< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث العرفان

39/12/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المقامات والأحوال

 

الدرس السادس الأحوال والمقامات

بحث الأحوال والمقامات يعتبر من الأبحاث الهامة في الفكر العرفاني لما للأحوال والمقامات من دور وأثر كبير في عملية السير والسلوك إلى الله “عز وجل” إذ بالمقامات والأحوال يعرف السالك كيفية سيره من خلال معرفة المواطن والمنازل التي يمر بها والحالات التي تعتري السالك وتوصله إلى مقصده النهائي وهو الفناء في الله والوصول إلى مقام التوحيد.

تعريف المقام والحال

تارة يلفظ بالضم مُقام فيراد به الإقامة وتارة يلفظ بالفتح مَقام فيراد به محل الإقامة وكما ورد على لسان زينب "صلوات الله وسلامه عليها" حينما رجعوا في الأربعين لزيارة الحسين وإرجاع الرأس الشريف والإمام السجاد أراد الرجوع إلى المدينة ينقل هكذا إنها قالت مخاطبة الحسين (لو خيروني بين المقام عندك والرحيل لاخترت المقام عندك)[1] ، فالمراد بالمقام الإقامة والمراد بالمقام محل الإقامة وإذا رجعنا إلى اللغة العربية فإن مفهوم محل الإقامة من المقام قد لا يتحصل عليه فيكون هناك خطأ في مفهوم المقام ولكن المعروف والمشهور عند العرفاء أن المراد بالمقام هو الإقامة والمقام هو مكان الإقامة أي أن العارف في سيره وسلوكه إلى الله تبارك وتعالى يرتقي إلى درجات ومنازل فهو يمر من مبدئه ومقصده الأولي إلى مقصده النهائي يمر بعدة مقامات وعدة منازل وعدة درجات ولا يصل إلى هذه الدرجات العالية إلا إذا كان مستوى عبادته كبيراً وكان منقطعا إلى الله وصاحب رياضة عالية.

يقول عبد الكريم القشيري في الرسالة القشيرية[2] المقام ما يتحقق به العبد بمنازلته في الآداب يعني الدرجة التي يتحقق بها يصل إليها، المقام ما يتحقق به العبد بمنازلته في الآداب مما يتوصل إليه بنوع تصرف ويتحقق به بضرب تطلب ومقاسات تكلف فمقام كل أحد موضوع إقامته عند ذاك وما هو مشتغل بالرياضة له وشرطه أن لا يرتقي من مقام إلى مقام آخر لم يستوفي أحكام ذلك المقام.

هناك عدة خصائص للمقام يختلف بها عن الحال نذكر أربعة خصائص للمقام وثلاثة خصائص للأحوال وقبل أن نبين، نبين الفرق بين الحال والمقام.

الحال عبارة عن حالة معنوية تعتري العبد السالك إلى الله “عز وجل” أثناء سلوكه وهذه الحالة غير مستقرة تأتي وتزول فهي عبارة عن فيض الله "عز وجل" ولطفه ومنه ورحمته النازلة على عبده، جاء في الرسالة القشيرية أيضا الحال عند القوم يعني عند العرفاء معنى يرد على القلب من غير تعمد منهم ولا اجتلاب ولا اكتساب لهم في طرب أو حزن أو بسط أو قبض وفي كتاب مصباح الهداية إن الحال عبارة عن شيء يرد في القلب وينزل حينا من العالم العلوي بقلب السالك وعندما يتم ذلك يقع السالك في الجذب الإلهية فيأخذ من المقام الأدنى إلى المقام العلوي والحال لمحات غيبية تحدث في قلب السالك وهي مثل البرق تعبر وليس لها دوام.

الآن نشرع في بيان الخصائص والمقارنة بين الحال والمقام

نضرب أمثلة إلى المقام وأمثلة إلى الحال مثلا أول مقام وأول درجة هي اليقظة، ثاني مقام التوبة إلى أن تصل إلى المقامات النهائية مقام التسليم ثم مقام الرضا ثم مقام التوحيد هذه مقامات درجات منازل يمر بها السالك إلى الله تبارك وتعالى وأما الحال مثلا الولد ألهيا الشك هي أحوال تعتري السالك إلى الله تبارك وتعالى نبين الخصائص، خصائص المقام وما يفترق به عن الحال.

الخصيصة الأولى المقام ثابت مستقر لا يطرأ عليه التغيير بخلاف الحال فإنه لا ثبات فيه ولا استقرار فيه فمن خرج من المرحلة الأولى اليقظة دخل في المرحلة والمقام الثاني وهو التوبة وهكذا يصل إلى مقام التائبين ثم مقام الزاهدين ثم مقام العارفين ثم مقام الصديقين ثم مقام الموحدين فهناك مقامات ودرجات ثابتة ومستقرة يصل إليها السالك بالاكتساب يعني عن طريق التعبد والتهجد وأوراد معينة مواظبة على أذكار معينة يصل إلى هذه المقامات فالمقام ثابت مستقر وعلى العبد أن يدرك تلك المقامات ويجهد في الوصول إليها لذلك قال وإن المقامات مكاسب يعني هي أمور يكتسبها السالك بعمله بخلاف الحال فإنه حالة معنوية غير مستقرة تأتي وتزول وعلى السالك أن ينتظر فيض الله “عز وجل” وفيضان الأحوال من عند الله لكي تحصل له جذبة إلهية ويرى الحقائق الكمالية لذلك قال العارف بن الوقت وهذا إشارة إلى أن العارف الحقيقي ينتظر وقف نزول الحال عليه فيستفيد من هذه الجدمة في سيره وسلوكه إلى الله “عز وجل” هذا الفارق الأول المقام ثابت ومستقر والحال غير ثابت ولا مستقر.

الفارق الثاني المقام اكتسابي فالمقامات مكاسب والحال ليس اكتسابياً بل وقتيا فالعارف ابن الوقت هذا الفارق الثاني.

الفارق الثالث إن وصول العبد السالك إلى المقامات وعبوره عن هذه المقامات إلى غيرها لا يجري إلا مع التعب والجد والاجتهاد والتهجد والتعبد حتى يصل إلى مقام ثم يرتفع إلى المقام الأرفع وهذا يحتاج إلى عمل دؤب ومقاسات وتكلف بخلاف الحال فإن الحال موهبة يمن الله بها على من يشاء من عباده ولا يحتاج إلى تكلف ولا يحتاج إلى تكسر وتعمد فالحال لا يقتضي العمل والمشقة بل الله “عز وجل” ومن باب لطفه يفيض على من يشاء من عباده وينزل عليهم بعض المقامات المعنوية ولكنه لا يفيض عليهم إلا إذا قاموا ببعض الأعمال الصالحة هذا الفارق الثالث.

الفارق الرابع صاحب المقام ممكن في مقامه فمن يصل إلى مقام معين كمقام التائبين أو مقام الراضين أو مقام التسليم فشخصيته المعنوية تكون قد تماهت وتمازجت مع ذلك المقام وتلك المنزلة فمن وصل إلى مقام التائبين لا يعود إلى ارتكاب المعاصي لأن التوبة قد خالطت لحمه ودمه بخلاف الحال فإن الجذب قد تأتي لكنها لا تستقر قابلة للزوال والذهاب إذا لم يستثمرها ويوظفها.

الفارق الخامس المقامات مترتبة صعودا يعني يوجد ترتيب تصاعدي تبدأ باليقظة ثم التوبة ثم عدة مقامات مقام الزهد ثم مقام العارف إلى أن تصل إلى مقام التسليم ثم مقام الرضا ثم مقام التوحيد فيوجد ترتيب تصاعدي بين المقامات ومن أحرز المقام الثاني فإنه قد أحرز المقام الأول والثاني فلا يصل إلى المقام الثاني إلا بعد الحصول على المقام الأول ولا يصل إلى مقام الثالث إلا بعد الحصول على المقام الأول والثاني ولا يصل إلى المقام العاشر إلا بعد إحراز المقامات التسعة الأول وهذا الترتيب لا يوجد في الأحوال لأن الحال لا يحصل على طلب صاحب الحال بل لا اثر لطلبه لان الله هو الذي يعطيه تلك الأحوال، هذا تمام الكلام في بيان المقامات والأحوال.

سؤال ما الفرق بين المقامات والمنازل مثلا كتاب منازل السائرين للخواجه أبي إسماعيل عبد الله الأنصاري وعليه شروح أهم شرحين الشرح الأول للتلمساني والشرح الثاني إلى عبد الرزاق القاساني لعله قاسان بلاد ما وراء النهرين من بلاد الترك وليس كاشان لذلك أكثرهم يكتبون قاساني ولا يكتبون كاشاني.

الجواب الفرق بين المقام والمنزلة بالاعتبار هذا موجود في شرح منازل السائرين صفحة 14 المقدمة التي كتبها المحقق محسن بيدار الفرق بين المقام والمنزل بالاعتبار فيقال منزل نظرا إلى سلوك الطريق وأنه في حال السفر ومقام نظرا إلى مكثه فيه حتى يستوفي حقه، إذاً المراد بالمقام والمنزل والدرجة شيء واحد تقول مقام العارفين درجة العارفين منزل العارفين، تقول درجة التوحيد مقام التوحيد منزل التوحيد، تقول مقام الرضا درجة الرضا منزل الرضا المصداق شيء واحد ولكن الاختلاف في أمر اعتباري فإذا نظرت إلى سلوك الطريق وأن السالك مسافر والمسافر يمر بمنازل ولا يمر بمقامات يمر بمنازل يعني مكان ينزل فيه يستريح ثم يواصل سفره فنعبر عن هذه الدرجات أنها منازل إذا نظرنا إلى حيثية السفر المأخوذة في سلوك الطريق.

وأما إذا نظرنا إلى حيثية المكث والبقاء في تلك الدرجة حتى يستوفي تلك الدرجة بتمام حقها فحينئذ يعبر عنه مقام، إذاً المقام والمنزلة واحد والتعبير بالمنزلة والمنزل بلحاظ واعتبار السفر والتعبير بالمقام بلحاظ واعتبار المكث والبقاء في تلك الدرجة وإذا أتضح معنى المنازل والدرجات والمقامات يكون قد اتضح معنى الحال فإن الحال ليس أمرا اكتسابيا يعمل عليه لكي يتم الوصول إليه وإنما الحال عبارة عن نفحة ربانية وجذبة ربانية غير اكتسابية وإنما تأتي بلطف الله “عز وجل” عن طريق نزول فيضه على العبد السالك.

أعداد المقامات والأحوال والاختلاف فيها

اختلف العرفاء في عدد الأحوال والمقامات اعتبر صاحب اللمع وهو أبو نصر عبد الله بن علي السراج الطوسي صاحب كتاب اللمع ابن السراج الطوسي اعتبر المقامات سبعة والأحوال عشرة، المقامات ذكر التوبة، الورع، الزهد، الفقر، الصبر، التوكل الرضا، والأحوال ذكر المراقبة، القرب المحبة الخوف الرجاء الشوق الأنس الاطمئنان المشاهدة واليقين اعتبر ذالنون المصري أن المقامات تسعة عشر وذكر الجنيد أنها أربعة ولعل كتاب منازل السائرين للخواجة عبد الله الأنصاري أفضل أثر في بيان منازل السائرين وعددها واللافت أنه جعل المقامات مئة مقسمة عشرة أقسام ذكرها بالتفصيل وقد أضاف العرفاء مقامات أخرى إلى ما ذكر الخواجة عبد الله الأنصاري مثل مقام الخوف الشكر مقام الرجاء مقام الطلب مقام العشق مقام المعرفة مقام الاستغناء مقام التوحيد مقام الحيرة وبعضهم زاد أحوالا مثل المحبة الغيرة الحياء القبض البسط الاتصال هذه كلها ستأتي القبض والبسط اصطلاحات خاصة بالعرفاء الاتصال الشوق الأنس الهيبة الغيبة الخاتمة الوصية الجمع التفرقة الصحو السكر الذوق المحو الإثبات الستر التجلي المكاشفة وغيرها.

طبعا هناك كتب كثيرة ذكرت في بيان عدد الأحوال وعدد المقامات ولكن أحسن كتاب قد كتب في بيان منازل السائرين هو كتاب الخواجه عبد الله الأنصاري وقبل قد كتبت عدة كتب مثل كتاب مواطن العباد لمحمد بن إبراهيم بن أبي حمزة كتاب مقامات القلوب لأبي حسين النوري كتاب منازل العباد والعبادة لحكيم الترمذي كتاب المواقف والمخاطبات للنفري يوجد قسم في كتاب اللمعة للسراج الطوسي حول الأحوال والمقامات، أبو طالب المكي ذكر أيضا فصولا في شرح مقامات النفس من كتابه قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد يمكن مراجعة صفحة 10 و11 من شرح منازل السائرين.

لكن كتاب الخواجه عبد الله الأنصاري يمتاز بالضبط والتنظيم والدقة والقوة فقد جعل المنازل عشرة المنزلة الأولى البدايات والمنزلة الأخيرة النهايات وما بين البدايات والنهايات ثمانية منازل فتكون المنازل عشرة وفي كل منزل من هذه المنازل العشرة ذكر عشرة مقامات عشرة في عشرة مئة إذا تلاحظ الفهرست أنا اذكر العناوين العشرة التي ذكرها يعني أقسام عشرة وكل قسم من الأقسام العشرة ذكر عشرة مقامات:

القسم الأول البدايات

القسم الثاني الأبواب

القسم الثالث المعاملات

القسم الرابع الأخلاق

القسم الخامس الأصول

القسم السادس الأودية

القسم السابع الأحوال

القسم الثامن الولايات

القسم التاسع الحقائق

القسم العاشر النهايات.

الأستاذ يشرف عليه يقول له الآن أنت في قسم البدايات:

أول مقام من مقام البدايات باب اليقظة بعد اليقظة يأتي:

المقام الثاني باب التوبة

المقام الثالث باب المحاسبة

الرابع باب الإنابة

الخامس باب التفكر

السادس باب التذكر

السابع باب الاعتصام

الثامن باب الفرار

التاسع باب الرياضة

العاشر باب السماع،

فإذاً أتضح أن اليقظة هي أول مقام من البدايات ثم أذكر لك الأقسام النهايات القسم العاشر النهايات وفيه عشرة أبواب:

الأول باب المعرفة

الثاني باب الفناء

الثالث باب البقاء

الرابع باب التحقيق

الخامس باب التلبيس

السادس باب الوجود

السابع باب التجريد

الثامن باب التفريد

التاسع باب الجمع

العاشر باب التوحيد

لذلك يقولون النهايات في البدايات النهايات يعني مقام التوحيد وهو المرتبة العاشرة من قسم النهايات تحصل على الدرجة العاشرة من النهايات إذا كانت بداياتك قوية أول باب في البدايات اليقظة وثاني باب التوبة يعني أولا تصير عندك يقظة اليقظة يعني أن تعود إلى نفسك بإذهاب الغفلة لأن الإنسان تعتريه الغفلة فاليقظة في مقابل الغفلة والنسيان بأن يعود الإنسان إلى ذاته إذا عاد إلى ذاته واكتشف أنه مذنب يتوب يأتي المقام الثاني التوبة وشيخ الطريقة والمشرف يشرف على السالك في هذه المراتب وفي هذه المقامات العشرة فإذا طرأ عليه حال من الأحوال شيخ الطريقة هو الذي يشير إليه.

طبعا الخواجه عبد الله الأنصاري له مقام في هرات ويزوره الشيعة والسنة والشيعة يرون أنه شيعي والسنة يرون أنه سني طبعا المشهور أنه حنبلي ولكن البعض يراه أنه شيعي ولكن شارح منازل السائرين كمال الدين عبد الرزاق القاساني أيضا اختلف فيه أنه من الشيعة أو السنة ولكن المشهور أنه شيعي وفيه خلاف أيضا في هذا الكتاب.

نحن اليوم في الدرس السادس الدرس السابع المصنف يذكر اليقظة والتوبة يعني يذكر المقام الأول من القسم الأول بدايات اليقظة ويذكر المقام الثاني من القسم الأول ثم في الدرس الثامن يذكر ثلاثة مقامات يذكر مقام الرضا ومقام التسليم ومقام التوحيد، التوحيد هو المقام العاشر من النهايات يعني العاشر من العاشر يعني المقام يكون مئة وأما التسليم فهو المقام العاشر من قسم المعاملات المعاملات القسم رقم ثلاثة فيصير باب التسليم يعني المقام رقم ثلاثين عشرة من ثلاثة فيصير باب التسليم هو المقام رقم ثلاثين من مئة ثم يذكر باب الرضا، باب الرضا هو الباب الثاني من قسم الأخلاق، قسم الأخلاق المقام الأول باب الصبر المقام الثاني باب الرضا الأخلاق هو القسم الرابع باب الصبر الأول هذا 41 باب الرضا الثاني 42 فيصير المصنف قد ذكر المقام الأول وهو اليقظة والمقام الثاني وهو التوبة والمقام رقم 30 وهو التسليم إذ هو الباب العاشر من قسم المعاملات رقم 30 ثم ذكر المقام رقم 32 لأن باب الرضا هو الباب الثاني من قسم الأخلاق والأخلاق رقم 40 ثم ذكر المقام رقم 100 والأخير وهو مقام التوحيد لأنه الباب العاشر من القسم العاشر وهو النهايات عشرة في عشرة مئة فيصير المصنف قد ذكر المقام الأول والثاني في الدرس السابع وذكر المقام 30 تسليم و32 الرضا ومائة التوحيد في الدرس رقم 8.

إلى هنا انتهينا من بيان المقامات المائة والبعض قد زاد عليها أو أنقص فيها ومن هنا ينبثق السؤال التالي لماذا اختلف العرفاء في عدد المقامات والأحوال، نجيب على ذلك بأمور أربعة:

الأمر الأول أغلب العرفاء كانوا لا يفرقون بين المقام والحال فكان عدد الأحوال يختلف من عارف إلى آخر فهذه الدرجة والمنزلة قد يعتبرها عارف مقاما بينما يعتبرها الآخر حالا من الأحوال إذ لم تتمحض خصوصية المقام والفرق بينه وبين الحال لدى كثير منهم.

الأمر الثاني إطلاق أسماء الأحوال والمقامات عند العرفاء كان يخضع إلى ما يعانيه العرفاء بأنفسهم نتيجة تجربة شهودية وعرفانية لذلك البعض أطلق على تجربته عنوان المقام والبعض الآخر أطلق على تجربته عنوان الحال فكما أن التجارب الشهودية تختلف من عارف إلى عارف كذلك إطلاق العناوين كعنوان الحال أو المنزلة أو الدرجة أو الحال يختلف من عارف إلى آخر.

الأمر الثالث بعض العرفاء اعتمد طريقة التعميم والذكر بنحو مجمل والبعض الآخر أعتمد طريقة التفصيل فهناك من أشار إلى العناوين العامة وهناك من أشار إلى تفاصيل تلك العناوين العامة ولعل السر في ذلك أن بعض العرفاء يميز بين تفاصيل بعض المقامات عن بعضها الآخر والبعض الآخر ربما لا يميز فمثلا بعضهم تحدث عن هذه العناوين وجعلها مقامات مثل المحبة الشوق الوجد الوله الود الهيمان والبعض الآخر جعلها أحوال متعددة والبعض جعلها حالا واحدا أو مقاما واحدا مثلا مقام المحبة والبعض الآخر يقول لا هناك أحوال الهيام يختلف عن الوله الوله يختلف عن الشوق.

النقطة الرابعة العرفاء استخرجوا أسماء الأحوال والمقامات من كتاب الله ومن الروايات الشريفة والنصوص الدينية فكان بعضهم لا توجد عنده الكثير من الروايات فاقتصر على ذكر المقامات والأحوال من الروايات الموجودة عنده والبعض الآخر كانت عنده نصوص كثيرة كالخواجة عبد الله الأنصاري الذي كان يحفظ أكثر من أثنى عشر ألف حديث لذلك استخرج مئة منزل ومائة مقام فالروايات التي يحفظها فقط أثنى عشر حديث غير الروايات التي لم يحفظها وكان ملما بالقرآن الكريم وتفسيره وعلومه والروايات الشريفة لذلك أصبح كتابه من الكتب المعتبرة والمعتمدة.

يقول أحدهم كنت ألح بالطلب على صاحب الميزان السيد محمد حسين الطباطبائي “رضوان الله عليه” وهو من كبار الفلاسفة والعرفاء يقولون وصل إلى مرتبة جنة الذات مكتوب على قبره وهذه مرتبة كبيرة من المراتب العرفانية، صاحب الميزان درس الفلسفة ودرس العرفان درس العرفان عند السيد علي القاضي “رضوان الله عليه” صاحب الميزان يعبر عنه بأنه خاتمة الفلاسفة يعني أخر فيلسوف لدينا هو صاحب الميزان من جاء بعده يفهم الفلسفة لكن هل هو فيلسوف؟ قد يتأمل البعض لكن صاحب الميزان فيلسوف صاحب آراء وهو من العرفاء الكبار وصل إلى درجة يسمع تسبيح الجدران “رضوان الله عليه” يقول أحدهم كنت ألح على السيد محمد حسين الطباطبائي أن يدرسني فصوص الحكم ومنازل السائرين كتاب فصول الحكم للشيخ محي الدين بن العربي وكتاب منازل السائرين للشيخ الخواجه عبد الله الأنصاري فصوص الحكم هو في العرفان النظري وشرحه كثيرون أشهره شرح محمود القيصري ومحمود القيصري أخذ هذا الشرح أيضا من أستاذه عبد الرزاق القاساني عبد الرزاق القاساني أيضا عنده شرح على فصوص الحكم ولكن الشرح المشهور الآن هو شرح القيصري على فصوص الحكم، فصوص الحكم في العرفان النظري منازل السائرين في العرفان العملي يقول هذا الطالب العلم كنت ألح على صاحب الميزان أن يدرسني فصوص الحكم لابن العربي ومنازل السائرين للخواجة عبد الله الأنصاري وفي كل مرة كان يسوفني ويدرسني تفسير القرآن والروايات الشريفة يقول وبعد مدة طويلة فهمت أن صاحب الميزان كان لا يرتضي دراسة فصوص الحكم ومنازل السائرين وكان يرى أن القرآن الكريم وتفسيره والروايات الواردة عن أئمة أهل البيت "عليهم السلام" قد جاءت فيها المضامين الفلسفة العرفانية الموجودة في العرفان النظري والعرفان العملي ولا حاجة لدراسة هذه الكتب لأن ابن العربي على المشهور أنه سني وكذلك الخواجة عبد الله الأنصاري على المشهور أنه سني ومن أراد العرفان العملي الشيعي فإن أهم كتاب للعرفان العملي الشيعي هو رسالة السيد محمد مهدي بحر العلوم المعروفة برسالة السير والسلوك إلى الله ومن بعدها رسالة السير والسلوك للملك التبريزي “رضوان الله عليه” أستاذ السيد الإمام الخميني وصاحب كتاب أسرار الصلاة وأيضا توجد رسالة لب اللباب للسيد محمد حسين الحسيني الطهراني وهي بمثابة التعليق على رسالة السيد مهدي بحر العلوم.

الآن مكتبة فدك طبعت كتاب تحت عنوان تذكرة المتقين وجمعت فيه رسائل السير والسلوك إلى الله فالعرفان العملي عند الشيعة الإمامية لم يدون تحت عنوان العرفان العملي وإنما دون تحت عنوان السير والسلوك إلى الله “عز وجل” فمن أراد أن يدرس العرفان العملي الشيعي عليه بدراسة رسالة السيد مهدي بحر العلوم فإنها أم الرسائل وأساس الرسائل.

في الختام نقول إن العرفاء أخذوا مصطلح المقام من كتاب الله “عز وجل” كقوله "عز من قائل" في كتابه الكريم مخاطبا نبيه العظيم ﴿ومن الليل فتهجد به نافلة عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا﴾[3] فالقرآن يصرح بالمقام المحمود وفي آية آخر ﴿وما منّا إلا له مقام معلوم﴾[4] فالعرفاء أخذوا الكثير من أسماء هذه المقامات وهذه العناوين من العناوين الواردة في الآيات والروايات.

البحث الأخير دور المقامات والأحوال في السير والسلوك

السير والسلوك طريقة خاصة تبدأ بالبدايات وتنتهي بالنهايات ففي البداية يقال للمرتاض سالك فإذا وصل إلى المقام الأخير قيل له واصل وهذه المنازل نص عليها العرفاء انطلاقا من الآيات والروايات ومن هنا تبرز أهمية الأحوال والمقامات في ثلاثة أمور:

الأمر الأول يظهر من خلال المقامات والأحوال أن عملية السير والسلوك إلى الله ليست عملية ارتجالية غير منظمة وغير مدروسة وعبثية بل يظهر أن عملية السير والسلوك إلى الله عملية منظمة عبارة عن سير وسلوك محدد ومأطا بمنازل ودرجات ومقامات وحالات معينة فلا يمكن الوصول إلى الله إلا من خلالها وبهذه الطريقة يصبح السير والسلوك إلى الله ميسرا لكل أحد ولكل مريد لأن الطريق واضح المعالم.

الأمر الثاني معرفة المقامات والحالات تجعلنا نشخّص العارف الحقيقي من العارف غير الحقيقي لأن العارف الحقيقي يمر بمنازل ومراحل ودرجات ومقامات وأحوال خاصة ومعينة بخلاف من يدعي السير والسلوك ومن يدعي العرفان فإنه يتخبط في هذه المقامات.

الأمر الثالث إن توضيح العرفاء للأحوال والمقامات ورسمهم لها إنما كان عن طريق النصوص الدينية فنحن لا نبحث عن الرياضة مهما كانت فالبوذيون لهم رياضات والهندوس لهم رياضات وهم موجودون في شمال الهند ومن رياضاتهم قد يتعاطون السحر والشعوذة وتحذير الشياطين وغير ذلك بخلاف الرياضة في العرفان الإسلامي فإنها لا تستند إلى وساوس الشيطان والشعوذة وإنما تستند إلى ما ورد في النصوص الدينية من الكتاب الكريم والسنة المطهرة، إذاً المقامات والأحوال حالات معنوية وأمور مأطرة بعناوين الكتاب والسنة وهي تدخل في إطار الدين والشرع وبالتالي من خلال تقييد المبادئ العرفانية بما ورد في نصوص الكتاب والسنة يكون العرفان الإسلامي مؤطرا بإطار الدين والشرع وبالتالي يسهو السير والسلوك ويتضح الطريق ويضمن الإنسان الوصول.

 

ختام الدرس

للمطالعة

الحسن البصري

شخصية الدرس الحسن البصري وهي شخصية مهمة جدا إذ بالحسن البصري يبدأ علم الكلام وأيضا يبدأ العرفان الإسلامي، يبدأ تاريخ العرفان كمصطلح بالحسن البصري المولود سنة 22 هجرية والمتوفى سنة 110 هجرية عاش 88 سنة قضا تسعة أعشارها في القرن الأول الهجري من سنة 22 هجرية إلى سنة 110 يعني عشر سنوات من القرن الثاني.

البصري لم يعرف باسم الصوفي ولكنه عد واحداً من المتصوفة بل من أكابرهم بل المؤسسين لمذهب التصوف ونذكر ثلاثة أمور مهمة تشير إلى محورية الحسن البصري في التصوف والعرفان.

الأمر الأول الحسن البصري هو أول من ألف في التصوف والعرفان ألف كتابا أسماه رعاية حقوق الله وهذا الكتاب يمكن تصنيفه كأول كتاب كتب في التصوف والنسخة الوحيدة لهذا الكتاب موجودة في جامعة أكسفورد في لندن يدعي نكلسون هكذا يقول أن أول من مسلم كتب حول منهج حياة الصوفية كان الحسن البصري وقد بين طريقه في التصوف والوصول إلى المقامات العالية وما زال العلماء يشرحونها حتى اليوم أولها التوبة تليها سلسلة من الأعمال الأخرى ينبغي أن يراعا فيها الترتيب للوصول إلى المقامات العليا، إذاً هذا الأمر الأول، الأمر الأول الحسن البصري أول من كتب في التصوف والعرفان رسالة أسماها رعاية حقوق الله.

الأمر الثاني العرفاء يرجعون ويرجعون إلى الحسن البصري في سلسلة طرقهم لأنه في السير والسلوك هناك طريقة يأخذها الشيخ عن شيخه عن شيخه عن شيخه عن شيخه إلى أن يصل إلى الحسن البصري فالكثير من طرق الصوفية والعرفاء حتى يومنا هذا تنتهي بالحسن البصري ومن الحسن البصري إلى أمير المؤمنين "عليه أفضل صلوات المصلين" واللطيف الغريب أن هذه رسالة حسن البصري رعاية حقوق الله كثير من نصوصها هو عين نص نهج البلاغة كلام أمير المؤمنين "عليه أفضل صلوات المصلين" فإذا رجعنا مثلا إلى سلسلة مشايخ أبو سعيد أبو الخير فإن سلسلة مشايخ أبو سعيد أبو الخير تصل إلى الحسن البصري يرجع ابن النديم في كتابه الفهرست الفن الخامس من المقالة الخامسة سلسلة أبي محمد جعفر الخلدي إلى الحسن البصري أيضا ويقول إن الحسن البصري كان قد أدرك سبعين رجلا من أصحاب بدر طبعا الطرق الشيعية إذا أردت معرفة الطرق الشيعية في بداية كتاب تذكرة المتقين هناك مذكور أنه متى بدأ العرفان الشيعي كطريقة ومن هم مشايخ الطريقة الذين تولوها.

الأمر الثالث بعض الحكايات نقلت وقد تبين أن الحسن البصري كان أحد أفراد مجموعة عرفت بالصوفية يعني كانت مجموعة في ذلك الزمان يطلق عليهم الصوفية وكان الحسن البصري أحد أفراد تلك المجموعات وكان الحسن البصري إيراني الأصل لأن هناك بعض الآراء أن العرفان دخيل على الإسلام وأن الذي أدخله هم الإيرانيون أو الفرس أو الأعاجم وأن العرفان بالمعنى المصطلح لم يكن عند العرب ولم يكن في الإسلام وإنما أدخله بعض الأعاجم فتكون هذه الخصوصية أن الحسن البصري إيراني الأصل لها أثر في هذا المطلب، هذا تمام الكلام في الدرس السادس المقامات والأحوال،

الدرس السابع أول المنازل اليقظة والتوبة يأتي عليها الكلام.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo