< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/06/26

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /الفصل الأول؛ الدلیل الأول؛ مناقشات في الاستدلال بالسیرة

 

المناقشة الثانیة: من المحقّق الخوئي

إنّ ارتكاز العقلاء لیس مبنیاً على التعبّد، بأن كان رئیسهم قد أمرهم بالعمل على طبق الحالة السابقة، بل هو مبني على منشأ عقلائي، كما أنّ جمیع ارتكازیات العقلاء ناشئة من المبادي العقلائیة، و لو كانت هنا جهة عقلائیة تقتضي العمل على طبق الحالة السابقة، لفهمناها، فإنّا من جملتهم. ([1] )

و المتحصّل أنّ مناقشة صاحب الكفایة و المحقّق الخوئي واردة علیهم، فإنّ عمل العقلاء على طبق الحالة السابقة إن كان معلولاً لاطمینانهم بالبقاء فهو لایعدّ بناءً منهم على العمل على طبق الحالة السابقة بل هو بناء على العمل بالاطمینان، لأنّ الاطمینان حیثیة تعلیلیة، و الحیثیات التعلیلیة في الأحكام العقلیة و العقلائیة حیثیات تقییدیة، فعلى هذا لابدّ أن یقال بأنّ العقلاء عملوا بالاطمینان، و إن لم‌یلتفتوا إلى اطمینانهم تفصیلاً، لعدم لزوم الالتفات التفصیلي إلى الاطمینان بل یكفي التفاتهم الإجمالي إلیه.

و هكذا الأمر فیما إذا كان الداعي إلى عملهم على طبق الحالة السابقة هو الاحتیاط و الرجاء -فإنّ الاحتیاط و الرجاء حینئذٍ حیثیة تعلیلیة ترجع إلى الحیثیة التقییدیة.

و أمّا إذا كان عملهم مستنداً إلى الغفلة، فلا‌یطلق علیه بناء العقلاء، لأنّ المراد من بناء العقلاء و سیرتهم إنّما هو بناؤهم بما أنّهم عقلاء، لا بما أنّهم غافلون.([2] )


المناقشة في حجّیة السیرة (في الکبری)

قال صاحب الكفایة:([3] ) بأنّه لو سلّمنا بناء العقلاء على العمل بالحالة السابقة لكنّه لم‌یعلم رضا الشارع به، فإنّ حجّیة هذه السیرة منوطة بإمضاء الشارع و لو بعدم ردعه عنها، و لكن هنا نجد في الأدلّة ما یردع عنها:

الرادع الأوّل: ما دلّ من الكتاب و السنة على النهي عن اتباع غیر العلم مثل قوله تعالى: ﴿وَ لَا‌تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾([4] ) فإنّه بعد زوال الیقین السابق وجداناً یكون المقام من صغریات عدم العلم.

الرادع الثاني: ما دلّ من الكتاب و السنّة على أنّ المرجع في الشبهات أصالة البراءة أو أصالة الاحتیاط على خلاف بین الأصولیین و الأخباریین، فإنّ إطلاق «رُفِعَ‌ عَنْ أُمَّتِي مَا لَا‌يَعْلَمُون»([5] ) یعمّ الشبهة التي لها حالة سابقة من ثبوت التكلیف أو عدمه، و هكذا إطلاق «قف عند الشبهات»([6] ) یعمّ الشبهة التي لها حالة سابقة من العلم بالتكلیف و عدمه.

أجوبة خمسة عن هذه المناقشة

الجواب الأوّل: من المحقّق النائیني

إنّ بناء العقلاء على الأخذ بالحالة السابقة لو لم‌یكن أقوی من بنائهم على العمل بالخبر الواحد فلا أقل من التساوي بین المقامین، فكیف كانت الآیات رادعة عن بناء العقلاء في [هذا] المقام و لم‌تكن رادعة عنه في ذلك المقام فالأقوی أنّه لا فرق في اعتبار السیرة العقلائیة في كلا المقامین. ([7] )

الجواب الثاني: من المحقّق النائیني أیضاً ([8] )

لایمكن ردع الآیات عن ما جری علیه السیرة العقلائیة منذ قدیم، لأنّ جمیع موارد السیرة العقلائیة خارج عن موضوع الآیات الرادعة، فإنّ موضوعها هو غیر العلم، و العمل بالسیرة العقلائیة حجّة عقلائیة و یعدّ عندهم علماً عرفیاً، فالردع عن السیرة العقلائیة یحتاج إلى نصّ خاص و دلیل مخصوص كما في القیاس إذ لولا دلیل مخصوص رادع عن القیاس، لما كان العمل بالقیاس الثابت بالسیرة العقلائیة (على فرض دلالة السیرة العقلائیة على بعض مصادیق القیاس) عملاً بالظنّ عند العقلاء.([9] )


[2] اختار عدم ثبوت بناء العقلاء على الاستصحاب كثیر من الأعلام:فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج3، ص95.: «احتجّ للقول الأوّل بوجوه: منها ... و منها بناء العقلاء على ذلك في جميع أمورهم كما ادّعاه العلامة في النهاية و أكثر من تأخّر عنه، و زاد بعضهم أنّه لولا ذلك لاختلّ نظام العالم و أساس عيش بني آدم، و زاد آخر أنّ العمل على الحالة السابقة أمر مركوز في النفوس حتّى الحيوانات أ لا‌ترى أنّ الحيوانات تطلب عند الحاجة المواضع التي عهدت فيها الماء و الكلأ و الطيور تعود من الأماكن البعيدة إلى أوكارها و لولا البناء على إبقاء ما كان على ما كان لم‌يكن وجه لذلك. و الجواب أنّ بناء العقلاء إنّما يسلم في موضع يحصل لهم الظن بالبقاء لأجل الغلبة فإنّهم في أمورهم عاملون بالغلبة سواء وافقت الحالة السابقة أو خالفتها ...».منتهى الدراية، المروج الجزائري، السيد محمد جعفر، ج7، ص59.: «منع شيخنا الأعظم الاستدلال ببناء العقلاء على الاستصحاب بأنّ المستصحب إن كان من الموضوعات الخارجية فالعمل به إنّما هو للغلبة المورثة للظن بالبقاء، فلو اقتضت الغلبة للظن بعدمه لم‌يبنوا عليه. و إن كان من الأحكام الشرعية فلم ‌ثبت بناؤهم عليه إلّا في الشك في النسخ و الشك في حدوث الحكم مع عدم استناد بنائهم فيهما إلى الاستصحاب المصطلح، بل لأمارة العدم، بملاحظة كون بناء الشارع على التبليغ و البيان».حاشية فرائد الأصول - تقريرات، اليزدي النجفي، السيد محمد إبراهيم، ج3، ص118.: «أنّ ملاك حجية الاستصحاب على مذاق المتشبّثين بالأدلّة المذكورة و أمثالها أحد أمور أربعة: ... الثالث: بناء العقلاء. الرابع: حكم العقل، و يظهر من المتن ضعف الكل، و لعمري أنّه بلغ فساد حجية الاستصحاب من غير جهة الأخبار حدّ الوضوح».و في حواشي المشكيني علی الكفاية، مشکیني، الميرزا ابوالحسن، ج4، ص401.: «الأولى الاقتصار في ردّ هذا الدليل على منع المقدمة الأولى [و هي إحراز بناء العقلاء على العمل بالحالة السابقة]».و في الحاشية على كفاية الأصول، البروجردي، السيد حسين، ج2، ص344.: «إعلم أنّه و إن استُدلّ على حجية الاستصحاب بوجوه ... فإنّ دلالة غير الأخبار على المطلوب ممنوعة جداً، صغرىً و كبرىً، موضوعاً و محمولاً ... و بيان وجه المنع إمّا في الأوّل فلأنّ عمل العقلاء على طبق الحالة السابقة من جهة مجرّد ثبوت الشي‌ء في السابق ممنوع، بل يمكن أن يكون له جهة أخرى مثل الرجاء و الاحتياط فيما لم‌يكن علم و لا ظنّ، أو الاطمئنان فيما كان هناك علم، أو الظن إذا حصل، هذا بحسب الموضوع».‌منتقى الأصول، الحكيم، السيد عبد الصاحب، ج6، ص35.: «بناء العقلاء على العمل بالاستصحاب لو تمّ صغروياً، فهو غير حجة ...».و في منتهى الدراية، المروج الجزائري، السيد محمد جعفر، ج7، ص66.: «قد تحصّل من مجموع ما تقدّم أنّ سيرة العقلاء على الاستصحاب ممنوعة».و في دروس في مسائل علم الأصول، التبريزي، الميرزا جواد، ج5، ص135.: «إنّ السيرة على العمل بالحالة السابقة تختلف فيكون للرجاء و الاحتياط أو للاطمئنان أو الظن بالبقاء و للعادة أي الألفة على الحالة السابقة مع الغفلة عن الزوال كما في الإنسان في بعض الأحيان، و في الحيوان دائماً، و لو فرض تمامية السيرة العقلائية على العمل على وفق الحالة السابقة ...».و في تحقیق الأصول، ج9، ص38 و 39: «القول بعدم إجرائهم الاستصحاب مع الشك في المقتضي صحیح لكن القول بإجرائهم الاستصحاب مطلقاً مع الشك في الرافع ممنوع». زبدة الأصول، الروحاني، السيد محمد صادق، ج4، ص14.: «الدليل الأول: استقرار بناء العقلاء ... و قد وقع الكلام في كلّ من الصغرى أي ثبوت بناء العقلاء، و الكبرى ... أمّا المقام الأوّل: فقد أنكر المحقّق الخراساني‌ ثبوته ... و أورد عليه المحقّق النائيني‌ و حاصل ما أفاده أنّه لا ريب في استقرار سيرة العقلاء في محاوراتهم و معاملاتهم و مراسلاتهم على البناء على بقاء الحالة السابقة ... و فيه: إنّ المحقق الخراساني يدّعي عدم ثبوت بناء العقلاء، على العمل على طبق الحالة السابقة بهذا العنوان، و أنّ بناءهم عليه في جملة من الموارد لجهات مختلفة ... فما أفاده تامّ لا‌يرد عليه ما أورده المحقق النائيني».و هذا القول هو مختار المحقق الحائري و المحقق الأراكي ظاهراً حیث لم‌یذكرا بناء العقلاء من جملة الأدلّة على الاستصحاب. راجع درر الفوائد، الحائري اليزدي، الشيخ عبد الكريم، ج2، ص158. و أصول الفقه، الأراكي، محمد علي، ج2، ص281.، و كذلك الشیخ مرتضى الحائري. قال في مباني الأحكام، ج‌3، ص7: «و المرجع في ذلك الدليل و عمدته الأخبار»
[3] كفاية الأصول - ط آل البيت، الآخوند الخراساني، ج1، ص387..: «و ثانیاً: سلّمنا ذلك لكنّه لم‌یعلم أنّ الشارع به راضٍ و هو عنده ماضٍ، و یكفي في الردع عن مثله ما دلّ من الكتاب و السنة على النهي عن اتّباع غیر العلم و ما دلّ على البراءة أو الاحتیاط في الشبهات فلا وجه لاتباع هذا البناء في ما لابدّ في اتباعه من الدلالة على إمضائه فتأمّل جیداً»
[5] لتفصيل مصادر هذا الحديث و طرقه راجع الجزء 8، ص65.
[6] و لمعرفة الروايات الدالة على هذا المعنى راجع الجزء 8 ص223.
[7] فوائد الاُصول، الغروي النّائيني، الميرزا محمد حسين، ج4، ص333.، هذا الجواب جواب نقضي كما هو واضح و قد ردّ هذا الجواب في بحوث في علم الأصول، الهاشمي الشاهرودي، السيد محمود، ج6، ص21. فقال: «و أمّا الكلام في الكبرى فما يتصوّر كونه رادعاً عن السيرة إنّما هو الأدلّة الناهية عن العمل بغير العلم و أدلّة البراءة أو الاحتياط، و المحقّق الخراسانيّ قد اعترف في المقام بإمكان رادعية هذه الأدلّة عن السيرة رغم إنكاره ذلك في بحث حجية خبر الواحد، و من هنا اعترض المحقق النائيني عليه بأنّه لا وجه للتفرقة بين المقامين.أقول: أمّا البحث عن رادعية هذه الأدلّة فقد فصّلنا الكلام فيه في مبحث خبر الواحد، و إنّما نبحث هنا عن إمكان رادعيتها عن السيرة المدعاة على الاستصحاب بعد الفراغ عن عدم رادعيتها عن السيرة على حجية خبر الواحد لإثبات الفرق بين المقامين، و هذا ما يمكن تصويره بأحد وجوه:الأول: أنّ السيرة كلما كانت أعمق و أكثر رسوخاً في وجدان العقلاء و ارتكازهم كانت بحاجة إلى ردع أقوى و أوضح بحيث قد لا‌يكتفى لبعض مراتبها بمثل العمومات و المطلقات الكلية بل لابدّ من الصراحة و التنصيص، و يدعى أنّ السيرة العقلائية على حجية خبر الثقة قد بلغت من الرسوخ و الارتكاز إلى تلك الدرجة بخلاف السيرة على الاستصحاب.الثاني: ما أفاده السيد الأستاذ من أنّ الأدلة المذكورة بعد عدم إمكان جعلها رادعة للسيرة و لا مخصصة بها يشك في حجية خبر الثقة فيمكن استصحابها لثبوت الإمضاء في أوّل التشريع و قبل صدور تلك الأدلّة فتثبت الحجية هناك، و أمّا هنا فحيث أنّ البحث في حجية الاستصحاب فبعد الشك و التردّد لا‌يمكن إثبات نتيجة الحجية بالاستصحاب، و هذا الوجه غير تامّ إذ يرد عليه ...الثالث: أنّ أدلة النهي عن العمل بالظن لا ربط لها بنفي الحجية الثابتة بالسيرة لا في المقام و لا في خبر الثقة لأنّها تطلب الركون في النهاية إلى العلم، و هذا حاصل في موارد الحجج أيضاً، و إنّما المهمّ في الردع مثل أخبار البراءة و هي باعتبارها ثابتة بخبر الواحد فلا‌يمكن أن يكون رادعاً عن حجيته بخلاف المقام بعد الفراغ عن حجية خبر الثقة و هذا الوجه مبني على القول بكفاية عدم ثبوت الردع في حجية السيرة و إلّا لم‌تثبت حجية خبر الثقة أيضاً لاحتمال رادعية أخبار البراءة.الرابع: أنّ السيرة على العمل بخبر الثقة على ما يستفاد من كلام المحقق الخراسانيّ نفسه كانت سارية إلى مجال الأحكام الشرعية و معمولاً بها لدى أصحاب الأئمة، و هذا بنفسه يكون كاشفاً عن عدم الردع و عدم صلاحية الأدلة المذكورة لذلك، و أمّا في المقام فحيث أنّ السيرة على الاستصحاب لم‌يعلم سريانها إلى مجال الأحكام الشرعية و عمل العقلاء بها في الأحكام فلا‌يمكن إثبات عدم الردع بذلك بل يحتمل أن تكون هذه الأدلة رادعة عنها.الخامس: إمكان دعوى أنّ ارتكازية حجية خبر الثقة في زمن المعصومين( يوجب على الأقل إجمال دليل البراءة و عدم إطلاقها لمورد قيام خبر الثقة على الإلزام فيثبت الإلزام بناء على مسلك حقّ الطاعة، و مثل هذا الارتكاز غير ثابت في حقّ الاستصحاب.السادس: ما هو ظاهر بعض عبائر الكفاية من أنّ السيرة العقلائية بين الموالي و العبيد على حجية خبر الثقة و كفايته في مقام التنجيز و التقدير توجب قصوراً في حقّ الطاعة بحيث لا‌يثبت ذلك في موارد وجود خبر ثقة على الترخيص ... و هكذا يثبت أنّه في باب خبر الثقة لا حاجة إلى إثبات عدم الردع بخلاف الاستصحاب الذي لم‌يثبت ارتكاز العمل به في باب الموالي و بلحاظ التنجيز و التعذير و إنّما كان من جهة احتمال سريان خطر العمل به إلى مجال الأحكام فإنه لا‌بدّ من إثبات عدم الردع فيه، و هذا الوجه و إن كان مبناه غير تامّ عندنا إلّا أنّ المظنون أنّه المقصود للمحقق الخراسانيّ.السابع: ما يناسب مباني مدرسة المحقق النائيني. من دعوى أنّ المجعول في باب حجية خبر الثقة عند العقلاء هو الطريقية و العلمية فيكون حاكماً على أدلة الردع و رفع ما لا‌يعلمون بخلاف الاستصحاب الذي لم‌يجعل فيه إلا المنجزية و المعذرية فلا‌يكون حاكماً على تلك الأدلة فتصلح للرادعية عنه»
[8] أجود التقريرات، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج2، ص358.: «و توهّم أنّ الآیات المانعة عن العمل بالظن تكون رادعة عن بناء العقلاء فلا‌یكون هناك دلیل على الإمضاء كما ذكره المحقق صاحب الكفایة. فاسدٌ إذ ما جری علیه السیرة العقلائیة منذ قدیم لایمكن ردع الآیات عنه لخروجه عن موضوعها ...»
[9] و لتعارض الآيات و الأخبار الناهية عن اتباع الظن مع السيرة العقلائية الدالة على اتباع الظن و الجواب عن هذه المعارضة راجع المجلد السابع من عيون الأنظار، في موضعين منه:الموضع الأول: في ص263: المناقشات الخمس في الدليل الثاني لمنكري حجّية الخبر الواحد و هو التمسّك بالآيات و الروايات الناهية عن العمل بغير العلم.و الموضع الثاني: في ص441: الوجوه الأربعة في الجواب عن رادعية الآيات و الروايات الناهية عن العمل بغير العلم.و الجواب الثاني هنا الذي ذكره المحقق النائیني هو بعض من المناقشة الثالثة من الموضع الأوّل في ص265؛ و هو الوجه الرابع في الموضع الثاني في ص450 من المحقق الخوئي.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo