< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمدعلي البهبهاني

44/11/10

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الخمس/ارباح المكاسب /المسألة 61

قال صاحب العروة:

المسألة 61 : المراد بالمؤونة مضافاً إلى ما يصرف في تحصيل الربح [هو] ما يحتاج إليه لنفسه و عياله في معاشه بحسب شأنه اللائق بحاله في العادة من المأكل و الملبس و المسكن و ما يحتاج إليه لصدقاته و زياراته و هداياه و جوائزه و أضيافه و الحقوق اللازمة له بنذر أو كفارة أو أداء دين- أو أرش جناية أو غرامة ما أتلفه عمداً أو خطأً و كذا ما يحتاج إليه من دابة أو جارية أو عبد أو أسباب أو ظرف أو فرش أو كتب بل و ما يحتاج إليه لتزويج أولاده أو ختانهم و نحو ذلك مثل ما يحتاج إليه في المرض و في موت أولاده أو عياله إلى غير ذلك مما يحتاج إليه في معاشه و لو زاد على ما يليق بحاله مما يعدّ سفهاً و سرفاً بالنسبة إليه لا يحسب منها‌.

توضیح ذلك:

المطلب الأوّل: المعنى اللغوي للمؤونة

قبل البحث عن المؤونة نشیر إلی معناها اللغوي و الاصطلاحي:

المعنی الأول: التکلّف

في العين: الْمَؤُونَةُ: فعولة من مانَهم يَمُونُهم، أي: يتكلَّف مؤونتهم. و الْمَائِنَةُ: اسم ما يمون، أي: يتكلف من المؤونة.[1]

المعنی الثاني: التعب و الشدة

و في هذین المعنیین إیماء إلی معنی الثقل أیضاً.

قال الجوهري في الصحاح: المَؤُونَةُ تُهْمَزُ و لا تُهْمَزُ ، وَ هِيَ فَعُولَةٌ. وقال الفراء: قالَ الفرَّاءُ: هي مَفْعَلةٌ مِن الأَيْنِ، و هو التَّعَبُ و الشدَّةُ[2] . ويقال:[3] هي مَفْعُلَةٌ من‌ الأَوْنِ‌ و هو الخُرْجُ[4] و العِدْلُ ، لأنَّها ثِقْلٌ على الإنْسانِ.[5] قال الخليل: و لو كانَ مَفْعُلة لكانَ‌ مَئِينةً مِثْلَ مَعِيشةٍ. و عنْدَ الأَخْفَش يَجوزُ أنْ تكونَ مَفْعُلة.[6] ومَأَنتُ القومَ أَمؤُنُهم مَأناً إذا احتملتُ مَؤُونَتَهُم. ومن ترك الهمز قال: مُنْتُهُمْ أمونُهُمْ.

المعنی الثالث: الثقل

في المصباح: الْمَؤُونَةُ: الثِّقْلُ وَ فِيهَا لُغَاتٌ إِحْدَاهَا عَلَى فَعُولَةٍ بِفَتْحِ الْفَاء و بِهَمْزَةٍ مَضْمُومَةٍ وَ الْجَمْعُ‌ مَؤُونَاتٍ‌ عَلَى لَفْظِهَا وَ (مَأَنْتُ‌) الْقَوْمَ (أَمْأَنُهُمْ‌) مَهْمُوزٌ بِفَتْحَتَيْنِ و اللُّغَةُ الثَّانِيَةُ (مُؤْنَةُ) بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ قَالَ الشَّاعِرُ: أَمِيرُنَا مُؤنَتُه خَفِيفَه‌

وَ الْجَمْعُ (مُؤَنٌ‌) مِثْلُ غُرْفَةٍ و غُرَفٍ و (الثَّالِثَةُ) (مُونَةٌ) بِالْوَاوِ وَ الْجَمْعُ (مُوَنُ) مِثْلُ سُورَةٍ وَ سُوَرٍ يُقَالُ مِنْهَا (مَانَهُ) (يَمُونُهُ) مِنْ بَابِ قَالَ.[7]

المعنی الرابع: القوت

في لسان العرب: المَؤُونة: القُوتُ. مأَنَ‌ القومَ و مانهم: قام عليهم‌ ... الفراء: أَتاني و ما مأَنْتُ‌ مأْنَه‌ أَي من غير أَن تهيَّأْتُ و لا أَعدَدْتُ و لا عَمِلْتُ فيه، و نحو ذلك قال أَبو منصور، و هذا يدل على أَن‌ المؤُونة في الأَصل مهموزة، و قيل: المَؤُونة فَعُولة من مُنْتُه أَمُونُه موْناً، و همزةُ مَؤُونة لانضمام واوها، قال: و هذا حسن. و قال الليث: المائِنة اسمُ ما يُمَوَّنُ أَي يُتكَلَّفُ من‌ المَؤُونة ... قال ابن بري: إن جَعلْتَ‌ المَؤُونة من مانَهم يَمُونهم لم تهمز، و إن جعلتها من‌ مأَنْتُ‌ همزتها.[8]

قال المحقق الميلاني: المؤونة - على ما يفهم من اللغة - ما ينفقه المرء في ما يرومه. و النفقة هي التي تصرف و تبيد. ثم إنها على قسمين: أحدهما: ما هو مقدمة للاسترباح من الغرامات التي تصرف لأجله، كأجرة المحلّ‌، و أجرة الصانع و الدلاّل، و غير ذلك. ثانيهما - ما كان الاسترباح مقدمة له من النفقات التي تصرف لأجل المعاش و غير ذلك.[9]

المطلب الثاني: مؤونة تحصيل الربح

و ظاهر الشيخ الطوسي في الخلاف: يجب الخمس في جميع المستفاد من أرباح التجارات، و الغلات، و الثمار على اختلاف أجناسها بعد إخراج حقوقها و مؤنها، و إخراج مؤنة الرجل لنفسه و مؤنة عياله سنة. و لم يوافقنا على ذلك أحد من الفقهاء.[10]

المحقق النراقي في المستند: يشترط في وجوب الخمس في الفوائد المكتسبة بأقسامها الخمسة[11] : وضع مؤونة التحصيل التي يحتاج إليها في التوصّل إلى هذه الأمور، من حفظ الغنيمة و نقلها، و أجرة حفر المعدن و إخراجه و إصلاحه و آلاته، و آلات الغوص أو أرشها، و اجرة الغوص و غير ذلك، و مؤونة التجارة من الكراية، و اجرة الدلاّل و المنزل، و مؤونة السفر و العشور و نحوها، و كذا مؤونة الزراعة و الصناعة[12] ممّا يحتاج إليها حتى آلات الصناعة[13] .[14]

قال صاحب الجواهر في نجاة العباد: الخمس في هذا القسم و إن شارك غيره في توقّف تعلّقه شرعا على اخراج سائر الغرامات الّتي حصل بسببها النّماء و الرّبح لكنّه يزيد باختصاص تعلّقه بالفاضل عن مؤونة السّنة.[15]

المحقق الخوئي: المراد من مؤنة التحصيل كل مال يصرفه الإنسان في سبيل الحصول على الربح، كأجرة الحمال، و الدلال، و الكاتب، و الحارس، و الدكان، و ضرائب السلطان، و غير ذلك فإن جميع هذه الأمور تخرج من الربح، ثم يخمس الباقي، و من هذا القبيل ما ينقص من ماله في سبيل الحصول على الربح كالمصانع، و السيارات، و آلات الصناعة، و الخياطة، و الزراعة، و غير ذلك فإن ما يرد على هذه من النقص باستعمالها أثناء السنة يتدارك من الربح، مثلا إذا اشترى سيارة بألفي دينار و آجرها سنة بأربعمائة دينار، و كانت قيمة السيارة نهاية السنة من جهة الاستعمال ألفا و ثمانمائة دينار لم يجب الخمس إلا في المائتين، و المائتان الباقيتان من المؤونة. [16]

قال في مسألة أخرى: كل ما يصرفه الإنسان في سبيل حصول الربح يستثنى من الأرباح كما مر، و لا يفرق في ذلك بين حصول الربح في سنة الصرف و حصوله فيما بعد، فكما لو صرف مالاً في سبيل إخراج معدنٍ استثنى ذلك من المُخرَج و لو كان الإخراج بعد مضي سنة أو أكثر فكذلك لو صرف مالاً في سبيل حصول الربح، و من ذلك النقص الوارد على المصانع، و السيارات، و آلات الصنائع و غير ذلك مما يستعمل في سبيل تحصيل الربح.[17]

الدليل الأوّل: انصراف آية الغنيمة عمّا يصرف في المؤن

قال المحقق البروجردي: يمكن دعوى انصراف آية الاغتنام عن المؤونه رأسا؛ لأنّ‌ الأعمال الصادرة من الإنسان في التجارات يوما بيوم، أو في الصناعات، أو الزراعات، إنّما يتحمل مشاقها لرفع حوائجه و صرف ما يحصله منها فيما يحتاج إليه من المأكل و المشرب و الملبس و المسكن و ما يتشعب منها لنفسه و من يعوله، و العرف لا يعد ما يصرفه في هذه غنيمة، بل يطلقها على الزائد على ذلك. و بعبارة اخرى الأرباح لدى العرف هى الزائد على مؤونته لا ما يساويها و يستوعبها، سواء صرفت في تحصيل الربح و مقدماته أم في مؤونته و مؤونة عياله. و أمّا ما يستفيده بالغلبة في الحرب فحيث لم يكن مقصوداً له أولا، و لم يكن في سبيل اكتسابه، بل انّما كان قاصدا للظفر على اعدائه أولا، و الظفر على أموالهم بتبع الظفر عليهم، و يعد هذا المال عند العرف غنيمة بمجرد الظفر عليه من دون استثناء المؤونة. نعم، يستثنى منه ما يصرف في تجهيز الجند و سائر مقدمات الحرب، فلا يرى العرف ما يصرف في قيام الحرب غنيمة.[18]

الدليل الثاني: الأخبار المستفيضة

الرواية الأولى: رواية ابن شجاع

في التهذيب: سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شُجَاعٍ النَّيْسَابُورِيُ‌ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا الْحَسَنِ الثَّالِثَ عَنْ رَجُلٍ أَصَابَ مِنْ ضَيْعَتِهِ مِنَ الْحِنْطَةِ مِائَةَ كُرٍّ مَا يُزَكَّى فَأُخِذَ مِنْهُ الْعُشْرُ عَشَرَةُ أَكْرَارٍ وَ ذَهَبَ مِنْهُ بِسَبَبِ عِمَارَةِ الضَّيْعَةِ ثَلَاثُونَ‌ كُرّاً وَ بَقِيَ فِي يَدِهِ سِتُّونَ كُرّاً مَا الَّذِي يَجِبُ لَكَ مِنْ ذَلِكَ وَ هَلْ يَجِبُ لِأَصْحَابِهِ مِنْ ذَلِكَ عَلَيْهِ شَيْ‌ءٌ فَوَقَّعَ لِي مِنْهُ الْخُمُسُ مِمَّا يَفْضُلُ مِنْ مَؤُونَتِهِ.[19]

استدل بها صاحب الجواهر[20] و قال السيد الميلاني[21] في وجه الاستدلال بها: فتقرير الإمام لما صرفه في عمارة الضيعة، بناء على أن المراد من ذلك هي المصارف التي يتوقف عليها الاسترباح و إصابة تلك الأكرار، يشهد لما ذكرناه.


[2] لسان العرب، ابن منظور، ج13، ص396.. في اللسان: المعنى أنه عظيم التعب في الإنفاق على من يعول
[3] هو المازني كما في اللسان.
[4] من الخُرج، و هو ما یوضع علی الدابّة (خورجین در دو طرف دابه)؛ قالَ ابنُ بَرِّي: و الذي نَقَلَه الجَوْهرِيُّ مِن مَذْهبِ الفرَّاء أنَ‌ مَؤُونَةَ مِن الأيْنِ، و هو التَّعَبُ الشدَّةُ، صَحيحٌ إلَّا أنَّه أسْقَط تَمامَ الكَلامِ؛ فأمَّا الذي‌ غيَّره فهو قوْلُه: إنَ‌ الأَوْنَ‌ هو الخُرْجُ، و ليسَ هو الخُرْجَ، و إنَّما قالَ: و الأَوْنانِ جانِبَا الخُرْجِ، و هو الصَّحِيحُ، لأنَّ أوْنَ الخُرْجِ جانِبُه و ليسَ إيَّاه.
[5] و قال المازني بعد هذا الكلام: و يقالُ للأَتانِ إذا أقْرَبَتْ و عَظُمَ بطْنُها: قد أونتْ، و إذا أكَلَ الإنْسانُ و امْتَلأَ بَطْنُه و انْتَفَخَتْ خاصِرَتاه، قيلَ: أوَّنَ تأْوِيناً.
[6] قال ابن بري: و أَما قول الجوهري قال الخليل لو كان مَفْعُلة لكان مَئينةً، قال: صوابه أَن يقول لو كان مَفْعُلة من الأَيْن دون الأَوْن، لأَن قياسها من الأَيْنِ مَئينة و من الأَوْن مَؤُونة، و على قياس مذهب الأَخفش أَنَّ مَفْعُلة من الأَيْنِ مَؤُونة، خلاف قول الخليل، و أَصلها على مذهب الأَخفش مأْيُنَة، فنقلت حركة الياء إِلى الهمزة فصارت مَؤويْنَة، فانقلبت الياء واواً لسكونها و انضمام ما قبلها، قال: و هذا مذهب الأَخفش‌.
[9] محاضرات في فقه الإمامية، ص81.
[11] الموارد الخمسة هي الغنائم بالمعنى الأخصّ و المعدن و الكنز و الغوص و المكاسب، و أمّا أرض الذمّي المشتراة من مسلم، و المال المختلط بالحرام فهما و إن لم أوجب الخمس فيها إلّا أنهما ليستا من الفوائد المكتسبة، و قد تردد في الأخير بأن الخمس الواجب فيه ليس من الخمس الاصطلاحي و قد مرّ في المجلد الثاني.
[12] في نسخة: الصياغة.
[13] في نسخة: الصياغة.
[21] محاضرات في فقه الإمامیة (الخمس)، ج1، ص۸۲.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo