< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

44/04/25

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: العروة الوثقى/كتاب لخمس/المسألة الثانية،الكلام في كيفية الجمع بين الروايات المتعارضة إن سلمنا بتماميتها على عدم جواز أخذ مال الناصبي

 

كان الكلام في جواز أخذ مال الناصب قلنا أن الأدلة الدالة على جواز أخذ مال الناصب تامة أبرزها صحيحتان:

الأولى صحيحة حفص عن عبد الله ـ عليه السلام ـ قال خذ مال الناصب حيثما وجدته وأدفع إلينا الخمس. [1]

والثانية صحيحة المعلى بن خنيس عن أبي عبدالله مثل مضمون صحيحة حفص. [2]

والثالثة مؤيدة وهي مرسلة إسحاق بن عمار. [3]

وبهذه الأدلة يتم المطلوب فيثبت جواز أخذ مال الناصب.

وأما الأدلة التي قد يدعى معارضتها وهي الروايات التي على حرمة أموال الخارجين على أمير المؤمنين والناصبين له الحرب في الجمل وصفين والنهروان والتي قد يدعى أن مجموعها ربما يكون متواتراً وفيها المعتبر كرواية مسعدة بن زياد.

فقد اتضح أنها من ناحية الدلالة ليست معارضة للصحيحتين والأدلة الدالة على جواز أخذ مال الناصب.

اليوم إن شاء الله نقول لو سلمنا جدلاً أن الروايات الواردة في أن أمير ـ عليه السلام ـ لم يأخذ مال النصاب والناصبين في حرب الجمل وصفين والنهروان وإن هذه الروايات تدل على عدم جواز أخذ مال الناصب.

وحينئذ تقع المعارضة بين طائفتين من الرواية:

الطائفة الأولى ما دل على جواز أخذ مال الناصب وفيها الصحيحتان.

الطائفة الثانية ما دل على عدم جواز أخذ مال الناصب.

فكيف يجمع بين الروايات المتعارضة؟

ذكر سيدنا الأستاذ السيد محمود الهاشمي الشهرودي ـ رحمه الله ـ ثلاثة وجوه للجمع بنحو طولي وترتبي أي أن الوجه الأول إذا لم يتم يأتي الثاني وإذا لم يتم يأتي الوجه الثالث، تقرير ذلك: [4]

الوجه الأول أن يجمع بينهما بعد التسليم بأن هدر أموال النصاب للإمام ـ عليه السلام ـ خاصة، فهدر مال الناصب إلى خصوص ولي أمر المسلمين لا لكل أحد وهذا ما يناسبه التعبير بقوله (خذّ مال ناصب أينما وجدته) [5] فكأنه أشبه بالإذن الولاية ويشهد على ذلك ما ورد في المرسل بهذا التعبير (ولكن ذلك إلى الإمام) [6] .

ففي مرسلات إسحاق بن عمار قال (لأمرناكم بالقتل لهم ولكن ذلك إلى الإمام) أي أن قتل الناصب مشروط بإذن الإمام ـ عليه السلام ـ وليس لكل أحد.

فإنه ظاهر في أن هدر حرمة مالهم ودمائهم كلها إلى الإمام غاية ما في الأمر أبيح الأول وهو أبيح الأول دون الثاني لمصلحة الحفاظ على حياتهم.

يعني أبيح المال دون الدم يعني كلاهما إلى الإمام ـ عليه السلام ـ مالهم ودمهم الإمام أذن بالإذن الولايتي في خصوص المال دون الدم.

وهذا ظاهر أيضاً ما ورد في بعض الروايات من أن أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ قد سار فيهم بالمن كما صار رسول الله صلى الله عليه وآله في مشركي قريش.

وإن كان يظهر من بعض الروايات أن هذا حكم شرعي ثابت وليس حكم ولايتي وهذا الحكم لا يرتفع إلا من قبل معصوم آخر وهو القائم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف إذا ظهر في آخر الزمان.

أيضاً من الشواهد على ذلك وقد أتعب نفسه سيدنا الأستاذ الهاشمي الشاهرودي في ذكر الحواشي يراجع كتاب الخمس الجزء الأول صفحة سبعة وسبعين وثمانية وسبعين.

من الشواهد ما ورد في رواية السجستاني عن أبي عبدالله ـ عليه السلام ـ لاحظ الرواية هذا قتل لكن بدون إذن الإمام الإمام فرض عليه أن يدفع شياة مما يعني أن القتل موكول إلى الإمام ـ عليه السلام ـ عن أبي عبدالله ـ عليه السلام ـ (إن عبد الله بن النجاشي قال له وعمار حاضر إني قتلت ثلاثة عشر رجلاً من الخوارج كلهم سمعته يبرأ من علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ فسألت عبد الله بن الحسن فلم يكن عنده جواب وعظم عليه وقال أنت مأخوذ في الدنيا والآخرة.

فقال أبو عبد الله ـ عليه السلام ـ وكيف قتلتهم يا أبا بحير.

فقال منهم من كنت أصعد سطحه بسلم حتى اقتله، ومنهم من دعوته بالليل على بابه فإذا خرج قتلته ومنهم من كنت أصحبه في الطريق فإذا خلا لي قتلته، وقد استتر ذلك علي.

فقال أبو عبد ـ عليه السلام ـ لو كنت قتلتهم بأمر الإمام لم يكن عليك شيء في قتلهم ولكنك سبقت الإمام فعليك ثلاثة عشر شاة تذبحها بمنى وتتصدق بلحمها لسبقك الإمام وليس عليك غير ذلك)[7] وسائل الشيعة للحر العاملة باع باثنين وعشرين من أبواب ديات النفس الحديث الثاني.

ومن الواضح في هذا الحديث أن من سبّ أمير مؤمنين ـ عليه السلام ـ فهو مهدور الدم ولم يأخذ الإمام القود منه ولكن لأنه قتل ثلاثة عشر رجل من دون إذن الإمام وقد سبق الإمام حكم الإمام ـ عليه السلام ـ بذبح ثلاثة عشر شاة والتصدق بها.

إذا هذه الرواية ظاهرة في أن القتل موكول إلى الإمام ـ عليه السلام ـ هذا تمام الكلام في الجمع الأول.

الجمع الأول ومن الواضح أنه جمع دلالي فنقول إن الروايات في الطائفة الأولى على جواز أخذ مال الناصب ونقيدها بالطائفة الثانية من الروايات التي دلت على أن أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ لم يأخذ أموال النصاب في حروبه الثلاثة ونجمع بينهما بأن أخذ مال الناصب بإذن الإمام ـ عليه السلام ـ فنقيد ما دل على جواز أخذ الناصب بإذن الإمام ـ عليه السلام ـ هذا الجمع الأول.

وقد يتأمل في هذا الجانب إذ أن الجمع العرفي صناعياً وأصولياً يكون بين دليل مثبت ودليل نافٍ ولا يكون التقييد بين مثبتين.

مثال ذلك لو جاءتنا رواية زيارة الحسين ـ عليه السلام ـ مستحبة وجاءتنا رواية ثانية مثبتة زيارة الحسين ليلة الجمعة مستحبة

سؤال فهل نقيد باستحباب زيارة الحسين بخصوص ليلة الجمعة؟

الجواب كلا، لأن كلا الدليلين مثبتين فنحمله على المطلوب فنقول تستحب زيارة الحسين وتستحب أيضاً زيارة الحسين ليلة الجمعة أي تتأكد زيارة الحسين الجمعة.

حامل المطلق على المقيد فرع التنافي بين الدليلين.

وقد يدعى أنه لا يوجد تنافي بين الطائفتين بأن نقول الطائفة الأولى دلت على جواز أخذ مال الناصب من دون اشتراط إذن الإمام فهي مطلقة وأما الطائفة الثانية فقد دلت على أن الإمام علي ـ عليه السلام ـ لم يأخذ أموال النصاب وهذا أمر يرجع إليه إما بالنسبة إلى ممارسة الحكم الولائي ولا أقل من الشك والإبهام لدينا فنقول يرد علمها إليهم ـ صلوات الله عليهم ـ .

فلا يثبت التنافي بين الطائفة الثانية والطائفة الأولى فلا تصل النوبة إلى المعارضة أو هذا الجمع الأول.

الجمع الثاني لو تنزلنا وقلنا أنه لا يمكن الجمع الدلالي بين هاتين الطائفتين فتصل النوبة إلى المعارضة السندية فيقدم الأقوى سنداً.

وقد يدعى أن الطائفة الثانية متواترة فهي قطعية السند بينما الطائفة الأولى ظنية السند صحيحتان فقط فيقدم الدليل القطعي وهو الطائفة الثانية على الدليل الظني فنحكم بسقوط الروايات الدالة على هدر أموال الناصب عن الحجية إذا لم يصح الجمع الدلالي الأول فنصل إلى المعارضة السندية في الجمع الثاني.

إلا أن هذا الجمع الثاني قابل للمناقشة أيضاً فقد يناقش في ثبوت التواتر ثبت العرش ثم النقش.

ولو تنزلنا وقلنا يوجد تواتر لكننا لا نلتزم بالمعارض الدلالية والجمع أولى من الطرح ولا تصل النوبة إلى التعارض المستقر إذا أمكن تحقيق التعارض غير المستقر ورفع التنافي فالجمع أولى من الطرح وقد أمكن الجمع بين الطائفتين ورجحنا الطائفة الأولى ورجحنا عدم معارضة الطائفة الثانية للطائفتين الأولى.

الجمع الثالث لو تنزلنا وقلنا أولاً لا يمكن الجمع الدلالي كما في الجمع الأول وثانياً سلمنا المعارضة السندية لكننا لم نسلم كونوا الطائفة الثانية متواترة وقطعية فحصل التعارض بين دليلين ظنيين وبالتالي نحكم بالتعارض ثم التساقط ثم نرجع إلى العمومات، ما هي العمومات الموجودة؟

العمومات الفوقانية هي عمومات حرمة المال بانتحال الإسلام كل من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله حرم ماله ودمه عرضه فتكون النتيجة حرمة أخذ مال الناصب وفقاً للجمع الثالث.

هذا تمام الكلام فيه طرق جامع بين الطائفتين وقد اتضح منذ البداية أننا لسنا بحاجة إلى طرق الجمع الثلاثة لأننا لا نرى أن الطائفة الثانية تصلح لمعارضات الطائفة الأولى فنلتزم بما ذهب إليه مشهور المتأخرين من جواز أخذ مال الناصب، إذا نعمل بالروايتين الصحيحتين.

ومن هنا يوجد بحثان:

البحث الأول إن المستفاد من هذه الروايات هل هو حلية مال الناصب بعنوان كونه ناصباً أو من باب كونه مصداقاً للكافر والكافر مهدور المال والدم.

وبعبارة أخرى:

سؤال هدر مال الناصبي هل هو لخصوص عنوان الناصبي أم لاندراج الناصبي تحت عنوان الكافر؟

الجواب الصحيح هو الثاني وتحقيق المسألة في بيان ثلاثة أمور:

الأمر الأول الظاهر من الرواية الأولى والثانية أي صحيحة حفص وصحيحة المعلا بن خنيس خصوص عنوان الناصب إذ جاء فيها خذّ مال الناصب حيثما وجدته وادفع إلينا الخمس.

لكن الظاهر من مرسلة إسحاق بن عمار اندراج الناصب تحته المشرك إذ جاء فيها (مال ناصب وكل شيء يملكه حلال لك إلا امرأته فإن نكاح أهل الشرك) فنتمسك بعموم التعليم وقد جاء في التعليم أن سبب جواز وحلية مال الناصب أن أهل الشرك يجوز أخذ مالهم ولا يجوز نكاح نسائهم.

إذا الأمر الأول التمسك بصريح مرسلة إسحاق بن عمار الدالة على أن حلية أخذ مال الناصب بملاك الكفر فقد استشهد فيها الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ بكلام النبي صلى الله عليه وآله في نكاح الكفار هذا الأمر الأول.

الأمر الثاني يشهد على إدراج عنوان الناصب تحت عنوان الكافر الارتكاز العرفي والمتشرعي على أن موضوع هدر المال والدم هو الكفر كما أن عصمة المال والدم بالإسلام هذا مرتكز عند المتشرعة وعند العرف أن الذي يحقن الدم هو الإسلام (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) كما في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وأن الذي لا يحقنها الكفر.

الأمر الثالث يشهد على إدراج الناصبي تحت عنوان الكافر ولا خصوصية لعنوان الناصبين ما ورد في روايات أخرى من الحكم بكفر الناصب والخارجي وتعداده ضمن سياق الكفار من اليهود والنصارى.

النتيجة النهائية إذا جمعنا هذه القرائن اللفظية كما في روايات عده من اليهود والنصارى ومرسلة إسحاق بن عمار والقرائن اللبية كالارتكازات العرفية والمتشرعية لا يبقى ظهور في الروايات في أن الناصب أخذ بعنوانه موضوعاً خاصاً للحلية ومهدورية الدم والمال في مقابل الكافر عنوان الناصب لم يؤخذ في مقابل الكافر.

وبناء عليك إذا جئنا إلى الجهة الثانية وهي أخذ الخمس من مال الناصب ينبغي أن ينظر إليه أنه ينظر إليه على أنه مال الكافر حكماً وموضوعاً.

البحث الثاني ما المراد بالناصب؟ فلا بد من تحديد مصطلح الناصبي قد تذكر عدة تعاريف.

بيان معنى الناصب في كلام الشيخ يوسف البحراني

الشيخ يوسف البحراني ـ رحمه الله ـ عنده كتاب اسمه الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب هنا باختصار نذكر بعض التعريفات:

التعريف الأول المبغض لأحد المعصومين ـ عليهم السلام ـ ويشهد لذلك التعبير الموجود في جملة من الروايات (بالناصب لنا أهل البيت)[8] وسائل الشيعة باب حداش من أبواب الماء المضاف الحديث الأول وما ورد من (أن حبنا إيمان وبغضنا كفر)[9] وسائل الشيعة الحرة العامة للباب العاشر من أبواب حد المرتاد حديث ثلاثة وعشرين حديث أربعة وعشرين.

التعريف الثاني مطلق من نصب العداء العملي لأهل البيت ـ عليهم السلام ـ وإن لم يكن مبغضاً قد لا يكون حاقداً على الإمام علي أو الأئمة ـ عليهم السلام ـ ولكن في مقام العمل نصب العداوة لأهل البيت ـ عليهم السلام ـ ولو لم يكن في قلبه بغض لعله تشير إليه صحيحة ابن سنان:

(ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت لأنك لا تجد رجلا يقول أنا أبغض محمداً وآل محمد ولكن الناصب من نصب لكم وهو يعلم أنكم تتولون وأنكم من شيعتنا)[10] وسائل الشيعة للحر العاملين الباب الثاني من أبواب ما يجب فيه الخمس في الحديث الثالث.

المعنى الثالث للناصبي من نصب العداوة لأهل البيت وللشيعة أهل البيت كما عليه السيد شهاب الدين المرعوش النجفي في تعليقته على العروة الوثقى ولكن نصب العداوة لشيعة أهل البيت من جهة إتباعهم لأهل البيت ـ عليهم السلام ـ وقد يشهد لذلك هذه الصحيحة صحيحة ابن سنان:

(ولكن الناصب من نصب لكم وهو يعلم أنكم تتولون وأنكم من شيعتنا) [11]

تدل على المعنى السابق واللاحق فيها فقرة تدل على أنه من نصب العداوة لأهل البيت وفيها زيادة من نصب العداوة لأهل البيت وأتبع أهل البيت.

المعنى الرابع من قدم وآخر على أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ فقد نقل ابن إدريس رواية عن كتاب مسائل الرجال عن الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ مفادها (أن من اعتقد إمامة غير المعصوم وتقديمه عليه فهو ناصب)[12] وسائل الشيعة للحر العاملي باب ثمانية وستين من أبواب القصاص في النفس الحديث الرابع.

إلا أن سندها ليس تاما كما أن مفادها يمكن على المخالف المتعصب المبغض.

وقد ذهب الشيخ يوسف البحراني في الحدائق الناظرة في أحكام العترة الطاهرة وكتابه الآخر الدرر النجفية وكتابه الثالث الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب إلى أن الناصب هو من قدم على أمير المؤمنين يعني لم يجعل أمير المؤمنين خليفة مباشر بعد النبي صلى الله عليه وآله وهو خليفة بلا فاصل فمن فصل بين النبي وعلي فهو ناصبي لدلالة بعض الروايات.

وهكذا ذهب الشيخ حسين العصفور الشيخ حسين العلامة في مختلف كتبه وهذا الرأي معروف عند الأخباريين.

المعنى الخامس للناصبي هو من نصب العداوة لخصوص أئمة أهل البيت تعبداً وديناً فمن عاداهم لمصلحة سياسية أو جهلاً من دون دين يدين الله به فهو ليس بناصبي كما ذهب إلى ذلك السيد أبو القاسم الخوئي ـ رضوان الله عليه ـ .

عموماً تفصيل بيان معنى الناصب ليس هنا محله محله كتاب الطهارة في نجاسة الكافر حينما يبحث ما يلحق بالكفار كالخوارج والغلات والنواصب هذا تمام الكلام في الجهة الأولى من المسألة الثانية يجوز أخذ مال النصاب أينما وجد.

الجهة الثانية لكن الأحوط إخراج خمسه مطلقاً.

الجهة الثانية هل يجب خمس إخراج خمس مال النصاب بملاك الغنيمة بالمعنى الأخص فيثبت الخمس من دون استثناء مؤونة السنة أم من بالبا بالغنيمة بالمعنى الأعم فلا يثبت وجوب الخمس مباشرة وإنما بعد حلول الحول واستخراج مؤونة السنة.

اليوم لله الحمد انتهينا من بيان الجهة الأولى البحث في الجهة الثانية يأتي عليه الكلام وصلى الله على محمدٍ وآله الكرام.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo