< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/03/22

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاحتياط /التنبیه السابع: الشبهة غیر المحصورة؛ الموضع الثاني: أدلة عدم وجوب الاجتناب في الشبهة غیر المحصورة

 

الموضع الثاني: أدلة عدم وجوب الاجتناب في الشبهة غير المحصورة

إنّ الأعلام ذهبوا إلى عدم وجوب الاجتناب في الشبهة غير المحصورة و استدلوا لذلك بسبعة أدلّة:

الدلیل الأوّل: عدم اعتناء العقلاء باحتمال التكليف في كل من الأطراف

عدم اعتناء العقلاء باحتمال التكليف إذا كان موهوماً، هذا على ما ذكره الشيخ الأنصاري‌([1] ).

و قد استشكل على ذلك المحقق الخوئي و بعض الأساطین بوجوه‌ عدیدة.

و قد تقدّم الجواب عن جمیع الإیرادات.

الدلیل الثاني: رواية الجبن‌ (و هو المختار أیضاً)

«أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرْقِيُّ فِي الْمَحَاسِنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَنِ الْجُبُنِّ، فَقُلْتُ لَهُ: أَخْبَرَنِي‌ مَنْ‌ رَأَى‌ أَنَّهُ‌ يُجْعَلُ‌ فِيهِ‌ الْمَيْتَةُ، فَقَالَ: أَ مِنْ أَجْلِ مَكَانٍ وَاحِدٍ يُجْعَلُ فِيهِ الْمَيْتَةُ حُرِّمَ فِي جَمِيعِ الْأَرَضِينَ إِذَا عَلِمْتَ أَنَّهُ مَيْتَةٌ فَلَا تَأْكُلْهُ‌ [فَلَا تَأْكُلْ] وَ إِنْ لَمْ تَعْلَمْ فَاشْتَرِ وَ بِعْ وَ كُلْ؛ وَ‌اللَّهِ إِنِّي لَأَعْتَرِضُ السُّوقَ فَأَشْتَرِي بِهَا اللَّحْمَ وَ السَّمْنَ وَ الْجُبُنَّ وَ‌اللَّهِ مَا أَظُنُّ كُلَّهُمْ يُسَمُّونَ هَذِهِ الْبَرْبَرُ وَ هَذِهِ السُّودَانُ.»([2] [3] )

قد ادّعي ظهورها في عدم تنجيز العلم الإجمالي في الشبهة غير محصورة.

إیرادان علیه

الإیراد الأول: عن المحقق الخوئي

الرواية ضعيفة من حيث السند، لمحمّد بن سنان على ما ذكر في محلّه‌([4] )، فلا‌تصلح للاستدلال بها.[5]

یلاحظ علیه

إنّا نری – على ما حقّقناه في محلّه- وثاقة محمد بن سنان و على ما أفاده الأستاذین العلمین المحققین بعض الأساطین و الأستاذ السید موسى الشبیري الزنجاني.

الإیراد الثاني: عن المحقق الخوئي

إنّها غير تامّة من حيث الدلالة أيضاً، فإنّها غير متعرضة للمحصور أو غيره من الشبهة، بل ظاهرها أنّ العلم بوجود فرد محرّم دار أمره بين ما يكون في محلّ الابتلاء، و ما يكون خارجاً عنه لا‌يوجب الاجتناب عمّا هو محل الابتلاء، و إلّا لزم حرمة ما في جميع الأرضين لوجود حرام واحد، فهي أجنبية عن الشبهة غير المحصورة.([6] )

یلاحظ علیه

لیس البحث في الروایة عن وجود حرام واحد في كلّ العالم، بل الكلام في هذا الاحتمال الضعیف في ما ابتلاه المكلّف، و إلّا جمیع ما في الأرضیین لیس محل ابتلاء المكلّف و لیس مورداً لسؤاله عن الإمام، فالروایة تنطیق على البحث عن الشبهة غیر المحصورة.

الدلیل الثالث: تفرّع الموافقة القطعية على المخالفة القطعية

استدلال المحقق النائيني([7] [8] ) بأنّ وجوب الموافقة القطعية متفرع على حرمة المخالفة القطعية، لكن المخالفة القطعية لیست بحرام فالموافقة القطعية أیضاً لیست واجبة.

الإیراد علیه

أورد علیه: بما تقدّم في الإیراد على تعریف المحقق النائیني‌.

الدلیل الرابع: الإجماع

قد ادّعي الإجماع على عدم تنجیز العلم الإجمالي.([9] [10] [11] )

إیرادان علیه

الأول: إنّه لم‌يتعرّض لها كثیر من القدماء، فلا‌يمكن تحقق الإجماع.

الثاني: هذا الإجماع مدركي.

الدلیل الخامس: لزوم العسر و الحرج

دعوى أنّ لزوم الاجتناب في الشبهة غير المحصورة مستلزم للحرج و هو منفي في الشريعة المقدّسة.([12] [13] [14] )

إیراد المحقق الخوئي علیه

إنّ دليل نفي العسر و الحرج إنّما يتكفل نفي الحكم عمّا يكون مصداقاً للعسر و الحرج فعلًا، بمعنى أنّ المعتبر في نفي الحكم هو الحرج الشخصي، كما هو الحال في الضرر، و هو يختلف باختلاف الأشخاص و الأزمان و غير ذلك من الخصوصيات، فلا دليل على نفي الحكم‌ بالنسبة إلى شخصٍ لا حرج عليه.[15]

الدليل السادس: أصالة البراءة

إنّ العقل إذا لم‌يستقلّ بوجوب دفع العقاب المحتمل عند كثرة المحتملات، فليس هنا ما يوجب على المكلّف الاجتناب عن كلّ محتمل، فيكون عقابه حينئذ عقاباً من دون برهان، فعلم من ذلك: أنّ الآمر اكتفى في المحرّم المعلوم إجمالاً بين المحتملات، بعدم العلم التفصيليّ بإتيانه، و لم‌يعتبر العلم بعدم إتيانه، فتأمّل.([16] )

الدليل السابع: عدم الابتلاء بكل الأطراف

إن الغالب عدم ابتلاء المكلف إلا ببعض معين من محتملات الشبهة الغير المحصورة و يكون الباقي خارجاً عن محلّ ابتلائه و قد تقدّم عدم وجوب الاجتناب في مثله مع حصر الشبهة فضلاً عن غير المحصورة.([17] )

و نحن نرى أنّ الدليلين الأولين تامّان و بهما يظهر عدم تمامیة أدلّة المنكرین لعدم تنجیز العلم الإجمالي في الشبهة غیر المحصورة.([18] )


 


[1] راجع أوّل التنبيه، ص166.
[10] الفوائد الحائرية، الوحيد البهبهاني، محمّد باقر، ج1، ص247.. «أنّ عدم وجوب الاجتناب عن غير المحصور مجمعٌ عليه بين الكلّ، و لا ريب فيه، و مدار المسلمين في الأعصار، و الأمصار كان على ذلك».‌
[11] جامع المقاصد، المحقق الثاني (المحقق الكركي)، ج2، ص166.. «و الظّاهر أنّه اتّفاقي لما في وجوب اجتناب الجميع من المشقّة»
[12] شرائع الاسلام- ط استقلال، المحقق الحلي، ج1، ص58.. و يجوز في المواضع المتّسعة، دفعاً للمشقّة
[13] جامع المقاصد، المحقق الثاني (المحقق الكركي)، ج2، ص166.. و الظّاهر أنّه اتّفاقي لما في وجوب اجتناب الجميع من المشقّة
[14] روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان، الشهيد الثاني، ج2، ص139.. : «و إنّما يجب اجتناب المشتبه بالنجس (في) الموضع (المحصور) عادةً‌، كالبيت و البيتين (دون غيره) أي غير المحصور عادةً‌، كالصحراء، فإنّ‌ حكم الاشتباه فيه ساقط؛ لما في وجوب اجتناب الجميع من المشقّة»
[16] فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج2، ص264.. و يظهر هذا الوجه من الوحيد البهبهاني الفوائد الحائرية، ص247: و في غير المحصورة: لا‌يحصل العلم غالباً بأنّ النّجاسة وقعت فيها بحيث يكون نسبتها إلى الكلّ على السّويّة، بحيث يصير الكلّ مقدّمة للتّرك حيث الخطاب، فليتأمّل
[17] المصدر السابق.
[18] منها نظریة المحقق الخوئي، حیث قال: إنّ للعلم الإجمالي بالتكليف فروض ثلاثة:الفرض الأول: قد يتمكّن المكلف معه من الموافقة القطعية و المخالفة القطعية.و أمّا الفرض الأوّل فلا إشكال في تنجيزه على ما تقدّم‌ بيانه أيضاً. الفرض الثاني: قد يتمكّن من إحداهما دون الأخرى. و له صورتان:الصورة الأولى: ما تمكّن فيه المكلف من المخالفة القطعية دون الموافقة القطعية، و قد عرفت أنّ العلم الإجمالي موجب للتنجيز بالمقدار الممكن، فتحرم المخالفة القطعية و إن لم‌تجب الموافقة القطعية، و سيأتي ‌الكلام فيه مفصّلًا عند البحث عن حكم الاضطرار إلى بعض الأطراف.الصورة الثانية: ما تمكّن فيه المكلف من الموافقة القطعية دون المخالفة القطعية، فاختار المحقق النائيني. فيه عدم تنجيز العلم الإجمالي بدعوى أنّ وجوب الموافقة القطعية متفرّع على حرمة المخالفة القطعية، فإذا لم‌تحرم الثانية لم‌تجب الأولى. و لكنّك قد عرفت سابقاً أنّه لا ملازمة بينهما، و أنّ الميزان في تنجيز العلم الإجمالي هو سقوط الأصول في أطرافه، فعلى تقدير تمكّن المكلف من الموافقة القطعية وجبت عليه، لأنّ احتمال التكليف موجب لتنجيز الواقع لو لم‌يكن مؤمّناً من العقاب المحتمل على مخالفته، فعجز المكلف عن المخالفة القطعية المستلزم لعدم حرمتها عليه لا‌يوجب عدم وجوب الموافقة القطعية المفروض قدرة المكلف عليها، و عدم المؤمّن من احتمال العقاب على المخالفة. نعم، لو كان عدم حرمة المخالفة القطعية مستنداً إلى قصور في ناحية التكليف لا إلى عجز المكلف عنها، استلزم ذلك عدم وجوب الموافقة القطعية كما هو ظاهر، و لكنّه خارج عن الفرض، إذ الكلام في عدم حرمة المخالفة القطعية المستندة إلى عجز المكلف و عدم تمكنه منها.الفرض الثالث: قد لا‌يتمكن من شي‌ء منهما. أمّا الفرض الأخير فلا إشكال في عدم تنجيز العلم الإجمالي فيه على ما تقدّم بيانه في بحث دوران الأمر بين المحذورين‌.فاتّضح ممّا ذكرناه: أنّه لا فرق [في‌] تنجيز العلم الإجمالي بين كثرة الأطراف و قلّتها. نعم، ربّما تكون كثرة الأطراف ملازمة لطروء بعض العناوين المانعة عن تنجيز العلم الاجمالي، كالعسر و الحرج و الخروج عن محلّ الابتلاء و نحو ذلك، إلّا أنّ العبرة بتلك العناوين لا بكثرة الأطراف، فلو طرأ بعضها لمنع عن‌ التنجيز و لو مع قلّة الأطراف

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo