< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/07/08

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /

 

مناقشات ثلاث من المحقّق الإصفهاني في الاحتمال الأوّل

المناقشة الأولی

إنّ حمل الجملة على ذلك [بأن یقال: الجزاء محذوف، و جملة: «فَإِنَّهُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ وُضُوئِهِ» علّة للجزاء المحذوف، قامت مقامه] إنّما هو بعد عدم إمكان إرادة الجزاء.([1] )

مع أنّ احتمال كونه جزاء لا محذور فیه، كما سیجيء بیانه إن شاء الله تعالى.([2] )

المناقشة الثانیة

قال: مضافاً إلى لزوم حمله على التأكید، لأنّ الجزاء -و هو عدم وجوب الوضوء مع عدم الیقین بالنوم- قد استفید سابقاً من قوله: «لَا حَتَّى يَسْتَيْقِنَ أَنَّهُ قَدْ نَامَ».([3] )

و هذا الجواب الثاني یرجع إلى مناقشة المحقّق النائیني.([4] )

المناقشة الثالثة

قال: و سیجيء إن شاء الله تعالى أنّ سنخ التركیب بملاحظة تلك الأمثلة المتقدّمة، لا ظهور له في العلّیة لكثرة سوق مثله في إفادة الجزاء.([5] )

و قال في تبیین عدم ظهور سنخ هذا التركیب في العلّیة و استعمال مثله في إفادة الجزاء:

أمّا ظهور كلمة «فإنّه» في التعلیل فلیس إلیه سبیل، فإنّه إن كان من أجل الفاء، فهي ترد على الجزاء، و إنّما ترد على علّته أیضاً لقیامها مقامه.

و إن كان من أجل كلمة «إنّ» فهي لتحقیق مضمون الجملة.

و إن كان من أجل المجموع، و ظهور هذا التركیب، فقد ورد في القرآن خلافه كثیراً، كقوله تعالى: ﴿إِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنسَانَ كَفُورٌ﴾([6] ) و ﴿فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ﴾([7] ) و ﴿فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ﴾([8] ) و ﴿فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ﴾([9] ) .

و منه ظهر ما في دعوی ظهور سنخ هذا التركیب في كونه علّة قائمة مقام الجزاء. ([10] )

ملاحظة على مناقشات المحقّق النائیني و المحقّق الإصفهاني

إنّ المحقّق النائیني أورد على الاحتمال الأوّل بلزوم التكرار حیث أنّ معنی قوله: «لَا حَتَّى يَسْتَيْقِنَ أَنَّهُ قَدْ نَامَ» هو «إنّه لایجب علیه الوضوء» مع أنّ الجزاء المحذوف أیضاً هو عین هذه الجملة لأنّ معنی قوله: «وَ إِلّا» هو «إن لم‌یستیقن أنّه قد نام فلا‌یجب علیه الوضوء» و هذا هو الإیراد الثاني الذي أفاده المحقّق الإصفهاني من أنّ لازم هذا الاحتمال هو لزوم حمله على التأكید.

و الجواب عن ذلك هو أنّ التكرار إنّما یكون مستهجناً فیما إذا ذكر اللفظ مرّتین بعبارة واحدة، و لكن «عدم وجوب الوضوء علیه» لم‌یذكر في الكلام إلا مرّة واحدة على سبیل الإجمال، و كون مفاده هو الجزاء في قوله: «و إلا» لایعدّ تكراراً، لأنّ المفروض حذف الجزاء، فلم‌یلزم تكراراً في اللفظ، مع أنّ ذكر مفاد هذه الجملة (أي عدم وجوب الوضوء علیه) كان على نحو الإجمال و الإشارة، لأنّه اكتفی بذكر كلمة «لا»، و یستفاد منه جملة: «لایجب علیه الوضوء».

فتحصّل أنّ المناقشة التي ذكرها المحقّق النائیني و المناقشة الثانیة التي أفادها المحقّق الإصفهاني لایمكن المساعدة علیها.

و أمّا المناقشة الأولى و الثالثة المذكورتان في كلام المحقّق الإصفهاني فهما تامّتان و لایمكن الإیراد علیهما.

وجه اختیار الشیخ الأنصاري الاحتمال الأول

إنّ الشیخ أصرّ على حذف الجزاء و إقامة العلّة مقامه لأنّه لو لم‌نقل بذلك للزم أن تكون هذه الجملة نفس الجزاء، لا العلّة، مع أنّ العلّة هي المفیدة للتعمیم و عدم اختصاصه بمورد الشك في النوم.

جواب المحقّق النائیني عن ذلك

إنّه لو سلّم حذفه [أي حذف الجزاء] فغایة ما هناك أن یستفاد من التعلیل عدم الاختصاص بخصوص الشك في النوم، و التعمیم لكلّ مورد شك فیه في بقاء الوضوء و ارتفاعه، و أمّا التعمیم لغیر باب الوضوء فهو یحتاج إلى إلغاء خصوصیة المورد و جعل موضوع حرمة النقض هو مطلق الیقین و الشك، سواء جعلنا الجزاء محذوفاً أم لا، فما یبتني علیه الاستدلال هو ذلك لا حذف الجزاء و جعل العلّة مقامه. ([11] )

تعمیم المحقّق النائیني الصحيحة لغیر الوضوء بجهات ثلاث

قال المحقّق النائیني: في الروایة جهات ثلاث موجبة لظهورها في كون لفظ: «مِنْ وُضُوئِهِ» إنّما أُتي به لأجل الموردیة [أي بیان المورد] دون إفادة القیدیة [فیكون موضوع حرمة النقض هو مطلق الیقین و الشك]:

الجهة الأولى: إنّ الیقین حیث أنّه من الصفات التي لاتتقوّم و لاتتحقّق إلا مضافة إلى شيء، ضرورة أنّ الیقین المطلق لایوجد.([12] )

فتأخیر قوله: «من وضوئه» عن «الیقین» كتقدیمه علیه لایستفاد منه أزید من كونه طرف الإضافة، من دون أن یكون له دخل في الحكم، فیكون الموضوع في قوله :«وَ لَا‌يَنْقُضُ الْيَقِينَ» هو مطلق الیقین و اللام للجنس، كما هو الأصل فیها إذا كان المدخول من أسماء الأجناس. ([13] )

الجهة الثانیة: إنّ الحكم بالحرمة حیث تعلّق بعنوان النقض المعتبر فیه الإبرام و الاستحكام .. فمناسبة الحكم و الموضوع تكون شاهدة على أنّ الملاك فیه هو ما في نفس الیقین من الاستحكام و لابدّ من الجري على طبقه و عدم رفع الید عنه بمجرد الشك الذي لیس فیه استحكام أصلاً، و من المعلوم أنّه لایختلف حال الیقین و الشك في ذلك بین صورتي تعلّقهما بالوضوء و عدم تعلّقهما به [أي لا فرق بین تعلّق الیقین و الشك بالوضوء و غیر الوضوء] فلا‌یختصّ الحكم بخصوص باب دون باب. ([14] )

الجهة الثالثة: إنّ قضیّة حرمة نقض الیقین بالشك لو كانت قضیّة ابتدائیة لأمكن القول باختصاصها بخصوص باب الوضوء، مع قطع النظر عن الجهتین السابقتین، إلا أنّها لیست كذلك، بل هي قضیة ارتكازیة لجمیع العقلاء، كما مرّ بیانها، و من الضروري عدم اختصاص تلك القضیة عندهم بخصوص باب و إنّما كان جریهم على الیقین السابق لما فیه من الإبرام و الاستحكام من دون فرق بین موارد تعلّقه، و لا ریب أنّ الظاهر من الروایة ورودها في مقام التقریر لما بنی علیه العقلاء منذ قدیم الزمن، لا تأسیس حكم ابتدائي تعبّدي.([15] )

ملاحظتان على الجهة الأولی

أوّلاً: غایة ما أفاده هو عدم إثبات دخل التقیید بالوضوء في الحكم، و لكن احتمال دخله یوجب إجمال الروایة فلا‌یمكن الاستدلال بها على القاعدة الكلیة.

ثانیاً: إنّ كلمة الیقین كثیراً ما تستعمل من دون ذكر طرف الإضافة.

فإنّ وجود طرف الإضافة لازم في تحقّقه، لا في مفهومه، فلا‌بدّ فیما أراد بیان القاعدة الكلّیة من أن یجرّده عن الطرف. نعم سیجيء بیان المحقّق الإصفهاني في إلغاء الخصوصیة إن شاء الله تعالى.

ملاحظة على الجهة الثانیة

إنّ ذلك لایتمّ إلا مع القطع بالملاك و المناط حیث أنّه لا‌بدّ من القطع بأنّ تمام الملاك في عدم نقض الیقین هو إبرامه و استحكامه و القطع بذلك مشكل فهذا الوجه مجرّد استحسان.

ملاحظة على الجهة الثالثة

قد تقدّم عند البحث عن استدلال بعضهم على حجّیة الاستصحاب بالسیرة العقلائیة أنّ بناءهم على العمل على طبق الحالة السابقة إمّا لحصول الاطمینان و إمّا للاحتیاط و الرجاء، فالاطمینان أو الاحتیاط أو الرجاء حیثیّات تعلیلیة ترجع إلى حیثیات تقییدیة، و حینئذ إنّ بناءهم على العمل على طبق الاطمینان أو الاحتیاط أو الرجاء، لا على العمل على طبق الحالة السابقة، أمّا العمل على طبق الحالة السابقة غفلة فلیس من باب بناء العقلاء بما هم عقلاء. نعم سیأتي بیان آخر لارتكازیة هذه القاعدة عند البحث عن إلغاء الخصوصیة إن شاء الله تعالى.

فتحصّل أنّ هذه الوجوه لایمكن التمسّك بها و سیأتي الكلام حول ذلك إن شاء الله.


[2] سيجيء احتمال ذلك في المناقشة الثالثة، و في الاحتمال الثاني.
[4] مضت مناقشته في الصفحة السابقة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo