< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأخلاق

39/02/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأقوال في الخير والسعادة والتوفيق بينها

فصلٌ الأقوال في الخير والسعادة والتوفيق بينها

طرح المحقق النراقي "رحمه الله" هذا البحث ضمن نقاط:

النقطة الأولى تمهيد لهذا البحث وهو أن الغاية من تهذيب النفس عن الرذائل وتكميل النفس بالفضائل هو الوصول إلى الخير والسعادة؛ وبما أن غاية الأخلاق الوصول إلى الخير والسعادة فلابد من معرفة الخير والسعادة وبيان الفارق بينهما.

النقطة الثانية تعريف الخير والسعادة مع بيان الفارق بينهما.

القول الأول للقدماء والسلف من الفلاسفة والحكماء وهم الفلاسفة السابقون على أرسطو طاليس المعلم الأول؛ قدماء الفلاسفة قالوا إن الخير إما مطلق وإما إضافي نسبي الخير المطلق هو الله والخير النسبي والإضافي ما يوصل إلى الله؛ ومن الواضح أن الخير المطلق والخير الإضافي لا يختلف باختلاف أي إنسان فوجود الله تبارك وتعالى وهو الخير المطلق والأمور التي توصل إلى الله تبارك وتعالى وهي الخير الإضافي لا تختلف من إنسان إلى إنسان ولا تتغير من فرد إلى فرد؛ فقال السلف من الحكماء إن الخير على نحويين خير مطلق وخير إضافي الخير المطلق هو المقصود من إيجاد الكل إذ الكل يتشوقه وهو غاية الغايات أي الله تبارك وتعالى والخير الإضافي النسبي هو ما يتوصل به إلى المطلق أي ما يتوصل به إلى الله تبارك وتعالى، هذا تمام الكلام في تعريف القدماء من الفلاسفة للخير.

وأما تعريفهم للسعادة قالوا السعادة هي وصول كل شخص بحركته الإرادية النفسانية إلى كماله الكامن في جبلته وفطرته؛ فكل إنسان بمحض إرادته وبجده واجتهاده يستطيع الوصول إلى كماله الموافق لفطرته؛ ومن الواضح أن السعادة بناء على هذا التعريف تختلف من فرد إلى فرد فمن جدَّ وجد ومن زرع حصد ومن سار على الدرب وصل؛ إذاً الفارق بين الخير والسعادة أن الخير لا يختلف من شخص إلى شخص ومن إنسان إلى إنسان بخلاف السعادة فإنها تختلف من إنسان إلى إنسان وتفترق بين فرد وفرد آخر.

إلى هنا ذكرنا تعريف الخير وتعريف السعادة والفرق بينهما بناء على رأي قدماء الفلاسفة؛ وأما معنى الخير بناء على رأي المحدثين من الفلاسفة يعني أرسطو طاليس المعلم الأول من فلاسفة اليونان وهؤلاء قبل الإسلام وقبل ميلاد المسيح "عليه السلام" أرسطو يقول الخير المطلق هو الكمالات النفسانية والخير المضاف هو ما يُعِد الكمالات النفسانية مثل التعلم والصحة؛ فالتعلم والصحة تعين على تحصيل الكمالات الإنسانية والنفسانية أو يكون نافعا في تحصيل الكمالات النفسانية والإنسانية مثل الثروة والتمكن، إذاً قدماء الفلاسفة قالوا الخير المطلق هو الله أرسطو قال الخير المطلق هو الكمالات النفسانية قدماء الفلاسفة قالوا الخير الإضافي هو ما يوصل إلى الله أرسطو قال الخير الإضافي هو ما يعد الكمالات النفسانية أو يكون نافعاً في تحصيلها وإيجادها، هذا تمام الكلام في النقطة الثانية وهي تعريف الخير والسعادة عند قدماء الفلاسفة ومحدثيهم وبيان الفارق بينهما.

النقطة الثالثة هل السعادة تختص بالجانب النفسي أم السعادة تشمل الروح والبدن معا؟

القول الأول ذهب قدماء الفلاسفة إلى أن السعادة مختصة بالنفس والروح فقط ولا حظَّ للبدن بشيء من السعادة فحصروا السعادة في الأخلاق الفاضلة لأن الأخلاق الفاضلة تهذب النفس والروح؛ واحتجوا بذلك بأن حقيقة الإنسان في النفس الناطقة والبدن ليس إلا آلة للنفس الناطقة؛ فكل ما يكون مسهماً في كمال النفس الإنسانية يعد سعادة وأما ما يكون مسهما في كمال البدن فلا يعد سعادة لأن البدن ليس إلا آلة للنفس والروح هذا القول الأول قول قدماء فلاسفة.

القول الثاني لأرسطو طاليس المعلم الأول يقول السعادة كما تشمل الروح تشمل البدن أيضا لأن السعادة تعود إلى الشخص والشخص مركب من روح وبدن نفس وجسم فكلما أسعدت جزئاً تكون قد أسعدت صاحب الجزء فإذا أسعدت النفس تكون قد أسعدت الإنسان والشخص وإذا أسعدت البدن تكون قد أسعدت الشخص والإنسان؛ فسعادة كل جزء تسهم في سعادة صاحب الجزء؛ إذاً السعادة كما تشمل النفس تشمل أيضا البدن؛ فمن الواضح أن كثرة الأعوان والثروة والمال والقدرة سعادة للبدن وهذه السعادة للبدن تلقي بضلالها على سعادة النفس والروح؛ لذلك قسموا السعادة إلى خمسة أمور وقالوا إن السعيد كل السعيد هو من يحوز هذه الأمور الخمسة الذي تحصل عنده هذه الأمور الخمسة بشكل كامل فسعادته تكون سعادة محضة لا تدانيها سعادة.

والأمور الخمسة كما يلي:

أولاً ما يتعلق بالبدن من حيث هو كالصحة واعتدال المزاج.

ثانياً ما يتوصل به إلى إفشاء العوارف ومثله مما يوجب استحقاق المدح كالمال وكثرة الأعوان فمن شأنهما زيادة المعارف.

ثالثاً ما يوجب حسن الحديث وشيوع المحمدة.

رابعاً ما يتعلق بإنجاح المقاصد والأغراض على مقتضى الأمل فهل هذه الخطوات تسهم في تحقيق ما يقصد وما يأمل أو لا فإن أسهمت فهو سعيد.

خامساً ما يرجع إلى النفس من الحكمة والأخلاق المرضية وقالوا إن كمال السعادة لا يحصل بدون هذه الخمسة وكلما نقص واحد من الخمسة كلما نقصت السعادة، وهناك شيء أعمق من هذه الأمور وهو ما يفيضه الله تبارك وتعالى على الإنسان من دون سبب (يا مسبب الأسباب من غير سبب سبب لنا سبباً لن نستطيع له طلبا) فقد لا يكون هناك سبب يعني لا يكون سبب ظاهر ولكن يوجد سبب باطن توجد علة؛ دعوة مؤمن دعوة أم القيام بعملٍ صالح له آثاره على كل حال هذه الأمور الخمسة من كلام الحكماء القدماء أنا ما كان بنائي أدخل في كل هذه التفاصيل لكن عنوان البحث هو هذا الأقوال في الخير والسعادة والتوفيق بينها فإذا حذفت الأقوال أنحذف العنوان والمعنون وإلا ما كان بنائي أدخل فيها كلها.

النقطة الخامسة السعادة العظمى كيف تتحقق؟ أقوال ثلاثة:

القول الأول قدماء الفلاسفة والحكماء قالوا بما أن السعادة ترجع إلى النفس والروح دون البدن والجسم فإن السعادة العظمى لا تحصل للنفس ما دامت متعلقة بالبدن؛ لأن البدن يلوثها بالكدورات المادية والطبيعية فتنشغل النفس بالشواغل المادية؛ بل حصول اللذة الحقيقية والسعادة الأبدية بتجرد النفس عن المادة فلا تحصل السعادة الحقيقية إلا بعد مفارقة النفس للبدن لأن السعادة تحتاج إلى إشراقات وفيوضات وهذه الاشراقات النورانية لا تتجلى للنفس إلا بعد مفارقة النفس للمادة والماديات والجسم والجسمانيات لكي تشرق إشراق تاماً بالأنوار الإلهية والفيوضات الربانية وتتخلص من براثن المادية؛ هذا القول الأول لقدماء الفلاسفة والحكماء، طبعا عليكم بروايات أهل البيت "عليهم السلام" نحن نتطرق إلى هذا لكن مسلكنا الكتاب والسنة (إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي)، هذا القول الأول.

القول الثاني للمعلم الأول أرسطو يقول السعادة العظمى تحصل للنفس وتحصل أيضا للبدن؛ فهناك أمر بديهي وهو أنه من أشبع رغبات النفس ومن أشبع رغبات البدن يكون سعيداً؛ فالمستجمع للفضائل هو من يسمو بالنفس من جهة ويسمو بالبدن من جهة أخرى فيسعى إلى كمال النفس ويسعى أيضاً إلى كمال البدن؛ يقول وما أقبح هذا الشيء أنه تقول أنت لا تكون سعيد إلا إذا مت هو الآن في حياته تعيس بعد خروج الروح يكون أتعس يقول هذا القول جداً سيء أنت انتظر الآن تعيش التعاسة إلى أن تموت تحصل السعادة يمكن لا أحصل عليها هنا ولا هناك، يقول النفس يحصل لها ترقي صحيح سعادة النفس بعد تجردها عن البدن أقوى من سعادتها مع اتصالها بالبدن لأن اتصالها بالبدن يعني أن تكون محكومة بقوانين عالم المادة والجسم والجسمانيات، إذاً هناك تفاوت في السعادة توجد سعادة للبدن وتوجد سعادة للنفس وسعادة النفس بعد مفارقة البدن أقوى من سعادتها مع اقترانها بالبدن، هذا القول الثاني.

القول الثالث حكماء الإسلام يعني الفلاسفة المتأخرون عن أرسطو ومن سبقه قالوا إن السعادة في الأحياء تختلف عن السعادة في الأموات؛ السعادة في الأحياء لا تتم إلا باجتماع ما يتعلق بالروح وما يتعلق بالبدن؛ وهنا إما أن تغلب السعادة النفسية وإما أن تغلب السعادة البدنية فمن اعتنى كثيراً بما يتعلق بالنفس والروح والأمور المعنوية والفيوضات الربانية طوبا له وحسن المعاد هذا يسمو إلى السماع إلى عالم المعنويات؛ ومن يغلب عليه إلى أن جانب العناية بالبدن وما يتطلبه البدن فهذا يحصل على السعادة ولكن على السعادة الدنيا لا السعادة العظمى، هذا بالنسبة إلى السعادة عند الأحياء وأما السعادة عند الأموات فتختص بما يتعلق بالنفس ولا تشمل بما يتعلق بالبدن لأنهم يستغنون عن الأمور البدنية؛ فتختص السعادة عند الأموات بالملكات الفاضلة والعلوم الحقيقية الحقة والوصول إلى مشاهدة جمال الأبد ومعاينة الحقائق الربانية وقالوا إن النفس لأنها تكون مشوبة بالزخارف الحسية وكدورات المادة تكون سعادتها ناقصة؛ ولكن بعد أن تفارق النفس البدن تصبح السعادة خالصة لا تشوبها كدورات لان المتصف بالسعادة المعنوية والروحية يكون مستضيئً بالأنوار الربانية والحقائق العقلية خصوصاً إذا أنس بذكر الله تبارك وتعالى.

شيخنا النراقي "أعلى الله مقامك الشريف" بعد سرد هذه الأقوال الثلاثة القول الأول لقدماء الفلاسفة القول الثاني للمعلم الأول أرسطو القول الثالث لحكماء الإسلام ماذا تقول؟ يقول الصحيح ما صححه حكماء الإسلام وقول حكماء الإسلام جمع بين قول أرسطو وبين قول قدماء الفلاسفة؛ فقول حكماء الإسلام يلتقي مع قول أرسطو من حيث إثبات السعادة للبدن والروح معاً إذ أن القدماء خصوا السعادة بخصوص النفس والروح دون البدن فقول حكماء الإسلام رجح قول أرسطو في هذه الجهة وهو أن السعادة كما تتعلق بالنفس أيضا تتعلق بالبدن؛ ولكنه من جهة أخرى رجح كلام القدماء من حيث أن السعادة العظمى لا تتعلق بالجانب المادي وإنما تتعلق بالجانب النفسي والروحي والمعنوي فقالوا إن سعادة البدن سعادة دنيا وليس سعادة عظمى بينما سعادة الروح والنفس سعادة عظمى؛ فالنفس ما دامت مقيدة بالمادة والماديات تكون أسيرة لقوانين الطبيعة وكدورات المادة وكلما تجردت وابتعدت عن التعلق بالماديات والدنيا الدنية كلما كانت سعيدة وحازت الكمال اللائق بها وحازت السعادة العظمى، شيخنا النراقي ماذا تقول؟ يقول القول ما صححه حكماء الإسلام وهذا ملتقى ثلاثة أقوال؛ قول الفلاسفة الذين يركزون على العقل وقول العرفاء الذين يركزون على القلب وقول أهل الظاهر الذين يركزون على السحت؛ فالفلاسفة وأهل النظر وأهل الاستدلال قالوا حقيقة السعادة هي العقل والعلم؛ والعرفاء وأهل القلب والكشف والشهود والمعاينة للحقائق القلبية والنورانية قالوا إن السعادة في العشق وما أدراك ما العشق؛ وأهل الظاهر قالوا إن السعادة في الزهد وترك الدنيا؛ كيف نجمع بين هذه الأقوال الثلاثة؟ الجمع بينها بأن نقول جمعاً لكلمات الجميع إن حقيقة الخير والسعادة ليست إلا المعارف الحقة والأخلاق الطيبة فالشخص الحائز على المعارف الحقة والأخلاق الطيبة هذا الشخص هو في خير وسعادة المعارف الحقة والأخلاق الطيبة لها لوازم من لوازمها المترتبة عليها حب الله والأنس به والابتهاجات العقلية والعقلائية؛ فحب الله يختلف عن المعارف الحقة يمكن واحد عنده معارف حقة لكن لم يذق حب الله تبارك وتعالى ويمكن شخص تعرف على الأخلاق الطيبة إلا أنه لم يذق الابتهاجات العقلية ولم يعاين الحقائق النورانية فراجع مناجاة المحبين لمولى الموحدين سيد الساجدين الإمام السجاد "صلوات الله وسلامه عليه" إلهي منذ الذي ذاق حلاوة ذكرك فرام منك بدلا.

يا أخوة يا أحبة تريدون السعادة تريدون الخير واظبوا على قراءة المناجاة الخمسة عشر للإمام السجاد "سلام الله عليه" مدرسة سماحة آية الله العظمى الشيخ جوادي آملي من شروط الوقفية أن يقرأ الطالب المناجاة الخمسة عشر كل أسبوع يعني إذا لم يقرأها خلال الأسبوع لا يحق له؛ في مناجاة خمسة عشر تريد أن تختمها كل أسبوعين كل يوم أقرأ ستشعر بسعادة وابتهالات يا أخوة لا تتعلقوا بالقشور والمظاهر إن شاء الله تتعلقون بالحقائق الذي يذوق الحقائق العقلية والشوارق والفيوضات المعنوية هذا شيء آخر.

نختم بهذا المفهوم "ليس الزهد أن لا تملك شيء إنما الزهد أن لا يملكك شيء"؛ يقال إن صاحب مجموعة ورَّام تنفيه الخواطر ـ مطبوع الكتاب من أهم الكتب الأخلاقية ـ في يوم من الأيام جاءه أحد الزهاد العباد دخل المجلس لما انصرف القوم رآه مكفهرا مغضباً قال ما خطبك؟ قال اعلم أيها الشيخ إنه قد قادني الشوق إليك لما كتبته في الزهد في كتابك تنبيه الخواطر فلما جئت إلى مجلسك لم أجد معالم الزهد عندك الضيوف والخدم والحشم والخيرات قال وماذا تريد مني أيها العابد؟ قال أريدك أن تخرج الآن معي إلى الصحراء لكي نعبد الله الآن قال وأنا حاضر فلننطلق؛ خرجا إلى أن وصلا إلى منتصف الطريق وإذا بالعابد يقول إنا لله وإنا إليه راجعون إنا لله وإنا إليه راجعون لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ما الخطب؟ قال أنا نسيت مسبحتي التي طالما سبحت الله بها قال وماذا نعمل؟ قال لابد أن نرجع لا يمكن أن أتعبد وأتهجد من دون المسبحة؛ فقال الشيخ فراس "رحمة الله عليه" أيها الشيخ لقد ملكت الدار والأهل والعيال والخيرات واستطعت الخروج منها في لحظة واحدة حينما قلت لي فلنخرج الآن فقد ملكتها ولم تملكني وأنت لم تملك إلا السبحة لكنها ملكتك ولم تملكها لم تستطع عبادة الله بدون هذه السبحة "ليس الزهد أن لا تملك شيء إنما الزهد أن لا يملكك شيء".

طالب العلم أحيانا يملكه الكتاب يشتري كتب يجمع كتب تملكه تأخذ حيز من قلبه؛ لا إذا اشترى كتاب وعلقه في المكتبة كأنما ختم العلم كله؛ يقول السيد الإمام الخميني "رضوان الله عليه" في رسالته للسيدة فاطمة الطباطبائي زوجة السيد أحمد الخميني ولده يقول لها ابنتي اهتمي برفع الحجب لا جمع الكتب؛ السعادة الحقيقية في رفع الحجب التي تحجبنا عن الله تبارك وتعالى وهي الذنوب وليست في جمع الكتب والألقاب والعناوين والمظاهر.

وفقنا الله وإياكم للعلم والعمل الصالح وجعلنا جميعاً من جنود الحجة المنتظر.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo