< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

44/06/17

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة البراءة /فروع سبعة؛ الفرع الرابع؛ في النظریة الثانیة؛ الدلیل الثالث: الاستدلال العقلي عن الشیخ الأنصاري

الدلیل الثالث: الاستدلال العقلي (عن الشيخ الأنصاري)

استدلّ به الشيخ الأنصار و قال: الدلیل على استحباب ما ذكرنا من طریق العقل حسن العمل بهذه مع أمن المضرّة فیها على تقدیر الكذب.([1] [2] )

إيراد بعض الأساطين على الدلیل الثالث

(يرد على الوجه العقلي أنّ نقل فضائل الأئمّة( و مناقبهم و مصائبهم و إن كان حسناً عقلاً موجباً لازدياد الإيمان و إظهار الحزن و البكاء، بل هو من الواجبات العقليّة، لكونه من مصادیق شكر المنعم، لأنّهم وسائط الفيض، كما أنّ ذكر مثالب أعدائهم أيضاً من الواجبات العقليّة من دون حاجة في إثبات الوجوب إلى ورود الأمر به من الشارع لمن كان أهل العلم و العقل. و لكنه متفرّع على ثبوت الفضيلة و المصيبة بحجّة شرعية، و إلا كان من مصاديق القول بغير العلم القبيح عقلاً و المنهي عنه نقلاً. ([3] )

یلاحظ علیه

قد تقدّم أنّ الإخبار بعنوان التاریخ المنقول، غیر الإخبار بعنوان أنّه الواقع، كما أشار إلیه الشيخ من أنّ الإخبار هنا لیس على حدّ الإخبار من الطریق المعتبر.

الدلیل الرابع: الإجماع ([4] )

الذي ادّعاه الشهید الأوّل حیث قال: «إنّ أخبار الفضائل یتسامح فیها عند أهل العلم.([5] )

و هذا الإجماع معتضد بحكایة ذلك عن الأكثر.

الدلیل الخامس: سیرة العلماء

و ادّعى السید المجاهد الطباطبائيظهور السيرة في التسامح في نقل القصص و الفضائل و المصائب([6] ) و قال المولى أحمد النراقي في عوائد الأيّام: و قد يستدل لجواز التسامح في هذه الأمور: بسيرة الأصحاب.([7] )

قال السید عبد الأعلى السبزواري: قد جرت سيرة العلماء على التسامح في المندوبات التوصلية، و في أدلّة المكروهات، و الفضائل، و المعاجز، و الأخلاقيات، و ما ورد لدفع الأوجاع و الأمراض، و ما ورد لقضاء الحوائج من الصلوات و الدعوات و غيرها، و ما ورد في الأمور التي لها آثار وضعية دنيوية.([8] [9] )

و هناك أدلّة أخری لا نذكرها للتطويل. ([10] )

مقتضی التحقیق عندنا: شمول أخبار من بلغ و استحباب الإخبار

توضیح ذلك:

هو أنّ ذكر الفضائل و المصائب التي خبرها ضعیف لیس كذباً بل هو قول بغیر العلم و هو لیس قبیحاً بذاته.

و حینئذٍ فإن كان ذكر هذه الأمور مندرجاً تحت عنوان الظلم فذكرها قبیح فتخرج بذلك عن تحت أخبار من بلغ كما أفاده المحقّق الإصفهاني.

و قد یمكن إخراجها عن تحت عنوان الظلم مثل حكایتها عن الكتاب الذي یشمل هذه الروایة الضعیفة أو نسبتها إلى الراوي.

و قد لایمكن ذلك و هذا مثل الروایة التي توجب تنقیص مقامات الأوصیاء( و المصیبة التي تشمل ما لاینبغي لهم.

و أمّا إن لم‌یكن ذكر هذه الأمور مندرجاً تحت عنوان الظلم فلیس ذكرها قبیحاً فلا مانع من شمول أخبار من بلغ لذكرها فیحكم علیه بالاستحباب و إن كان الخبر ضعیفاً.

و ذلك مثل بعض الفضائل التي یقع نظیرها من أهل البیت أو مثل ذكر المصیبة التي وقعت نظیرها علیهم و لیس ذكرها مضرّاً بحال مؤمن و لا شیناً على المذهب فإنّ نقل هذه الأمور و لو بذكرها من دون انتسابها إلى الكتاب الذي رواها و من دون انتسابها إلى راویها، لیس مندرجاً تحت عنوان الظلم، لأنّ نقلها لیس ظلماً على الأوصیاء( و لا على المذهب و لا على المؤمنین.([11] )

النظریة الثالثة: عدم الشمول (جواز الإخبار بعنوان النقل رجاءً)

قال المولى أحمد النراقي: «الأوّل أنّا ذكرنا في الكتب المذكورة أنّ التسامح مخصوص بما ذكر من المستحبات و المكروهات، و لايتعدّى إلى غيرهما من القصص و الوعظ و التعزية، بمعنى الحكم بمدلول الأخبار الضعيفة فيها، كما يحكم بالمسائل الشرعية المستحبة أو المكروهة»([12] ).

و قال السيد الخوئي: «الظاهر عدم شمولها لنقل فضائل أهل البيت و مصائبهم فيما لم‌يقم على ثبوته دليل معتبر».([13] )

و قال الميرزا هاشم الآملي: «يشكل ذلك إن كان النقل بنحو العلم بالمخبر به و أما إذا كان التعبير في نقل المصيبة بعنوان نقل كذا أو كذا و يكون هذا النقل أيضاً من باب الرجاء فلا إشكال فيه»([14] ).

 


[1] رسائل فقهية، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج1، ص158: «إنّ الدليل على جواز ما ذكرنا من طريق العقل: حسن العمل بهذه مع أمن المضرّة فيها على تقدير الكذب. و أمّا من طريق النقل: فرواية ابن طاوس رضي الله عنه و النبوي مضافاً إلى إجماع الذكرى المعتضد بحكاية ذلك عن الأكثر».
[2] زبدة الأصول، الروحاني، السيد محمد صادق، ج3، ص287.. «ما أفاده الشيخ الأعظم‌ في رسالة التسامح...حسن و متين»
[3] تحف العقول، ج1، ص361.
[4] تهذيب الأصول، السبزواري، السيد عبد الأعلى، ج2، ص190.. «و يمكن أن يكون مدرك التسامح في غير الثواب الإجماع على التسامح فيه أيضاً»
[5] راجع ص356 الهامش الثاني.
[9] عوائد الايام، النراقي، المولى احمد، ج1، ص270.. «إن أراد بيان المدلول و الحكم به و الفتوى فيما كان فتوى، كأن يقول: من يبكي يكون كفارة لذنب ستين سنة مثلاً، فلايثبت مما ذكر لمنع السيرة فيه»
[10] هنا أوجه أخر استدلّ بها الأعلام:الوجه الأوّل:في بحر الفوائد (ط.ج): ج‌5، ص47: «الذي يقتضيه التحقيق في الاستدلال على التعميم أن يقال: إنّه لا شبهة و لا ريب في ثبوت رجحان نقل فضائل النبيّ و الأئمة( و الصديقة الطاهرة و ذكر حالاتهم و مصائبهم بالدليل العلمي و وعد الثواب و الأجر عليه و كذا كتبه و استماعه، فالخبر الضعيف الوارد فيها يتضمّن الإخبار عن الثواب بنقل مضمونه كالخبر الضعيف الوارد في استحباب فعل فإنّه يتضمّن الإخبار عن الثواب عليه و ليس هذا أسوأ من الخبر الوارد في تشخيص الموضوعات من الطرق الضعيفة على ما عرفت الكلام فيه، فالخبر الضعيف الوارد في فضيلة من فضائلهم إخبار عن ترتّب الثواب على نقله و استماعه فهو من هذه الجهة نظير الخبر الصحيح الوارد في فضيلة من فضائلهم فإنه يجوز نسبة مضمونه إلى الواقع استناداً إلى الخبر الصحيح بأن يجعل جهة النسبة كالإخبار عن الموضوعات العادية فيما كان طريقه معتبراً عند العقلاء و أدلّة حجيّة الطرق الشرعيّة و إن لم‌يقتضي بنفسها وجوب إظهار مضامينها و نقلها، إلّا أنّها ربّما يقتضيه بضميمة ما دلّ على وجوب نقل الأخبار و إظهار الحق للناس و نحو ذلك»الإیراد على الوجه الأول: في القواعد الفقهية، الموسوي البجنوردى، السيد حسن، ج3، ص339.: «إنّ هذا الكلام مغالطة عجيبة، لأنّ كون البكاء على مصائبهم موجباً للأجر و الثواب أمر مسلّم مقطوع، فالمهمّ إثبات الصغرى و هي وقوع هذه المصيبة في الخارج، و هي حيث أنّها من الموضوعات الخارجيّة فلايثبت بالخبر الصحيح الواحد، فضلاً عن الخبر الضعيف. نعم يمكن أن يقال: إذا كان البكاء لظنّ وقوع مصيبة أو احتماله عليهم( يوجب الأجر و الثواب، فكما أنّ الخبر الصحيح موجب لتحقّق موضوع الأجر و الثواب- أي الظنّ أو احتمال وقوع تلك المصيبة- فكذلك الخبر الضعيف و هذا لا ربط له بأخبار من بلغ» و راجع أیضاً منتهى الأصول (ط.ج): ج‌2، ص294.الوجه الثاني:في تهذيب الأصول للسید عبد الأعلی السبزواري، ج‌2، ص190: «لايبعد أن يكون الوجه في ذلك أنهم حملوا الثواب على مجرد المثالية، و أنه ذكر من باب الغالب و الترغيب لا الخصوصية، فيكون المعنى: أن من بلغه شي‌ء عن النبي في غير الواجب و الحرام، يترتب أثر ذلك الشي‌ء عليه و إن كان رسول الله لم‌يقله».الوجه الثالث: في تهذيب الأصول للسید عبد الأعلی السبزواري: «و يمكن الاستدلال على التسامح في ذلك كله بقولهم في جملة من الأخبار: «الحكمة ضالّة المؤمن، فحيث ما وجد أحدكم ضالّته فليأخذها»، إذ لا ريب في أن ذلك كله فيه من الحكمة، و قد فسّرت بكل ما فيه خير و صلاح. فتأمل».الوجه الرابع:في منتهى الدراية، المروج الجزائري، السيد محمد جعفر، ج5، ص534: «بعد أعمية بلوغ الثواب من الدلالة المطابقية و الالتزامية و أعمية العمل من الفعل و القول تشمل أخبار من بلغ كلّاً من الشبهات الحكمية و الموضوعية... ثم أنّه يكفي دليلاً على هذا التنبيه صحيحة هشام و حسنته المتقدمتان، لوضوح صدق البلوغ على كل من الدلالة المطابقية و الالتزامية، و إن نوقش في صدق السماع كما في الحسنة على الدلالة الالتزامية بدعوى اختصاصه بالنطق و عدم شموله للوازم المعنى المطابقي و ملزوماته، ففي الصحيحة كفاية. و لوضوح صدق العمل على كل من القول و الفعل اللذين كلاهما من أفعال الجوارح، فإن العمل بكل شي‌ء على حسب ذلك الشي‌ء كما في رسالة شيخنا الأعظم في مسألة التسامح. و دعوى انصرافه إلى خصوص العمل الصادر مما عدا اللسان من الجوارح غير مسموعة».
[11] زبدة الأصول، الروحاني، السيد محمد صادق، ج3، ص287. «إنّ الكذب المحرم هو ما لو كان الخبر بما له من المراد الاستعمالي للمتكلم مخالفاً للواقع فما لا علم بمخالفته للواقع لايصدق عليه الكذب، بل هو محتمل لكونه كذباً فمع الشك في الموضوع لايشمله أدلة حرمة الكذب».الجواب عن هذا الإیراد:في منتقى الأصول، الحكيم، السيد عبد الصاحب، ج4، ص541.: «الصحيح أن يقال في وجه حرمته و قبحه عقلاً: إنّ كل ما لايعلم أنّه كذب يكون طرفاً لعلم إجمالي بحرمة الإخبار به أو بنقيضه أو ضده للعلم بعدم مطابقة أحدهما للواقع فيكون كذلك، فإذا لم‌يعلم بمجي‌ء زيد، يعلم إجمالاً بأنّ الإخبار به أو الإخبار بعدم مجيئه حرام واقعاً لخلوّ الواقع عن أحدهما، فهو يعلم أنّ الكذب لايخرج عن أحدهما. و هو علم إجمالي منجز فيستلزم حرمة كل من الطرفين عقلاً. فلاحظ و تدبر».الإشكال على هذا الجواب:في زبدة الأصول، الروحاني، السيد محمد صادق، ج4، ص458.: «حيث تكون أخبار من بلغ مرخصة في المخالفة الاحتمالية لهذا العلم الإجمالي، و قد مرّ أنّه لا مانع من الترخيص في المخالفة الاحتمالية فلا محذور في الحكم باستحباب نقل الفضائل و المصائب مستنداً إلى تلكم الأخبار».
[13] دراسات في علم الاصول، الهاشمي الشاهرودي، السيد علي، ج3، ص309. هنا أوجه أخر -غیر ما مرّ من الوجه الأوّل- استدل بها لعدم الشمول:الوجه الثاني: دراسات في علم الأصول، ج‌3، ص309: « علم الأصول، و ما جرى عليهم من الظلم و العدوان، إلّا أنّه لم‌يظهر منها رجحان النقل الخالي عن مدرك صحيح، فالرجوع إليها يكون من التمسك بالعامّ في الشبهة الموضوعية، و لم‌يرد خبر ضعيف في رجحان نقل ما لم‌يثبت كونه فضيلة أو مصيبة ليدعى انجباره بأدلة التسامح»الوجه الثالث: في زبدة الأصول، الروحاني، السيد محمد صادق، ج4، ص457: «أنّ الخبر الضعيف في المورد لايكون متضمناً لترتب الثواب على شي‌ء و إنّما مفاده ثبوت الموضوع لما دل على نقل فضائلهم و مصائبهم»الإیراد على هذا الوجه:في زبدة الأصول، الروحاني، السيد محمد صادق، ج4، ص459.: «يرد على الأوّل... أنّ النصوص تشمل الأخبار عن الموضوع».الوجه الرابع:في مباحث الأصول للشیخ محمد تقي بهجت مباحث الأصول، ج3، ص400: «لكنّه إغراء بالجهل؛ فإذا أخبر عن واقعية المروي ضعيفاً من الموضوع، فالأحوط، بل المتعيّن، لزوم الإسناد إلى الرواية أو الكتاب و لو بالإشارة الإجماليّة المخرجة عن الإغراء المذكور».الإیراد على هذا الوجه:في مباحث الأصول، ج3، ص401: «يمكن أن يقال: بعدم تعينه، فإن الكذب لمصلحة لازمة من المحسّنات الفعلية، و ليس الإغراء المذكور من القبائح الذاتية التي لاتغيّرها العوارض، مع موافقته للمستفاد من أخبار من بلغ من الشمول للإخبار عن موضوع ما له الثواب؛ فهو بلوغ الثواب بالاستلزام بخبر ضعيف».

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo