< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/08/24

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /الفصل الثاني؛التفصیل الثالث: بین الدلیل العقلي و الدلیل الشرعي

 

توضیح المحقّق الخوئي ([1] )

إنه مثّل لذلك بالوصف الذي هو واسطة لثبوت الحكم للموضوع مثل التغیّر الذي هو واسطة لثبوت الحكم بالنجاسة لموضوعه و هو الماء، فإنّ وصف التغیّر واسطة في الثبوت و بعد زوال التغیّر المذكور نشك في بقاء الحكم بالنجاسة للماء مع أنّا نحرز وحدة الموضوع في القضیتین، لأنّ الموضوع عند العرف هو الماء و حینئذٍ یجري الاستصحاب و یحكم ببقاء النجاسة.

و أمّا إن كان الوصف المتحقّق في القضیة المتیقّنة و المنتفي في القضیة المشكوكة من قبیل الواسطة في العروض بمعنی أنّ الوصف المذكور هو تمام الموضوع للحكم الشرعي و حیث أنّ الموضوع في القضیة المتیقّنة اتّصف بهذا الوصف عرض الحكم الشرعي للموضوع المتّصف به، كما في عروض الحركة من السفینة إلى جالسها فحینئذٍ انتفاء الوصف الذي هو واسطة في العروض یوجب القطع بانتفاء الحكم الشرعي للعلم بالاختلاف بین الموضوع في القضیة المتیقّنة و الموضوع في القضیة المشكوكة، و هذا مثل وصف العدالة التي هي الموضوع لقبول الشهادة و الاجتهاد الذي هو الموضوع لجواز التقلید، فإنّ انتفاء وصف العدالة و الاجتهاد في المثالین المذكورین یوجب انتفاء الحكم الشرعي بقبول الشهادة في المثال الأوّل و جواز التقلید في المثال الثاني.

مقدّمتان یبتني علیهما هذا التفصیل

المحقّق النائیني لخّص كلام الشیخ الأنصاري فیما كان مدرك الحكم هو الدلیل العقلي في مقدّمتین: ([2] )

المقدمة الأولی

«إنّ العقل إذا حكم بحسن شيء أو قبحه، فلا‌بدّ و أن یكون موضوع حكمه بتمامه و كماله مبیَّناً عنده، إذ لایعقل الإهمال أو الإجمال في موضوع الحكم عند الحاكم به عقلاً كان أو غیره.

فما لم‌یتغیّر موضوع الحكم بتغیّر ما یستحیل ارتفاع الحكم العقلي عنه و مع تغیّره و تبدّل الموضوع عمّا هو علیه یرتفع الحكم العقلي بارتفاع موضوعه لا‌محالة.

المقدمة الثانیة

إنّ الحكم الشرعي المستكشف بالدلیل العقلي حیث أنّ المفروض تبعیته للحكم العقلي فكلّ قید اعتبر في موضوعه [أي موضوع الحكم العقلي] یكون معتبراً في موضوعه لا‌محالة و إلا لزم عدم تبعیته له، و حینئذ فإذا تغیّر موضوع الحكم العقلي و تبدّل بعض خصوصیاته فلا‌محالة یكون موضوع الحكم الشرعي متبدّلاً أیضاً و یرتفع الحكم الشرعي بتبع ارتفاع الحكم العقلي، و الشك في كونه محكوماً بمثل الحكم السابق شرعاً إنّما یكون شكاً في الحدوث لا في البقاء، لعدم اتّحاد القضیة المتیقّنة مع المشكوكة على الفرض».

إیراد المحقّق النائیني على المقدّمة الأولی ([3] )

إنّ المحقّق النائیني یری أنّ حكم العقل على قسمین، و تفصیل الشیخ الأنصاري إنّما یصحّ بناءً على أن یكون حكم العقل من القسم الأوّل دون الثاني.

أمّا القسم الأوّل: فهو ما كان حكم العقل بقبح شيء ‌منحلاً إلى حكمین:

أحدهما: الحكم بقبحه، و ثانیهما: الحكم بعدم قبح غیره، نظیر القضیة الشرطیة الدالّة على المفهوم.

أمّا القسم الثاني: فهو ما استقلّ العقل بحسن شيء أو قبحه باعتبار كونه القدر المتیقّن في ذلك و إن كان یحتمل بقاء ملاك حكمه مع انتفاء بعض الخصوصیات أیضاً فإذا فرضنا الشك في بقاء الحكم العقلي مع انتفاء بعض الخصوصیات غیر المقوّم للموضوع بنظر العرف، فلا‌محالة یشك في بقاء الحكم الشرعي أیضاً و یجري الاستصحاب لاتّحاد القضیة المتیقّنة و المشكوكة.

ثم إنّ المحقّق النائیني یضعّف احتمال أن یكون حكم العقل من القسم الأوّل بل یقول: «من الضروري أنّ الأمر لیس كذلك، إذ هو فرع أن یكون العقل محیطاً بتمام الجهات الواقعیة المحسّنة و المقبّحة».

و نتیجة ذلك هو أنّ حكم العقل یكون من قبیل القسم الثاني فیجري فیه الاستصحاب.

مناقشة المحقّق الخوئي في هذا الإیراد ([4] )

إنّ المحقّق الخوئي یری أنّه لابدّ من تصویر مراد العلامة الأنصاري من الحكم العقلي حتّی ننظر إلى أنّ إیراد المحقّق النائیني علیه تامّ أم لا؟

و هناك احتمالان في بادي الرأي، لابدّ من ملاحظتهما حتّی یظهر مراد الشیخ الأنصاري:

الاحتمال الأوّل: إنّ مراد الشیخ من الحكم العقلي المستفاد منه الحكم الشرعي حكم العقل بوجود الملاك، بأن كان مراده أنّ العقل إذا حكم بوجود الملاك في موضوع أي المصلحة الملزمة غیر المزاحمة بشيء من الموانع أو المفسدة كذلك فلا‌محالة یترتّب علیه الحكم الشرعي على ما هو المشهور من مذهب العدلیة من تبعیة الأحكام للمصالح و المفاسد في متعلقاتها، فبعد إدراك العقل وجود الملاك یترتّب الحكم الشرعي، لكون الصغری وجدانیة و الكبری برهانیة، فیقال: «هذا الشيء ممّا له المصلحة الملزمة»، «و كلّما كان كذلك فهو واجب».

ثم إنّه -بناء على الاحتمال الأوّل- إیراد المحقّق النائیني علیه حقّ لا مجال لإنكاره، لإمكان أن یحكم العقل بوجود الملاك من باب القدر المتیقّن، فبعد انتفاء أحد القیود لایحكم العقل بانتفاء الحكم، لاحتمال بقاء الملاك، فیكون مورداً للاستصحاب.

بیان المحقّق الخوئي لبطلان الاحتمال الأول:

إنّ هذا مجرّد فرض، لأنّا لم‌نجد إلى الآن مورداً حكم فیه العقل بوجود الملاك، و أنّی للعقل هذا الإدراك، و قد ذكرنا في بحث القطع أنّ الأخبار الدالّة على أنّ «دِينَ اللهِ لَا يُصَابُ‌ بِالْعُقُول» و «أنّه لیس شيء أبعد عن دین الله من عقول الرجال»([5] ) ناظرة إلى هذا المعنی و هو استكشاف الحكم الشرعي من حكم العقل بوجود الملاك.([6] )

الاحتمال الثاني: إنّ مراد الشیخ من الحكم العقلي المستكشف به الحكم الشرعي حكمه بالحسن أو القبح على ما هو محلّ الخلاف، فذهب الأشاعرة إلى أنّ الحسن و القبح بید الشارع فما حسّنه فهو حسن و ما قبّحه فهو قبیح، و لا سبیل للعقل إلى إدراك الحسن و القبح أبداً، و ذهب أهل الحقّ و المعتزلة إلى أنّ العقل یدرك الحسن و القبح، فیری الظلم قبیحاً و لو لم‌یكن شرع و العدل حسناً كذلك حتّی بالنسبة إلى أفعال الله سبحانه، فیری العقل أنّ الظلم قبیح لایصدر منه تعالى و أنّ العدل حسن لایتركه فكما أنّ العقل یدرك الواقعیات و یسمّی عند أهل المعقول بالعقل النظري، فكذلك یدرك ما یتعلّق بالنظام من قبح الظلم و حسن العدل و یسمّی بالعقل العملي.

ثمّ إنّه بناءً على الاحتمال الثاني لایرد علیه إشكال المحقّق النائیني، لأنّ حكم العقل بالحسن و القبح لایمكن أن یكون مهملاً، فإنّ العقل لایحكم بحسن شيء إلا مع تشخیصه بجمیع قیوده و كذلك القبح، و الظاهر أنّ مراد الشیخ هو الثاني على ما ذكره في تنبیهات الاستصحاب فلا‌یرد علیه ما ذكره المحقّق النائیني.

إیراد صاحب الكفایة و المحقّق النائیني على المقدّمة الثانیة ([7] )

إنّ ما أفاده الشیخ الأنصاري في المقدّمة الثانیة من ارتفاع الحكم الشرعي بارتفاع الحكم العقلي ممنوع فـ «إنّ الحكم الشرعي إنّما یتبع الحكم العقلي في مقام الاستكشاف و الإثبات لا في مقام الثبوت و الواقع، فربّما یكون قید له دخلٌ في استقلال العقل بشيء إلا أنّه غیر دخیل في ما هو الملاك عند الشارع أصلاً، فإنّ الحكم الشرعي تابع للمصالح و المفاسد النفس الأمریة، كانت مستكشفة عند العقل أو لم‌تكن.

فإذا فرضنا ارتفاع الحكم العقلي التابع لاستكشاف الملاك الواقعي، فلا‌یلزم من ذلك ارتفاع الحكم الشرعي التابع لنفس الملاك الواقعي، المحتمل بقاؤه، لاحتمال عدم دخل تلك الخصوصیة فیه حدوثاً و بقاءً أو بقاءً فقط، فلا‌محالة یشك في بقاء الحكم الشرعي و مع عدم كون تلك الخصوصیة مقوّمة للموضوع بنظر العرف بل من حالاته الواسطة في ثبوت الحكم للموضوع تكون القضیة المشكوكة متّحدة مع القضیة المتیقّنة فیجري الاستصحاب لا‌محالة».([8] )

المتحصّل

إنّ ما أفاده الشیخ الأنصاري في المقدّمة الأولى و إن كان صحیحاً إلا أنّ ما ذهب إلیه في المقدّمة الثانیة مخدوش فالحقّ بطلان التفصیل المذكور فالاستصحاب یجري سواء كان مدركه الدلیل الشرعي أم الدلیل العقلي.([9] )

 


[1] مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج2، ص31..«.. نظر العرف في ذلك مختلف فربما یحكم بكون وصف تمام الموضوع للحكم و إن لم‌يوجد في الخارج إلا في الموصوف، فبعد زواله لا‌يمكن جريان الاستصحاب، كما في العدالة التي هي الموضوع لقبول الشهادة، و الاجتهاد الذي هو الموضوع لجواز التقليد ... و إن شئت قلت: إن الوصف بالنسبة إلى ثبوت الحكم للموصوف من قبيل الواسطة في العروض ... و قد يحكم العرف بأن الوصف دخيل في ثبوت الحكم للموصوف و يكون الموصوف هو الموضوع فالوصف من قبيل الواسطة في الثبوت كالتغير للماء، فإنّه واسطة لثبوت النجاسة للماء و الموضوع هو الماء لا التغير ... هذا كلّه فيما إذا ثبت الحكم بالدليل الشرعي»
[3] أجود التقريرات، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج2، ص352..: «إنّ ما أفاده في المقدمة الأولى من لزوم كون موضوع حكم العقل مبیّناً بتمامه عنده إنما یصحّ في ما إذا كان حكم العقل بقبح شيء منحلّاً إلى حكمین: أحدهما الحكم بقبحه، و ثانیهما الحكم بعدم قبح غیره، نظیر القضیة الشرطیة الدالة على المفهوم...»
[4] مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج2، ص34.: «أقول: إن كان مراد الشیخ من الحكم العقلي المستفاد منه الحكم الشرعي حكم العقل بوجود الملاك ... فما أورده المحقق النائیني علیه حقّ لا مجال لإنكاره ... و إن كان مراد الشیخ. من الحكم العقلي المستكشف به الحكم الشرعي حكمه بالحسن أو القبح ... فلا‌یرد علیه إشكال المحقق النائیني ...»
[5] مضى البحث حول هذه الرواية في المجلّد السادس ص199 الهامش الثالث فراجع.
[7] كفاية الأصول - ط آل البيت، الآخوند الخراساني، ج1، ص386..: «إنّ الملازمة إنما تكون في مقام الإثبات و الاستكشاف لا في مقام الثبوت فعدم استقلال العقل إلا في حال غیر ملازم لعدم حكم الشرع في غیر تلك الحال ... »
[9] نشیر هنا إلى نظریة المحقق الإصفهاني و بعض الأساطین:أما نظریة المحقق الإصفهاني:في نهایة الدرایة، ج3، ص22 في التعلیقة على قوله: «و أما الثاني فلأنّ الحكم الشرعي المستكشف به»: «تحقیق الحال أن الحكم العقلي على قسمین: حكم عقلي عملي، و حكم عقلي نظري، و قد تكرّر منّا أن الحكم العقلي العملي- في قبال العقلي النظري- مأخوذ من المقدمات المحمودة و القضایا المشهورة المعدودة من الصناعات الخمس في علم المیزان و قد أقمنا البرهان على أنه غیر داخل في القضایا البرهانیة في أوائل مبحث القطع‌ مجملًا و في مبحث دلیل الانسداد مفصلًا، و قد ذكرنا مراراً أنّ العناوین المحكومة بالحسن و القبح بمعنی كون الفعل ممدوحاً أو مذموماً تارة ذاتیة و أُخری عرضیة منتهیة إلى الذاتیّة و المراد بالثانیة ما كان- من حیث اندراجه تحت العنوان المحكوم بذاته- ممدوحاً أو مذموماً، و هي على قسمین: تارة تكون مندرجة تحت العناوین الذاتیّة لو خلّیت و نفسها- كالصدق و الكذب- و إن أمكن مع انحفاظ عنوانه أن یكون محكوماً بحكم آخر بعروض عنوان الظلم إذا كان الصدق مهلكاً للمؤمن، أو بعروض عنوان الإحسان إذا كان الكذب منجیاً له و أُخری لا‌تكون مندرجة تحت العناوین الذاتیة لو خلّیت و طبعها كسائر العناوین العرضیة المحضة- من المشي إلى السوق و نحوها- ... و حیث أنّ المدح و الذم من صفات الأفعال الاختیاریة، لاستحالة تعلّقها بغیر الاختیاري، فلا‌بدّ من أن یصدر العنوان الممدوح أو المذموم- بما هو- عن قصد و عمده، لا ذات المعنون فقط فلو صدر منه ضرب الیتیم بالاختیار، و ترتّب علیه الأدب- من دون أن یصدر منه بعنوان التأدیب- لم‌یصدر منه التأدیب الممدوح، و من الواضح أنّ صدوره بعنوانه بالاختیار لیس إلّا بكون الفعل- بما له من العنوان الممدوح الملتفت إلیه الذي لا وعاء له إلّا وجدان فاعله- صادراً منه بالإرادة المتعلقة به بعنوانه و منه علم أنّ عنوان المضرّ- مثلًا- لیس بوجوده الواقعي محكوماً بالقبح حتی یشك في صدقه على موضوع مفروض صدقه علیه سابقاً، بل بوجوده في وجدان العقل و هو مقطوع الارتفاع مع عدم إحراز صدقه. إذا عرفت ذلك فاعلم أن تلك العناوین التي لا حسن لها و لا قبح لها إلّا إذا صدرت بعنوانها بالاختیار تارةً تكون عنواناً لفعل الشخص و أخری تكون عنواناً لفعل الغیر فإن كانت من عناوین فعل المكلف، فكما لا معنی للشك في نفس الحكم كذلك لا شك في موضوعه الكلي، و كذا في انطباقه على الموضوع الخارجي، و إن كانت من عناوین فعل الغیر أمكن الشك في تطبیق الموضوع الكلي، دون نفسه، لأن صدوره بعنوان بالاختیار متقوّم بإحرازه في وجدان فاعله، دون غیره، فاحتمال بقاء الموضوع تطبیقاً- لاحتمال صدوره بعنوان بالاختیار منه- معقول، و لا مجال لاستصحاب حكمه. نعم استصحاب موضوع للتعبّد بأثره الشرعي- لا للتعبد بحكمه العقلي، فإنّه غیر قابل للتعبد، و لا للتعبد بملازمه شرعاً، إذ لیس التلازم شرعیاً- معقول إذا ترتّب على التعبد بأثره بالإضافة إلى المستصحب أثر شرعي.»و في ص26: «و أما الحكم العقلي النظريّ، فمختصر القول فیه أنّا قد ذكرنا في بعض مباحث الانسداد أن العقل ربما یدرك المصلحة القائمة بالفعل فإذا أدرك عدم المفسدة الغالبة فیه، و المانعة عن البعث نحوه، فلا‌محالة یدرك معلولها، لاستحالة انفكاك المعلول عن علّته التامة المحرزة على الفرض، و هذه المصلحة المحرزة ربما تكون معلومة الحال- من حیث حدود ما یؤثر فیها- تفصیلًا، فلا‌محالة یوجب زوال بعضها زوال العلة التامة و ربما تكون معلومة الحال على الإجمال، فمع زوال بعض تلك الخصوصیات یشكّ في بقاء العلة التامة، فیشك في بقاء معلوله و حكم العقل النظري لو اتّفق حصوله، فهو غالباً من النوع الثاني فلا‌محالة یجري الاستصحاب في الحكم الشرعي المستند إلى مثل هذا الحكم العقلي.»فالمحقق الإصفهاني یفصل في الحكم الشرعي المستند إلى حكم العقل العملي و یجوز الاستصحاب في الحكم الشرعي المستند إلى حكم العقل النظري كما یصرّح به في ص28 أیضاً إذ یقول: «إنه لا فرق في ما ذكرنا- منعاً و جوازاً- بین استصحاب الوجود، و استصحاب العدم، إذ كانا مستندین إلى القضیة العقلیة التي مفادها حكم العقل العملي ... كما لا فرق في الجواز بین استصحاب الوجود و استصحاب العدم، إذا استندا إلى القضیة العقلیة، التي مفادها حكم العقل النظري» فما یظهر من منتقی الاصول، ج6، ص21 لیس بسدید قال: «الوجه الرابع: إنّ المحقق الإصفهاني رحمه الله ذهب إلى منع جریان الاستصحاب في الحكم الشرعي المستفاد من حكم العقل لكن ببیان آخر غیر ما أفاده الشیخ رحمه الله بالتوجیه الذي عرفته.»تتمة كلام المحقق الإصفهاني في ضمن مراحل:1) قد استدلّ بعض على عدم جریان الاستصحاب في الأحكام المستند إلى الدلیل العقلي بأنه لایعقل الشك في حكم العقل و ناقش فیه المحقق الإصفهاني فقال في ص24: «فیه أولاً: ما عرفت من عدم الحكم للعقل إلّا التعقل و الإدراك فلا‌محالة یكون‌ ثبوت المدرك من غیر ناحیة العقل- الذي فعلیة حكمه فعلیة التعقّل- بل من ناحیة العقلاء، كما أقمنا البرهان علیه في مباحث القطع و الانسداد، و ثانیاً: إذا كان المناط في حكم العقل عنواناً لموضوعه، و لأجله یشك في بقاء الموضوع، فكیف یتصوّر القطع بعدم حكم العقل؟ مع أنّ العلة و المعلول متلازمان- قطعاً، و ظناً، و شكاً- فإذا كانت العلة مشكوكة، فلا‌محالة یكون المعلول مشكوكاً، لا مقطوع العدم سواء أرید به حكم العقل أو حكم الشرع إذ المفروض أنه لا علة له إلّا ما هو العلة لحكم العقل فهو شاهد على ما ذكرنا من أنّ الإضرار بعنوانه، الملتفت إلیه الصادر بالاختیار هو المناط و الموضوع لحكم العقل بالذم و هو بعینه موضوع حكم الشرع و مع عدم هذا العنوان- المتقوّم علیته موضوعیته بالالتفات و القصد و العمد إلیه وجداناً- لا حكم بالذم عقلًا، و لا بالعقاب شرعاً، من دون انثلام قاعدة التلازم بین العلة و المعلول في جمیع المراتب.»2) و استشكل المحقق الخراساني في كفاية الأصول - ط آل البيت، الآخوند الخراساني، ج1، ص386. كلام الشیخ فقال: «إن قلت: كیف هذا مع الملازمة بین الحكمین؟ قلت: ذلك لأن الملازمة إنما تكون في مقام الإثبات و الاستكشاف لا في مقام الثبوت، فعدم استقلال العقل إلا في حال غیر ملازم لعدم حكم الشرع في غیر تلك الحال‌».و ناقش في نهایة الدرایة، ص25 هذا الإشكال قائلاً: «و مما ذكرنا اتّضح أیضاً أنّ انتفاء الحكم العقلي- المستلزم للحكم الشرعي- لیس من باب انتفاء الكاشف و الواسطة في الإثبات فقط لیقال- كما في المتن- بأن انتفاء الكاشف لا‌یستدعي انتفاء المكشوف. غایة الأمر أنّ العقل لا استقلال له إلّا في تلك الحال و هو لا‌یقتضي عدم المناط واقعاً حتّی یحكم بانتفاء الحكم شرعاً و ذلك لأن المناط- و هو الإضرار- لیس بوجوده الواقعي مناطاً لیعلم و یشك فیه تارة أخری بل بوجوده في وعاء وجدان العقل فالمناط مع عدم إحرازه مقطوع العدم فالواسطة في الثبوت كالواسطة في الإثبات، و كما لا واسطة في الإثبات، كذلك لا واسطة في الثبوت، فإنّ المدح و الذم فعلیّته و تنجزّه واحد، و ما كان كذلك یستحیل أن یكون موضوعه الشي‌ء بوجوده الواقعي، بل بوجوده في وجدان العقل».3) مناقشة في التفصیل بین الحكم الشرعي المستند إلى العقل و النقل: «ربما یدَّعی التسویة بین الحكم الشرعي المستند إلى الحكم العقلي و الحكم الشرعي المستند إلى الدلیل النقلي نظراً إلى أنه لو كان الاعتبار بالموضوع الحقیقي الواقعي لم‌یجر الاستصحاب- على أيّ حال- و لو كان الاعتبار بالموضوع العرفي لجری الاستصحاب- على أي تقدیر- و ذلك لأن الأحكام الشرعیة تابعة للمصالح و المفاسد الواقعیة لتنزّه ساحة الشارع عن الأغراض النفسانیة، و هو مبنی الملازمة بین حكمي العقل و الشرع و هو الغرض من ابتناء الإشكال على القول بالملازمة- أي على مبناها، لا على نفسها- و حینئذٍ فكما أنّ حكم العقل بحسن شي‌ء أو قبحه- لغرض التأدیب أو الإضرار- راجع إلى حسن التأدیب بما هو تأدیب، و قبح الإضرار بما هو إضرار، فكذلك إذا حكم الشارع بوجوب الصلاة لغرض الانتهاء عن الفحشاء فهو مرید للناهي عن الفحشاء- بما هو كذلك- إذ لا‌یتعلق الشوق بشي‌ء إلّا باعتبار ما فیه من الغرض الملائم للطبع، و في حكم الشارع و إرادته لا غرض إلّا المصلحة أو المفسدة، فهو مرید للغرض بالحقیقة».جواب المحقق الإصفهاني عن هذه المناقشة: في ص26: «یندفع بما أشرنا إلیه سابقاً من أنّ موضوعیة شي‌ء للبعث- مثلًا- لا موقع لموضوعیته له حقیقة و دقة إلّا وقوعه في حیّز البعث، و لم‌یقع في حیّز البعث حقیقة إلّا الصلاة، مضافاً إلى أنّ الأغراض الشرعیة غالباً مجهولة و یستحیل توجیه البعث الذي هو عین جعل الداعي و الباعث إلى إرادة الفعل نحو المعنون بعنوان مجهول، بحیث یجب صدوره بعنوانه بالاختیار و كذلك في مقام الإرادة التشریعیة، فإنّ إرادة المعنون بعنوان قصدي مجهول من المكلف یستحیل انقداحها في نفس العاقل، فتوهّم الفرق بین البعث و الإرادة فاسدة.و أما كفایة الموضوع العرفي- حتی في استصحاب الحكم الشرعي المستند إلى الحكم العقلي- فصحیحة في ما كان المانع الشك في بقاء الموضوع إذ لیس المراد من اعتبار نظر العرف اتباع نظرهم في تشخیص المفاهیم حتّی یتوهّم أنّ نظرهم من هذه الجهة أجنبي عن موضوع الحكم العقلي، كیف و الموضوع العرفي في قبال الموضوع الدلیلي- الذي لیس غیر العرف مرجعاً لتشخیص مفهومه- مع أنّهم لا‌یقولون باختصاصه بما ثبت بالأدلة اللفظیة، بل یقول من یقول به حتّی في الأدلّة اللبیة- من إجماع و نحوه- بل المراد بنظر العرف نظرهم من حیث ارتكاز المناسبات بین الحكم و موضوعه فإنّ العرف مع اعترافهم بأنّ الكلب اسم للحیوان، لا للجسم فقط، و مع ذلك یرون النجاسة من عوارض جسمه- بما هو- لا بما هو حیوان و حینئذٍ فیمكن أن یكون المرتكز في أذهانهم أنّ شرب هذا المائع هو المضرّ، و أنه القبیح عقلًا و الحرام شرعاً».4) قال الشیخ في فرائد الاصول، ج3، ص۱۴۲: «و مما ذكرنا یظهر أن الاستصحاب لا‌یجري في الأحكام العقلیة و لا في الأحكام الشرعیة المستندة إلیها سواء كانت وجودیة أم عدمیة إذا كان العدم مستنداً إلى القضیة العقلیة كعدم وجوب الصلاة مع السورة على ناسیها فإنه لا‌یجوز استصحابه بعد الالتفات ... و أما إذا لم‌یكن العدم مستنداً إلى القضیة العقلیة بل كان لعدم المقتضي و إن كان القضیة العقلیة موجودة أیضاً فلا بأس باستصحاب العدم المطلق بعد ارتفاع القضیة العقلیة».و ناقش في كلام الشیخ في نهایة الدرایة، ص28 فقال: «ثم إنه لا فرق في ما ذكرنا- منعاً و جوازاً- بین استصحاب الوجود و استصحاب العدم، إذ كانا مستندین إلى القضیة العقلیة التي مفادها حكم العقل العملي، كاستصحاب الوجوب و الحرمة المستندین إلى حسن الفعل و قبحه و استصحاب عدم الوجوب و الحرمة إذا استند إلى قبح تكلیف غیر الممیز- إیجاباً و تحریماً- كما لا فرق- في الجواز- بین استصحاب الوجود و استصحاب العدم إذا استندا إلى القضیة العقلیة التي مفادها حكم العقل النظري؛ فالأوّل كما إذا أدرك العقل وجود المصلحة التي هي علّة تامة في نظر الشارع لإیجاد الفعل- مثلًا- فإنّ العقل یذعن بالإیجاب لمكان العلیة و المعلولیة، و لا دخل له بمفاد حكم العقل العملي، فإنّ ملاك الحسن و القبح العقلائیین هي المصالح العمومیة الموجبة لانحفاظ النظام و المفاسد العمومیة الموجبة لاختلال النظام، لا المصالح الخصوصیة التي تتفاوت بحسب أغراض المولى كما أشرنا إلیه عند مباحث هذه التعلیقة مراراً، و الثاني: كما إذا أذعن العقل بعدم التكلیف في الأزل بعدم علته فإنّ استصحاب التكلیف- عند الشك في بقاء علته- و استصحاب عدم التكلیف- عند الشك في بقاء عدم علته- على حاله لا مانع منه، إذ لیس وجود العلّة و لا عدمها عنواناً لمعلوله أو لعدم معلوله كیف و لا قیام لهما بهما حتی یكون عنواناً لهما، و لیس نظیر الحسن و القبح الذي یقتضي الوجدان و البرهان كون الأغراض فیهما عنواناً لموضوعهما و رجوع الحیثیة التعلیلیة فیهما إلى الحیثیة التقییدیة لموضوعهما، و منه ظهر أنّ ما یوهم الفرق بین الوجود و العدم من كون الثاني على نحوین دون الأول كما في كلام الشیخ الأعظم في الرسائل‌ لیس في محلّه فراجع».نظریة بعض الأساطين: التفصيل بين الأحكام العقليةقال - على ما في المغني في الأصول، ج1، ص278- : «الحقّ في المسألة، أولاً: إنّ حقيقة الأحكام العقلية عبارة عن المدركات العقلية؛ فإنّ حقيقة الحكم، إما الإرادة المبرزة، على مسلك بعض المحققين، أو الاعتبار المبرز على مسلك آخر، و ليس للعقل إرادة و لا كراهة و لا اعتبار، فالحكم وظيفة للمولى، و شأن العقل هو الإدراك فقط، ورد في الحديث: (ألا و مثل العقل في القلب كمثل السراج في البيت)، فللعقل حقيقة النورية، فهو كاشف و مدرك، و المدركات العقلية على قسمين:الأول: المدركات النظرية كاستحالة اجتماع النقيضين، و احتياج الممكن و غيرهما.الثاني: المدركات العملية، و هي تنقسم أيضاً إلى قسمين: 1) إدراك المصالح والمفاسد. 2) إدراك الحسن و القبح.أما المدركات النظرية فهي خارجة عن محلّ بحثنا، و أما المدركات العملية ففي القسم الأول منها يدرك العقل الملاك، و على ضوء قاعدة العدلية (دوران الأحكام مدار الملاكات من المصالح و المفاسد)، نشكل قاعدة من ضمّ هاتين القضيتين، و هي قاعدة الملازمة، أعني (كلّ ما حكم به العقل حكم به الشرع)، فنستكشف حكم الشرع عن طريق الإدراك العقلي، و الحقّ في هذا القسم مع المحقق الخراساني؛ لاحتمال كون ما أدركه العقل هو المقدار المتيقّن من ملاك الحكم، و الملاك الواقعي نفس الأمري أوسع دائرة مما أدركه العقل، و يحتمل أن يكون هناك ملاك آخر، كأن يكون الملاك متعددة في الواقع، و إنما لم‌يدركه العقل؛ لأن نوره لم‌يصل إلا إلى هذا المقدار، و عليه فنحتمل أن الحكم يدور مدار الملاك الواسع أو المتعدد، فنشك - بعد ارتفاع الحكم العقلي - في بقاء الحكم الشرعي، فتتمّ أركان الاستصحاب فيه، من اليقين السابق و الشك اللاحق.و أما القسم الثاني – و هو العمدة - فالحقّ فيه مع الشيخ، بهذا البيان؛ أن الأفعال في نظر العقل على ثلاثة أقسام:1) أفعال ليس فيها من حيث ذاتها - اقتضاء للحسن و لا للقبح، كالأكل و الشرب، من حيث أنهما أكل و شرب.۲) أفعال فيها اقتضاء الحسن و القبح من حيث ذاتها، و لكن لم‌يتجاوز ذلك حدّ الاقتضاء، بحيث يمكن اتصاف ما فيه اقتضاء الحسن بالقبح، و كذلك العكس، كالصدق و الكذب؛ فإن في الصدق اقتضاء الحسن و يتّصف به، و لكن ربما يكون قبيحاً، كما لو كان سبباً للفتنة، و في الكذب اقتضاء القبح و يتّصف به، ولكن ربما يكون حسناً، كما لو كان لإنقاذ مؤمن، أو كان لإصلاح ذات البين.٣) ما يكون علة تامة للحسن أو القبح، فيستحيل انقلابه إلى قسيمه كالعدل و الظلم؛ فإن العدل حسن و يستحيل - مع حفظ عنوان العدل أن يكون قبيحاً، فلو كان قبيحاً لخرج عن كونه عدلاً، و الظلم قبيح و يستحيل - مع حفظ عنوانه - أن يكون حسناً.إذا اتّضح هذا فنقول: إنّ جميع قضايا مدركات العقل العملي ترجع إلى قضيّتين هما: حسن العدل، و قبح الظلم، كما أن جميع مدركات العقل النظري ترجع إلى قضيّتين هما: استحالة اجتماع النقيضين، و استحالة ارتفاعهما، بما في ذلك استحالة اجتماع الضدين؛ فإن كلّ ضدّ يستلزم عدم الضد الآخر، و عليه فموضوع الحكم الشرعي المستند إلى إدراك العقل يرجع إلى الحسن و القبح، بلا دخل لأي شيء آخر في ذلك، فضرب اليتيم للتأديب لا خصوصية فيه، ما لم‌ينطبق عليه عنوان العدل، فيحكم عليه بالحسن، و ضربه للتشفّي كذلك، ما لم‌ينطبق عليه عنوان الظلم، فيحكم عليه بالقبح، فمتى ما شككنا - لتغيّر خصوصية من الخصوصيات - فالشك يرجع إلى الشك في كون الموضوع بدونها ظلماً أو لا، فتكون الشبهة حينئذ شبهة موضوعية للدليل، و التمسك بدليل الاستصحاب من التمسك بالدليل في الشبهة الموضوعية للدليل، و لا طريق للحلّ، فلا‌يجري الاستصحاب.و هذا بخلاف الأحكام الشرعية المستندة إلى أدلة شرعية؛ فإن المرجع في تحديد الموضوع إلى العرف، و هو بمقتضى مناسبة الحكم للموضوع يمكنه تشخیص هوية الخصوصية، و أنها علة أو حيثية تقييدية، فالعرف - مثلاً - يدرك أن العدالة في الشاهد حيثية تقييدية، فإذا زالت انتفى الموضوع فينتفي الحكم، و يدرك أن التغير بالنجاسة علة لحصول النجاسة، خارجة عن حريم الموضوع، بل الموضوع هو الماء فقط، فإذا زالت يمكن استصحاب بقاء الحكم؛ فإنه مورد لـ(لا‌تنقض اليقين بالشك).فتحصّل من ذلك: أن الحق هو التفصيل بين الأحكام الشرعية المستندة إلى كشف العقل عن المصالح و المفاسد، فالحقّ فيها مع المحقق الخراساني.، من جریان الاستصحاب، و بين الأحكام المستندة إلى كشف العقل عن الحسن و القبح، فالحقّ فيها مع الشيخ، من عدم إمكان جریان الاستصحاب»

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo