< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي پسران البهبهاني

44/04/14

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة البراءة /المقام الأول؛ نظریة المحقق الإصفهاني؛ أما تفصیل بیانه

 

أمّا تفصیل بیانه: قال: تحقيق المقام: أنّ المراد بقوله «حَتَّى يَرِدَ فِيهِ نَهْيٌ»، تارة: هو الورود في نفسه المساوق للصدور واقعاً.

و أخرى: هو الورود على المكلف المساوق للوصول إليه.

و النافع في المقام هي إباحة ما لم تصل حرمته إلى المكلّف، لا إباحة ما لم يصدر فيه نهي واقعاً، فإنّه دليل إباحة الأشياء قبل الشرع، لا الإباحة فيما لم يصل، و إن صدر فيه نهي واقعاً.

توضيحه أنّ الإباحة على قسمين:

إحداهما: بمعنى اللاحرج من قبل المولى في قبال الحظر العقلي، لكونه عبداً مملوكاً ينبغي أن يكون وروده و صدوره عن رأي مالكه.

ثانيتهما: الإباحة الشرعية في قبال الحرمة الشرعية الناشئة عن المفسدة الباعثة للمولى على زجره عمّا فيه المفسدة.

و هي تارة: إباحة واقعية ثابتة لذات الموضوع، ناشئة عن لا اقتضائية الموضوع لخلوّه عن المصلحة و المفسدة.

و أخرى: إباحة ظاهرية ثابتة للموضوع بما هو محتمل الحرمة و الحلّية ناشئة عمّا يقتضي التسهيل على المكلّف بجعله مرخّصاً فيه.

و الإباحة القابلة لأن يغيّا بعدم صدور النهي واقعاً هي الإباحة بمعنى اللاحرج، لا الإباحة الشرعية سواء كانت واقعية أو ظاهرية.

أمّا الإباحة الواقعية: فالمفروض أنّها ناشئة عن لا اقتضائية الموضوع فلا‌يعقل ورود حرمة في موضوعها للزوم الخلف من فرض اقتضائية الموضوع المفروض أنّه لا اقتضاء.

لا‌يقال: لا اقتضائيته من حيث ذاته لا‌تنافي عروض عنوان عليه يقتضي الحرمة.

لأنّا نقول: نعم إلّا أنّ الذي يرد فيه نهي ذلك العنوان الذي له اقتضاء الحرمة، لا أنّ النهي يرد في مورد الإباحة.

و فرق بين ورود نهي في مورد الإباحة كما هو ظاهر الخبر، و بين انطباق عنوان ورد فيه النهي على مورد الإباحة، فالماء مثلاً مباح و الغصب حرام، و انطباق عنوان الغصب على الماء لا‌يقتضي صدق ورود النهي في الماء المغصوب، بل من انطباق العنوان الوارد فيه النهي على مورد الإباحة.

هذا إذا أريد ما هو ظاهر الخبر من كون الإباحة مغياة بورود النهي في موردها.

و أمّا إذا أريد بورود النهي تحديد الموضوع و تقييده،- بأن يكون المراد أنّ ما لم يرد فيه نهي مباح، و أنّ ما ورد فيه نهي ليس بمباح،- فهو: إن كان بنحو المعرفية فلا محالة يكون حمل الخبر عليه حملاً على ما هو كالبديهي الذي لا‌يناسب شأن الإمام.

و إن كان بمعنى تقييد موضوع أحد الضدّين بعدم الضدّ حدوثاً أو بقاء، فهو غير معقول: لأنّ عدم الضدّ ليس شرطاً لوجود ضدّه، لا حدوثاً و لا بقاء، و لا معنى لتقييد موضوع الإباحة بعدم ورود النهي حقيقة إلّا شرطيته.

و أمّا الإباحة الظاهرية: فجعلها مغياة أو محدّدة و مقيّدة بعدم صدور النهي في موضوعها واقعاً غير صحيح من وجوه([1] ) ... و حيث علم من جميع ما ذكرنا عدم إمكان إرادة الإباحة الشرعية واقعية كانت أو ظاهرية، بناء على إرادة الصدور من الورود، فلا مناص من حمل الإباحة على إباحة الأشياء قبل الشرع بمعنى اللاحرج العقلي، فإنّها محدودة و مغيّاة بعدم صدور الحرمة الشرعية، فيكون الخبر دليلاً على هذه الإباحة، لا الإباحة الشرعية الظاهرية المبحوث عنها هنا.

إلا أنّ حمل الإباحة على الإباحة المالكية قبل الشرع التي يحكم بها عقل كلّ عاقل بعيد غير مناسب للإمام المعدّ لتبليغ الأحكام، خصوصاً بملاحظة أنّ الخبر مروي عن الصادق بعد ثبوت الشرع، و إكمال الشريعة، خصوصاً في المسائل العامّة البلوى التي يقطع بصدور حكمها عن الشارع، فلا فائدة في الإباحة مع قطع النظر عن الشرع.

و عليه، فالمراد من الورود هو الورود على المكلّف المساوق لوصوله إليه.

و المراد بالإطلاق هو الترخيص الشرعي الظاهري، و عدم تقيّد المكلّف ظاهراً بطرف الترك، أو بطرف الفعل، فيكون دليلاً على المسألة.

و التعبير عن الوصول بالورود تعبير شائع لا‌ينسبق إلى أذهان أهل العرف غيره.

بل الظاهر كما يساعده تتبّع موارد الاستعمالات أنّ الورود ليس بمعنى الصدور أو ما يساوقه، بل هو معنى متعدّ بنفسه، فهناك بلحاظه وارد و مورود، فيقال: ورد الماء و ورد البلد و وردني كتاب من فلان، و إن كان بلحاظ إشراف الوارد على المورود ربما يتعدّى بحرف الاستعلاء.

نعم ربما يكون الوارد أمراً له محلّ في نفسه كالحكم، فيقال: ورد فيه نهي مثلاً، فالموضوع محلّ الوارد، لا مضايف الوارد، بل مضايفه من ورده هذا التكليف الخاصّ، و لذا لا‌يصحّ أن يقال: بالإضافة إلى الموضوع: ورده نهي، بل ورد فيه.

بخلاف المكلّف، فإنّه الذي ورده التكليف أو ورد عليه بلحاظ إشرافه عليه.

و بالجملة: نفس معنى الورود متعدّ بنفسه إلى المورود، و لمكان التضايف لايعقل الوارد إلّا بلحاظ المورود، و ليس المورود هنا إلّا المكلّف دون محلّ الوارد، و لذا لو لم يكن الوارد محتاجاً إلى المحلّ لا‌يتعدّى إلّا بنفسه، أو بحرف الاستعلاء بلحاظ الإشراف.

فتحقّق أنّ الورود ليس بمعنى الصدور و ما يساوقه مفهوماً حتّى لا‌يحتاج في ذاته إلى مكلّف يتعلّق به، بل بمعنى يساوق الوصول إليه، لتضايف الوارد و المورود، فتدبّر جيّداً. [2]

 


[1] حذفنا الوجوه من المتن و أدرجناها في التعلیقة خوفاً من التطویل: منها: أنّ الإباحة الظاهرية التي موضوعها المشكوك لا‌يعقل أن تكون مغياة إلّا بالعلم، و لا محدّدة إلّا بعدمه، لا بأمر واقعي يجامع الشكّ، و إلّا لزم تخلّف الحكم عن موضوعه التامّ، فإنّه مع فرض كون الموضوع و هو المشكوك موجوداً يرتفع حكمه بصدور النهي المجامع مع الشكّ واقعاً.فلا‌يعقل أن تتقيّد إلّا بورود النهي على المكلّف، ليكون مساوقاً للعلم المرتفع به الشكّ.و منها: أنّ الإباحة حيث إنّها مغياة بصدور النهي واقعاً، أو محدّدة بعدم صدوره واقعاً، و الغاية أو القيد مشكوك الحصول، فلا محالة يحتاج إلى أصالة عدم صدوره لفعلية الإباحة.و سيجي‌ء إن شاء الله تعالى أنّ الأصل إمّا أن يكون كافياً و إن لم يكن هذا الخبر، أو لا‌يكون كافياً إن أردنا ترتيب مضمون الخبر عليه تعبّداً.فعلى الأوّل لا استدلال بالخبر، و على الثاني لا‌يصحّ الاستدلال به.و منها: أنّ ظاهر الخبر جعل ورود النهي غاية رافعة للإباحة الظاهرية المفروضة، و مقتضى فرض عدم الحرمة إلّا بقاء هو فرض عدم الحرمة حدوثاً، و مقتضاه عدم الشكّ في الحلّية و الحرمة من أوّل الأمر، فما معنى جعل الإباحة الظاهرية المتقوّمة بالشكّ في الحلّية و الحرمة في فرض عدم الحرمة إلّا بقاء.و ليست الغاية غاية للإباحة الإنشائية حتى يقال: إنّه يحتمل في فرض فعلية الشكّ صدور النهي واقعاً، بل غاية لحقيقة الإباحة الفعلية بفعلية موضوعها و هو المشكوك.و حيث إنّ المفروض صدور النهي بقاء في مورد هذه الإباحة الفعلية، فلذا يرد المحذور المزبور.فإن قلت: هذا إذا كان المراد صدور النهي منه تعالى شأنه. و أمّا إذا أريد صدوره من النبي، أو الوصي على طبق ما أوحي به أو ما ألهم به، فيندفع هذا المحذور، لتقوّم الشكّ باحتمال صدوره منه تعالى، و الغاية صدوره من النبي أو الوصي، فيساوق رواية « مَا حَجَبَ اللَّهُ عِلْمَهُ عَنِ الْعِبَادِ».فيفيد أنّ الحرمة الواقعية الموحى بها أو الملهم بها لا‌تؤاخذ لها، إلا بعد صدور النهي على طبقها من النبي أو الوصي.و هذا الاحتمال غير بعيد، إذ الظاهر من الصدور التدريجي بعد جعل الإباحة الظاهرية هو الصدور من النبي أو الوصي في مقام تبليغ أحكامه تعالى تدريجاً.فيكون إعطاء لقاعدة كلية، حتى يقوم النبي أو الوصي في مقام التبليغ.قلت: مضافاً إلى بقاء المحذورين الأوّلين على حالهما، أنّ الحكم الذي لم يقم النبي أو الوصي. بصدد تبليغه لا أثر لمقطوعه حتّى يحتاج إلى جعل الإباحة الظاهرية في مشكوكه.و عدم الأثر واضح حتى من حيث وجوب الاحتياط، فإنّه لإيصال ما ثبت على المكلف و تنجيزه عليه، فلا‌يعقل في موضوع عدم التبليغ، كما هو واضح
[2] نهاية الدّراية في شرح الكفاية، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج4، ص72. و راجع ما أفاده المحقق الخوئي مصباح الأصول، ج3، ص323.و توضيح ذلك ببیان بعض الأساطین تحف العقول، ص167:و هو مشتمل على البحث في جهتين: الأولى: في ما اقتضاه البرهان العقلي من كون الورود في الرواية بمعنی الوصول.الثانية: في كون الورود بحسب معناه العرفي هو الوصول.أمّا البرهان العقلي: فلأنّ الإطلاق في الرواية لايخلو أمره من وجوه ثلاثة: الأوّل: أن يكون المراد منه هو اللاحرجية العقلية، بمعنى إدراك العقل عدم كون الإنسان من حيث إنّه عبد ممنوع التصرّف مقبوض اليد في حركاته و سكناته في الأكل و الشرب و اللبس و المشي و التكلّم و سائر التصرّفات غير الضرورية بحيث يحتاج في أيّ تصرّف من التصرّفات إلى ترخيص من المولى، بل له التصرّفات في ما يحتاج في معاشه و يتوقّف عليه بقاؤه من المآكل و الملابس و المساكن و غيرها في مقابل من هو قائل بالحظر العقلي و كون الإنسان عبداً مملوكاً يحتاج في كلّ واحد من تصرفاته في معاشه و ما يتوقّف عليه بقاؤه إلى ترخيص من المولى.الثاني: أن يكون المراد منه هو الإباحة الواقعية الشرعية الناشئة من كون الشيء لا اقتضاء له بالنسبة إلى الفعل و الترك لعدم كونه ذا مصلحة موجبة للأمر و ذا مفسدة موجبة للنهي.الثالث: أن يكون المراد منه هو الإباحة الظاهرية المجعولة في ظرف الشكّ في الحكم الواقعي.أما على الاحتمال الثاني فلايمكن أن يكون الورود بمعنى الصدور، حيث إن لازمه كون المراد من النهي فيه هو الحرمة الواقعية و هو باطل، لاستلزامه انقلاب ما هو اللاقتضاء ذاتاً إلى ما هوذا اقتضاء.وكذا على الاحتمال الثالث، ضرورة أن الموضوع للإباحة الظاهرية هو الجهل بالحكم الواقعي فيكون ما هو الرافع له و غاية لزواله هو العلم بالحكم الواقعي و صدور النهي الواقعي لايوجب العلم به حتّى يصحّ كونه غاية للحكم الظاهري.فتبيّن تعیّن احتمال كون الورود بمعنى الصدور إذا أريد من الإطلاق اللاحرجية العقلية، لأن اللاحرجية العقلية مغياة بورود النهي من الشارع، مع أن كون المراد من الإطلاق هو هذا المعنى ممنوع، أولاً: لكون هذا المعنى أمراً واضحاً غیر محتاج إلى البيان. إذ من الواضح أنّه لايمكن أن يكون الناس قبل البعثة ممنوعين من التصرّف في جميع حركاتهم من التكلم و الاستماع و المشي و النظر و مقبوضي اليد في مطلق ما يحتاجون إليه في معاشهم و بقاء حياتهم، و عليه يكون بيان الإمام لهذا المعنى توضيحاً لما هو واضح لجميع الناس بحسب ما تدركه عقولهم.و ثانياً: من جهة أن بيان هذا المعنى على فرض غمض العين عمّا ذكر فهو إنّما يناسب أول البعثة قبل صدور الأحكام لا من الإمام الصادق و بعد إكمال الشريعة و صدور ما هو الحلال و الحرام.و ثالثاً: بملاحظة كون شأن الإمام حيث إنه في مقام الشارعية هو بيان الأحكام الشرعيّة و تبليغها إلى المكلّفين لا الإرشاد لما هو من المدركات العقلية و على هذا يتعين كون الورود بمعنى الوصول لا الصدور بحسب ما هو مقتضى البرهان في مقام الثبوت.و أمّا بحسب ما هو المتفاهم عرفاً منه في مقام الإثبات: فالتحقيق كون الورود بمعنى الوصول عرفاً لا الصدور، حيث إن مفهومه من المفاهيم المتضايفة لاحتياج الوارد إلى من يرد عليه و لمّا كان الوارد هو النهي يكون من يرد عليه هو المكلّف و لا معنى للنهي الوارد على المكلّف إلّا وصوله إليه.فتحصّل أن مقتضی مقام الإثبات و الثبوت كليهما كون الورود في الحديث هو الوصول و يكون الحديث تامّ الدلالة على البراءة كما ذهب إليه الشيخ.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo