< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/04/21

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاحتياط /التنبیه الثاني عشر؛ النظریة الثانیة؛ إیراد المحقق الخوئی علی النظریة الثانیة

 

إیراد المحقّق الخوئي([1]
) علی نظریة صاحب الكفایة

إنّ خروج الملاقی عن محلّ الابتلاء لایمنع عن جریان الأصل فیه لترتّب الأثر الفعلي علیه و هو نجاسة ملاقیه فما أفاده في المثال الثاني من الصورة الثانیة یلحق بالصورة الثالثة.

ملاحظتنا علی نظریة صاحب الكفایة

إنّ مقتضى التحقیق عدم تمامیة ما أفاده المحقّق الخراساني في الصورة الثالثة و سیجيء إن شاء الله الكلام حوله ذیل نظریة المحقّق الخوئي.

النظریة الثالثة: تفصیل المحقّق الخوئي
([2]
)

فیها مسائل ثلاث:

إنّ المحقّق الخوئي
أیضاً ذهب إلى التفصیل في هذه المسألة و بیّن نظریّته في ضمن مسائل ثلاث:

الأولى: ما إذا كان العلم الإجمالي قبل الملاقاة و العلم بها،

و الثانیة: ما إذا كانت الملاقاة و العلم بها قبل العلم الإجمالي،

و الثالثة: ما إذا كانت الملاقاة قبل العلم الإجمالي و بعد حصول العلم الإجمالي حصل العلم بالملاقاة.

المسألة الأولی

و هي ما إذا كان العلم الإجمالي قبل الملاقاة و العلم بها فإنّ ما أفاده المحقّق الخوئي هنا هو بعینه نظریة المشهور التي قرّرها المحقّق النائیني و لكنّه أفاد ذلك ببیان آخر و هو أنّ نجاسة الملاقي على فرض تحقّقها نجاسة جدیدة حادثة و المفروض وجود الشك في تحقّقها و الأصل عدمه.

و الوجه في عدم وجوب الاجتناب عن ملاقي النجس هو أنّ موضوع وجوب الاجتناب عن الملاقي مركّب من جزأین: 1- نجاسة الملاقی 2- ملاقاة النجس.

و العلم الإجمالي بنجاسة أحد المائعین لیس إلّا علماً بما هو جزء الموضوع و هو الجزء الأوّل أمّا الجزء الثاني و هو ملاقاة النجس فمشكوك فیه و لایكون العلم منجّزاً له، فیرجع عند الشك فیه إلى أصالة عدم ملاقاة النجس أو أصالة الطهارة.

و المتحصّل هو أنّ المحقّق الخوئي التزم في هذا المقام بمقالة المشهور التي تقدّم بیانها بتقریر المحقّق النائیني و هي طهارة ملاقي بعض أطراف العلم الإجمالي.

المسألة الثانیة

هنا صورتان:

و هي ما إذا كانت الملاقاة و العلم بها قبل العلم الإجمالي، و لهذه المسألة صورتان:

الأولى: اتّحاد زمان نجاسة الملاقي و الملاقی.

الثانیة: سبق زمان نجاسة الملاقی على نجاسة الملاقي على تقدیر وقوعها.

الصورة الأولی

و هي اتّحاد زمان نجاسة الملاقي و نجاسة الملاقی على تقدیر وقوعها.

إنّ الأعلام اختفلوا في هذا المقام، فإنّ المشهور و منهم الشیخ العلّامة الأنصاري و المحقّق النائیني ذهبوا إلى طهارة الملاقي و قد تقدّم كلامهم مفصّلاً، و في قبالهم قال صاحب الكفایة بوجوب الاجتناب عن الملاقی و الملاقي في هذه الصورة.

و المحقّق الخوئي
مال إلى نظریة صاحب الكفایة
في هذا المجال و قال:

یجب الاجتناب عن الملاقي لأنّ الأصل الجاري في الملاقي و إن كان متأخّراً رتبة عن الأصل الجاري في الملاقی إلّا أنّه یكون في رتبة الأصل الجاري في الطرف الآخر، فكما یقع التعارض بین جریان الأصل في الملاقی و جریانه في الطرف الآخر، كذلك یقع التعارض بین جریان الأصل في الملاقي و جریانه في الطرف الآخر.

و نتیجة ذلك التعارض هو تساقط الأصول و تنجیز العلم الإجمالي و وجوب الاجتناب عن الجمیع أي الملاقی و الملاقي و الطرف الآخر.

هناك توهّم و دفع:

أمّا التوهّم فهو أنّ الأصل الجاري في الملاقي متأخّر عن الأصل الجاري في الطرف الآخر، و ذلك یستفاد من أمرین:

الأوّل: هو أنّ الأصل الجاري في الملاقي متأخر رتبة عن الأصل الجاري في الملاقی.

و الثاني: هو أنّ الأصل الجاري في الملاقی متّحد رتبةً مع الأصل الجاري في الطرف الآخر.

و نتیجة هذین الأمرین هي أنّ الأصل الجاري في الملاقي متأخر عن الأصل الجاري في الطرف الآخر، لأنّ المتأخر عن أحد المتساویین متأخر عن الآخر.

و أمّا دفع هذا التوهّم فهو أنّ ذلك إنّما یتمّ في التقدّم و التأخّر من حیث الزمان أو من حیث الشرف، دون التقدّم و التأخّر من حیث الرتبة، لأنّ تأخر شيء عن أحد المتساویین في الرتبة لایقتضي تأخره عن الآخر أیضاً، فإنّ وجود المعلول متأخر رتبة عن وجود علّته و لیس متأخراً عن عدم علّته، مع أنّ وجود العلّة و عدمها في رتبة واحدة، لأنّه لیس بینهما علّیة و معلولیة.

الصورة الثانیة

و هي سبق زمان نجاسة الملاقی على زمان نجاسة الملاقي على تقدیر وقوعها.

و هذه كما إذا علمنا یوم السبت بأنّ أحد هذین الإناءین كان نجساً یوم الخمیس و لاقیٰ أحدَهما ثوب یوم الجمعة.

فإنّ المحقّق الخوئي اختار في دورة سابقة نظریة المشهور و هي طهارة الملاقِي و لكنّه عدل بعد ذلك عنها و اختار وجوب الاجتناب عن الملاقي أیضاً و استدلّ على ذلك بأنّ نجاسة الملاقی و إن كانت سابقة على الملاقاة و نجاسة الملاقي على تقدیر تحقّق النجاسة، إلّا أنّها مقارنة لها بوجودها العلمي.

و التنجیز من آثار العلم بالنجاسة، لا من آثار وجودها الواقعي و حیث أنّ العلم الإجمالي متأخر عن الملاقاة و عن نجاسة الملاقي یكون الملاقي لا‌محالة أیضاً من أطرافه.

و لا أثر للتكلیف الفعلي بالنجاسة‌ الذي حصل یوم الخمیس في مفروض المثال لأنّ المكلّف كان یوم الخمیس جاهلاً بهذا التكلیف و لایتحقّق عنده الشك الفعلي حتّی یتحقّق عنده مجری الأصل العملي فلا مجال لجریان الأصول و تعارضها و تساقطها حتّی یتنجّز العلم الإجمالي و بعد تحقّق العلم الإجمالي كان الملاقي أیضاً من أطرافه فتساقط الأصول و یجب الاجتناب عن الملاقی و الملاقي و الطرف الآخر.

المسألة الثالثة

و هي إذا كانت الملاقاة قبل العلم الإجمالي و هو قبل العلم بالملاقاة و یحتمل فیه وجهان:

الوجه الأوّل هو طهارة الملاقي و عدم وجوب الاجتناب عنه، لأنّ العلم بالملاقاة لم‌یكن حاصلاً حین العلم الإجمالي فیتنجّز العلم الإجمالي من غیر أن یكون الملاقي من أطرافه.

الوجه الثاني هو وجوب الاجتناب عن الملاقي، لأنّ الملاقاة حاصلة قبل تحقّق العلم الإجمالي، و على هذا یشمل تنجیزُ العلم الإجمالي الملاقي أیضاً كما أنّه یشمل الملاقی.

و المحقّق الخوئي قد التزم في دورة سابقة بوجوب الاجتناب عن الملاقي و لكن عدل عنه في مصباح الأصول و قال: الظاهر عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي، لأنّ مدار التنجیز إنّما هو العلم بالنجاسة لا وجودها الواقعي، فالملاقاة و إن كانت سابقة على العلم الإجمالي، إلّا أنّه لایترتّب علیها أثر، فبعد العلم الإجمالي بنجاسة الملاقی أو الطرف الآخر یتساقط الأصلان فیهما للمعارضة و یتنجّز التكلیف و یجب الاجتناب عنهما و لا أثر للعلم بالملاقاة بعد تنجیز التكلیف بالعلم الأوّل، فإنّ العلم بالملاقاة و إن كان یوجب علماً إجمالیاً بنجاسة الملاقي أو الطرف الآخر، إلّا أنّه لا أثر لهذا العلم بالنسبة إلى الطرف الآخر، لتنجّز التكلیف فیه بمنجّز سابق و هو العلم الأوّل، فلا مانع من الرجوع إلى الأصل في الملاقي.

هذا تمام ما أفاده المحقّق الخوئي من التفصیل.

ملاحظة علی نظریة المحقّق الخوئي

إنّ المحقّق الخوئي التزم بنظریة المشهور في المسألة الأولى و الثالثة و لكنّه خالفهم في المسألة الثانیة بكلتا صورتیها، و التحقیق عدم تمامیة ما أفاده في المسألة الثانیة، سواء قلنا بسبق زمان نجاسة الملاقی على زمان نجاسة الملاقي كما في الصورة الثانیة أم باتّحادهما كما في الصورة الأولى.

أمّا بالنسبة إلى الصورة الثانیة فلا‌بدّ من بیان مقدّمات حتّی ینكشف الأمر:

المقدّمة الأولى: إنّ تنجیز الحكم هو بمعنی وصوله إلى المكلّف و هذا التنجیز من مراتب الحكم و العلم الإجمالي یكشف عنه، فإنّه تارةً یقال: «العلم الإجمالي منجّز» و أخری یقال: «الحكم منجّز» مع أنّ العلم كاشف و الحكم مكشوف عنه، فلا‌بدّ من بیان الفرق بین التنجیزین لئلّا یقع الخلط بینهما فإنّ التنجیز بما أنّه وصف للعلم الإجمالي دائر مداره و هذا العلم الإجمالي یكشف عن مرتبة من مراتب الحكم و هو التنجیز، و هذا التنجیز لیس وصفاً للعلم بل هو وصف للحكم الفعلي من قبل المولى.

و التكلیف الفعلي المجهول بعد وصوله إلى المكلّف یكون منجّزاً، فیجب ترتیب آثار الحكم من زمان فعلیّته لا من زمان العلم به.

المقدّمة الثانیة: إنّ هنا حكماً معلوماً بالإجمال و هو نجاسة أحد الإناءین مثلاً و لا شك في فعلیة هذا الحكم و تنجیزه بالعلم الإجمالي و أیضاً هنا حكم آخر وقع الكلام فیه و هو نجاسة الملاقي و هذا الحكم في حدّ نفسه مشكوك إلّا أنّه لو قلنا بأنّ الملاقي من أطراف العلم الإجمالي فهو منجّز على تقدیر تحقّقه و إلّا بقي على كونه مشكوكاً.

المقدّمة الثالثة: إنّ فعلیة التكلیف المعلوم بالإجمال من زمان وقوع النجاسة في أحد الإناءین و فعلیة التكلیف الآخر و هو نجاسة الملاقي على تقدیر وقوعه من زمان حصول الملاقاة.

و نتیجة هذه المقدّمات هي أنّ الحكم الفعلي المعلوم بالإجمال بعد تعلّق العلم به یكون منجّزاً من حین فعلیته أي من زمان وقوع النجاسة في أحد الإناءین و الحكم الآخر و هو نجاسة الملاقي مشكوك فیه لم‌یكن فعلیاً في ذلك الزمان بل فعلیته على تقدیر وقوعها تتحقّق في الزمان اللاحق، و لا سبیل إلى تنجیزه إلّا العلم الإجمالي الثاني إمّا بنجاسة الملاقي و الملاقی و إمّا بنجاسة الطرف الآخر، و قد تقدّم عدم تنجیز العلم الإجمالي الثاني لأنّ بعض أطرافه قد تنجّز بعلم إجمالي سابق فالأصل في النجاسة المشكوكة للملاقي لیس إلّا أصالة البراءة أو أصالة الطهارة.

أمّا بالنسبة إلى الصورة الأولى: «و هي اتّحاد زمان نجاسة الملاقي و نجاسة الملاقی (مثل وقوع الثوب في الإناء الأوّل كان حین وقوع الدم في أحد الإنائین)» فالتحقیق هو طهارة الملاقي أیضاً بما تقدّم في الصورة الثانیة من المقدّمات، و اتّحاد زمان نجاستهما لایوجب دخول الملاقي في أطراف العلم الإجمالي الأوّل حیث أنّه تعلّق بالحكم المعلوم بالإجمال و هو «نجاسة أحد الإناءین بالدم»، و أمّا نجاسة الثوب بواسطة اتصاله بالماء المتنجس فهو حكم آخر مشكوك فیه فتجري فیه البراءة أو أصالة الطهارة فالحقّ نظریة المشهور و هي طهارة الملاقي في جمیع الصور.

و بهذا تمّ الكلام في أصالة الاحتیاط.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo