46/06/22
بسم الله الرحمن الرحیم
تنبیهات الاستصحاب؛ التنبیه السابع: الاصل المثبت/أصالة الاستصحاب /الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /تنبیهات الاستصحاب؛ التنبیه السابع: الاصل المثبت
نظرية المحقّق النائیني و المحقق الخوئي(قدسسرهما)
في الجهة المقابلة لرأي الشيخ الأعظم(قدسسره)، يقف أعلام كبار كالمحقّق النائيني وتبعه المحقّق الخوئي، الذين لا يقبلون مطلقاً بحجّيّة الأصل المثبت حتّى في الموارد المدّعى فيها «خفاء الواسطة». ويرتكز استدلالهم، الذي يتمتّع بإتقان وعمق ملحوظ، على تحليل دقيق لدور ومكانة «العرف» في فهم الأدلّة وموضوعات الأحكام. ولردّ نظريّة الشيخ(قدسسره)، يفكّك المحقّق النائيني(قدسسره) أوّلاً الموارد الصحيحة والمعتبرة للرجوع إلى العرف عن الموارد غير المعتبرة منها، ليتّضح في أيّ فئة يقع اعتماد الشيخ(قدسسره) على «نظر العرف» في بحث خفاء الواسطة.
يقول المحقّق النائيني(قدسسره):
«تحقیق ذلك أنّ الحكم الثابت لموضوع قد یكون بنظر العرف بحیث یكون الحكم الثابت له ثابتاً للأعمّ منه أو الأخصّ منه بحسب متفاهمهم من الدلیل، فیكون الظهور الفعلي التركیبي على خلاف الظهور الوضعي الإفرادي و في هذه الصورة لا ریب في أنّ المتبع هو الظهور الفعلي في تعیین مفاد الدلیل خلافاً لجملة من القدماء، فیكون الرجوع إلى العرف حینئذٍ لأجل تعیین مفاد الدلیل.
و أخری یكون المدلول العرفي موافقاً للمدلول الوضعي، لكن العرف بحسب مناسبات الحكم و الموضوع یرون بعض خصوصیات الموضوع من مقوّماته و بعضها الآخر من علل الحكم و من قبیل الواسطة في الثبوت فیكون ثبوت الحكم بعد انتفاء الخصوصیة على الأوّل من باب ثبوت الحكم لموضوعٍ آخر بنظرهم، لا من باب بقاء ما ثبت[1] ، بخلاف الثاني، و لا إشكال في اتّباع نظر العرف في ذلك أیضاً باعتبار رجوع ذلك إلى تعیین مفاد لفظ النقض من أدلّة حجّیة الاستصحاب ... .[2]
و أمّا في غیر هذین الموردین فلامحالة یرجع نظر العرف إلى مسامحاتهم في التشخیصات و التطبیقات التي لا وجه للرجوع إلیهم فیها، كما تری مسامحاتهم في المقادیر و الأوزان غیر المتّبعة من دون خلاف و لا إشكال.
و على ذلك فإن كان معنی خفاء الواسطة أنّ العرف بحسب المستفاد من الدلیل أو بحسب ما ارتكز في أذهانهم من مناسبات الحكم و الموضوع یفهمون من الدلیل أنّ الحكم ثابت لذي الواسطة، و یرون الواسطة من علل الحكم بحیث لایكون لها دخل في قوام الموضوع، فهذا یرجع إلى إنكار الواسطة حقیقةً و ثبوت الحكم لنفس ذي الواسطة و إن كان معناه أنّ الحكم بحسب متفاهمهم ثابت للواسطة و مع ذلك یعتبرون الحكم مترتّباً على ذي الواسطة من باب المسامحة، فلا ریب أنّ الرجوع إلیهم في ذلك یستلزم اتّباع مسامحاتهم في التطبیقات المتسالم عدمه عندهم.
و بالجملة الموضوع بحسب فهم العرف إن كان هو ذا الواسطة، ففرض الواسطة و دعوی خفائها خُلف واضح. و إن كان هو الواسطة فدعوی خفائها بحسب الفهم العرفي من الدلیل لا بلحاظ مسامحاتهم التي لا اعتبار بها خلف کذلك فدعوی فرض الواسطة بحسب الفهم العرفي و كونها خفیّة غیر معقولة. فإمّا أن لاتكون واسطة في البین، أو تكون جلیّة لامحالة»[3] .
الموارد التي نعتمد فيها على العرف
يقول المحقّق النائيني(قدسسره) إنّنا يمكننا ويجب علينا أن نعتمد على فهم العرف لتحديد حدود حكم شرعيّ في مقامين:
المورد الأوّل: تعيين مفاد الدليل من خلال «الظهور الفعليّ التركيبيّ»
أحياناً، يكون فهم العرف لدليل ما مختلفاً عن المعنى اللغويّ والوضعيّ الإفراديّ لكلماته. أي إنّ العرف، بالنظر إلى القرائن المتّصلة والمنفصلة، والقرائن الحاليّة والمقاليّة، وبأخذ البنية التركيبيّة للكلام في الاعتبار، يستنبط معنى أوسع (أعمّ) أو أضيق (أخصّ) ممّا تفيده كلّ كلمة بمفردها. وفي هذه الحالة، يتشكّل «ظهور فعليّ تركيبيّ» يكون حاكماً ومقدَّماً على «الظهور الوضعيّ الإفراديّ». فمثلاً، قد يتعلّق حكم ما بموضوع المستصحَب، ولكن يفهم العرف من مجموع القرائن أنّ هذا الحكم لا يختصّ بالمستصحَب ويشمل لوازمه أيضاً. وفي هذه الصورة، نحن مكلَّفون باتّباع هذا الظهور الفعلي نفسه، حتّى لو كان لبعض القدماء رأي آخر في هذا المجال.
وجه تسمية «الظهور التركيبي»:
يُسمّى هذا الظهور «تركيبيّاً» لأنّه يُحصَّل من محصّلة وتركيب عدّة عناصر ولا يعتمد فقط على الوضع اللغويّ لكلمة واحدة.
• في حالة التوسعة (الشموليّة للأعمّ): أحياناً يشخّص العرف أنّ دائرة الحكم تتجاوز الموضوع له للّفظ وتشمل لوازمه أيضاً. فهنا قد وسّع الظهور التركيبي دائرة الحكم. وقد تُلاحظ هذه التوسعة في موارد مثل «لا شكّ لكثير الشكّ» أيضاً.
• في حالة التضييق (الشموليّة للأخصّ): تشبه هذه الحالة تركيب «العامّ والخاصّ» أو «المطلق والمقيَّد». فدليل عامّ أو مطلق يُركَّب مع مخصِّص أو مقيِّد وتُضيَّق دائرته. وهنا أيضاً نواجه ظهوراً تركيبيّاً حاصلاً من تركيب دليلين.
وفي كلتا الحالتين، يكون الملاك لنا هو نفس الفهم النهائي للعرف من تركيب الأدلّة والقرائن.
المورد الثاني: تشخيص «مقوّمات الموضوع» من «علل الحكم»
الفرض الآخر هو أنّ المدلول العرفي مطابق تماماً للمدلول الوضعي للّفظ، ولكنّ العرف، بالنظر إلى مناسبات الحكم والموضوع، يفرّق بين الخصوصيّات المختلفة المذكورة لذلك الموضوع. فالعرف، بنظره الدقيق، يشخّص أيّ خصوصيّة هي جزء من ذاتيّات و«مقوّمات الموضوع»، وأيّ خصوصيّة هي مجرّد «واسطة في الثبوت» أو علّة لنشوء الحكم ولا دور لها في قوام وماهيّة الموضوع.
• الواسطة في الثبوت: كدور النار في إيجاد الحرارة في الماء. فالنار علّة وواسطة للتسخين، ولكن بعد أن يغلي الماء، يمكن إطفاء النار بينما يبقى أثرها (الحرارة) لمدّة. فهنا زالت الواسطة (النار) ولكن بقي الأثر (الحرارة).
• الواسطة في العروض: كدور السفينة في كون الراكب متحرّكاً. فبمجرّد توقّف السفينة (الواسطة)، ينتفي وصف الحركة عن الراكب (الأثر) أيضاً. وتتجلّى أهمّيّة هذا التفكيك العرفي في بحث الاستصحاب وصدق عنوان «بقاء الموضوع». ف لجريان الاستصحاب، تُشترط وحدة الموضوع:
• لو كانت الخصوصيّة الزائلة مقوِّمة للموضوع: فبزوال تلك الخصوصيّة، يتغيّر الموضوع بالكامل. وفي هذه الحالة، لو بقي حكم ما، فلن يكون من باب «بقاء ما ثبت»، بل هو ثبوت حكم جديد لموضوع جديد، ولا يجري فيه الاستصحاب.
• لو كانت الخصوصيّة الزائلة مجرّد واسطة في الثبوت: فبزوال هذه الخصوصيّة، يبقى الموضوع الأصلي كما هو. والآن لو شككنا في بقاء أثرها، لأمكننا إجراء الاستصحاب، لأنّ الموضوع واحد ويمكن القول «لا تنقض اليقين السابق بالشكّ اللاحق».
بناءً عليه، فالرجوع إلى العرف في هذا المورد الثاني أيضاً لتشخيص هذا الأمر هو أمر صحيح ومعتبر، لأنّ هذا العمل يرجع إلى تعيين مفاد أدلّة الاستصحاب بدقّة (مثل «لا تنقض…») وفي أيّ موارد يمكن ادّعاء «بقاء الموضوع». وبهذه المقدّمات الدقيقة، يهيّئ المحقّق النائيني(قدسسره) الأرضيّة للهجوم على نظريّة خفاء الواسطة.
الموارد التي لا يُعتمد فيها على نظر العرف: المسامحات في التطبيق
بعد أن بيّن المحقّق النائيني(قدسسره) الموردين الصحيحين والمعتبرين للرجوع إلى العرف (أي تعيين مفاد الدليل من خلال الظهور التركيبي، وتشخيص مقوّمات الموضوع من علل الحكم)، يتناول نقيض ذلك. فيؤكّد أنّه في غير هذين الموردين، لو رجع نظر العرف إلى «المسامحة في التشخيصات والتطبيقات الخارجيّة»، فإنّ مثل هذا النظر فاقد لأيّ اعتبار شرعيّ ولا ينبغي بأيّ وجه الاعتناء به.
وهذا أصل مقبول وهو أنّ تسامحات وتهاونات العرف في تطبيق المفاهيم الكلّيّة على المصاديق الخارجيّة ليست بحجّة. فمثلاً، لو تسامح العرف في قياس المقادير والأوزان، واعتبر مقداراً أقلّ من الحدّ الشرعي مساوياً له خطأً، فلن يجعل أيّ فقيه هذا التشخيص المسامح أساساً لحكم شرعيّ. بناءً عليه، يجب الحفاظ بدقّة على الحدّ الفاصل بين «فهم العرف الدقيق لمفاد الدليل» و«تهاون العرف في مقام العمل والتطبيق». وبهذه المقدّمة، ينتقل المحقّق النائيني(قدسسره) مباشرةً إلى نقد نظريّة «خفاء الواسطة» للشيخ الأنصاري(قدسسره).
تحليل ونقد مفهوم «الواسطة الخفيّة»
إنّ الاستدلال الرئيسي للمحقّق النائيني(قدسسره) هو أنّ مفهوم «الواسطة الخفيّة» الذي جعله الشيخ الأنصاري(قدسسره) أساساً لحجّيّة الأصل المثبت، هو أساساً مفهوم متناقض وغير معقول. ولإثبات هذا المدّعى، يتقدّم في البحث بتحليل ذي شقّين ويسأل القائلين بخفاء الواسطة: بناءً على فهم العرف الدقيق (الذي هو الملاك، لا مسامحاته)، على أيّ موضوع يترتّب الحكم الشرعي؟
الصورة الأولى: الحكم لـ«ذي الواسطة» (الملزوم)
لنفرض أنّ الفهم الدقيق للعرف من الأدلّة (سواء من خلال الظهور التركيبي أم من خلال مناسبات الحكم والموضوع) هو أنّ الحكم الشرعي قد وُضع حقيقةً لنفس «ذي الواسطة» (مثلاً لـ«ملاقاة الشيء المرطوب»). ففي هذا الفرض، يكون ذلك الأمر الآخر (مثلاً «السراية») مجرّد «علّة» أو «واسطة في الثبوت» للحكم ولا دخل له في قوام وماهيّة الموضوع. يقول المحقّق النائيني(قدسسره) إنّه لو كان الأمر كذلك، لكان هذا بمنزلة «الإنكار الحقيقيّ للواسطة في موضوع الحكم». أي إنّه في الحقيقة، ليس لدينا واسطة في موضوع الحكم حتى نبحث عن كونها خفيّة أو جليّة. فالحكم يترتّب مباشرةً على نفس المستصحَب (ذي الواسطة)، واستصحابه يؤدّي إلى الأثر الشرعي من دون أيّ مشكلة، ولا يُطرح أساساً بحث عن أصل مثبت. وفي هذه الحالة، يكون الحديث عن «خفاء الواسطة» تناقضاً (خُلفاً) واضحاً. لأنّك من جهة تفرض أنّ ذلك الأمر ليس واسطة في موضوع الحكم، ومن جهة أخرى، تسمّيه «واسطة» وتتحدّث عن «خفائه»!
الصورة الثانية: الحكم لنفس «الواسطة» (اللازم)
ولكن لنفرض أنّ الفهم العرفيّ الدقيق وغير المسامح هو أنّ الحكم الشرعي قد وُضع حقيقةً لنفس «الواسطة» (مثلاً لـ«سراية الرطوبة»). ففي هذه الصورة، لم تعد هذه الواسطة أمراً هامشيّاً، بل هي نفس موضوع الحكم أو جزء مقوِّم له.
والآن، لو أردنا بهذا الفرض، وبسبب أنّ هذه الواسطة «خفيّة»، أن نتجاهلها ونرتّب الحكم على نحو مسامح على «ذي الواسطة» (ملاقاة الشيء المرطوب)، لكان هذا تماماً هو نفس «التسامح في التطبيق» الذي قلنا في المقدّمة إنّه لا اعتبار له. فهذا العمل تسامح قبيح وخاطئ ومخالف للشرع، لأنّه يستلزم أن نحكم بالنجاسة في الموارد التي لم يتحقّق فيها الموضوع الحقيقي للحكم (السراية). وهذا يعني تغيير موضوع الحكم الشرعي بحجّة واهية. فعندما يعترف العرف الدقيق نفسه بأنّ الحكم هو لـ«السراية»، فكيف يمكن الاستناد إلى الفهم المسامح لنفس ذلك العرف وتجاهل هذا الموضوع؟ فهذا أيضاً تناقض (خُلف) آخر.
ملخّص الكلام: عدم معقوليّة فرض «الواسطة الخفيّة»
خلاصة ونتيجة استدلال المحقّق النائيني(قدسسره) النهائيّة هي:
• لو كان موضوع الحكم، بحسب فهم العرف الدقيق، هو «ذو الواسطة»، فلا توجد أساساً واسطة في الموضوع حتى تكون خفيّة أو جليّة. فطرح بحث «خفاء الواسطة» هنا خُلفٌ ولا معنى له.
• ولو كان موضوع الحكم، بحسب فهم العرف الدقيق، هو نفس «الواسطة»، فهذه الواسطة أمر مهمّ و«جليّ»، ولا يمكن تجاهلها بحجّة الخفاء والتسامح في تطبيق الحكم. بناءً عليه، فـ«دعوى فرض الواسطة بحسب الفهم العرفي وكونها خفيّة في الوقت نفسه غير معقولة». فنحن مضطرّون لقبول أحد هذين الأمرين: إمّا لا توجد واسطة في البين، أو لو وُجدت، فهي «جليّة» ومعتبرة. وبهذا البيان، يهاجم المحقّق النائيني(قدسسره) مباشرةً قلب مثال الشيخ الأنصاري(قدسسره) (مسألة السراية) ويقول إنّ حكم النجاسة هناك قد وقع حقيقةً على «السراية». إذن، السراية هي موضوع الحكم وأمر «جليّ». فلا يحقّ لك أن تسمّيها «خفيّة» وترتّب حكم التنجيس بمجرّد استصحاب الرطوبة (ذي الواسطة). فهذا العمل تسامح غير مقبول ومخالف للشرع.
بيان المحقّق الخوئي(قدسسره): تطبيق التحليل على مثال «استصحاب عدم الحاجب»
يقول(قدسسره):
«ففي مثل استصحاب عدم الحاجب إن كان العرف یستظهر من الأدلّة أنّ صحّة الغسل من آثار عدم الحاجب مع صبّ الماء على البدن، فلایكون هذا استثناء من عدم حجّیة الأصل المثبت، لكون الأثر حینئذٍ أثراً لنفس المستصحب لا للازمه.
و إن كان العرف معترفاً بأنّ المستظهر منها أنّ الأثر أثر للواسطة كما هو الصحیح فإنّ رفع الحدث و صحّة الغُسل من آثار تحقّق الغَسل، لا من آثار عدم الحاجب عند صَبّ الماء، فلا فائدة في خفاء الواسطة بعد عدم كون الأثر أثراً للمستصحب فهذا الاستثناء ممّا لایرجع إلى محصّل»[4] .
المحقّق الخوئي(قدسسره)، بعد قبوله الكامل للمبنى التحليليّ الدقيق لأستاذه المحقّق النائيني(قدسسره)، يطبّق هذا الإطار لردّ المثال الثالث للشيخ الأنصاري(قدسسره)، أي «استصحاب عدم الحاجب». وهدفه هو أن يبيّن أنّ هذا المثال أيضاً، كالمثالين السابقين، لا يمكن أن يكون استثناءً من قاعدة عدم حجّيّة الأصل المثبت، وأنّ ادّعاء «خفاء الواسطة» فيه لا يجدي نفعاً.
ويبدأ البحث بطرح المثال: لنفرض أنّ مكلّفاً توضّأ وبعد الفراغ من العمل شكّ فيما إذا كان أثناء الوضوء حاجب ومانع (كلون أو صمغ) على بشرة يده أم لا. ففي هذه الحالة، لو أردنا إجراء «استصحاب عدم وجود الحاجب»، فهل يمكن لهذا الاستصحاب أن يثبت صحّة الوضوء التي هي أثر شرعيّ؟ إنّ اللازم العقلي لـ«عدم وجود الحاجب» على البشرة هو «وصول الماء إلى البشرة» (إيصال الماء إلى البشرة). وصحّة الوضوء مترتّبة على «وصول الماء» هذا نفسه. إذن، نحن هنا نواجه سلسلة منطقيّة:
• المستصحَب (الملزوم): عدم وجود الحاجب.
• لازمه العقلي (الواسطة): وصول الماء إلى البشرة وتحقّق عنوان الغَسل.
• الأثر الشرعي: صحّة الوضوء ورفع الحدث.
ويحلّل المحقّق الخوئي(قدسسره) المسألة، بتطبيق نفس التحليل ذي الشقّين لأستاذه، على هذا النحو:
الفرض الأوّل: لو كان الأثر الشرعي على نفس المستصحَب (عدم الحاجب)
يقول(قدسسره) إنّه لو فرضنا أنّ فهم العرف من أدلّة الوضوء هو أنّ صحّة الغسل والوضوء هي مباشرةً من آثار «صبّ الماء على البدن + عدم الحاجب»، أي إنّ الشارع قد جعل أمرين موضوعاً لصحّة الوضوء:
١. صبّ الماء،
٢. عدم وجود المانع.
ففي هذه الصورة، يُحرز استصحاب عدم الحاجب مباشرةً أحد جزأي الموضوع ويترتّب عليه الأثر الشرعي (صحّة الوضوء) من دون أيّ واسطة. وفي هذا الفرض، لا نواجه أساساً «أصلاً مثبتاً» حتى نتحدّث عن كونه استثناءً. فهذا جريان عاديّ وصحيح للاستصحاب يترتّب فيه الأثر مباشرةً على نفس المستصحَب.
بناءً عليه، لا يمكن لهذا الفرض أن يكون مصداقاً لبحث «الاستثناء من عدم حجّيّة الأصل المثبت». وطبعاً من الواضح أنّ هذا الفرض غير صحيح ولا يحلّل أيّ فقيه موضوع صحّة الوضوء على هذا النحو.
الفرض الثاني: لو كان الأثر الشرعي على لازم المستصحَب (تحقّق الغَسل)
أمّا لو كان العرف، كما هو الصحيح أيضاً، معترفاً بأنّ صحّة الوضوء ورفع الحدث هو أثر لـ«الواسطة»؛ أي أثر لتحقّق عنوان «الغَسل» و«غسل البشرة» واقعاً، وأنّ «عدم الحاجب» هو مجرّد شرط مسبق وملزوم لتحقّق هذا الغَسل، لكان التحليل مختلفاً تماماً.
ففي هذا الفرض، نواجه «أصلاً مثبتاً» بكلّ معنى الكلمة. فنحن نريد باستصحاب «عدم الحاجب» (الملزوم) أن نثبت «وصول الماء إلى البشرة» (اللازم العقلي) ثم نرتّب عليه الأثر الشرعي لـ«صحّة الوضوء». وهذا تماماً هو ما لا يُعتبر حجّة في القاعدة الكلّيّة.
وهنا يوجّه المحقّق الخوئي(قدسسره) الضربة النهائيّة لنظريّة الشيخ(قدسسره) فيقول:
«فلا فائدة في خفاء الواسطة بعد عدم كون الأثر أثراً للمستصحَب.» أي: والآن بعد أن قبلنا بأنّ الحكم الشرعي هو حقيقةً لـ«الواسطة» (وصول الماء) لا لـ«المستصحَب» (عدم الحاجب)، فلا فائدة ولا أثر بعد ذلك للبحث عن كون هذه الواسطة «خفيّة» أم «جليّة». فكون واسطة ما خفيّة ليس مبرّراً شرعيّاً ولا عقليّاً لتجاهلها وترتيب حكمها على ملزومها. فالحقيقة هي أنّ الحكم لذلك اللازم، والاستصحاب لا يمكنه إثبات ذلك اللازم. فمسامحة و تهاون العرف في الالتفات إلى هذا التفكيك الدقيق لا يمكن أن يهدم قاعدة أصوليّة متقنة.
بناءً عليه، فإنّ هذا الاستثناء الذي طرحه الشيخ الأعظم(قدسسره)، بتعبير المحقّق الخوئي(قدسسره)، «لا يرجع إلى محصَّل» وينهار من أساسه.[5]