46/11/16
بسم الله الرحمن الرحیم
تذنیب: الفرق بین التعارض و التزاحم/معنى التعارض /التعادل و التراجيح
الموضوع: التعادل و التراجيح/معنى التعارض /تذنیب: الفرق بین التعارض و التزاحم
تذنیب: الفرق بین التعارض و التزاحم
قبل الورود في البحث لابدّ من أن نشیر إلى المعنی المراد من التزاحم حتی یتّضح المراد من التزاحم المبحوث عنه، فنقول:
الأمر الأول: اطلاق التزاحم في موردين
المورد الأوّل: تزاحم الملاكات
و المراد منه هو تزاحم ملاكات الأحكام الشرعیة، فإنّ الأحكام تابعة للمصالح و المفاسد إلا أنّه اختلف أعلامنا في موضوعها؛ فقال المشهور بأنّ المصالح و المفاسد في متعلّقات الأحكام[1] [2] [3] [4] [5] [6] [7] ، و قال بعض الأصولیین بأنّ المصالح و المفاسد في نفس الأحكام[8] ، و على أيّ حالٍ أصل تبعیة الأحكام للمصالح و المفاسد متّفقٌ علیها عند العدلیة، خلافاً للأشاعرة القائلین بعدم تبعیة الأحكام للمصالح و المفاسد[9] .
و الملاكات هنا على قسمین:
القسم الأوّل: الملاكات التي تلاحظ عند جعل الحكم الشرعي
و الشارع یلاحظ المصالح و المفاسد و بعد الكسر و الانكسار یجعل الحكم الشرعي.
قد یكون الفعل واجداً لأحدهما إمّا المصلحة و إمّا المفسدة و كلّ منهما إمّا ملزمة و إمّا غیر ملزمة، و المصلحة الملزمة مناط الوجوب و المفسدة الملزمة مناط الحرمة و المصلحة غیر الملزمة مناط الاستحباب و المفسدة غیر الملزمة مناط الكراهة.
و كلّ هذه الملاكات إمّا أن توجد في الفعل بانفراده و إمّا أن توجد فیه مع ملاك آخر و حینئذ تصل النوبة إلى الكسر و الانكسار.
أمّا الإباحة فملاكها إمّا عدم وجود المصلحة و المفسدة في الفعل و إمّا وجود المصلحة و المفسدة المتساویتین فیه، سواء كانتا ملزمتین أو غیر ملزمتین، و إمّا مصلحة الترخیص و التسهیل على الأمّة، كما ورد: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ»[10] [11] [12] .
و الأمر في هذا القسم بید المولى و الشارع، و لایجوز للمكلّف الدخول في هذا المقام و إن كان مجتهداً و فقیهاً، لأنّه متوقّف على العلم بجمیع خصوصیات ملاكات المتعلّقات و مقدارها و ذلك لايناله إلّا الشارع.
القسم الثاني: الملاكات التي جعلها الشارع موضوعاً للحكم الشرعي
و ذلك مثل مصلحة مال الیتیم و مصلحة الوقف و مصلحة تدبیر أمور المملكة و مصالح النظام الاجتماعية و المدنية، و تشخیص تلك المصالح على عاتق المكلّف، و قد اعتبر الشارع لمن یرید تولّي تلك المصالح شرائط خاصّة مثل الإیمان و الفقاهة و العدالة؛ ففي بعض الجهات مثل الولایة على الیتیم الصغیر فقد اكتفى الشارع بقید الإیمان، و في بعض الجهات العامّة -مثل القضاء و تدبیر أمور المسلمین و تولّیهم- لم یكتف بذلك بل اعتبر فیها الفقاهة مضافاً إلى العدالة و الإیمان، و في بعضها كالولاية على الولد الصغیر اعتبر نفس الأبوّة و الأمر في هذا القسم على عهدة واجد العنوان الذي اعتبره الشارع، فإنّ تشخیص مصلحة مال الطفل مثلاً على عهدة أبیه و جدّه، و تعیین مصلحة مال الیتیم الصغیر على عهدة قیّمه، كما أنّ الملاك في تعیین مصالح المسلمین و أمورهم العامّة مثل بیت مال المسلمین و علاقاتهم الدولية و أمثال هذه الأمور هو تشخیص الفقیه العادل الجامع للشرائط و لابدّ له من ملاحظة تزاحم الملاكات من المصالح الموضوعیة و المفاسد الموضوعیة و الكسر و الانكسار بینهما حتّی یتّضح موضوع الحكم الشرعي الذي جعله الشارع؛ ففي تلك الأحكام الشرعیة نجد مصلحتین:
الأولى: المصلحة التي هي مناط الحكم و هي خارجة عن حدود مسؤوليات الفقیه، بل هي الملاك الذي على أساسه یجعل الشارع الأحكام الشرعیة المذكورة.
الثاني: المصلحة التي هي موضوع الحكم و هي التي یجب على الفقیه تشخیصها و تشخیص تزاحمها مع المفاسد، و حینئذٍ یجري هنا ما سیأتي من أحكام التزاحم.
المورد الثاني: تزاحم الأحكام في مقام الامتثال
نظریة المحقق النائیني(قدسسره)
قد عرّف المحقّق النائیني(قدسسره) التزاحم بـ «تنافي الحكمین في مقام الامتثال» و المراد من تنافي الحكمین هو عدم إمكان اجتماعهما، و التزاحم في خصوصیة عدم إمكان اجتماع الحكمین یشترك مع التعارض.
الفرق بین التزاحم و التعارض
و قد قال المحقّق النائیني(قدسسره) في مقام الفرق بینهما:
«إنّ عدم إمكان الاجتماع في التعارض إنّما یكون في مرحلة الجعل و التشریع، بحیث یمتنع تشریع الحكمین ثبوتاً، لأنّه یلزم من تشریعهما اجتماع الضدین أو النقیضین في نفس الأمر.
و أمّا التزاحم فعدم إمكان اجتماع الحكمین فیه إنّما یكون في مرحلة الامتثال بعد تشریعهما و إنشائهما على موضوعهما المقدّر وجوده و كان بین الحكمین في عالم الجعل و التشریع كمال الملائمة من دون أن یكون بینهما مزاحمة في مقام التشریع و الإنشاء، و إنّما وقع بینهما المزاحمة في مقام الفعلیة بعد تحقّق الموضوع خارجاً، لعدم القدرة على الجمع بینهما في الامتثال، فیقع التزاحم بینهما لتحقّق القدرة على امتثال أحدهما، فیصلح كلّ منهما لأن یكون تعجیزاً مولویاً عن الآخر و رافعاً لموضوعه، فإنّ كلّ تكلیف یستدعي حفظ القدرة على متعلّقه و صرفها نحوه و إن لزم منه سلب القدرة عن التكلیف الآخر، و المفروض ثبوت القدرة على كلّ منهما منفرداً و إن لم یمكن الجمع بینهما، فكلّ من الحكمین یقتضي حفظ موضوعه و رفع موضوع الآخر بصرف القدرة إلى امتثاله، فیقع التزاحم بینهما في مقام الامتثال»[13] [14] .
منشأ اعتبار القدرة في موضوع التكلیف عند المحقّق النائیني(قدسسره)
إنّ المحقّق النائیني(قدسسره) تعرّض لوجه افتراق التعارض و التزاحم قبل ذلك في مبحث اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن ضدّه، و اختار فیه اقتضاء نفس التكلیف لاعتبار القدرة في موضوعه خلافاً للمحقّق الثاني(قدسسره)[15] حیث إنّ المستفاد من كلامه هو أن یكون منشأ اعتبار القدرة شرطاً للتكلیف هو قبح تكلیف العاجز.
و المحقق النائیني(قدسسره) یری أنّ استناد أخذ القدرة في موضوع التكلیف إلى نفس التكلیف هو استناد إلى أمر ذاتي و هذا سابق على الاستناد إلى أمر عرضي[16] و هو حكم العقل بقبح تكلیف العاجز، و قال في توضیح ذلك:
«إنّ الآمر إنّما یأمر بشيء لیحرّك عضلات العبد نحو الفعل بالإرادة و الاختیار بجعل الداعي له إلى ترجیح أحد طرفي الممكن، و هذا المعنی بنفسه یستلزم كون متعلّقه مقدوراً، لامتناع جعل الداعي نحو الممتنع عقلاً أو شرعاً، و علیه فالبعث لایكون إلا نحو المقدور، فتخرج الأفراد غیر المقدورة عن حیّز الطلب»[17] .
مناقشة المحقّق الخوئي(قدسسره) علی المحقّق النائیني(قدسسره)
إنّ المحقق الخوئي(قدسسره) اختار نظریة المحقق الثاني(قدسسره) و ذهب إلى أنّ اعتبار القدرة في موضوع التكلیف إنّما هو لحكم العقل بقبح تكلیف العاجز و قال:
«تحرّك المكلّف نحو الفعل و انبعاثه عن بعث المولى إنّما یتحقّق في ظرف وصول التكلیف إلیه و حصول الداعي له إلى الامتثال من جهة حكم العقل بلزومه، و أمّا التكلیف في نفسه فهو كما عرفت سابقاً لیس إلا عبارة عن اعتبار كون الفعل على ذمّة المكلّف، كما أنّ الإنشاء على ما ذكرناه لا شأن له إلا أنّه إبراز لذلك الاعتبار القائم بالنفس، فلا مقتضي لاختصاص متعلّق الحكم بالحصّة الإرادیة و الاختیاریة، بل الفعل على إطلاقه متعلّق الحكم سواء في ذلك المقدور و غیره. نعم القدرة دخیلة في حكم العقل بلزوم الامتثال، و من الواضح أنّ ذلك لایقتضي اعتبارها في متعلّق التكلیف بوجه أصلاً»[18] [19] .