركاز الخمس).

وسائل الشيعة، الجزء تسعة وعشرين، صفحة مئتين واثنين وسبعين، الباب اثنين وثلاثين من أبواب موجبات الضمان، الحديث الخامس.

الرواية الثالثة رواية الحرث بن حصيرة المتقدمة.

الرواية الرابعة رواية عبيد بن سلام بإسنادٍ متصلٍ إلى النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ أنه كتب لوابل بن حجر الحضرمي ولقومه ـ أهل اليمن أهل حضرموت في اليمن ـ من محمد بن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ إلى الأقيال العباهلة من أهل حضرموت بإقام الصلاة إلى أن يقول وفي السيوب الخمس.

قال الصدوق قال أبو عبيد والسيوب الركاز.

يراجع وسائل الشيعة للحرّ العاملي الجزء التاسع صفحة مئة وسبعة عشر الباب ستة من أبواب زكاة الأنعام الحديث الرابع.

والعمدة من الروايات الروايتان الأولتان صحيحة زرارة ومعتبرة زيد بن علي وأما الأخيرتان فضعفتان والرواية الثانية رواية زيد بن علي هي العمدة في استدلال العامة على وجوب الخمس في الكنز والركاز في اللغة كـ كتاب بمعنى المركوز أي المدفون والركز الصوت الخفي.

يراجع مجمع البحرين للطريحي الجزء الرابع صفحة واحد وعشرين مادة (ركز).

ومنه قوله تعالى (أو تسمع له ركزا) سورة مريم آية ثمانية وتسعين والمعنى مطلقٌ من دون تقييده بالقصد، معنى الركاز مطلق غير مقيد (أو تسمع لهم ركزا) يعني لا تسمع لهم حتى صوتاً خفياً.

ويؤيد ذلك ما ورد في صحيحة علي بن يقطين من أن تفسير الركاز بالصامت المنقوش هذه الرواية وردت في الكافي والتهذيب والاستبصار ونقلها صاحب الوسائل وسائل الشيعة الجزء التاسع صفحة مئة وأربعة وخمسين الباب ثمانية من أبواب زكاة الذهب والفضة الحديث اثنين.

يراجع فروع الكافي الجزء الثالث صفحة خمسمئة وثلاثة عشر كتاب الزكاة الباب مئتين وتسعة وسبعين الحديث ثمانية، وتهذيب الأحكام للشيخ الطوسي الجزء الرابع صفحة إحدى عشر الحديث سبعة عشر، والاستبصار للشيخ الطوسي الجزء الثاني صفحة ستة الحديث ثلاثة عشر.

الركاز هو المال المركوز والثابت في الأرض سواء كان مع قصد الإدخار أو لم يكن مع قصد الإدخار.

مداخلة..

يشمل أيضاً المعدن الركاز كما يصدق على الكنز يصدق أيضاً على المعدن، يعني يصير العنوان الخاص للتخميس الركاز قد يكون كنزاً وقد يكون معدناً فمع وجود هذا العنوان لا مجال للتشكيك في الحكم ولا مجال لاعتبار واشتراط قصد الإدخار.

هذا تمام الكلام في الجهة الأولى واتضح أنه سواء تمسكنا بعنوان الكنز أي المال المكنوز أو تمسكنا بعنوان الركاز أي المال المركوز لم يثبت اشتراط قصد الإدخار في صدق كلا العنوانين.

الجهة الثانية دفن الكنز في الأرض

هل يعتبر ويشترط أن يكون الكنز مدفوناً في الأرض أو لا يعتبر فيشمل كل ما كان مستتراً ومخفياً كما لو أخفي في الجبل أو الشجر أو الجدار أو غير ذلك مما لا يكون في معرض التناول فقد يكون في صدوق في معرض التناول فحينئذٍ يصدق عليه عنوان اللقطة ولا يصدق عليه عنوان الكنز.

ولكن لو كان الصندوق مستتراً كما لو كان في جوف الأرض أو في كهفٍ مغلق فحينئذٍ يصدق عليه عنوان الكنز.

ظاهر التقييد في كلمات جملة من الفقهاء واللغويين اشتراط أن يكون في باطن الأرض، بل صريح الشيخ جعفر كاشف الغطاء هو اشتراط أن يكون مدفوناً في الأرض.

يراجع كشف الغطاء الجزء الرابع صفحة مئتين واثنين فقد حكم بعدم وجود الخمس في المدفون في غير الأرض ودخوله في حكم اللقطة.

لكن الصحيح هو التعميم لأن الكنز لغةً وعرفاً لا يختص بالمدفون في خصوص الأرض بل الملاك كونه مستوراً ومخفياً سواء كان مستوراً في الأرض أو الجدار أو الجبل أو تحت البحر أو داخل الشجر أو الحجر أو المدر فخصوصية المكان لا دخل لها بل المدار كونه مستوراً عن الأعين لا يمكن الوصول إليه.

فبعض البخلة الذين جمعوا أموال شقى عمرهم ووضعوه في الجدار وسدوا عليه فلما ماتوا وباد أهل المنطقة جاء أحدهم فاتكأ على الجدار فسقط وبان الذهب والفضة والأموال أولا يصدق عليه أنه عثر على كنز؟! من الواضح بحسب الصدق العرفي يصدق عليه أنه حصل على كنز.

نعم إذا كان في موضع يمكن العثور عليه بسهولة كالصندوق ونحو ذلك في هذه الحالة لا يصدق عليه أنه كنز بل يدخل تحت عنوان اللقطة.

هذا تمام الكلام في الجهة الثانية واتضح أنه لا يشترط أن يكون الكنز مدفوناً في نفس الأرض بل يشترط أن يكون مستوراً عن الأعين سواء كان في الأرض أم في غيرها.

الجهة الثالثة هل يختص الكنز بخصوص الذهب والفضة المسكوكين بسكة المعاملة أم يشمل مطلق الذهب والفضة بل مطلق الجواهر سواء كان الذهب والفضة مسكوكين بسكة المعاملة أم لا؟

قال صاحب العروة ـ رحمه الله ـ ما نصّه:

سواء كان من الذهب أو الفضة المسكوكين أو غير المسكوكين أو غيرهما من الجواهر.

انتهى كلامه زيد في علو مقامه.

الأقوال في المسألة:

ذهب مشهور القدماء إلى اشتراط أن يكون الذهب والفضة مسكوكين بسكة المعاملة فإذا كان الكنز من الذهب غير المسكوك ثبت فيه وجوب الخمس من باب مطلق الفائدة لا من باب العنوان الخاص وهو الكنز، والثمرة تظهر في استثناء المؤونة وفي وجوب التخميس بعد حلول الحول.

فبناءً على تخميس الخمس بعنوانه يجب تخميسه فوراً هذا أولاً.

وثانياً لا تستثنى المؤونة.

وثالثاً يشترط فيه بلوغ النصاب.

وأما إذا قلنا بوجوب تخميس الكنز لا من جهة عنوان الكنز الذي هو المورد الثالث من موارد التخميس أي ليس من جهة العنوان الخاص بل من جهة العنوان العام العنوان السابع مطلق الفائدة فحينئذٍ لا يشترط فيه النصاب فيجب تخميسه قل أم كثر، ولا يجب تخميسه فوراً بل يثبت فيه الخمس بعد حلول الحول ويستثنى منه مؤونة الإخراج.

إذاً القول الأول ما ذهب إليه مشهور القدماء من اشتراط أن يكون الذهب والفضة في الكنز مسكوكين بسكة المعاملة.

وذهب مشهور المتأخرين إلى عدم الاشتراط ووافقهم السيد الماتن إذ قال المسكوكين أو غير المسكوكين، فذهب مشهور المتأخرين إلى أن عنوان الكنز يشمل مطلق الجواهر والأموال الثمينة.

وإذا رجعنا إلى العرف العام فمن الواضح أن عنوان الكنز يصدق على مطلق المال الثمين سواءً كان مسكوكاً بسكة المعاملة أم لا وسواء كان فضة أم لا، فمن عثر على شيء في باطن الأرض وحاوية ولكن فيها ملابس قديمة هل يقال له أنه عثر على كنز؟ بل يقال له بئساً لحظك، لكن لو عثر على ألماس وعقيق وجواهر مذخورة من غير الذهب والفضة لكنها ثمينة كالألماس الذي هو أثمن من الذهب والفضة أولا يرى العرف بأنه قد وقع على كنز ثمين.

إذاً من الواضح أنه بحسب الاستعمالات العرفية يطلق الكنز على مطلق الجواهر والأموال الثمينة بل هذا ظاهر كل من فسر الكنز بالمال المذخور والمكنوز.

والروايات كلها مطلقة ولم يرد فيها التقييد بشيء خاص لم يرد أنه الكنز من الذهب والفضة المسكوكين بسكة المعاملة.

ومن هنا تمسك المشهور المتأخرين بإطلاق الروايات الواردة في الكنز والركاز فإنها غير مقيدة بالمسكوكين بسكة المعاملة ولكن على الرغم من ذلك مال المحقق الهمداني وتبعه السيد محسن الحكيم وسيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي إلى القول باشتراط أن يكون الذهب والفضة مسكوكين بسكة المعاملة فإذا كان الكنز من الذهب والفضة غير المسكوكين أو من جواهر أخرى وجب تخميسه من باب مطلق الفائدة لا من باب العنوان الخاص وهو عنوان الذهب.

يراجع مصباح الفقيه للمحقق الهمداني الجزء الرابع عشر صفحة سبعة وأربعين وواحد وخمسين، مستمسك العروة الوثقى للسيد الحكيم الجزء التاسع صفحة مئة وثمانية وستين، المستند في شرح العروة الوثقى كتاب الخمس صفحة سبعة وسبعين.

تفصيل الكلام في دليل مشهور المتقدمين ودليل مشهور المتأخرين وبيان ما هو الصحيح؟ يأتي عليه الكلام.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo