< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/06/10

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس الثالث والخمسون: المسألة الثامنة تبعية المعدن للأرض أو المخرج

قال السيد محمد كاظم اليزدي ـ قدس سره ـ في العروة الوثقى لو كان المعدن في أرضٍ مملوكه وهو لمالكها وإذا أخرجه غيره لم يملكه بل يكون المخرج لصاحب الأرض وعليه الخمس من دون استثناء المؤونة لأنه لم يصرف عليه مؤونة.

المعدن المستخرج من الأرض على أربعة أقسام:

القسم الأول المعدن المستخرج من المعدن الشخصي.

القسم الثاني المعدن المستخرج من ملك الغير.

القسم الثالث المعدن المستخرج من أرضٍ هي ملكٌ لعامة المسلمين كـ الأراضي المفتوحة عنوة العامرة حال الفتح.

القسم الرابع المعدن المستخج من أرضٍ هي ملكٌ للإمام ـ عليه السلام ـ كـ الأراضي الموات حال الفتح.

أما القسم الأول وهو المعدن المستخرج من الملك الشخصي فالحكم فيه واضح فلا إشكال في أن المعدن ملكٌ لصاحب الأرض الذي أخرج المعدن من أرضه ويجب عليه إخراج المعدن إذا توفرت الشرائط المتقدمة كـ بلوغ النصاب عشرين ديناراً.

وأما القسم الثالث وهو المعدن المستخرج من أرضٍ هي ملكٌ لعامة المسلمين فهذا ما سيأتي في المسألة التاسعة التي تلي هذه المسألة الثامنة.

وأما القسم الثاني وهو المعدن الذي يستخرج من أرضٍ هي ملكٌ شخصي لغيره فهي ما بحث في المسألة الثامنة وهي موطن بحثنا والظاهر عدم الخلاف بين القدماء في أن المعدن ملكٌ لصاحب الأرض التي أخرج منها المعدن وليس ملكاً للأجنبي الذي استخرج المعدن من أرضٍ هي ملكٌ لغيره.

وهذا ما يظهر من جواهر الكلام للمحقق النجفي الجزء ستة عشر صفحة اثنين وعشرين، والسيد محمد العاملي في مدارك الأحكام الجزء الخامس صفحة ثلاثمئة وثمانية وستين وغيرهما.

فـ على صاحب الأرض إخراج خمس المعدن إذا توفرت الشروط من دون استثناء المؤونة التي صرفها الغير على أرضه لاستخراج المعدن لأن الغير لم يستخرج المعدن بإذن المالك وصاحب الأرض.

إلا أن سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي ـ أعلى الله مقامه الشريف ـ جاء بتفصيل لهذه المسألة بين المستخرج من ظاهر الأرض الذي يعد تابعاً لها عرفاً وبين المعدن الذي يستخرج من تخوم الأرض بحيث لا يعد عرفاً من توابع الأرض.

فقد أفاد ـ قدس الله نفسه الزكية ـ في المستند في شرح العروة الوثقى كتاب الخمس صفحة ستة وخمسين وسبعة وخمسين بأن ما ذهب إليه القدماء من أن المعدن تابعٌ لمالك الأرض لا المخرج إنما يتم فيما إذا كان المعدن في الطبقات العالية القريبة من ظاهر الأرض وأما الطبقات السافلة البعيدة عن ظاهر الأرض كآبار النفط العميقة جداً بحيث تبلغ الفرسخ أو الفرسخين أو الآبار العميقة المستحدثة أخيراً لاستخراج المياه من عروق الأرض البالغة في العمق والبعد فالحكم فيها بأن المعدن لمالك الأرض مشكلٌ بل ممنوعٌ وإنما هو للمخرج حسب نصّ كلام السيد الخوئي ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ .

يراجع المستند في شرح العروة الوثقى جزء خمسة وعشرين من موسوعة السيد الخوئي صفحة ستة وخمسين.

ثم تطورت هذه المسألة في البحث والتحقيق واتخذت أبعاد مختلفة حتى أن بعضهم أنكر أن يكون المعدن تابعاً لصاحب الأرض مطلقاً بل قال هو للمخرج دائماً واشترط بعضهم إجازة الإمام أو الحاكم الشرعي مطلقاً حتى إذا كان المعدن على وجه الأرض.

ونظراً لهذا التحول في فقه هذه المسألة يحسن التعرض للأقوال في هذه المسألة ولقد أجاد شيخنا الأستاذ الداوري ـ أيده الله ـ في هذه المسألة إذ بحث ما أفاده أستاذه السيد أبو القاسم الخوئي وسائر الأعلام فيمكن مراجعة بحث شيخنا الأستاذ آية الله الشيخ مسلم الداوري الخمس في فقه أهل البيت الجزء الأول صفحة ثلاثمئة وثمانية وعشرين وما بعدها.

الأقوال في المسألة:

القول الأول وهو القول المعروف عند القدماء وهو أن المعدن لصاحب الأرض مطلقاً وليس للمخرج والمستخرج.

ويمكن الاستدلال له بوجهين ذكرهما السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ إلا أن شيخنا الأستاذ الداوري ذكرهما بأسلوب وبيان بديع ومفصل ولقد أجاد وأفاد في توسعه وبيانه.

الوجه الأول التمسك بالتبعية الثابتة بالسيرة العقلائية الممضاة شرعاً فإن العرف والعقلاء يرون أن ما في باطن الأرض وكذا ما على ظهرها من توابعها فهو داخل في ملكية الأرض فإن من ملك أرضاً ملك توابعها وإن كانت في تخومها وبطونها.

فمن يشتري أرضاً أو تنتقل إليه فهو مالك لرقبتها ويتبعها كل ما في بطنها وعلى ظهرها، ولا يختص ذلك بخصوص الطبقة الترابية الرقيقة القريبة من ظاهر الأرض.

وهذه السيرة قوية ومستحكمة وجارية في جميع الأزمنة حتى زمن الأئمة ـ عليهم السلام ـ فهي سيرة متصلة بحياة الأئمة وممضاة من قبلهم ـ عليهم السلام ـ .

ولذلك لم يفرق أحد من الفقهاء في الملك الشخصي فيما إذا كان المخرج هو المالك لم يفرقوا بينما إذا كان المعدن قريب من ظاهر الأرض أو كان بعيداً في باطنها فحكموا بأنه ملكٌ لصاحب الأرض ومن توابع ملكه وعليه خمسه كما في القسم الأول من الأقسام التي ذكرناها لو أخرج المالك المعدن من ملكه الشخصي فقالوا بملكية صاحب الأرض للمعدن مطلقاً من دون أن يفرقوا بين ظاهر الأرض وتخوم الأرض فكذلك نقول في القسم الثاني فيما لو أخرج المستخرج معدناً من ملك غيره فإن المعدن تابع لأرض غيره وليس تابعاً للمستخرج.

الدليل الثاني التمسك بما ورد في شأن الكعبة المشرفة وأنها قبلة للمسلمين من تخوم الأرض إلى السماء كما في موثقة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال سأله رجلٌ قال (صليت فوق أبي قبيس العاص) جبل أبي قبيس (فهل يجزي ذلك والكعبة تحتي؟!) قال (نعم إنها قبلة من موضعها إلى السماء) تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي الجزء الثاني صفحة ثلاثمئة وتسعة وخمسين الحديث ألف وخمسمئة وثمانية وتسعين.

ورواه الحرّ العاملي في وسائل الشيعة الجزء الرابع صفحة ثلاثمئة وتسعة وثلاثين الباب ثمانية عشر من أبواب القبلة الحديث الأول.

واستدل على ذلك أيضاً بما رواه الصدوق مرسلاً وهذه الرواية من مراسيل الصدوق الجازمة قال الصدوق (قال الصادق ـ عليه السلام ـ أساس البيت من الأرض السابعة السفلى إلى الأرض السابعة العليا) كتاب من لا يحضره الفقيه للصدوق الجزء الثاني صفحة مئتين وستة وأربعين الحديث ألفين وثلاثمئة وتسعة عشر.

ورواه الحرّ العاملي في وسائل الشيعة الجزء الرابع صفحة ثلاثمئة وتسعة وثلاثين الباب الثامن عشر من أبواب القبلة الحديث ثلاثة.

وبضم الرواية الثانية إلى الأولى تكون النتيجة أن الكعبة قبلة من تخوم الأرض يعني من الأرض السابعة السفلى إلى السماء أي إلى عنان السماء.

وما نحن فيه من هذا القبيل فإن مالك الأرض كما يملك رقبة الأرض الظاهرة كذلك يملك أعماقها وأجوائها أي من تخوم الأرض إلى عنان السماء هذا تمام الكلام في بيان الوجهين الذين يمكن أن يستدل بهما على قول القدماء.

وقد أجاب سيد المحقق سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي ـ رحمه الله ـ على كلا الوجهين:

أما الوجه الأول وهو التمسك بالسيرة العقلائية على تبعية الأرض وأن الأرض كما تشمل ملكيتها ظاهر الأرض كذلك تخوم الأرض.

فقد ناقش السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ في منشأ التبعية فهذه التبعية إما أن يكون منشؤوها إحياء الأرض أو يكون منشأها مجرد قيام السيرة العقلائية على التبعية وكلا المنشأين لا يدلان على ما ذهب إليه المشهور.

أما المنشأ الأول وهو الالتزام بأن تبعية تخوم الأرض لملكية ظاهر الأرض منشأه إحياء الأرض.

ففيه إن إحياء الأرض وتملك الأرض يوجبان تملك ما في بطنها من المعادن والركائز لأن كل أرض مملوكة بأي سبب من الأسباب لا بدّ وأن تنتهي إلى سبب واحد هو الأصيل في عروض الملكية عليها وخروجها عن الإباحة الأصيلة وهو قصد الإحياء وقصد الحيازة لإحياء الأرض.

وهذا القصد قصد الحيازة والإحياء صادر من أول يدّ وقعت على هذه الأرض.

وعلى ضوء الحيازة والإحياء تتفرع سائر التملكات العارضة على الأرض يداً بيد فيقال بأن إحياء الأرض إحياء لما فيها هذا المنشأ الأول.

المنشأ الثاني أن ندعي أنه مجرد قيام السيرة العقلائية أو سيرة المتشرعة على أن من ملك أرضاً فإنه كما يملك ظاهرها أيضاً فإنه يملك باطنها إلى تخوم الأرض.

فقد قامت السيرة العقلائية والمتشرعية على أن من يملك الأرض يملك جميع ما يتبعها حتى تخوم الأرض فيها فإنه حتى لو لم نلتزم بأن إحياء ظاهر الأرض يشمل باطن الأرض إلا أننا ندعي أن السيرة العقلائية والمتشرعية قامت على ذلك.

وكلا المنشأين لا يساعد على ما نسب إلى القدماء.

أما المنشأ الأول وهو دعوى أن التبعية منشأها إحياء الأرض فهذا السبب لا يستتبع الملكية ولا يؤثر في الخروج عن الإباحة الأصلية إلا في إطار مدلوله ومفاده أي أن الأرض موات ومباحة بحسب الأصل للجميع خرجنا عن الإباحة الأصيلة بمقتضى الدليل الذي دلّ على أنه من حاز ملك وظاهر دليل من حاز ملك أنه يملك مقدار ما يتعلق به الحيازة والإحياء وهو ظاهرٌ في خصوص ظاهر الأرض فإنها المتصفة بالإحياء دون باطن الأرض ولا سيما إذا كانت تخوم الأرض لا تعد من ظاهرها كـ معادن الذهب والفضة والنفط والقير ونحو ذلك فهي باقية على ما هي عليه من الإباحة الأصلية.

إذا المنشأ الأول وهو التمسك بدليل الحيازة لا يساعد على ما ذهب إليه القدماء.

وأما المنشأ الثاني وهو التمسك بالسيرة العقلائية أو سيرة المتشرعة على أن من ملك شيئاً أو ملك أرضاً ملك جميع الأرض بظاهرها وباطنها وتخومها وإن لم يثبت دليل الحيازة ملكية تخوم الأرض.

ففيه إن هذه السيرة وإن كانت قائمة إلا أنه لا إطلاق لها والسيرة دليل لبي لا لسان له فيقتصر فيه على القدر المتيقن والقدر المتيقن من مورد السيرة ما يعد عرفاً من توابع الأرض وملحقات الأرض كالسرداب وبئر الماء وما يكون في عمقه لا يتجاوز حدود الصدق العرف فما يوجد وما يتكون ويستخرج من خلال ما يرى عرفاً أنه تابع فهو تابع لصاحب الأرض.

وأما الخارج عن هذا النطاق فلا يرى العرف أنه تابع لذلك سواء كان في تخوم الأرض أو عنان السماء، فمن قال أن من ملك أرضاً ملك فضائها إلى عنان السماء؟! أوهل نلتزم أنك لا تجيز للطائرات أن تحلق فوق أرضك التي ملكتها؟! أوهل نلتزم أنك تملك جميع ما تحت أرضك إلى لبّ القشرة الأرضية بل إلى آخر الكرة الأرضية من مياه ومعادن وما شاكل ذلك؟!

إذاً المدار على الصدق العرفي فما يراه العرف تابعاً للأرض فما يستخرج منه فهو تابع لمالك الأرض، وأما ما يراه العرف ليس تابعاً للأرض من تخوم الأرض إلى عنان السماء فلا تثبت فيه الملكية لمالك الأرض.

يمثل السيد الخوئي يقول الخارج عن نطاق هذا الصدق كالفرسخ أو الفرسخين من العمق والبعد عن ظاهر الأرض فلا سيرة في مثله ولا تبعيه ولا دليل على نفس الملكية فضلاً عن محتوياتها من المعادن.

الشيخ الداوري يعلق ويقول:

وكذلك الحال بالنسبة إلى الهواء والفضاء فإن القدر المتعارف تابع له دون العالي منها ولذا فإن عبور الطائرات وأمثالها لا يحتاج إلى الإذن في الاستطراق ولا يعد تصرفاً في ملك الغير فيبقى المقدار الزائد من تخوم الأرض وعنان السماء على الإباحة الأصلية.

وكل من وضع يدّه عليه يكون مالك له وإن كان المستخرج غير صاحب الأرض، نعم غايته يكون آثماً وعاصياً في الاستطراق والاستخراج لو لم يكن بإذن صاحب الأرض لأنه ينفذ إلى الأعماق من خلال أرض صاحب الأرض وبالتالي يكون ضامناً لو استلزم نقصاً في الأرض أو استلزم ضرراً على المالك لكن ما يخرجه من الأعماق لا يكون ملكاً لمالك الأرض بل يكون ملكاً للمستخرج.

وأما الدليل الثاني وهو التمسك بما ورد في الكعبة الشريفة فهو دليل خاص بخصوص الكعبة ولا نتعدى إلى غيرها فإن هذا الدليل لم يرد في غير الكعبة مضافاً إلى أن الرواية ضعيفة ولا يمكن الاعتماد عليها.

المستند في شرح العروة الوثقى كتاب الخمس صفحة ستة وخمسين.

وخلاصة وعصارة ما ذهب إليه السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ هو دعويان:

الدعوى الأولى إن الطبقات العالية القريبة من ظاهر الأرض تابعة لملكية الأرض ويملكها صاحب الأرض لا من باب الحيازة بل من باب التبعية لأرضه.

الدعوى الثانية إن الطبقات السافلة البعيدة عن ظاهر الأرض وكذا الفضاء العالي البعيد جداً باقية على إباحتها الأصلية ويملكها من أحياها لعدم الدليل على التبعية.

تنقيح هاتين الدعويين بشكل مفصل ومعمق وفقاً لما أفاده الشيخ الأستاذ الداوري إن شاء الله يأتي عليه الكلام في الدرس القادم.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo