< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمدعلي البهبهاني

44/05/03

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الخمس/ارباح المكاسب /المسألة56؛ النظریة الثانیة؛ الدلیل الخامس للنظریة الثانیة

 

الدليل الخامس:

قال السيد الخلخالي: و الذي ينبغي أن يقال في المقام إنّ مقتضى النظر الأولى في الجمع بين طائفتين من الأدلة هو ترجيح القول الثاني، أي لحاظ كل ربح بانفراده و استثناء المئونة بعد حصوله أما الطائفة الأولى فهي العمومات و الإطلاقات الدالة على تعلق الخمس بكل فرد فرد من الأرباح و الفوائد، كقوله تعالى: ﴿اِعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ‌ مِنْ‌ شَيْ‌ءٍ‌ فَأَنَّ‌ لِلّه خُمُسَهُ﴾[1] فإن قوله تعالى: ﴿مِنْ‌ شَيْ‌ءٍ‌﴾ يكفي في الدلالة على العموم الاستغراقي لكل فائدة لا سيما بملاحظة تفسيره في خبر حكيم بقوله علیه السّلام «هي و اللّه الإفادة يوما بيوم»[2] و غير ذلك من الروايات العامة أو المطلقة الدالة على تعلق الخمس بكل ما يستفيده من قليل و كثير.

كموثق سماعة «الخمس في كل ما أفاد الناس من قليل و كثير»[3] .

و هكذا ما ورد من أنه «لو خاط الخياط ثوبا بخمسة دوانيق يكون لأرباب الخمس فيها دانق»[4] و من هنا قلنا بتعلق الخمس بكل دفعة من دفعات إخراج الغوص، و الكنز، و المعدن، لعموم الموصول في قوله علیه السّلام «فيما يخرج من المعادن، و البحر... الخمس»[5] و كذا في قوله تعالى ﴿ما غَنِمْتُمْ‌...[6]

و أما الطائفة الثانية فهي بعض أخبار المئونة[7] الدالة على أن الخمس بعد المئونة، و هي الأخبار المطلقة الواردة في الاستثناء من دون ورودها في مورد خاص فإنها ظاهرة في أن المستثنى منه إنما هو الربح الموجود الذي تعلق به الخمس إلاّ أنه يجوز صرفه في المئونة و هي:

١ - صحيحة البزنطي قال كتبت إلى أبي جعفر عليه السّلام: «الخمس أخرجه قبل المئونة أو بعد المئونة فكتب بعد المئونة»[8] .

و رواية إبراهيم بن محمد الهمداني، أن في توقيعات الرضا علیه السّلام إليه: «أن الخمس بعد المئونة»[9] .

فإن الخمس و المئونة كلاهما يردان على الربح إلاّ أن تعلق الخمس به يتأخر عن المئونة، فيتعلق بما زاد عنها، فلا بد من فرض وجود الربح كي يتعلق به الخمس وضعاً و إن جاز تكليفاً تأخره إلى سنة (سنة المئونة) فهما يردان على الربح لا محالة إلاّ أن الخمس بعد المئونة تعلقا، لا زمانا فيكون الربح موضوعا لأحكام ثلاثة:

[1] تعلق الخمس به وضعا من أول حدوثه.

و [2] وجوب أدائه تكليفا وجوباً موسعاً إلى آخر السنة.

و [3] جواز صرفه في مئونة السنة.

و نتيجة ذلك تعلق الخمس بما زاد عن المئونة، و مقتضى الجمع بين هاتين الطائفتين هو جواز صرف الربح الموجود في المئونة، لا تداركها من الربح المتأخر بوضع ما يقابل ما صرفه في المئونة السابقة، فإنه خلاف ظاهر هذه الروايات إلاّ بتصرف يأتي بقرينة جملة اخرى من روايات المئونة، و حيث إن المئونة فسرّت بمئونة السنة عرفاً و إجماعاً اقتضى ذلك اعتبار الحول لكل ربح ربح بانفراده، فلكل ربح عام مستقل و هذا هو مدرك القول الثاني.[10]

الدليل السادس:

قال السيد الهاشمي الشاهرودي: إنّ‌ ظاهر أدلة استثناء المؤونة فعلية الاستثناء للمؤونة و ترتبها على الربح، فلا بد من فعلية الربح في زمان المؤونة، فلا يشمل المؤونة الواقعة قبل حصوله لعدم كون الاستثناء فعلياً منه، و إنّما هو جبران لما صرف في المؤونة من الربح الحاصل فيما بعد، و هذا لا يمكن استفادته من دليل استثناء المؤونة عن الربح، إذ ليس هذا صرفاً للربح في المؤونة بل تعويض عمّا صرف فيها منه، و ظاهر دليل الاستثناء الصرف من الربح على المؤونة فعلاً و الذي لا يصدق مع فرض عدم حصول الربح.[11]

إيرادان على النظرية الثانية:

الإيراد الأوّل: إن القول بها موجب للعسر و الحرج المنفيين

أورد هذا الإيراد المحقق القمي، و المحقق النراقي، و الشيخ الأنصاري، و صاحب الجواهر و المحقق الحكيم.

قال المحقق النراقي: لإيجاب الأول [النظرية الثانية] العسر و الحرج المنفيّين، بل هو خلاف سيرة الناس و إجماع العلماء طرّاً، لإيجابه ضبط حول كلّ‌ ربح و عدم خلطه مع غيره، و هو ممّا لم يفعله أحد، سيّما أرباب الصناعات و كثير من التجارات.[12]

قال الشيخ الأنصاري: لا ريب أنّ‌ مراعاة هذا قد يؤدّي إلى الحرج الشديد كما لو اكتسب كلّ‌ يوم شيئاً، بل كلّ‌ ساعة شيئاً، فإنّ‌ مراعاة حول مستقلّ‌ لكلّ‌ ربح جديد متعذّر أو قريب منه، و هو منفيّ‌ بالعقل و النقل، مضافا إلى السيرة القطعيّة.[13]

قال المحقق الحكيم: إن البناء على الثاني [النظرية الثانية] يستوجب ملاحظة مقدار المؤن - الواقعة فيما بين الأرباح - و ضبطها على نحو يعلم كيفية التوزيع و ذلك حرج شديد في أكثر أنواع الاكتساب. لا سيما في مثل الصانع الذي يربح في كل يوم أو في كل ساعة شيئاً. و لو وجب مثل ذلك لزم الهرج و المرج، و لكثر السؤال و استيضاح الحال على نحو لا يبقى على مثل هذا الإهمال و الاشكال، فدل عدم ذلك على عدمه.[14]

أجوبة علی الإیراد الأول:

الجواب الأول: ملاحظتنا علیه

إنّ الحرج حکم ثانوي یقتصر فیه بموارده و لا یبطل به الحکم الأوّلي في جمیع الموارد، و إن کانت موارد الحرج کثیرة.

مع أنّ الشهید الثاني لا یقول بلزوم إعطاء الخمس لکلّ ربح في خصوص سنته الخمسیة التي تخصّه، بل یجوز أن یعطیه في مورد الحرج قبل وصول سنته الخمسیة فیمکن أن یخمّس المال کلّا في سنة الربح الأول، أو في سنة الأرباح المقدّمة علیه.

الجواب الثاني: عن المحقق الخوئي

قال المحقق الخوئي: لا نعقل له [أي للعسر و الحرج في المقام] معنىً‌ محصّلاً حتى في التدريجيّات مثل العامل أو الصانع الذي يربح في كلّ‌ يوم ديناراً مثلاً فإنّه إن لم يبقَ كما هو الغالب حيث يصرف ربح كلّ‌ يوم في مئونة اليوم الثاني فلا كلام، و إن بقي يخمّس الفاضل على المؤونة.

نعم، لا بأس بجعل السنة، لسهولة الأمر و انضباط الحساب، كما هو المتعارف عند التجار، حيث يتّخذون لأنفسهم سنة جعليّة يخرجون الخمس بعد انتهائها و استثناء المؤن المصروفة فيها و إن كانت الأرباح المتخلّلة فيها تدريجيّة الحصول بطبيعة الحال. فإنّ‌ هذا لا ضير فيه، إذ الخمس قد تعلّق منذ أوّل حصول الربح، غايته أنّه لا يجب الإخراج فعلاً، بل يجوز إرفاقاً التأخير إلى نهاية السنة و الصرف في المئونة، فبالإضافة إلى الربح المتأخّر يجوز إخراج خمسه و إن لم تنته سنته، فإنّ‌ ذلك كما عرفت إرفاق محض و لا يلزم منه الهرج و المرج[15] بوجه. كما يجوز أن يخرج الخمس من كلّ‌ ربح فعلاً من غير اتّخاذ السنة، فلاحظ.[16]

 


[7] و هناك جملة اخرى وردت في موارد خاصة، و هي المذكورة في الباب٨ مما يجب فيه الخمس، وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج9، ص499، أبواب مما یجب فیه الخمس، باب۸، ح۱، ط آل البيت.. - يأتي الكلام فيها
[11] و قال بعد ذلك: و هذا الوجه تام لو لا ما سنذكره من الادلة على صحة الاحتساب بالطريقة الاولى أيضا، فانّ‌ تلك الادلة لو تم شيء منها فهو يحكم على هذا الظهور. كتاب الخمس، الهاشمي الشاهرودي، السيد محمود، ج2، ص209.
[15] المرج الموضع الذي ترعى فيه الدواب و تترك لتذهب حيث تشاء، و معناه أيضاً الخلط.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo