< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي پسران البهبهاني

44/04/07

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة البراءة /الجهة الثانیة البحث الدلالي

 

الجهة الثانیة: البحث الدلالي

و هنا قراءتان:

القراءة الأُولى: أنّ الحديث لا‌يدلّ على البراءة الشرعیة و كلمة «سعة» فيه منوّنة على أنّ ما زمانیة، فمعنی الروایة -على هذا- هو أنّ الناس ما داموا غیر عالمین بالحكم الشرعي یكونون في سعةٍ. فمفاد حديث السعة هو بعینه مفاد قاعدة قبح العقاب بلا بيان، و حینئذٍ أدلّة وجوب الاحتياط تتقدّم علیه بالحكومة، لأنّها بيان.

القراءة الثانیة: أنّ الحديث يدلّ على البراءة الشرعیة و كلمة «سعة» مضافة إلى كلمة «ما» الموصولة و هذه الإضافة تقتضي أن تكون كلمة ما الموصولة مضافاً إلیها، و حینئذٍ یكون معنی الروایة هو أنّ الناس یكونون في سعة بالنسبة إلى ما یجهلون من الحكم الشرعي و في سعةٍ من الحكم المجهول. فیكون مفاد حدیث السعة بعین مفاد حديث الرفع، و يتعارض مع أدلّة وجوب الاحتياط.

هنا نشیر إلى نظریات ثلاث:

النظرية الأولى: للمحقّق النائیني (عدم دلالته على البراءة الشرعیة) [1]

إنّ المحقّق النائیني یری أنّ الروایة على التفسیر الأوّل (ما المصدریة الزمانیة) لاتفي بالمقصود، لأنّ أخبار الاحتیاط تكون حاكمةً على هذه الروایة، لأنّ مفاد أخبار الاحتیاط هو أنّ الناس في الضیق من جهة الحكم الشرعي المجعول.

و أمّا على التفسیر الثاني فیقع التعارض بین هذه الروایة و أخبار الاحتیاط، فتقدّم أخبار الاحتیاط على هذه الروایة، لأنّ حدیث السعة عامّ لمطلق الشبهات و أخبار الاحتیاط مختصّة‌ بالشبهات التحریمیة، إلّا أنّه ادّعی ظهور الروایة في أنّ ما زمانیة.[2]

مناقشة المحقّق الخوئي على المحقّق النائیني [3]

إنّ الروایة ظاهرة في أنّ «ما» هي موصولة، لأنّ ما الزمانیة لاتدخل على الفعل المضارع بل تدخل على الفعل الماضي لفظاً و معنی أو معنی فقط.

إیرادان على مناقشة المحقّق الخوئي

الإیراد الأول: ملاحظتنا علیه

إنّ المذكور في عوالي اللآلي عنه: «اَلنَّاسُ فِي سَعَةٍ مَا لَمْ يَعْلَمُوا». [4] [5]

و على هذا فمدخول كلمة ما في الروایة، ماضٍ معنیً، فیمكن حمل كلمة ما في الروایة على ما الزمانیة، فلا تدلّ على البراءة الشرعیة.

الإیراد الثاني: عن بعض الأساطين

إنّ بعض الأساطين یری دلالة حدیث السعة على البراءة الشرعیة، سواء قلنا بأنّ كلمة ما موصولة أو زمانیة، فقال:

و التحقيق عدم الافتراق بين الوجهين بالنسبة إلى مدلول الرواية، و الوجه فيه هو أنّ مفهومها بحسب ظاهر الجملة و إن كان يختلف على الوجهين في مقام الإثبات من ناحية اشتمال الأوّل على الضمير العائد إلى الموصول الموجب لكون غاية السعة هو العلم بنفس الحكم المجهول بخلاف الثاني من كون الموضوع للسعة مطلق العلم، لكن مقام الثبوت يقتضي كون العلم المأخوذ في الغاية على الوجه الثاني أيضاً هو العلم المتعلّق بنفس المجهول، حيث إنّ متعلّق السعة في «الناس في سعة» هو الأمر المجهول، فإنّ المراد منها هو كون الناس في سعة بالنسبة إلى الأمر المجهول و حينئذٍ لا‌يخلو كون متعلّق العلم في الغاية هو هذا الأمر المجهول أو غيره و الثاني غير محتمل إذ لا معنى لكون العلم المتعلّق بغير الشيء المجهول الذي كان في سعة منه رافعاً لسعته فيكون الظاهر من هذه الجملة بمقتضى السبر و التردید و بمناسبة الحكم و الموضوع من كون العلم بالحكم موجب لوقوع المكلّف في الضيق كون الناس في سعة مما جهلوه ما داموا جاهلين بها، فلا فرق بين الوجهين في ما هو الظاهر من الرواية، و لما كان الظاهر من أدلّة الاحتياط كون الوجوب المستفاد منها هو الوجوب الطریقي بمنظور التحفّظ على الواقع في قبال ما دلّ على البراءة الموجب لكونها معذرة عن الواقع فيكونان متعارضين كما تقدّم بيانه.([6] )

النظرية الثانیة: للمحقّق الإصفهاني (عدم دلالته على البراءة الشرعیة) [7]

إنّ المحقّق الإصفهاني قال بورود أدلّة الاحتياط على الرواية، سواء بنينا على أنّ مفاد أدلّة الاحتياط هو الوجوب النفسي أو الوجوب الطريقي، خلافاً لصاحب الكفاية حيث ذهب إلى أنّه إن كان طريقياً فلا يكون وارداً و ذلك بأن نقول: بأن يكون المراد من «مَا لَا يَعْلَمُون‌» هوعدم الحجّة لا الجهل بالحكم فإذا كان مفاد الدليل مطلق الحجّة سواء كانت أمارة أو أصالة الاحتياط فلا يمكن الالتزام بالسعة فيما قامت أدلّة الاحتياط على جريانه فتكون أدلّة الاحتياط حجّة على الحكم و ترفع موضوع البراءة و هو السعة. و إليك نصّ كلامه:

و أمّا إن كان الاحتياط واجباً طريقياً، فيمكن أن يقال: بورود دليل، الاحتياط أيضاً بناء على إرادة مطلق الحجّة القاطعة للعذر من العلم. فمفاد دليل البراءة حينئذ هي التوسعة فيما لم تقم حجّة على الواقع.

و بعد أن كان احتمال التكليف منجّزاً بدليل الاحتياط كان كما إذا وردت أمارة، و قلنا: بأنّ معنى حجّيتها منجّزيتها للواقع، فكما لا شبهة في ورودها على دليل البراءة، كذلك ينبغي أن لا يرتاب في ورود دليله (أي الاحتياط) على دليل البراءة.

 


[6] تحف العقول، ج1، ص155.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo