46/10/29
بسم الله الرحمن الرحیم
خاتمة؛ الشرط الثالث؛ البحث الأول/أصالة الاستصحاب /الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /خاتمة؛ الشرط الثالث؛ البحث الأول
بیان المحقّق الخوئي تتمیماً لنظریة صاحب الكفایة(قدسسرهما)
إنّ المحقّق الخوئي(قدسسره) التزم بنظریة صاحب الكفایة(قدسسره) و هو جریان الاستصحاب في كلا الطرفین، إلا أنّ المانع عن جریان الاستصحاب في كلا الطرفین عند صاحب الكفایة(قدسسره) هو المخالفة القطعیة العملیة و عند المحقّق الخوئي(قدسسره) هو أمران:
أحدهما ما ذكره صاحب الكفایة(قدسسره) من لزوم المخالفة العملیة القطعیة.
و ثانیهما الدلیل الدالّ على عدم جواز التفكیك.
توضیح المانع الثاني:
قال: «لایمكن جریان الاستصحاب في المتلازمین فیما إذا دلّ دلیل من الخارج على عدم جواز التفكیك بینهما في الحكم مطلقاً، لا في الحكم الواقعي و لا في الحكم الظاهري، كما في الماء المتمم كرّاً، فإذا لمنستفد من الأدلّة طهارته و لا نجاسته و وصلت النوبة إلى الأصل، یكون مقتضى الاستصحاب في المتمَّم بالفتح هو النجاسة و في المتمِّم بالكسر هو الطهارة مع العلم بمخالفة أحد الاستصحابین للواقع، و لایمكن الأخذ بكلا الاستصحابین لا للعلم الإجمالي المذكور، بل للإجماع على عدم جواز التفكیك بین أجزاء ماء واحد في الحكم بنجاسة بعض و طهارة بعض، فیسقط الاستصحابان عن مقام الحجّیة إذ الأخذ بهما مخالف للإجماع، و بأحدهما المعیّن ترجیح بلا مرجّح، و بأحدهما المخیّر یحتاج إلى دلیل، فلابدّ من الرجوع إلى أصل آخر كأصالة الطهارة»([1] ).
القول الثالث: التفصيل بين الشبهات التحريمية و غير التحريمية المختار
و هو جریان الاستصحاب في أحد أطراف العلم الإجمالي في الشبهات التحریمیة و عدم جریان الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي في غیر الشبهات التحریمیة، لما تقدّم من أنّ العلم الإجمالي بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعیة علّة تامّة و بالنسبة إلى وجوب الموافقة القطعیة لیس علّةً تامّة بل هو اقتضائي و لولا وجود المانع یصل إلى حدّ یوجب موافقته القطعیة، و حینئذٍ نفس العلم الإجمالي المذكور یمنع عن جریان الاستصحاب في بعض أطرافه فضلاً عن جریانه في كلّ الأطراف. في المباحث السابقة، وفي المسائل المتعلقة بالعلم الإجمالي، ذكرنا أنّ هناك مانعاً في الشبهات التحريمية.([2] )
و ظهر لك بما تقدّم في نقد نظریة الشیخ الأعظم الأنصاري(قدسسره) و المحقّق النائیني(قدسسره) و أیضاً ممّا تقدّم في نقد نظریة صاحب الكفایة(قدسسره)، بطلان القول الأوّل و الثاني و صحّة القول الثالث.
هذا تمام الكلام في البحث الأول. ([3] )
البحث الثاني: تعارض الاستصحاب مع الأصول العملیة الشرعیة
إنّ الاستصحاب أصل عملي محرز و بعد جریانه یرتفع الشك تعبّداً و لذا لایبقی مجال لجریان سائر الأصول الشرعیة، لأنّ موضوع تلك الأصول الشرعیة قد ارتفع بالاستصحاب تعبّداً، فالاستصحاب حاكم على سائر الأصول العملیة الشرعیة([4] [5] [6] [7] [8] ).
فحال الاستصحاب مع الأصول الشرعیة بعینه حال الأمارات مع الاستصحاب.([9] )
البحث الثالث: تعارض الاستصحاب مع الأصول العملیة العقلیة
إنّ الاستصحاب بجریانه یوجب ارتفاع موضوع الأصول العقلیة وجداناً، فإنّ موضوع البراءة العقلیة مثلاً هو عدم البیان، و بعد جریان الاستصحاب یتحقّق البیان فیرتفع موضوع البراءة العقلیة وجداناً، فالاستصحاب یتقدّم على الأصول العملیة العقلیة من باب الورود، و حال الاستصحاب مع الأصول العملیة العقلیة حال الأمارات مع تلك الأصول العملیة العقلیة.([10] )
البحث الرابع: تعارض الاستصحاب مع قاعدتي الفراغ و التجاوز
لا خلاف بین الأعلام في تقدیم قاعدتي الفراغ و التجاوز على الاستصحاب و إنّما الكلام في وجه تقدیمهما علیه و فیه خلاف بین الأصولیین سواء قلنا بأنّ قاعدتي الفراغ و التجاوز من الأمارات كما هو المشهور أم قلنا بأنّهما من الأصول العملیة([11] ) و سواء كان الاستصحاب من الأمارات كما ذهب إلیه بعض القدماء و المحقّق النائیني(قدسسره) و المحقّق الخوئي(قدسسره) أم كان من الأصول العملیة المحرزة.
و مقتضى التحقیق أنّ قاعدتي الفراغ و التجاوز من الأمارات و أمّا الاستصحاب فهو من الأصول العملیة الشرعیة المحرزة، كما تقدّم بیانه.
قاعدة الفراغ وقاعدة التجاوز كلتاهما تتعلقان بالعمل الذي قام به المكلَّف نفسه؛ أي أنهما تجريان في مورد الشك في أصل صدور العمل من المكلَّف أو الشك في صحته، حيث يُبنى فيهما على الصحة. وأما أصل الصحة، فهو خاص بالعمل الذي قام به شخص آخر، ففيه يُحكم بالصحة فقط من جهة صحة العمل لا من جهة أصل صدوره. فالتفاوت هو أن قاعدة الفراغ وقاعدة التجاوز تتعلقان بأصل وقوع العمل وصحته بالنسبة للمكلَّف نفسه، بينما أصل الصحة يتعلق فقط بصحة عمل الغير.
أما الفرق بين قاعدة الفراغ وقاعدة التجاوز فهو أن قاعدة الفراغ تتعلق بالحكم بصحة شيء نشك في صحته بعد الفراغ والانتهاء منه ومضي زمانه؛ بينما قاعدة التجاوز هي حكم الشارع بوجود شيء نشك في وجوده بعد تجاوز محلّه.([12] )
و نبحث هنا عن جهتين:
الجهة الأولی: الاستدلال على أمارية القاعدتين
الدليل الأول: الاستدلال بالأخبار
الرواية الأولى: صحیحة زرارة
«مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ([13] ) عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ حَرِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ(علیه السلام): رَجُلٌ شَكَّ فِي الْأَذَانِ وَ قَدْ دَخَلَ فِي الْإِقَامَةِ، قَالَ(علیه السلام): يَمْضِي.
قُلْتُ: رَجُلٌ شَكَّ فِي الْأَذَانِ وَ الْإِقَامَةِ وَ قَدْ كَبَّرَ. قَالَ(علیه السلام): يَمْضِي.
قُلْتُ: رَجُلٌ شَكَ فِي التَّكْبِيرِ وَ قَدْ قَرَأَ. قَالَ(علیه السلام): يَمْضِي.
قُلْتُ: شَكَّ فِي الْقِرَاءَةِ وَ قَدْ رَكَعَ. قَالَ(علیه السلام): يَمْضِي.
قُلْتُ: شَكَّ فِي الرُّكُوعِ وَ قَدْ سَجَدَ. قَالَ(علیه السلام): يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ. ثُمَّ قَالَ(علیه السلام): يَا زُرَارَةُ إِذَا خَرَجْتَ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ دَخَلْتَ فِي غَيْرِهِ فَشَكُّكَ لَيْسَ بِشَيْءٍ»([14] ).
الرواية الثانية: صحیحة محمّد بن مسلم
«مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ([15] ) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: إِنْ شَكَّ الرَّجُلُ بَعْدَ مَا صَلَّى فَلَمْ يَدْرِ أَ ثَلَاثاً صَلَّى أَمْ أَرْبَعاً وَ كَانَ يَقِينُهُ حِينَ انْصَرَفَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ أَتَمَّ لَمْ يُعِدِ الصَّلَاةَ وَ كَانَ حِينَ انْصَرَفَ أَقْرَبَ إِلَى الْحَقِّ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ»([16] ).
في بيان كون قاعدة الفراغ أمارة، يُلاحظ تعليل الإمام عليه السلام في الرواية حيث يقول: «كان حين انصرف أقرب إلى الحق منه بعد ذلك»؛ أي أنّ المكلَّف عندما أتمّ العمل وفرغ منه، كان أقرب إلى الواقع والحقيقة منه حينما يشكّ لاحقاً. واستخدام الإمام لتعبير «أقرب إلى الواقع» يدلّ على أنّ هذه القاعدة علامة وطريق لكشف الواقع، ولهذا تُعدّ من الأمارات لا من الأصول العملية؛ لأنّ الأصول العملية تحدّد فقط وظيفة المكلَّف العملية في حالة الشك، بينما أماريّة قاعدة الفراغ تعني أنّ الشارع جعلها وسيلة للوصول إلى الواق وبناءً على هذا التعليل، لا تُعدّ قاعدة الفراغ من الأصول العملية، بل هي أمارة تدلّ على الواق
الرواية الثالثة: صحیحة اُخری لمحمّد بن مسلم
«مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ [بن عیسی أو بن خالد البرقي] عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ(علیه السلام)، قَالَ: كُلُّ مَا شَكَكْتَ فِيهِ بَعْدَ مَا تَفْرُغُ مِنْ صَلَاتِكَ فَامْضِ وَ لَاتُعِدْ»([17] ).
الرواية الرابعة: صحیحة عبد الله بن أبي یعفور
«[مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ] عَنِ الْمُفِيدِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَعْفُورٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(علیه السلام) قَالَ: إِذَا شَكَكْتَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْوُضُوءِ وَ قَدْ دَخَلْتَ فِي غَيْرِهِ فَلَيْسَ شَكُّكَ بِشَيْءٍ إِنَّمَا الشَّكُّ إِذَا كُنْتَ فِي شَيْءٍ لَمْ تَجُزْهُ.»([18] )
و أحمد بن محمد هو ابن الحسن بن أحمد بن الولید هو و أبوه من الأجلاء.
و عبد الكریم بن عمرو الخثعمي من الأجلاء الثقات إلّا أنّه انحرف و توقف و الأصحاب أخذوا عنه قبل انحرافه.
الرواية الخامسة: صحیحة بكیر بن أعین
«[مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ] بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ فَضَالَةَ [بْنِ أَيُّوبَ] عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ أَعْيَنَ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: الرَّجُلُ يَشُكُّ بَعْدَ مَا يَتَوَضَّأُ، قَالَ: هُوَ حِينَ يَتَوَضَّأُ أَذْكَرُ مِنْهُ حِينَ يَشُكُ».([19] )
الجملة الأخيرة من هذه الرواية تدلّ على أنّ قاعدة الفراغ من الأمارات، لأنّ الإمام (عليه السلام) ببيانه أنّ الشخص عند القيام بالعمل يكون أكثر دقةً وانتباهًا، يوضّح أنّ احتمال الصحة ومطابقة العمل للواقع في تلك اللحظة أكبر. لذلك، الشارع مع الالتفات إلى هذه الحالة، يحكم بصحة العمل، وهذا يُظهر أنّ قاعدة الفراغ أمارة وليست مجرّد أصل عملي.
الرواية السادسة: موثقة محمد بن مسلم
«مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ صَفْوَانَ عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ(علیه السلام) قَالَ: كُلُّ مَا شَكَكْتَ فِيهِ مِمَّا قَدْ مَضَى فَامْضِهِ كَمَا هُوَ.»([20] )
الرواية السابعة: صحيحة إسماعيل بن جابر
«مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(علیه السلام) فِي رَجُلٍ نَسِيَ أَنْ يَسْجُدَ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ حَتَّى قَامَ فَذَكَرَ وَ هُوَ قَائِمٌ أَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ.
قَالَ(علیه السلام): فَلْيَسْجُدْ مَا لَمْ يَرْكَعْ فَإِذَا رَكَعَ فَذَكَرَ بَعْدَ رُكُوعِهِ أَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ فَلْيَمْضِ عَلَى صَلَاتِهِ حَتَّى يُسَلِّمَ ثُمَّ يَسْجُدُهَا فَإِنَّهَا قَضَاءٌ.
قَالَ: وَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ(علیه السلام): إِنْ شَكَّ فِي الرُّكُوعِ بَعْدَ مَا سَجَدَ فَلْيَمْضِ وَ إِنْ شَكَّ فِي السُّجُودِ بَعْدَ مَا قَامَ فَلْيَمْضِ كُلُّ شَيْءٍ شَكَّ فِيهِ مِمَّا قَدْ جَاوَزَهُ وَ دَخَلَ فِي غَيْرِهِ فَلْيَمْضِ عَلَيْهِ.»([21] )
الرواية الثامنة: صحيحة فضيل بن يسار
«مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ عن الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ فَضَالَةَ عَنْ أَبَانٍ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ(علیه السلام): أَسْتَتِمُّ قَائِماً فَلَا أَدْرِي رَكَعْتُ أَمْ لَا، قَالَ(علیه السلام): بَلَى قَدْ رَكَعْتَ فَامْضِ فِي صَلَاتِكَ فَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ.»([22] )
حتماً، ترجمه عربی روان متن شما به صورت زیر است:
في هذه الرواية، يسأل فضيل بن يسار الإمام الصادق (عليه السلام): «وأنا قائم (في الصلاة) لا أدري هل ركعت أم لا؟» فيجيب الإمام (عليه السلام): «نعم، قد ركعت، فأتمّ صلاتك، فإنّ هذا الشك من الشيطان.» الإشكال الذي يُطرح في هذه الرواية هو أنّه بحسب القواعد الفقهية، تجري قاعدة التجاوز عندما يتجاوز الإنسان محلّ ذلك العمل؛ أي يكون قد تجاوز الموضع الذي يُؤتى فيه بذلك العمل (كالركوع مثلاً). لكن في هذه الرواية، الشخص ما زال في حالة القيام، وربما لم يتجاوز بعد محل الركو لذا، بحسب ظاهر الرواية، حُكم بصحة الركوع ووقوعه، مع أنّه لم يدخل بعد في المرحلة التالية من الصلاة. ولرفع هذا الإشكال، بيّن بعض الفقهاء أنّ المقصود من «القائم» في هذه الرواية قد يكون الحالة التي يكون فيها الشخص بعد القيام وبعد الركوع، أي بعد الرجوع من الركوع والدخول في القيام بعد الركوع (بحيث يكون قد تجاوز محل الركوع). أو أن الرواية ليست في مقام بيان القاعدة الكلية، بل تتعلق بحالة خاصة يكون الشك فيها ناشئاً من الوسواس ووساوس الشيطان. ولهذا السبب، حمل كثير من الفقهاء هذه الرواية على موارد الوسواس والشكوك غير العادية، واعتبروا أن حكم الرواية لا يُعمّم على جميع موارد قاعدة التجاوز من حيث العموم.
فبناءً عليه، فإنّ هذه الرواية، وإن كان ظاهرها لا ينسجم مع ضابطة قاعدة التجاوز، إلا أنّه يجب إمّا حملها على حالة خاصة من الوسواس، أو أن يُراد من «القائم» القيام بعد الركوع، حيث يكون قد تجاوز محل الركوع وتجري قاعدة التجاو
الرواية التاسعة: صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله
«محمد بن الحسن عَنْ سعد عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ(علیه السلام): رَجُلٌ أَهْوَى إِلَى السُّجُودِ فَلَمْ يَدْرِ أَ رَكَعَ أَمْ لَمْ يَرْكَعْ؟ قَالَ: قَدْ رَكَعَ.»([23] )
في هذه الرواية جاء أن رجلاً سأل الإمام الصادق (عليه السلام): «رجل سجد ولم يدرِ أركع أم لا؟» فقال الإمام (عليه السلام): «قد ركع.»
هذه الرواية يمكن أن تكون قرينة للرواية السابقة التي كان الشك فيها في حال القيام. ففي الرواية الحالية، الشخص في حالة الانتقال من القيام إلى السجود، والإمام (عليه السلام) يحكم بأن الركوع قد وقع. لذلك يمكن الاستنباط أن المراد من “القيام” في الرواية السابقة أيضاً هو القيام بعد الركوع، حيث يكون المكلّف في طريقه إلى السجود.
هذا الفهم يتوافق مع قاعدة التجاوز، لأنّه في مثل هذه الحالة (القيام بعد الركوع وفي طريقه إلى السجود) يكون قد تجاوز محل الركوع، ويصبح الشك في الإتيان بالركوع غير معتبر. ولهذا السبب، الإمام (عليه السلام) في كلتا الروايتين لم يعتدّ بالشك وحكم بصحة العمل السابق.
وبالتالي، تؤكد هذه الرواية أن “القيام” في الرواية السابقة هو القيام بعد الركوع، وتجري قاعدة التجاوز في كلتا الروايتين. هذا الجمع يمنع الإشكال المحتمل في الرواية السابقة من أن الشخص لم يكن قد تجاوز محل الركوع بعد.
تحقیق العلامة السید محمد حسین الطباطبائي(قدسسره)
«هذه المطلقات مختلفة المضامين فإن ظاهر الموثقة الأخيرة([24] ) كون الشك في صحة الشيء الموجود لا في أصل الوجود؛ فإن ظاهر قوله(علیه السلام): «مِمَّا قَدْ مَضَى...» و قوله(علیه السلام): «فَامْضِهِ كَمَا هُوَ...» تعلق الشك بالوصف دون أصل الوجود، و ظاهر رواية إسماعيل بن جابر([25] ) و زرارة([26] ) كون الشك في أصل الوجود فإن الذيل في الروايتين و إن كان له بعض الظهور في كون أصل الوجود مفروغاً عنه لكن الصدر فيهما ظاهر في كون الشك في أصل الوجود و بقية الروايات ممكنة الانطباق على كل واحد من قسمي الشك.»([27] )
توضيح للدليل الاوّل
إن الظاهر من هذه الروایات أماریة القاعدتین فإنّ لسان بعض الروایات في قاعدة التجاوز -مثل صحیح زرارة و صحیح عبد الله بن أبي یعفور حیث قال(علیه السلام): «إِذَا خَرَجْتَ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ دَخَلْتَ فِي غَيْرِهِ فَشَكُّكَ لَيْسَ بِشَيْءٍ»- إلغاء الشك، كما أنّ لسان بعض الروایات في قاعدة الفراغ -كما في صحیحة محمّد بن مسلم: «كُلُّ مَا شَكَكْتَ فِيهِ بَعْدَ مَا تَفْرُغُ مِنْ صَلَاتِكَ فَامْضِ وَ لَاتُعِدْ »- إلغاء الشك أیضاً. هذا من جانب.
و من جانب آخر إنّ التعلیل المذكور في بعض الروایات الواردة في قاعدة الفراغ یدلّ على أنّ تلك القاعدة حجّة من باب أماریتها العرفیة و طریقیتها العقلائیة إلى الواقع المشكوك فإنّ تعبیر الإمام(علیه السلام) في صحیحة محمّد بن مسلم حیث قال(علیه السلام): «وَ كَانَ حِينَ انْصَرَفَ أَقْرَبَ إِلَى الْحَقِّ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ» صریح في أنّ الملاك أقربیته إلى الواقع، كما أنّ التعلیل المذكور في صحیحة عبد الله بن بكیر هو الأذكریة حین العمل، حیث قال الإمام(علیه السلام): «هُوَ حِينَ يَتَوَضَّأُ أَذْكَرُ مِنْهُ حِينَ يَشُكُ.»([28] )
و المتحصل أنّا لانشك في أماریة القاعدتین لهذه الوجوه التي قدّمناها.([29] )
الدليل الثاني: الاستدلال بأصالة عدم الغفلة علی أمارية القاعدتين
إنّ المحقّق الخوئي(قدسسره) استدلّ على أماریة القاعدتین بأصالة عدم الغفلة فقال:
«الظاهر من الأدلّة كون القاعدة من الأمارات، فإنّ الشك في صحّة العمل بعد الفراغ أو بعد التجاوز ناشئ من احتمال الغفلة و السهو، إذ ترك الجزء أو الشرط عمداً لایجتمع مع كون المكلّف في مقام الامتثال، و أصالة عدم الغفلة من الأصول العقلائیة الناظرة إلى الواقع، فإنّ سیرة العقلاء جاریة على عدم الاعتناء باحتمال الغفلة»([30] [31] ).
الجهة الثانية: وجه تقدّم قاعدتي الفراغ و التجاوز علی الاستصحاب
إنّ الظاهر من أدلّة الأخبار هو حكومة قاعدتي الفراغ و التجاوز على الاستصحاب و هذا ما ذهب إلیه المحقّق النائیني(قدسسره)، و في قباله المحقّق الخوئي(قدسسره) ذهب إلى أنّ القاعدتین متقدّمتان على الاستصحاب من باب التخصیص([32] ).