< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/07/05

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب / الفصل الأول؛ الدلیل الرابع: الاخبار المستفیضة؛ الامر الثانی فی دلالة هذه الصحیحة

 

الأمر الثاني: في دلالة هذه الصحیحة

هنا ثلاثة مواضع:

الموضع الأول: سؤالان تشتمل علیهما الصحیحة

إنّ هذه الروایة الصحیحة تشتمل على سؤالین عن الإمام، كلّ منهما یرتبط بالآخر:

السؤال الأوّل: هل يبطل الوضوء بالخفقة أو الخفقتان؟

و هو عن الشبهة الحكمیة، و قد احتملوا فیه وجهین:

الأوّل: أن یكون منشأ السؤال هو الشبهة المفهومیة، و معنی ذلك هو أنّ زرارة لایعلم أنّ الخفقة و الخفقتین من النوم مفهوماً، حتّی یكون مبطلاً.

الثاني: أن یكون منشأ السؤال هو عدم علمه بالمرتبة المشخّصة من النوم التي هي موضوع للحكم ببطلان الوضوء، و معناه هو أنّ زرارة یعلم أنّ النوم مبطل للصلاة إجمالاً و لكن لایعلم أي مرتبة من مراتب النوم ناقض للوضوء.

و هذا الوجه الثاني هو الاحتمال الصحیح، لأنّ الظاهر من الروایة هو أنّ المفروض في السؤال تحقّق النوم و لذا قال زرارة: «الرجل ینام»، كما أنّ المفروض هو أنّ زرارة یعلم مبطلیة النوم للصلاة و هذا أیضاً لایمكن النقاش فیه. و لكن السؤال هو أنّ الخفقة و الخفقتین هل هما من مراتب النوم التي توجب بطلان الصلاة، و لذا نری أنّ الإمام أجاب عن ذلك ببیان تفصیل مراتب النوم من نوم العین فقط و نوم العین و الأذن و القلب.

بیان المحقّق الإصفهاني في وجه السؤال الأوّل

قال: لیس وجه السؤال كونهما [أي الخفقة و الخفقتین] من النواقض مستقلاً، مع القطع بعدم كونهما من النوم الناقض، و إلا لما كان لقوله "یَنام" و لتفصیل الإمام بین مراتب النوم، وجهٌ.

و كذا لیس الوجه صدق مفهوم النوم علیهما حقیقة، فإنّ السؤال عنه من الإمام المعدّ لتبلیغ الأحكام بعید جدّاً ... .

بل وجه السؤال الشك في اندراجهما في النوم الناقض، فالشبهة مفهومیة حكمیة، من حیث سعة الموضوع الكلّي للحكم و ضیقه. ([1] )

السؤال الثاني: هل تحريك شيء بجنبه و هو لا‌يدري يكون نوماً؟

و هو عن الشبهة الموضوعیة، فإنّه بعد تبیین دائرة موضوع النوم الناقض و أنّه نوم العین و الأذن و القلب، قد تحصل للشخص حالة لایدري أنّها من مصادیق نوم الأذن و القلب أم لا، و في هذه الحالة قد یتحرّك في جنب الإنسان شيء و هو لایلتفت إلیه و لایحصل له العلم به و حینئذٍ یشك في تحقّق النوم الناقض.

و هنا أجاب الإمام بأنّه لایجب علیه الوضوء في هذه الحالة التي یشك فیها في تحقّق النوم الناقض حتّی یستیقن أنّه قد نام، حتّی یجيء من ذلك أمرٌ بیّن ثمّ قال الإمام: «وَ إِلّا [أي إن لم‌یستیقن أنّه قد نام] فَإِنَّهُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ وُضُوئِهِ، وَ لَا‌يَنْقُضُ الْيَقِينَ أَبَداً بِالشَّكِّ.» ([2] )


الموضع الثاني: احتمالات أربعة في قوله «و إلا فإنّه على یقین من وضوئه»

قد اختلف الأعلام في تفسیر هذه الجملة، و المحتملات فیها أربعة:

الاحتمال الأوّل: أن یكون الجزاء محذوفاً و یكون قوله: «فَإِنَّهُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ وُضُوئِهِ» علّة للجزاء المحذوف قامت مقامه.

و هذا مختار العلامة الأنصاري و صاحب الكفایة و المحقّق الخوئي.

الاحتمال الثاني: أن یكون «الجزاء هو نفس قوله: "فَإِنَّهُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ وُضُوئِهِ" بتأویل الجملة الخبریة إلى الجملة الإنشائیة، فمعنی قوله:"فَإِنَّهُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ وُضُوئِهِ" هو أنّه یجب البناء و العمل على طبق الیقین بالوضوء»([3] ) و هذا الاحتمال هو مختار المحقّق النائیني.

الاحتمال الثالث: أن تكون جملة: «فَإِنَّهُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ وُضُوئِهِ»تمهیداً و توطئةً للجزاء، و أمّا الجزاء فهو قوله: «وَ لَا‌يَنْقُضُ الْيَقِينَ بِالشَّكِّ».

الاحتمال الرابع: أن تكون جملة: «فَإِنَّهُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ وُضُوئِهِ» نفس الجزاء مع بقائها على معنی الخبریة.

فلا‌بدّ من الكلام حول هذه الوجوه و المحتملات:


الاحتمال الأوّل

بیان الشیخ الأنصاري

قال الشیخ: إنّ جواب الشرط في قوله: "وَ إلّا فَإِنَّهُ عَلَى يَقِينٍ" محذوف [و الجزاء المحذوف هو "لایجب علیه الوضوء"] قامت العلّة مقامه لدلالتها علیه، و جعلها نفس الجزاء یحتاج إلى تكلّف و إقامة العلّة مقام الجزاء لاتحصى كثرةً في القرآن و غیره، مثل قوله تعالى: ﴿وَ إِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفَى﴾([4] ) و [قوله تعالى:] ﴿إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ﴾([5] ) [و الجزاء المحذوف: لا‌تضرّوا الله تعالى شیئاً] و [قوله تعالى:] ﴿مَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾([6] ) [و الجزاء المحذوف: لا‌یضرّ الله شیئاً] و [قوله تعالى:] ﴿مَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾([7] ) و [قوله تعالى:] ﴿فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَٰؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ﴾([8] ) و [قوله تعالى:] ﴿إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ﴾([9] ) [و الجزاء المحذوف: فهو غیر مستبعد أو فلا عجب فیه] و [قوله تعالى:] ﴿وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ﴾([10] ) [و لعلّ الجزاء المحذوف: فلا‌تحزن] إلى غیر ذلك.

فمعنی الروایة: إن لم‌یستیقن أنّه قد نام، فلا‌یجب علیه الوضوء، لأنّه على یقین من وضوئه في السابق، و بعد إهمال تقیید الیقین بالوضوء و جعل العلّة نفس الیقین، یكون قوله: «لَا‌يَنْقُضُ الْيَقِينَ» بمنزلة كبری كلّیة للصغری المزبورة.([11] )

مناقشة المحقّق النائیني في الاحتمال الأوّل

قال: إنّه على هذا یلزم التكرار في الجواب و بیان حكم المسؤول عنه مرّتین بلا فائدة، فإنّ معنی قوله: «لَا حَتَّى يَسْتَيْقِنَ» عقیب قول السائل: «فَإِنْ حُرِّكَ إِلَى جَنْبِهِ شَيْ‌ءٌ» هو أنّه لایجب علیه الوضوء، فلو قدر جزاء قوله: «وَ إِلّا» بمثل «فلا‌یجب علیه الوضوء» یلزم التكرار في الجواب، من دون أن یتكرّر السؤال، و هو لایخلو عن حزازة فاحتمال أن یكون الجزاء محذوفاً ضعیف غایته. ([12] )

 


[1] نهاية الدراية في شرح الکفاية - ط قديم، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج3، ص41.و في، ص40أنّه قد استشكل قوله: «ينام و هو على وضوء» بعدم مقارنة النوم و الطهارة، و أجیب عن هذا الإشكال بوجوه:الأول: الاكتفاء في المقارنة بين الحال و العامل في ذي الحال بمجرّد الاتصال زماناً إمّا مطلقاً أو في خصوص المقام ممّا كان أحدهما رافعاً للآخر، و هذا الوجه ظاهر شيخنا الأستاذ في تعليقته الأنيقة.الثاني: حيث أنّ النوم لا‌يجامع الطهارة الحاصلة بالوضوء، فلذا يقال بإرادة إشرافه على النوم أو إرادته و يمكن أن يكون الإشراف على النوم مصحّحاً لإسناده إليه في حال الطهارة، لا أنّ النوم قد استعمل في الإشراف عليه.الثالث: إنّ النوم حيث أنّه له مراتب، و هو نوم العين و نوم القلب و الأذن، فمرتبته الأولى تجامع كونه على طهارة.و أورد على جمیع هذه الوجوه المحقق الإصفهاني:الإیراد على الجواب الأول: الظاهر أنّ مجرّد الاتصال الزماني لا‌يكفي في المقارنة المعتبرة في الحال و إلّا لصحّ جعل أحد الضدّين حالاً عن الآخر، مع أنّه لا‌يصحّ: (قعد زيد قائماً) و لا (تحرّك زيد ساكناً) بمجرّد اتصال قيامه بقعوده أو حركته بسكونه.الإیراد على الجواب الثاني: إنّه خلاف الظاهر إذ ظاهر السؤال عدم علم السائل بأنّ هذه المرتبة غير ناقضة للوضوء، حتّى يكون الحالية بلحاظ اجتماع هذه المرتبة من النوم مع الطهارة، فليس ذلك مناطاً لإسناد النوم مقترناً بكونه على وضوء في نظر السائل.الإیراد على الجواب الثالث: إنّه خلاف الظاهر إذ قوله: (ينام و هو على وضوء) لأجل السؤال عن ناقضية النوم، لا ناقضية الإشراف عليه، و الروايات الدالّة- على استحباب النوم على الطهارة- إنّما تدلّ على استحباب حقيقة النوم على الطهارة لا الإشراف عليه.و التحقيق في الجواب عن الإشكال أنّ المقارنة الزمانية غير مقوّمة للحالية، و إنّما يعلم الاجتماع- بحسب الزمان- من الخارج، و ليست حقيقة الحالية إلّا جعل أحد المضمونين قيداً للآخر بحسب فرض المتكلم، فقولك: (جاء زيد و هو راكب) أي: المفروض أنّه راكب و كذلك (ينام و هو على وضوء) أي: و المفروض أنّه على وضوء من دون دخل للاتّحاد الزماني بين المضمونين فإذا انسلخت الحالية عن الزمانية و الوقتية، فلا موجب لاتحاد المضمونين زماناً و لا‌يضرّنا- بعد وضوح الأمر- عدم مساعدة كلمات أهل الأدبية، فإنّها غير مبتنية على أساس متين.و ذكر. أموراً توضّح المدّعی: الأول: إنّ ما ذكره النحاة- من اعتبار المقارنة الزمانيّة- غير صحيح، لصحّة قولنا: أ تضربني اليوم و قد أكرمتك بالأمس، بل اللازم الاقتران بوجه و لو- لا في الزمان، بداهة صحّة الحالية في الخارج عن أفق الزمان، فلا زمان للتلبس بالمبدأ فضلاً عن المقارنة الزمانية و الاقتران- تارة- في الوجود بلحاظ متن الواقع كما في المثال المتقدّم و هو «أ تضربني اليوم و قد أكرمتك بالأمس»، فإنّ الغرض منه أنّ الضرب في اليوم مع الإكرام في الأمس ممّا ينبغي أن لا‌يقعا معاً في دار الوجود، فالمعيّة بلحاظ متن الواقع و مطلق الوجود و أخرى بلحاظ امتداد أحدهما إلى حال وجود الآخر كما يقال: (قعد زيد، و قد كان قائماً منذ يوم) فإنّ الغرض ليس هو اقتران القيام بالقعود، بل اقتران امتداده بالقعود.الثاني: و أمّا ما ذكروه في مقام تصحيح الاقتران في مثل قوله تعالى: (فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) - من أنّ الحال مقدّرة لا محقّقة، و المراد دخولهم في حال تقدير الخلود لهم، لا في حال الخلود- فمردودٌ بأنّ الخلود لا‌يكون للدخول بمعنى حدوث الكون في الجنّة، و أمّا أصل الكون فيوصف بالدوام و الاستمرار، فالمعنى: كونوا فيها دائمين مستمرّين، لا أنّ المعنى: أدخلوها مقدّراً لكم الخلود.و قال في موضع: الحالية عين الفرض و التقدير، لا أنّ (التقدير) بنفسه حال حتّى يقال: إنّ معنى (فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) «أدخلوها مقدّراً لكم الخلود» ليكون قولهم (مقدّراً) حالاً عن الدخول، لا الخلود حالاً، بمعنى الفرض و التقدير.الثالث: إنّ الحال المحكية- التي زادها على المقارنة و المقدّرة بعض النحويين‌ ممثّلاً لها بقولهم: (جاء زيد بالأمس راكباً)- ساقطة جدّاً، لمقارنة الركون مع المجي‌ء في الزمان الماضي و في مثل (جاء زيد اليوم و هو راكب بالأمس) حيث كان زمان الحال ماضياً لزمان العامل، فلا‌يراد منه مقارنة المجي‌ء مع الحكاية عن ركوبه، لأنّه خلاف الظاهر جدّاً، بل الغرض مجرّد الاقتران في مطلق الوجود
[2] هذا مقطع من الصحيحة الأولى لزرارة راجع ص143.
[11] فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج3، ص56.و استصوب بعض الأساطين هذا الاحتمال و قال - على ما في المغني في الأصول، ج1، ص84-: «و الأقرب للظهور العرفي من بين هذه الاحتمالات هو ما أفاده الشيخ و المحقق الخراساني؛ فإن قيام العلة مقام الجزاء أمر شائع في الاستعمال الفصيح، و عدم الترتب بين مدخول الفاء و الشرط يدلّ على حذف الجزاء، و أن العلة قائمة مقامه.و على هذا الاحتمال لا‌تبقى شبهة في أن الرواية دالّة على حجية الاستصحاب مطلقاً؛ إذ لو لم‌تقم على حجية الاستصحاب مطلقاً لاختصّت بباب الوضوء، و في باب الوضوء احتمالان:أحدهما: حجية الاستصحاب في خصوص صورة الشك في حصول النوم.و الآخر: حجيته في حالة الشك في الناقض مطلقاً.أما على الأول فيلزم كون جملة الشرط لغواً؛ لأن الإمام. قد أجاب عن السؤال بقوله: «لا حتى يستيقن أنه قد نام، حتى يجيء من ذلك أمر بيّن»، فلو كان مراده من جملة الشرط و الجزاء و ما بعدها نفس ما في الجواب المتقدم لكان لغواً، و هو لا‌يصدر من الحكيم، فهذا الاحتمال باطل بالضرورة.و أما الثاني فباطل بالتأمل؛ فإن ظهور الرواية يقضي بأن الإمام عليه السلام لا في صدد إلقاء كبرى، فهو يريد بالبيان الزائد بیان مطلب زائد، و هو التنبيه على أنه إذا حصل يقين بشيء فلا‌ينقض بالشك فيه.أو فقل: إن عدم نقض اليقين السابق بالشك اللاحق في أي متيقّن كان، سواء أ كان المتيقن و المشكوك موضوعاً للحكم أم كان حكمة، و هذه القضية غير مختصة بباب الوضوء، بل بیان القاعدة كلية»

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo