< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/06/12

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس الرابع والخمسون: تبعية المعدن للمستخرج إذا استخرج من تخوم الأرض

كان الكلام في المسألة الثامنة من كتاب الخمس من العروة الوثقى وكان الكلام في القسم الثاني وهو فيما لو استخرج المستخرج معدناً من أرض غيره فهل يثبت المعدن لصاحب الأرض أو يثبت المعدن للمستخرج.

القول الأول هو الذي يظهر من القدماء أن المعدن تابعٌ للأرض مطلقاً.

القول الثاني إن التصرف بهذا المعدن منوطٌ بإذن الحاكم الشرعي.

بالنسبة إلى القول الأول ذهب السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ إلى التفصيل فقال بالنسبة إلى ظاهر الأرض فالمعدن تابعٌ لمالك الأرض وأما تخوم الأرض وأعماقها كما أن فضاء الأرض في الجو الواسع مما يعد في العرف ليس تابعاً لها فهذا لا يكون المعدن تابعاً للأرض وإنما يكون تابعاً للمستخرج.

وما أفادة السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ هو الصحيح وتبعه تلميذه الوفي شيخنا الأستاذ سماحة آية الله الشيخ مسلم الداوري ـ حفظه الله ـ في كتاب الخمس في فقه أهل البيت الجزء الأول صفحة ثلاثمئة واثنين وثلاثين وما بعدها.

وحاصل ما ذكره السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ يرجع إلى دعويين:

الدعوى الأولى إن الطبقات العالية القريبة من ظاهر الأرض تابعة لملكية الأرض ويملكها صاحب الأرض لا من باب الحيازة بل من باب التبعية.

الدعوى الثانية إن الطبقات السافلة البعيدة عن ظهر الأرض كما أن الطبقات العالية البعيدة في الجو تبقى على إباحتها الأصلية ويملكها من أحياها لعدم الدليل على تبعية تخوم الأرض والفضاء العالي لمالك الأرض.

اليوم إن شاء الله نعمق هاتين الدعويين..

أما الدعوى الأولى وهي الطبقات العالية القريبة من ظاهر الأرض فهي تابعةٌ لظاهر الأرض فهي دعوى تامة ويدل عليها مضافاً إلى السيرة العقلائية القائمة ما ورد في صحيحة الصفار على ما رواه الشيخ الطوسي في التهذيب.

كتب محمد بن الحسن الصفار إلى أبي محمد ـ عليه السلام ـ في رجلٍ اشترى أرضاً بحدودها الأربعة وفيها زرعٌ ونخلٌ وغيرهما من الشجر ولم يذكر النخل ولا الزرع ولا الشجر في كتابه وذكر فيه أنه قد اشتراها بجميع حقوقها الداخلة فيها والخارجة منها أيدخل الزرع والنخل والأشجار في حقوق الأرض أم لا؟

فوقع ـ عليه السلام ـ إذا ابتاع الأرض بحدودها وما أغلق عليه بابها فله جميع ما فيها إن شاء الله.

تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي الجزء السابع صفحة مئة وخمسة وعشرين الحديث ستة مئة وثلاثة عشر ونفس التهذيب الجزء السابع صفحة مئة وواحد وأربعين الحديث ستة مئة وخمسة وثمانين.

ورواه الحرّ العاملي في وسائل الشيعة الجزء ثمانية عشر صفحة تسعين الباب تسعة وعشرين من أبواب أحكام العقود الحديث الأول.

والظاهر من قوله ـ عليه السلام ـ فله جميع ما فيها يدل على شموله لتوابع الأرض وتدخل في ملك المشتري.

إذاً الدعوى الأول ناظرة إلى توابع الأرض وفي الغالب تذكر الجهات الأربعة اليمن واليسار والشمال والجنوب يعني شمال وجنوب وشرق وغرب ولم يكن متعارفاً في الأزمنة القديمة أن يذكر الفضاء العالي وتخوم الأرض.

وأما الدعوى الثانية وهي الناظرة إلى تخوم الأرض والطبقات السافلة في الأرض كفرسخ أو فرسخين أو أكثر وكذلك الفضاء العالي في الجو.

فمفاد الدعوى الثانية أنها تبقى على إباحتها الأصلية ويملكها من أحياها لعدم الدليل على تبعية الفضاء العالي وتخوم الأرض لنفس الأرض إذا لم يعدا عرفاً من توابع الأرض.

فيمكن تأييد هذه الدعوى الثانية بأنه وإن لم تجري سيرة العقلاء عليها ولم يرد عن الشرع ذكر لذلك عند انتقال الأرض فلم يرد تعيين الحدّ والحريم من الجهتين العليا والسفلى مع أنه ورد تحديد الحريم من الجهات الأربع الشمال والجنوب والشرق والغرب.

إلا أن معنى ذلك ليس هو أن الحدّ الأعلى يمتد إلى عنان السماء وإلى تخوم الأرض بل ينصرف إلى ما هو المتعارف وليس المتعارف عبارة عن أمر يؤخذ بالتشهي وليس المتعارف مجملاً ويؤخذ جزافاً وله ملاك معين.

فالسؤال ما هو ملاك العرف؟

الجواب ملاك العرف مقدار حاجة مالك الأرض الذي يستلزم الإخلال به وقوع مالك الأرض في الضرر لو لم يكن ذلك الشيء تابعاً للأرض وأما المقدار الزائد على ذلك بحيث لو قلنا بعدم تبعيته للأرض لا يوجب دخول الضرر على مالك الأرض فهذا ليس تابعاً للأرض وليس من حدودها وليس تابعاً لملكيتها.

وهذا يختلف باختلاف المالك فلو كان المالك شخصاً عادياً لقلنا إن مقدار عبور الطائرات والهلوكبتر لا يكون داخلاً تحت ملكه كما أن مقدار حفر بئر النفط والمناجم أيضاً لا يكون تابعاً لأرضه بخلاف ما لو كان المالك دولة من الدول فإن الدولة تملك تخوم الأرض كمناجم الذهب والمعدن وآبار النفط كذلك تملك الغطاء الجوي الذي يكون فيه مسار الطائرات والهلوكبتر لكن الدولة أيضاً لا تملك الفضاء الجوي الذي هو فوق مستوى الطائرات كالفضاء الجوي الذي فيه أقمار صناعية.

إذاً يوجد ملاك وواضبط يحدد التبعية للأرض وهو ما يعد عرفاً تابعاً للأرض وقد أخذ في الملاك أمران:

الأمر الأول مقدار حاجة مالك الأرض.

الأمر الثاني أن لا يلزم وقوع الضرر عليه إذا قلنا بعدم التبعية لأرضه.

الحق والإنصاف إن ما ذكره سيدنا الخوئي والشيخ الأستاذ الداوري عرفي جداً والشاهد على ذلك يقول شيخنا الأستاذ الداوري أنه لا تقع المعاملة على الزائد بالبيع أو الشراء أو الهبة أو غير ذلك كما لو كانت الأرض مسجداً فلا يحكم بتنجيسه أو حرمة دخول الجنب فيه وهكذا لو افترضنا أن شخص اشترى مقداراً من رأس الجبل فلا يقال لمن تصرف في سفح الجبل ببناء ونحوه أنه تصرف في ملك الغير ولا يعد السفح داخلاً في ملكه.

مثال المسجد هذه الأرض لمسجد افترض كيلو متر كامل مسجد هل يجوز للمجنب أن يصعد طائرة ويمر فوق أرض المسجد أم لا يجوز؟! فإذا قلنا إن المسجد إلى عنان السماء لا يجوز له أن يصعد الطائرة ويمر على أرض المسجد وهكذا لو حفرنا منجماً وهذا المنجم يمر تحت أرض المسجد وهذا المنجم على بعد خمسة فراسخ خمسين كيلو متر تحت الأرض وهذا المجنب لا يدخل من الأرض يدخل من نفق خارج الأرض فهل يجوز له أن يمكث في هذا المنجم تحت أرض المسجد؟!

العرف لا يرى أن هذا المنجم من توابع أرض المسجد ولا يرى أن الفضاء الجوي تابع للمسجد بل لو التزمنا بذلك أن امتداد الأرض إلى عنان السماء وإلى تخوم الأرض يلزم التزاحم في الملكية لمن يملك الجهة المقابلة في الطرف الآخر من الأرض وذلك لمقتضى كروية الأرض فإذا التزمنا بأن الأرض كروية يعني مقابل هذه الأرض توجد أرض أخرى مقابلها بقعة أخرى وهذا لا يمكن الالتزام به.

وهكذا القول بالنسبة إلى الفضاء فما كان بمقدار الحاجة فهو حقّ لصاحب الأرض وتابع لملكه وما زاد فلا يكون ملكاً له.

فإذا أراد شخص أن يبني بناء في الفضاء فوق أرض المالك بحيث يمنع الهواء أو يحجب ضوء الشمس أو غير ذلك من المنافع والحقوق المستفادة من الفضاء عدّ غاصباً ولا يجوز له التصرف هذا الفضاء بمقدار دخول الشمس ودخول الهواء ملك لصاحب الأرض.

وأما إذا لم يلزم منه الضرر كامتداد الأرض عند مسير الطائرات فهذا لا يخل بأي شيء من منافع الأرض بحيث لو على امتداد هذه الأرض أطلقوا قمر صناعي بحيث يبين كالنجمة وممكن لا يظهر فلا يعد من وضع القمر الصناعي أو جال بطائرته متصرفاً في أرض ملك الغير.

والحاصل بالنظر إلى الملاك المذكور وهو مقدار الحاجة بحيث لا يترتب ضرر على مالك الأرض عند التصرف في الامتداد يختلف الحال بالنسبة إلى الأملاك والمالكين فإن كان المالك الدولة فتوابع ملكها من أعماق الأرض وأجواءها أكثر مما كان للمالك الشخصي إذا كان من سائر الناس.

لذلك استطراق الطائرات أجواء دولة أخرى يعد خرقاً للمجال الجوي وتجاوز على الحدود ولا بدّ من الإذن والاتفاق وذلك لأنه ربما يوجب الضرر والإخلال بملك الدولة ولكن لو كانت تلك الطائرات مرتفعة جداً بحيث لا تعد ضرراً على الدولة كالأقمار الصناعية والمركبات الفضائية فلا يعد ذلك تجاوزاً على حريم الدولة وتصرفاً في ملكها.

وهكذا الحال بالنسبة إلى أعماق الأرض كآبار النفط وبحيرات المياه الموجودة في جوف الأرض كلها تعد من توابع الدولة وإن كانت عميقة جداً ولا حقّ لدولة أخرى في التصرف فيها من دون إذنٍ مسبق أو اتفاق مبرم بين الدولتين.

الشيخ الداوري بعد حديث بعد جاء بأمور حديثة.

وعليه فملاك السيرة العقلائية في عدّ شيء تابع لملكية الأرض وعدمه إنما هو إذا كان معلوماً يعني علم أنه تابع لها وبالتالي لا يشكل إن الإحالة على العرف إحالة على أمر مجهول ومبهم بل الإحالة إلى نظر العرف إحالة إلى أمر معلوم وهو مقدار حاجة صاحب الأرض.

يقول الشيخ الداوري:

ومن هذا كله يمكن تأييد ما ذكره السيد الأستاذ ـ قدس سره ـ بأن هذا التفصيل موافقٌ للسيرة لا أنه من باب القدر المتيقن منها.

هذا الفارق بين نظر شيخنا الأستاذ الداوري وبين سيد أساتذتنا السيد الخوئي فالسيد الخوئي قال السيرة العقلائية ليست دليلاً لفظياً وإنما هي دليل لبي فنقتصر فيه على القدر المتيقن والقدر المتيقن هو ظاهر الأرض دون تخوم الأرض والفضاء الجوي.

شيخنا الأستاذ الداوري يقول نحن ندعي أن السيرة العقلائية قائمة على التفصيل فالعقلاء يفصلون بين ما يعد تابعاً للأرض بحيث التصرف فيه يوجب دخول الضرر على المالك لحاجته إلى توابع الأرض وبين ما لا يعد من توابع الأرض كتخوم الأرض وعنان السماء.

الإنصاف هذا الارتكاز قد يكون موجوداً لكن دعوى أن هذه السيرة موجودة في القدم ليس موجود هكذا سيرة أيام الأئمة ـ عليهم السلام ـ يعني هذه سيرة حادثة وليست سيرة متصلة بزمن المعصومين ـ عليهم أفضل صلوات المصلين ـ .

وبالتالي ما ذكره سيد أساتذتنا السيد الخوئي هو المحكم لأن ملاك حجية السيرة ليس هو نفس السيرة وإنما إمضاء المعصوم ـ عليه السلام ـ لهذه السيرة فالسيرة عبارة عن سلوك عملي هذا السلوك القدر المتيقن منه هو ظاهر الأمر أما باطن الأرض والفضاء الجوي للأرض لا توجد هكذا سيرة.

نعم ما ذكره شيخنا الأستاذ الداوري فهم عرفي في زماننا الحاضر وأما دعوى أن السيرة قائمة عليه فقد يمكن الجزم بأن السيرة الحديثية قائمة عليه ولكن لا توجد سيرة قديمة هذا تمام الكلام بالنسبة إلى الدليل الأول.

قلنا يوجد دليلان على القول الأول:

الدليل الأول التمسك بالسيرة العقلائية على تبعية تخوم الأرض للأرض.

الدليل الثاني التمسك بما ورد في الكعبة الشريفة من أنها قبلة من موضعها إلى السماء.

وقد ذكرنا روايتين وقد أشكل السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ بأن الرواية ضعيفة من جهة السند وخاصة بخصوص الكعبة من جهة الدلالة.

وما ذكره السيد الخوئي تامٌ من جهة الدلالة وفي محله إذ أن ما ذكر لم يرد في غير الكعبة فهو خاص بالكعبة الشريفة ولا يشمل جميع البقاء والأراضي وأما من حيث السند فالرواية الأولى موثقة فهي معتبرة السند والرواية الثاني هي من مرسلات الصدوق الجازمة وشيخنا الأستاذ الداوري يرى حجية مراسيل الصدوق الجازمة بل يرى صحة جميع روايات من لا يحضره الفقيه.

إلا أن السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ لا يلتزم بكلا المبنيين لا يرى حجية جميع روايات الكتب الأربعة ولا يرى حجية مراسيل الصدوق مطلقاً سواء كانت جازمة أم غير جازمة، والسيد الإمام الخميني ـ رحمه الله ـ أيضاً يرى التفصيل يرى حجية مراسيل الصدوق الجازمة التي بعنوان قال الصادق ـ عليه السلام ـ دون مراسيل الصدوق غير الجازمة.

الشيخ الداوري ـ حفظه الله ـ يرى حجية مراسيل الصدوق مطلقاً لأن ديباجة الصدوق في من لا يحضره الفقيه تشمل جميع رواياته قال ـ رحمه الله ـ :

وجميع ما فيه مستخرجٌ من كتبٍ مشهور عليها المعول وإليها المرجع كـ كتاب حريز بن أبي عبد الله السجستاني إلى آخر الديباجة.

وأيضاً في مقطع آخر يقول:

أفتي به وهو حجة فيما بيني وبين ربي تقدس ذكره.

إلا أننا لا نبني على حجية مراسيل الصدوق مطلقاً سواء كانت جازمة أو غير جازمة.

هذا تمام الكلام في الدليلين واتضح أن كلا الدليليين لا يثبتان دعوى القدماء فالتمسك بالسيرة العقلائية على التبعية لا يثبت دعوى القدماء والتمسك بالرواية الشريفة لا يثبت دعوى القدماء إذ أن الرواية الشريفة لو صحة سنداً كما في الموثقة إلا أن دلالتها خاصة بخصوص الكعبة الشريفة ولا تشمل مطلق بقاع الأرض.

هذا تمام الكلام في القول الأول واتضح أن الصحيح القول بالتفصيل وفاقاً لسيد أساتذتنا السيد الخوئي وشيخنا الأستاذ الداوري فنقول إن المعدن تابعٌ للأرض بالنسبة إلى ظاهر الأرض وتوابعها لكن المعدن تابع للمستخرج فيما لا يعد من توابع الأرض كما لو استخرج من تخوم الأرض البعيدة.

هذا تمام الكلام في القول الأول واتضح أن القول الأول صار قولين: قول بالإطلاق وقول بالتفصيل والصحيح هو القول بالتفصيل يبقى الكلام في القول الثاني الذي اشترط إذن الإمام ـ عليه السلام ـ أو الحاكم الشرعي في جواز التصرف بالمعدن.

أدلة القول الثاني يأتي عليها الكلام.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo