< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/03/29

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاحتياط /الفصل الأول؛ التنبیه الثامن؛ الموضع الثاني: الاضطرار إلی غیر المعین

 

الموضع الثاني: الاضطرار إلی غیر المعیّن

هنا قولان:

القول الأوّل: عدم التنجیز و اختاره صاحب الكفایة([1] ).

القول الثاني: تنجیز العلم الإجمالي.

إنّ بعض الأعلام مثل الشیخ الأنصاري و المحقّق النائیني و المحقّق الخوئي قالوا بتنجیز العلم الإجمالي في هذا المقام خلافاً لصاحب الكفایة حیث قال بعدم التنجیز.([2] )


بیانات ثلاثة للقول بتنجیز العلم الإجمالي

البیان الأوّل: من الشیخ الأنصاري

لو كان المضطرّ إلیه بعضاً غیر معیّن وجب الاجتناب عن الباقي و إن كان الاضطرار قبل العلم الإجمالي، لأنّ العلم حاصل بحرمة واحد من أمور لو علم حرمته تفصیلاً وجب الاجتناب عنه و ترخیص بعضها على البدل موجب لاكتفاء الأمر بالاجتناب عن الباقي.

فإن قلت: ترخیص ترك بعض المقدّمات دلیل على عدم إرادة الحرام الواقعي و لا تكلیف بما عداه فلا مقتضي لوجوب الاجتناب عن الباقي.

قلت: المقدّمة العلمیة مقدمّة للعلم و اللازم من الترخیص فیها عدم وجوب تحصیل العلم، لا عدم وجوب الاجتناب عن الحرام الواقعي رأساً (بعبارة أخری الترخیص بمعنی عدم وجوب العلم بالموافقة القطعیة و لازمه اكتفاء الشارع بالموافقة الاحتمالیة و لیس معناه عدم وجوب الموافقة أصلاً) و حیث أنّ الحاكم بوجوب تحصیل العلم هو العقل بملاحظة تعلّق الطلب الموجب للعقاب على المخالفة الحاصلة من ترك هذا المحتمل كان الترخیص المذكور موجباً للأمن من العقاب على المخالفة الحاصلة من ترك هذا الذي رخّص في تركه، فیثبت من ذلك تكلیف متوسط بین نفي التكلیف رأساً و ثبوته معلّقاً بالواقع على ما هو علیه و حاصله ثبوت التكلیف بالواقع من الطریق الذي رخّص الشارع في امتثاله منه و هو ترك باقي المحتملات و هذا نظیر جمیع الطرق الشرعیة المجعولة للتكالیف الواقعیّة و مرجعه إلى القناعة عن الواقع ببعض محتملاته معیّناً. ([3] )

البیان الثاني: من المحقّق النائیني ([4] )

إنّ المحقّق النائیني أیضاً وافق الشیخ الأنصاري و افترض في هذه المسألة صورة الاضطرار إلى ارتكاب البعض غیر المعیّن قبل حدوث التكلیف و قال فیها بوجوب الاجتناب عن الباقي.

و ما أفاده في مقام الاستدلال على ذلك یبتني على أُمور:

الأوّل: إنّ التكلیف هنا فعليّ، لأنّ التكلیف المتحقّق بعد الاضطرار بتحقّق موضوعه یكون فعلیاً، فإنّ فعلیّة كلّ تكلیف إنّما هي بتحقّق موضوعه.

الثاني: لا مانع من فعلیة التكلیف المذكور و ذلك لعدم تحقّق الاضطرار إلى ارتكاب متعلّق التكلیف الفعلي، لأنّ الاضطرار هو بالواحد غیر المعیّن و عنوان الواحد غیر المعیّن كما یمكن انطباقه على متعلّق التكلیف الفعلي یمكن انطباقه على غیره المباح.

الثالث: إنّ المكلّف لجهله بمتعلّق التكلیف الفعلي یكون مخیّراً في رفع اضطراره بین أطراف العلم الإجمالي، فإن كان ما اختاره اضطراراً هو الحرام الواقعي فهو معذور في ارتكابه و إن كان ما اختاره اضطراراً هو المباح الواقعي فلا مجوّز له في ارتكاب الحرام الواقعي إذ المفروض فعلیّة التكلیف و عدم ما یوجب ترخیصه.

الرابع: إنّ الاضطرار إلى الواحد لا بعینه إنّما یوجب الترخیص في عدم لزوم تحصیل العلم بالموافقة بترك الجمیع و أمّا تجویز ارتكاب الجمیع بحیث یقطع بارتكاب الحرام الواقعي مع فرض عدم الاضطرار إلیه بخصوصه فلا فإنّ الاضطرار یرتفع برفع الید عن لزوم الموافقطة القطعیة، فلا موجب لتجویز المخالفة القطعیة مع العلم بوجود التكلیف و عدم الاضطرار إلى مخالفته.

نتیجة هذه الأمور هو التكلیف المتوسّط بین ما یلزم امتثاله مطلقاً و بین ما لایلزم امتثاله أصلاً كما في موارد الشبهات البدویة و هذا التكلیف المتوسّط باقٍ على ما هو علیه من الفعلیة و التنجّز.


[1] كفاية الأصول - ط آل البيت، الآخوند الخراساني، ج1، ص360.استدلال صاحب الكفایة ببیان المحقق الإصفهاني:في نهاية الدّراية في شرح الكفاية، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج4، ص255.: «ما يمكن أن يقال في وجه مانعية الاضطرار أمران: أحدهما: ما في الكتاب عن شيخنا الأستاذ كما في فوائده أيضاً، و هو منافاة الترخيص التخييري مع الحرمة التعيينية، و مقتضى الأهمية المفروضة سقوط الحرمة التعيينية بالمضادة فلا علم بتكليف فعلي، حتى يقال: بأنّ سقوط لزوم الموافقة القطعية لايقتضي سقوط حرمة المخالفة القطعية».إیراد المحقق الإصفهاني على هذا الاستدلال:«هذا البيان إنّما يجدي فيما إذا كان الترخيص شرعياً، لا فيما إذا كان عقلياً أيضاً؛ إذ الترخيص العقلي ليس من مقولة الحكم الفعلي حتى يضاد الحرمة التعيينية الفعلية بل معناه حكم العقل بمعذورية المضطر في ارتكاب ما اضطرّ إليه إذا صادف الحرام الواقعي، فلا‌بدّ من ملاحظة منافاة هذه المعذورية العقلية مع الحرمة الفعلية من حيث الأثر و أي منافاة بين المعذورية في ترك الموافقة القطعية، و عدم المعذورية في المخالفة القطعية، هذا مضافاً إلى أنّه لو كان هناك تكليف شرعي بحفظ النفس عن الهلاك مثلاً، فهو تكليف تعييني لاينافي بنفسه لحرمة شرب النجس تعييناً، إذ المفروض عدم الاضطرار إلى شرب النجس بما هو، بل العقل لمكان عدم تميز الحرام عن الحلال يعذره في تطبيق الحفظ الواجب على كل من الفعلين فليس هناك ايضاً إلا المعذورية العقلية، و قد مرّ عدم منافاتها للحرمة الواقعية من حيث أثرها».وجه آخر في مانعیة الاضطرار اختاره المحقق الإصفهاني:قال في نهاية الدّراية في شرح الكفاية، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج4، ص256.: «ثانيهما: ما مرّ منا مراراً من أنّ المعذورية في ارتكاب أحدهما، و رفع عقاب الواقع عند المصادفة ينافي بقاء عقاب الواقع على حاله حتى يحرم المخالفة القطعية، فإن ضمّ غير الواقع إلى الواقع لا‌يحدث عقاباً على الواقع، و المانع من تنجز التكليف هو الاضطرار، لا اختيار ما يرتكبه في مقام الاضطرار حتى يعقل التكليف المتوسط المصطلح عليه عند بعضهم تبعاً للشيخ الأعظم، بداهة أنّه مأذون في الارتكاب، سواء ارتكب أم لا».إیراد على مانعیة الاضطرار في صورة لحوق الاضطرار: «هذا إذا كان الاضطرار سابقاً على العلم الإجمالي، و أما مع منجزية العلم الإجمالي و لحوق الاضطرار فلا، و ذلك لاحتمال بقاء التكليف المنجز بالنسبة إلى ما يرتكبه، فيجب مراعاته عقلاً.»جواب المحقق الإصفهاني. عن هذا الإیراد:«مجرد عروض الاضطرار يوجب حكم العقل بعدم العقاب على ارتكاب أي واحد كان، و لا‌يدور حكم العقل مدار الارتكاب فمن الأول لا‌يحتمل بقاء التكليف الفعلي المنجز، لتقوّمه باستحقاق العقاب على مخالفته عند مصادفته، و حيث لا عقاب عليه و إن صادفه، فلا‌يحتمل بقاء التكليف من الأول، سواء ارتكب أحدهما أم لا، و لذا ذكرنا سابقاً أنّ إيجاب الموافقة القطعية لازم حرمة المخالفة القطعية، و أنّ الإذن في ترك الموافقة القطعية يستلزم الإذن في المخالفة القطعية»
[2] ما عن بعض الأساطين و في تحقيق الأصول، ج8، ص234: «المختار عند الشیخ الأستاذ: هو التنجیز مطلقاً، و ذلك لأنّ موضوع التكلیف هو الخمر على وجه التعیین إلاّ أنّ وجوده مردّدٌ، و الاضطرار موضوعه هو الجامع بین الطرفین، أي عنوان «أحدهما»، فكان متعلّق التكلیف بوجوب الاجتناب وجواز الارتكاب متغایراً، و «الاضطرار» إنّما یرفع «التكلیف» فیما إذا كان المتعلّق له و للتكلیف متّحداً و إلاّ فلا‌یرفعه، بل مقتضی القاعده بقاؤه، لوجود المقتضي و عدم المانع أي الاضطرار.و بالجملة فالتكلیف موجود، و قد تعلّق العلم به، و مجرّد تعلّق العلم بتكلیف - بحیث وجد المقتضي له وعدم المانع عنه - موجب للتنجیز، فالعلم الإجمالي منجّز، و كلّ علم منجّز فله أثران عقلیّان: أحدهما وجوب الموافقه، و الآخر حرمة المخالفة، فإذا انتفی الأثر الأوّل على أثر المانع و هو الإضطرار، بقي الأثر الثاني على حاله، لوجود المقتضي و عدم المانع، فالاجتناب عن الطرف واجب.و أمّا ما ذكره المحقّق الإصفهاني. فإنّما یتم لو كان المنجّز عقلاً هو التكلیف المؤثر على كلّ تقدیر، لأنّه إذا صادف المختارُ الحرامَ الواقعي فلا‌یكون التكلیف على هذا التقدیر منجّزاً، لعدم استحقاق العقاب على ارتكاب الطرف الآخر كما لا‌یخفی.لكنّ المنجّز عقلاً هو العلم بالتكلیف الفعلي، أي التكلیف الذي تحقّق موضوعه بجمیع قیوده و حدوده، و ذلك لا‌ینافي أن یكون المكلَّف معذوراً على تقدیر -و هو حال المصادفة- و غیر معذور على تقدیر و هو صورة عدمها، لأنّ المعذوریّة متأخّرة عن التنجیز في الرتبة.و بعباره أخری: إنّ الباعثية الإمكانية للتكلیف المعلوم بالإجمال تامة، لكنّ المانع عن فعلية هذه الباعثية هو جهل المكلّف بمحلّ وجود التكلیف، و لذا لو ارتفع الجهل كان التكلیف باعثاً للمكلّف نحو الإمتثال، و حینئذٍ مقتضى حكم العقل بأنّ الضرورات تتقدّر بقدرها هو رفع الید عن وجوب الموافقه القطعية -لعدم إمكانها بسبب الإضطرار إلى إرتكاب بعض الأطراف- دون المخالفة القطعية، لبقائها على حال الإمكان، فلا عذر في ارتكابها»

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo