< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/05/15

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع:العروةالوثقى/كتاب الخمس/المسألةالخامسة،للتحقيق في قاعدة الجبّ

 

التحقيق في قاعدة الجب

كان الكلام فيما لو اسلم الكافر وقد ثبت الخمس في عينٍ كالمعدان وقت كفره فهنا إما أن تبقى هذا العين هذه العين بعد إسلامه وإما أن تتلف هذه العين بعد إسلامها.

وفي صورة بقاء العين إما أن نلتزم بقاعدة تكليف الكفار بالفروع كما عليه المشهور وإما أن لا نلتزم، فإذا التزمناه بعدم تكليف الكفار بالفروع فمن الواضح أن الخمس لم يثبت في هذه العين التي كانت عنده أيام كفره.

وأما إذا التزمنا بقاعدة تكليف الكفار بالفروع فهنا مبنيان:

ذهب المشهور إلى عدم وجوب تخميس المعدن فإنهم وإن قالوا بتكليف الكفار بالفروع إلا أنهم قد التزموا بقاعدة الجبّ (الإسلام يجب ما قبله) [1] فقاعدة الجبّ ترفع الخمس الثابت بمقتضى قاعدة تكليف الكفار بالفروع.

وخالف في ذلك المحقق الأردبيلي والخراساني وصاحب المدارك[2] وتبعهم السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ وقالوا بثبوت الخمس في المعدن، وناقشوا في حديث الجبّ سنداً ودلالةً.

مناقشة السيد الخوئي في حديث الجب

نحن اليوم نذكر ما أفاده المحقق سيد أساتذتنا الخوئي ـ رحمه الله ـ في مناقشة سند ودلالة حديث الجبّ وسيتضح إن شاء الله تعالى أن ما أفاده ـ قدسه نفسه الزكية ـ قابل للمناقشة سنداً ودلالة وفاقاً لما أفاده شيخنا الأستاذ آية مسلم الداوري ـ حفظه الله ـ في كتاب الخمس الجزء الأول صفحة ثلاثمئة وثمانية وستين وما بعدها.

تقريب الاستدلال والمناقشة:

أفاد السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ أن حديث الجبّ يمكن مناقشته سنداً ودلالةً أما من ناحية السند فلعدم رواية حديث الجبّ من طرق الإمامية لا في كتب الحديث ولا في كتب الفقه بل حتى الكتب الفقهية الاستدلالية للقدماء كالشيخ الطوسي ومن سبقه ولحقه لا نجد عيناً ولو أثراً لحديث الجبّ نعم رواه ابن أبي جمهور الإحسائي في كتاب عوالي اللئالي أو غوالي اللئالي على قراءة في العنوان عوالي اللئالئ الجزء الثاني صفحة أربعة وخمسين[3] وفي موضع آخر صفحة مئتين وأربعة وعشرين. [4]

ويقول الشيخ الأعظم الأنصاري ـ رحمه الله ـ وقد طعن في المؤلف والمؤلف من ليس من ديدنه الطعن وهو الشيخ يوسف البحراني صاحب الحدائق الناضرة، فقد قال المحقق البحراني الشيخ يوسف في الحدائق الناضرة الجزء الأول صفحة تسعة تسعين في المقدمة السادسة ما نصّه في حق عوال اللآلئ لابن أبي جمهور الإحسائي:

وما عليه الكتاب من نسبة صاحبه إلى التساهل في نقل الأخبار والإهمال وخلط غثها بسمينها وصحيحها بسقيمها كما لا يخفى على من وقف على الكتاب المذكور.

والخلاصة لم يرد حديث الجبّ إلا في كتاب عوالي اللئالي لابن أبي جمهور الإحسائي وهو كتاب غير معتبر بل يوجد تأمل في الكتاب ومؤلفه.

ولو تنزلنا وقلنا إن الرواية ضعيفة إلا أنها مجبورة بعمل الأصحاب فحينئذ يقول السيد الخوئي هذه الدعوة موهونة جداً وغير قابلة للتصديق إذ كيف يحتمل استناد الأصحاب إلى رواية لم يذكروها لا في كتبهم الروائية ولا كتبهم الاستدلالي؟! على أن دعوى الانجبار ممنوعة كبروية.

إذا السيد الخوئي أنكر الصغرى والكبرى ثم جاء بمؤيد على أن قاعدة الجبّ لم تثبت في فقهنا ورواياتنا رواية حلوة رواها الشيخ الطوسي بإسناده عن جعفر بن رزق الله قال (قدم إلى المتوكل رجل نصراني فجر بإمرأة مسلمة فأراد أن يقيم عليه الحدّ فاسلم، فقال يحيى بن أكثم قد هدم إيمانه شركه وفعله، وقال بعضهم يضرب ثلاثة حدود، وقال بعضهم يفعل كذا وكذا، فأمر المتوكل بالكتاب إلى أبي الحسن الثالث ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ الإمام علي الهادي وسؤاله عن ذلك فلما قرأ الكتاب كتب:

يضرب حتى الموت.

فأنكر يحيى ابن أكثم هذا قاضي القضاة الذي ناظر الإمام الجواد ـ سلام الله عليه ـ واسكته الإمام الجواد وأنكر فقهاء العسكر ذلك منطقة العسكر التي كانت عاصمة الدولة الإسلامية آنذاك وقالوا يا أمير المؤمنين سله عن هذا فإنه شيء لم ينطق به كتاب ولم تجئ به السنة.

فكتب إن فقهاء المسلمين قد أنكروا هذا وقالوا لم تجئ به سنة ولم ينطق به كتاب فبين لنا لما أوجبت عليه الضرب حتى الموت.

فكتب ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ بسم الله الرحمن الرحيم ﴿فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون﴾[5] سورة غافر الآية أربعة وثمانين وخمسة وثمانين.

قال فأمر به المتوكل فضرب حتى مات. [6]

الكافي الجزء السابع صفحة مئتين وتسعة وخمسين كتاب الحدود الباب مئة وأربعة وخمسين الحديث اثنين، وتهذيب الأحكام للشيخ الطوسي الجزء العاشر صفحة سبعة وثلاثين الحديث مئة وخمسة وثلاث، ووسائل الشيعة للحر العاملي جزء ثمانية وعشرين صفحة مئة وواحد وأربعين الباب ستة وثلاثين من أبواب حدّ الزنا الحديث الثاني مع اختلاف يسير فيهما في التهذيب والوسائل.

إنصافاً من يقرأ روايات احتجاجات الأئمة ـ عليهم السلام ـ خصوصاً كتاب الاحتجاج للطبرسي وبالأخص احتجاجات الإمام الرضا يشعر ببرودة على القلب تعرف هذا الكلام يعني أنت ما تستطيع أن تستخرج وأن تستدل من القرآن الكريم كيف الإمام ـ عليه السلام ـ ؟! تعرف أن علمه علم لدني وليس علم عادي تعلمه في الكتاتيب.

الشاهد فهذه الرواية صريحة في عدم اعتناء الإمام ـ عليه السلام ـ بمضمون حديث الجبّ وإنما حديث الجبّ حديث معروف عند العامة ومروي من طرقهم ولذا أنكروا على الإمام حكمه ولم يثبت عندنا فحديث الجبّ ساقطٌ لا يمكن الاستناد إليه في حكم من الأحكام.

هذا تمام الكلام في مناقشة السندية.

وفيها نحن نسلم أن هذا الحديث معروف عند العامة ومروي عندهم بعدة طرق لكنه أيضاً ورد في كتب الخاصة كما في تفسير القمي الجزء الثاني صفحة سبعة وعشرين سورة الإسراء آية تسعين، بعد وورد مضمونه في مناقب ابن شهر آشوب مناقب آل أبي طالب فقد نقل عن كتاب شرح الأخبار عن أبي عثمان النهدي أو البدري قال (جاء رجل إلى عمر فقال إني طلقت إمرأتي في الشرك تطليقه وفي الإسلام تطليقتين فما ترى؟ فسكت عمر فقال له ما تقول؟ قال كما أنت حتى يجيء علي بن أبي طالب فجاء علي ـ عليه السلام ـ فقال قصّ عليه قصتك، فقص عليه القصة.

فقال علي ـ عليه السلام ـ هدم الإسلام ما كان قبله هي عندك على واحدة)[7] .

مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشور الجزء الثاني صفحة أربعمئة وخمسة، وشرح الأخبار الجزء الثاني صفحة ثلاثمئة وسبعة عشر الحديث ستمئة وأربعة وخمسين مع اختلاف يسير بل روى هذا الحديث شيخ الطائفة الطوسي ـ أعلى الله مقامه الشريف ـ في كتاب الخلاف في موضعين:

الموضع الأول في مسألة من وجب عليه حدّ من حدود الله كشرب الخمر أو الزنا أو السرقة من المحاربين ثم تاب قبل قيام البينة عليه بذلك حيث قال بسقوط الحدّ بالتوبة، واستدل بوجوه:

منها قوله وروي عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ أنه قال الإسلام يجبّ ما قبله[8] وفي بعضها التوبة تجبّ ما قبلها.

كتاب الخلاف للشيخ الطوسي الجزء الخامس صفحة أربعمئة وثمانية وستين كتاب قطاع الطريق المسألة ثلاثة عشر. [9]

الموضع الثاني في مسألة الجزية على الذمي إذا حال عليه الحول إذا مات أو اسلم فإنه حكم بالسقوط واستدل عليه بقوله ـ صلى الله عليه وآله ـ الإسلام يجب ما قبله[10] ، وقال إنه يفيد سقوطها لأن عمومه يقتضي ذلك.

كتاب الخلاف الجزء الخامس صفحة خمسمئة وسبعة وأربعين كتاب الجزية المسألة الحادية عشرة. [11]

كما أن السيد ابن زهرة في الغنية استدل بحديث الجبّ، فقال ما نصّه:

وإذا اسلم الذمي وقد وجبت عليه الجزية بحلول الحول سقطت عنه بالإسلام بدليل الإجماع المشار إليه ويعارض المخالف بقوله (الإسلام يجب ما قبله)[12] غنية النزول الجزء الأول صفحة مئتين واثنين.

وذكر ابن إدريس الحلي في مناقشة الشيخ الطوسي مسألة الصوم وأنه يجب بشرط الإسلام ما نصّه:

إن أراد بقوله فإنما يجب بشرط الإسلام الصيام فغير واضح لأن عندنا العبادات أجمع واجبة على الكفار وإن أراد بقوله فإنما يجب بشرط الإسلام القضاء والكفارة فصحيح لأن القضاء فرض ثانٍ والكفارة، فقول الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ يسقطهما الإسلام يجب ما قبله والأصل أيضاً براءة الذمة[13] هذا الموضع الأول.

والموضع الثاني لابن إدريس وقال في مناقشة الشيخ الطوسي أيضاً في تفصيله في مسألة من أتى بهيمة فأولج ولم ينزل حيث حكم بوجوب القضاء دون الكفارة.

قال ابن إدريس لما وقفت على كلامه وهذا جده لأمه لما وقفت على كلامه كثر تعجبي والذي دفع به الكفارة به يدفع القضاء إلى أن قال فقد كلفه القضاء بغير دليل وأي مذهب لنا يقتضي وجوب القضاء بل أصول المذهب تقتضي نفيه وهي براءة الذمة والخبر المجمع عليه. [14]

السرائر الجزء الأول صفحة ثلاثمئة وثلاثة وثمانين.

ومن الواضح أنه أراد بالخبر المجمع عليه حديث الجبّ كما لا يخفى، هؤلاء المتقدمون الشيخ الطوسي السيد ابن زهرة وابن إدريس إذا قلنا أنه خاتمة المتقدمين أو بداية المتأخرين.

بعد العلامة الحلي هذا من المتأخرين استدل بحديث الجبّ في أكثر من موضع من التذكرة منها ما ذكره في قضاء الصلاة حيث قال:

وإنما يجب القضاء تبعاً لوجوب الأداء فلا يجب على الصبي والمجنون القضاء وكذا الكافر لقوله ـ عليه السلام ـ الإسلام يجب ما قبله. [15]

تذكرة الفقهاء الجزء الثاني صفحة ثلاثمئة وتسعة وأربعين.

ومنها ما ذكره في الزكاة حيث قال: لو اسلم بعد فوات الوقت سقطت عنه إجماعاً لقوله ـ عليه السلام ـ الإسلام يجب ما قبله. [16]

تذكرة الفقهاء الجزء الخامس صفحة ثلاثمئة وواحد وسبعين.

ومنها ما ذكره في قضاء الصوم حيث قال: فلو فات الكافر الأصلي شهر رمضان ثم أسلم لم يجب عليه قضاؤه بإجماع العلماء لقوله ـ عليه السلام ـ الإسلام يجبّ ما قبله.[17]

تذكرة الفقهاء الجزء السادس صفحة مئة وتسعة وستين، هذا العلامة الحلي.

وأما ابنه فخر الدين فخر المحققين فقد استدل بحديث الجبّ في عدة مواضع أيضاً في كتابه إيضاح الفوائد في شرح القواعد منها ما ذكره في الجزية تعليقاً على قول والده فإن أسلم قبل الأداء سقطت حيث قال أقول:

هذا مذهب الشيخ ـ رحمه الله ـ وابن البراج وابن الجنيد وابن إدريس لقوله ـ عليه الإسلام ـ يجب ما قبله إلى أن يقول:

والأقوى السقوط لأن الجزية أثر الكفر وآثار الكفر يقطعها الإسلام وهي أولى بحكم قوله ـ عليه السلام ـ الإسلام يجب ما قبله.[18]

إيضاح الفوائد الجزء الأول صفحة ثلاثمئة وستة وثمانين.

وعبر المحقق الآردبيلي عن حديث الجبّ بأنه المقبول بين العامة والخاصة[19] ، مجمع الفائدة والبرهان الجزء الثالث صفحة مئتين وستة.

خذّ هذا وقد استدل بحديث الجبّ جمع كثير من الفقهاء غير من ذكرنا بل لا تكاد تعثر على كتاب فقهي استدلالي لم يذكر حديث الجبّ ويستدل به، فمن الغريب جداً ما أفاده سيد أساتذتنا السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ ولم نعرف لما ذكره وجهاً، فإن حديث الجبّ مذكور في كلمات الخاصة كثيراّ وهو مشهور عند العامة.

على أننا لو اعتمدنا على ما ذكره ابن إدريس الحلي والمحقق الآردبيلي لا يبقى مجال للإشكال في سنده، ما هو تعبير المحقق الآردبيلي؟! المقبول بين العامة والخاصة يعني تلقاه الأصحاب بالقبول، وماذا عبر عنه ابن إدريس؟! الخبر المجمع عليه.

بعد يا أخي يا أخي ورد مضمون حديث الجبّ في الكافي الجزء الأول الأصول من الكافي الجزء الثاني صفحة أربعمئة وواحد وستين باب أنه لا يؤاخذ المسلم بما عمل في الجاهلية الحديث الأول والثاني[20] لكن قيد الحديث بالإحسان كما أن حديث الجبّ معتضد بظاهر الكتاب وهو قوله تعالى ﴿قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف﴾[21] سورة الأنفال آية ثمانية وثلاثين فإن مقتضى عموم قوله ﴿ما قد سلف﴾ شموله للأعمال أيضاً.

يبقى الكلام في ورود الحديث في عوالي اللآلي وقد قطعن في المؤلف والمؤلف من ليس ديدنه الطعن وهو الشيخ يوسف البحراني في الحدائق الناضرة ـ رحمه الله ـ لكن شيخنا الأستاذ الشيخ مسلم الداوري ـ حفظه الله ـ حقق كتاب عوالي اللئالئ وقسمه إلى قسمين:

قسم من الروايات معتبرة ولا يبعد أن يكون هذا الحديث منها وقسم من الروايات غير معتبرة وقد نقل ابن أبي جمهور الإحسائيئ حديث الجب في موضعين:

الموضع الأول عوالي اللئالي الجزء الثاني صفحة أربعة وخمسين المسلك الرابع الحديث مئة وخمسة وأربعين. [22]

الموضع الثاني عوال اللئالي صفحة مئتين وأربعة باب الصلاة على الحديث ثمانية وثلاثين. [23]

وفي كل من الموضعين يذكر الحديث تحت عنوان قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ يعني هذه المراسيل الجازمة.

وقد فرق شيخنا الأستاذ الداوري بين تعبير قال وبين تعبير روي فحينما يقال في حديث عن النبي روي عن النبي هذه عبارة عن مراسيل غير جازمة ولكن حينما يقول قال الصادق ـ عليه السلام ـ هذه مراسيل جازمة يراجع ـصول علم الرجال بين النظرية والتطبيق الجزء الأول صفحة ثلاثمئة وأربع وثمانين.

فشيخنا الأستاذ الداوري يفرق بين المراسيل الجازمة وغير الجازمة وكذلك في مراسيل الصدوق، السيد الإمام الخميني ـ رضوان الله عليه ـ فرق بين المراسيل الجازمة قال الصادق ـ عليه السلام ـ وبين المراسيل غير الجازمة في من لا يحضره الفقيه بخمس صيغ روية في حديث في كتاب فلان.

وقد بحثنا هذا الموضوع وأتضح أنه لا موجب للتفرقة بين المراسيل الجازمة وغير الجازمة فجزمه حجة عليه وليس بحجة علينا والمدار على شمول الملاك للكتاب فإن شهادة الصدوق في بداية كتابه وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة وعليها المعول وإليها المرجع ككتاب حريز بن عبد الله السجستاني إلى آخر ديباجة الصدوق ثم الصدوق أول ما يبدأ بثلاثين رواية مرسلة فلا يعقل أنه قد غفل عن ذلك فمن الواضح أن شهادة الصدوق تشمل مراسيله.

وأما كتاب ابن أبي جمهور الإحسائي ففي المؤلف تأمل فضلاً عن المؤلف فهذا لا يوجب اعتبار الرواية ولعل من أدق التعابير ما عبر به سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي الشهرودي ـ رحمه الله ـ إن هذا الحديث من الأحاديث المشهورة فيؤخذ منه القدر المتيقن لأنه لم يردنا بسند صحيح وإنما ورد في الكتب الاستدلالية.

وأما ما ذكره السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ من التأييد برواية جعفر بن رزق الله فهو غير تام لأنه إذا لم تدل الرواية على تقرير الحديث وتثبيته فهي لا تدل على نفيه قطعاً.

الإمام ـ عليه السلام ـ لم يكن ناظراً إلى الحديث لكي ينفيه حتى نأتي بهذه الرواية المؤيدة المؤيدة بل الإمام ـ عليه السلام ـ خصّ الحكم بأن الإسلام بعد الأخذ ورؤية العذاب غير نافع استناداً إلى الآية الشريفة كما يذهب إلى ذلك بعض العامة والعامة يرى أنه إذا اسلم إسلامه ينفعه الإمام كان في مقام بيان هذه الخصوصية.

هذا الملعون لما فجر بالمرأة أراد يتخلص من الحدّ شهر إسلامه الإمام في مقام بيان أن إشهار الإسلام لتلافي العقوبة لا يفيد وهذا أجنبي عن إنكار حديث الجبّ هذا تمام الكلام في المناقشة السندية.

يبقى الكلام في المناقشة الدلالية فقد صرح السيد الخوئي ـ أعلى الله مقامه الشريف ـ أن هذا الحديث قد ورد في كتاب مجمع البحرين للطريحي بمتن آخر وهو قوله (الإسلام يجب ما قبله والتوبة تجب ما قبلها من الكفر والمعاصي والذنوب)[24] .

مجمع البحر الجزء الثاني صفحة واحد وعشرين مادة جبّ.

أتذكر اشتريت هذا الكتاب مع صديق لي في معرض البحرين الدولي قبل تقريباّ خمسة وثلاثين سنة وهذا صاحبي من يجي يشوفه في المكتبة بكم اشترينا مجمع البحرين؟ قلت له مجمع البحرين في المنام هذا مجمع البحرين.

عموماً وهو بهذه الصيغة مو صيغة مجمع البحرين لا بصيغة أنه التوبة تجب المعاصي أجنبية عن المقام لأن الحديث يشير إلى مطلب آخر وهو الغفران عن ذنب الكفر يعني الإسلام يوجب مغفرة ذنب الكفر كما أن التوبة توجب العفو عن سائر الذنوب فيكون الإسلام بعد الكفر نظير الارتداد بعد الإسلام فكما أن الثاني يوجب الحبط ومحو الأعمال السابقة بمقتضى قوله تعالى ﴿لئن أشركت ليحبطن عملك﴾[25] سورة الزمر خمسة وستين فكذلك الأول يوجب العفو عما سبق عما سبق وجبّ ما وقع.

يراجع المستند في شرح العروة الوثقى تقرير كتاب الزكاة للسيد الخوئي الجزء الأول من صفحة مئة وثمانية وعشرين إلى صفحة مئة وواحد ثلاثين. [26]

وقد يشكل على الحديث بأنه يلزم بناء على عموميته تخصيص الأكثر لأن أكثر الأحكام حينئذٍ قد تكون ساقطة كالعقود والإيقاعات والضمانات والحدود وما شاكلها لكن هذا ليس بوارد لأن المراد سقوط خصوص الأحكام المختصة بالإسلام كالصلاة والخمس والزكاة لا مطلق الأحكام المشتركة بين الإسلام وغيره فالحديث ليس بناظر إلى جبّ مطلق الأحكام وإلا موجود البيع والإجارة كما هو موجود في الإسلام موجود في غيره فالحديث ناظر إلى خصوص الأحكام المختصة بالدين الإسلامي فلا يلتفت إلى هذا الإشكال.

ولكن يناقش ما أورده السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ من ناحية الدلالة فيقال إن كان أصل الحديث ما نقله الطريحي في مجمع البحرين واكتفى به المستدلون في موارد كثيرة من الفقه بنقل جزء منه فالإشكال تام ويؤيده ما رواه أحمد في مسنده بسنده عن عمرو بن العاص (الإسلام يجب ما كان قبله من الذنوب)[27] .

مسند الإمام أحمد بن حنبل الجزء الخامس مئتين وأربعة وثلاثين الحديث سبعة عشر ألف وثلاثمئة واثنين وسبعين ولكن هذا بعيد جداً فإن رفع اشتغال الذمة بالتكاليف غير العفو عن الذنوب ولا ملازمتها بينهما، ولو كان البناء أن المراد بحديث الجبّ غضّ الطرف عن الذنوب بعد التوبة والعفو عنها لا وجه لاستدلال الفقهاء بحديث الجبّ في جميع هذه الموارد إذا الفقهاء لم يفهموا من حديث الجبّ هو غفران الذنوب والآثام السابقة في فترة الكفر بل فهموا رفع الأحكام المختصة بالإسلام التي كان الكافر مكلف بها أيام كفره.

ولو سلمنا أن حديث الجبّ يفهم منه التجاوز عن الذنوب السابقة وأن الإسلام بمثابة التوبة يمكن التمسك في المقام بالسيرة القطعية التي استدل بها على سقوط التكليف عن ذمة الكافر إذا كانت العين تالفة.

قلنا شقان إما العين تالفة أو العين موجودة إذا العين تلفت توجد سيرة قطعية بين الفقهاء على سقوط التكليف فيقال إن نفس هذه السيرة التي دلت على سقوط التكليف عند تلف العين يمكن أن يتمسك بها على ماذا؟ سقوط التكليف مع بقاء العين، إذ لم يرد في سيرة النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ ولا سيرة الوصي أنهما سئلا كافراً بعد إسلامه عن أن العين بقيت أو تلفت وأخذ الخمس من الزكاة وأخذ الخمس أو الزكاة إذا بقيت العين وأما إذا تلفت لم يحاسبه هذا ما موجود هذا التفصيل السيرة بناء على اشتغال ذمة الكافر بالزكاة والخمس وهي قائمة على سقوط الزكاة والخمس مطلقاً.

ولكن قد يناقش بأن السيرة دليل لبي يقتصر فيه على القدر المتيقن والقدر المتيقن هو صورة تلف العين.

وكيف كان الأقوى ما ذهب إليه المشهور المنصور فيكون مقتضى التحقيق في قاعدة الجبّ أنها ثابتة بنحو الدليل اللبي لا الدليل اللفظي إذ أن حديث الجبّ لم يرد في كتبنا الروائية إلا في كتاب ابن أبي جمهور الإحسائي وكتب العامة لكنه ورد في كتبنا الاستدلالية كـ كتاب الخلاف للشيخ الطوسي والغنية للسيد ابن زهرة والسرائر لابن إدريس والتذكرة للعلامة الحلي ومجمع الفائدة والبرهان للمحقق الآردبيلي فيتعامل معه معاملة الدليل اللبي الذي يقتصر فيه على القدر المتيقن.

القدر المتيقن مما فهمه الفقهاء من أن الإسلام يجب ما قبله أي يلغي ويزيل الأحكام التي قد توجهت إلى الكافر أيام كفره بناء على قاعدة تكليف الكفار بالفروع.

إلى هنا ثبتت عندنا قاعدتان قال بهما المشهور القاعدة الأولى قاعدة تكليف الكفار بالفروع القاعدة الثانية الإسلام ما قبله يبقى الكلام في القاعدة الثالثة الخمس والزكاة في أموال الصغير والمجنون يأتي عليها الكلام صلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo