< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/04/15

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاحتياط /التنبیه الثاني عشر؛ الأمر الثاني؛ النظریة الثانیة؛ الصورة الثانیة

 

الصورة الثانیة:

و هي التصرفات غیر المتوقّفة على الملك في ما إذا كانت الأطراف مسبوقة بملك الغیر، كما إذا اشتری الغاصب إحدی الشجرتین من المالك و غصب الشجرة الأخری منه، فاشتبهت الشجرتان، ثم حصل لأحدهما الثمرة و النماء دون الأخری فالحقّ هو الحكم بالضمان وضعاً و بحرمة التصرّف في الثمرة تكلیفاً.

و الدلیل على ذلك هو استصحاب بقاء الشجرة المثمرة في ملك مالكها و عدم انتقالها إلیه و مقتضى هذا الاستصحاب الحكم بملكیة المنافع لمالك الشجرة، فیحرم التصرّف فیها و یضمنها.

و توهّم أنّ استصحاب بقاء الشجرة ذات النماء (أي المثمرة) على ملك مالكها معارض باستصحاب بقاء الشجرة الأخری على ملك مالكها، للعلم الإجمالي بمخالفة أحدهما للواقع، فإجراء الأصل في الشجرة ذات النماء دون الأخری ترجیح بلا مرجّح مدفوع بأنّه لا معارضة بینهما، لما عرفت غیر مرّة من أنّ العلم الإجمالي بمخالفة أحد الاستصحابین للواقع لایمنع من جریانهما ما لم‌یستلزم المخالفة العملیّة كما في المقام.

الصورة الثالثة:

و هي التصرّفات المتوقّفة على الملك كالبیع و نحوه و هذه التصرّفات في ثمرة الشجرة محرّمة تكلیفاً و غیر نافذة وضعاً، لأنّه لا طریق إلى إثبات كون الثمرة ملكاً للمتصرّف حتّی یصحّ له بیعها و یجوز له تسلیم المبیع (و هي الثمرة) إلى المشتري.

و استصحاب عدم كون الثمرة ملكاً للغیر لایجدي هنا، لأنّه لایثبت كون الثمرة ملكاً للبائع المتصرّف إلّا على القول بالأصل المثبت و هو باطل.

و خلاصة نظریة المحقّق الخوئي هي جواز التصرّف في الثمرة تكلیفاً و عدم الضمان وضعاً في الصورة الأولى و حرمة التصرّف فیها تكلیفاً و ضمانها وضعاً في الصورتين الثانیة و الثالثة.

ملاحظتان علی النظریة الثانية

الملاحظة الأولی

إنّ المحقّق الخوئي قال في الصورة الأولى بعدم المعارضة بین استصحاب عدم كون الثمرة من منافع العین المغصوبة و استصحاب عدم كون الثمرة من منافع العین المملوكة و التزم بجریانهما معاً مع العلم الإجمالي ببطلان أحد الاستصحابین و استدلّ على ذلك بأنّه لا مانع من جریانهما في ما إذا لم‌یستلزم مخالفة عملیة.

و قال في الصورة الثانیة أیضاً بعدم المعارضة بین استصحاب بقاء الشجرة المثمرة على ملك مالكها و استصحاب بقاء الشجرة الأخری على ملك مالكها و إن كنا نعلم إجمالاً ببطلان أحد الاستصحابین لمخالفته للواقع حیث نعلم بوقوع البیع بالنسبة إلى إحدی الشجرتین و خروجها عن ملك مالكها إلا أنّه ذهب إلى عدم الإشكال في جریان كلا الاستصحابین ما لم‌تلزم المخالفة العملیة.

و قد تقدّم([1] ) إبطال هذه النظریة، لأنّ العلم الإجمالي ببطلان أحد الاستصحابین یرجع إلى العلم الإجمالي بنقض الیقین السابق، فإنّ عدم كون الثمرة من منافع العین المغصوبة و لا من منافع العین المملوكة أوّلاً منتقض بالعلم الإجمالي بأنّه إمّا من منافع العین المغصوبة أو من منافع العین المملوكة، فانتقض الیقین السابق الأزلي بالیقین الإجمالي و هكذا الیقین ببقاء الشجرة المثمرة في ملك مالكها و الیقین ببقاء الشجرة غیر المثمرة في ملك مالكها منتقض بالعلم الإجمالي بخروج أحدهما عن ملكه.

الملاحظة الثانیة

إنّ العلم الإجمالي بغصبیة إحدی الشجرتین و إن لم‌یشمل الثمرة المعدومة حین حدوث العلم الإجمالي و لكنّه یشمله بقاء، فإنّا الآن نعلم إجمالاً بأنّه إمّا هذه الشجرة المثمرة مع جمیع أثمارها غصب و إمّا هذه الشجرة غیر المثمرة غصب، فإنّ دخول التوابع و شؤون الأعیان الخارجیة في العلم الإجمالي مشكوك في ما إذا كانت هذه التوابع و الشؤون (مثل الأثمار) معدومة و لكنّها داخلة في أطراف العلم الإجمالي المتحقّق الآن عرفاً فإنّ العرف یراها متّحدة مع أحد طرفي العلم الإجمالي و مع دخول الثمرة في أطراف العلم الإجمالي لاتصل النوبة إلى الأصل العملي.

و الحاصل هو أنّ مقتضى التحقیق ما أفاده المحقّق النائیني من عدم جواز التصرّف في الثمرة تكلیفاً و ضمانها وضعاً.

حكم الملاقي لبعض أطراف الشبهة المحصورة

و فیه نظریات ثلاث:

إنّ الأعلام اختلفوا في حكم نجاسة الملاقي لبعض أطراف العلم الإجمالي في الشبهة المحصورة؛ فقال المشهور بعدم النجاسة، و قال العلّامة[2] و ابن زهرة([3] ) بالنجاسة، و جمع آخر فصّلوا في المقام مثل صاحب الكفایة و أیضاً مثل المحقّق الخوئي.

النظریة الأولی: عن المشهور

بيان المحقق النائيني: ([4] )

إنّ نجاسة الملاقي للنجاسة إمّا أن تكون حكماً شرعیاً تعبدیاً ثابتاً لموضوعه في عرض الحكم بنجاسة ما لاقاه أو تكون من شؤون نجاسته و من جهة سرایة النجاسة من الملاقَی إلى الملاقِي، كما إذا امتزج المائع المتنجس بغیره من جنسه أو من غیره، فكما أنّ الامتزاج یوجب اتّساع النجاسة و انبساطها في الأجزاء، كذلك الملاقاة توجب الانبساط و الاتساع، فلا‌يكون الملاقي فرداً آخر من النجس في قبال ما لاقاه بل نجاسته بعینها هي نجاسة الملاقي.

فإن قلنا بالأوّل فلا‌یجب الاجتناب من الملاقي لكونه فرداً آخر شك في نجاسته و إن قلنا بالثاني وجب الاجتناب عنه.([5] )


[1] تقدّم في ص84 و ما بعدها.
[3] ابن زهرة في غنية النزوع، ص42.
[4] أجود التقريرات، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج2، ص257.و هذا البيان مستنقى مما أفاده الشیخ الأنصاري في فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج2، ص239..: «و هل يحكم بتنجس ملاقيه وجهان بل قولان مبنيان على أنّ تنجس الملاقي إنّما جاء من وجوب الاجتناب عن ذلك النجس ... و إنّ الاجتناب عن النجس لا‌يراد به إلا الاجتناب عن العين و تنجّس الملاقي للنجس حكم وضعي سببي يترتب للعنوان الواقعي من النجاسات نظير وجوب الحدّ للخمر فإذا شك في ثبوته للملاقي جرى فيه أصل الطهارة و أصل الإباحة و الأقوى هو الثاني»‌
[5] ذكر المحقق الإصفهاني تحقیقاً في المبنی الأول المذكور في كلام الشیخ فقال مقدمةً لهذا التحقیق في نهاية الدّراية في شرح الكفاية، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج4، ص279. في التعلیقة على قوله: «إنّما يجب عقلاً رعاية الاحتياط»: «إنّ للملاقى بالإضافة إلى ملاقيه أنحاء من الوساطة ثبوتاً و إثباتاً و عرضاً؛ أما الوساطة في الثبوت فالمراد منها تأثير النجس في نجاسة ملاقية بأن يترشح النجاسة منه إلى ملاقيه، أو بنحو الإعداد و ما أشبه ذلك، سواء كانت النجاسة من الأمور الواقعية، أو من الاعتبارات الشرعية الوضعية ... و هذا المعنى غير السراية الحقيقية، فإنّ السراية الحقيقية بسريان ذات النجس و انفصال أجزاء منها إلى الملاقي، و ما نحن فيه بمعنى العلية و التأثير، و هما لايقتضيان سريان العلة في المعلول كما في كل علة و معلول.و أما الوساطة في الإثبات فالمراد منها أنّ الدليل الدال على وجوب الاجتناب عن النجس دليل على وجوب الاجتناب عن ملاقيه، فهو متكفل لحكم النجس بالإصالة و لحكم المتنجس بالتبعية، و عليه فمقتضى الأولى تبعية الملاقي للنجس ثبوتاً، و مقتضى الثانية تبعيته له إثباتاً.و أما الوساطة في العروض، فالمراد منها أنّ الملاقي من شؤون الملاقى و من فروعه، بحيث يكون الاجتناب عن ملاقاه بالاجتناب عنه، لا بالاجتناب عن عين النجس فقط، نظير إكرام العالم، فإنّ إكرام ولده و خادمه من شؤون إكرامه، بحيث لو لم‌يكرمهما لم‌يكرم العالم كما هو حقّه فليس للملاقي اجتناب بحياله و استقلاله، كما ليس لخادم العالم إكرام بحياله و بلحاظ نفسه، بل من حيث أنّ إكرامه إكرام العالم، و هذا هو المراد من ثبوت الحكم له عرضاً.»ثم ذكر تحقیقه و مفادُه انحصار الوجه الصحیح للمبنی الأول في الوساطة في العروض فقال: «إذا عرفت ذلك، فاعلم أنّ مجرد تبعية الملاقي لملاقاه ثبوتاً و إثباتاً لايجدي شيئاً، لأنّه مع هذه التبعية يكون الملاقي كملاقاه فرداً من النجس حقيقة، و له حكم بنفسه و بحياله كالملاقاة، فإنّ وحدة الدليل أجنبية عن وحدة الحكم و عليه فما لم‌يكن الملاقي كملاقاه طرفاً للعلم لايجب عقلاً الاجتناب عنه، لأنّ وجوب الاجتناب العقلي من ناحية طرفية الشي‌ء للعلم المنجز للحكم، و ليس كوجوب الاجتناب الشرعي تابعاً لوجوب الاجتناب عن شي‌ء شرعاً ثبوتاً و إثباتاً بخلاف ما إذا قلنا بالوساطة في العروض، فإنّ الملاقي و إن لم‌يكن من أطراف العلم المنجز للتكليف، إلا أنّ تنجّز التكليف في ملاقاه و طرفه يقتضي الاجتناب عنه، حيث أنّ ذاك الاجتناب الواقعي اللازم شرعاً مشكوك الحصول بالاجتناب عن ملاقاه و طرفه بالخصوص، إذ لو كان الملاقى «بالفتح» هو النجس الواجب اجتنابه واقعاً «و المفروض أنّ اجتنابه بالاجتناب عنه و عن ملاقيه» للزم في مقام الخروج عن عهدة ذلك الاجتناب الواجب واقعاً، المعلوم إجمالاً الاجتناب عنه بنحو يقطع بتحقق ذلك الاجتناب اللازم واقعاً، و لايقطع إلا بالاجتناب عن الطرفين و الملاقي معاً، و عليه ينبغي حمل ما احتمله الشيخ الأعظم. في رسالة البراءة، لا على مجرد التبعية في مقام الإثبات أو الثبوت، فضلاً عن السراية الحقيقية التي يكذبها الحس و العيان غالباً ... نعم التحقيق عدم ثبوت الوساطة في العروض، لا لما ذكر من وجوب الاجتناب عن الملاقي مع عدم وجوب الاجتناب عن ملاقاه، لعدم المنافاة كما مر من إمكان اجتماع الحيثيتين في الملاقي بل لأنّه إذا اجتنب عن النجس و لم‌يجتنب عن ملاقيه فقد اجتنب حقيقة عن فرد من نجس و لم‌يجتنب عن فرد آخر منه، لا أنّه لم‌يجتنب أصلاً كما لايخفى»

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo