< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي پسران البهبهاني

44/04/05

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة البراءة /المقام الأول؛ النقطة الثانیة

 

النقطة الثانیة

من جهة قوله: «فِيهِ حَلَالٌ وَ حَرَامٌ» فإنّه أیضاً موجب لاختصاص دلالتها بالشبهات الموضوعیة و هذه العبارة موجودة في جمیع الروایات إلّا موثقة مسعدة بن صدقة.

إنّ الشيخ الأنصاري و بعض المحقّقین مثل المحقّق الخوئي قالوا: بأنّ فقرة «فِيهِ حَلَالٌ وَ حَرَامٌ» تدلّ على اختصاص الروایة بالشبهة الموضوعیة و في قبالهم بعض الأعلام مثل المحقّق النائیني و المحقّق العراقي و المحقّق النراقي ([1] ) و السیّد الصدر صاحب شرح الوافیة([2] ) قالوا بعدم دلالتها على الاختصاص بالشبهات الموضوعیة.

بیان الشيخ الأنصاري و من تبعه لهذه المناقشة

إنّ الظاهر من قوله: «فِيهِ حَلَالٌ وَ حَرَامٌ» هو الانقسام الفعلي بمعنی وجود القسمین (أي الحلال و الحرام) فیه بالفعل لا تردّده بین كونه حلالاً أو حراماً، و هذا لایمكن تصویره في الشبهات الحكمیة، لأنّ وجود القسمین في الشبهات الحكمیة فرضیة و إمكانیة و احتمالیة. و بعبارة أُخری أنّ وجود القسمین أي الحلال و الحرام في الشبهات الحكمیة لیس فعلیاً بل هو شأني بمعنی التردّد بین كونه حلالاً أو حراماً.[3]

طریقان للجواب عن هذه المناقشة

الطریق الأوّل: من المحقّق النائیني [4]

إنّ الشیئیة حیث إنّها تساوق الوجود فظاهر لفظ «الشيء» هو الموجود الخارجي، فیدور الأمر بین إرادة احتمال الحلّیة و الحرمة من قوله: «فِيهِ حَلَالٌ وَ حَرَامٌ» و بین الالتزام بالاستخدام و حمله على الانقسام الفعلي، و الأوّل و إن كان في نفسه خلاف الظاهر، إلّا أنّ الالتزام به أهون من الالتزام بالاستخدام، و على ذلك فلا مانع من شمول الروایة للشبهة الحكمیة.

و هذا البیان یحتاج إلى زیادة توضیح:

إنّ قوله: «كُلُّ شَيْ‌ءٍ فِيهِ حَلَالٌ وَ حَرَامٌ» ظاهر في فعلیة انقسام الشيء إلى القسمین و نحن نذعن بهذا الظهور إلّا أنّ الكلام یقع في أنّه هل یؤخذ بظهور المقسم و الانقسام أو لابدّ من الالتزام بخلاف الظاهر في أحدهما فإنّ بعض الأعلام مثل الشيخ

و المحقّق الخوئي التزموا بخلاف الظاهر في ناحیة المقسم فقالوا: إنّ المقسم لقسمي الحلال و الحرام لیس نفس ذلك الشيء بل نوعه و بعبارة أُخری لیس الحلال و الحرام – بعنوانهما - وصفين لذلك الشيء بل هما وصفان لغیر من هو له و لكن المحقّق النائیني یتحفّظ على ظهور المقسم و ظهور الكلام في فعلیة الانقسام و یلتزم بخلاف الظاهر في ناحیة الانقسام فیقول: إنّ الشيء ینقسم إلى كونه محتمل الحلّیة و الحرمة و بعبارة أُخری إنّ معنی قوله: «كُلُّ شَيْ‌ءٍ فِيهِ حَلَالٌ وَ حَرَامٌ» هو كلّ شيء فیه احتمال الحلّیة و الحرمة و هذا القید هو لإخراج ما لایتطرّق فیه الحلّیة و الحرمة، فإنّ الالتزام بخلاف الظاهر في ناحیة الأقسام بحمل فعلیتهما على الشأنیة و الاحتمال أهون من الالتزام بأنّ عنوان الحلال و الحرام وصفان لغیر من هو له.

إیرادان من المحقّق الخوئي على الطریق الاول

الإیراد الأوّل [5]

إنّ لفظ «الشيء» موضوع للمفهوم المبهم العامّ لا للموجود الخارجي و لذا یستعمل في المعدومات بل في المستحیلات.

یلاحظ علیه

أوّلاً: أنّ ذلك لایضرّ بنظریة المحقّق النائیني، فإنّ كلّ طبیعة من الطبائع مع قطع النظر من وجوده الخارجي إذا تطرّق فیه احتمال الحلّیة و الحرمة فهو حلال.

ثانیاً: أنّ المحقّق الخوئي هو بنفسه ملتزم بأنّ المراد من «الشيء» هو الموجود الخارجي كما اعترف بذلك في عبارته فقال:[6]

إنّ الشكّ في حلّیة مائع موجود في الخارج ناشئ من انقسام المائع إلى الحلال و الحرام إذ لو كان المائع بجمیع أقسامه حلالاً أو بجمیع أقسامه حراماً لما شككنا في هذا المائع الموجود في الخارج من حیث الحلّیة و الحرمة، فحیث كان المائع منقسماً إلى قسمین: قسم منه حلال كالخلّ و قسم منه حرام كالخمر، فشككنا في حلّیة هذا المائع الموجود في الخارج.

الإیراد الثاني [7]

إنّه على تقدیر التنزّل و تسلیم أنّ المراد منه الموجود الخارجي نلتزم بالاستخدام في الضمیر في قوله: «فِيهِ حَلَالٌ وَ حَرَامٌ»، فیكون المراد أنّ كلّ موجود خارجي في نوعه حلال و حرام فهو لك حلال حتّی تعرف الحرام منه بعینه، و القرینة على هذا الاستخدام هو نفس التقسیم، باعتبار أنّ الموجود الخارجي غیر قابل للتقسیم، فلامحالة یكون المراد انقسام نوعه، فتكون الروایة مختصّة بالشبهات الموضوعیة.

یلاحظ علیه

إنّه قد تقدّم أنّ الالتزام بخلاف الظاهر في ناحیة الأقسام بحمل فعلیة الحلّیة و الحرمة على القوّة و الاحتمال أهون من الالتزام بالاستخدام المذكور بأن كان عنوان الحلال و الحرام وصفین لغیر من هو له.

 


[1] مناهج الأحكام، ص214: «أمّا الأخبار فكثیرة جدّاً و لكن الدالّ منها بین أصناف ستّة ... السادس: الأخبار الواردة بأنّ كلّ شيء فیه حلال و حرام فهو لك حلال ... وجه الاستدلال أنّها تحتمل معان ستّة ... ثمّ نقول: لا شكّ في دلالة هذه الأحادیث على إباحة ما لا نصّ فیه على المعنیین الأولین و كذا على الثلاثة الأخیرة كما ظهر من أمثلتهما. نعم على المعنی الثالث لا دلالة علیها ... و لكن الثالث أیضاً غیر صحیح ... ثمّ إنّ بعض من عاصرناه قد خصّ هذه الأحادیث بما إذا كانت الشبهة في موضوع الحكم كما فعله الأخباریون و زعم أنّها لاتدلّ على حكم الشبهة في نفس الحكم إلّا إذا فسّرت بأحد المعنیین الأولین و ذكر أنّهما لایصحّان فیختصّ حینئذ بحكم الشبهة في الموضوع...».
[2] أشار في فرائد الأصول (ط. النشر الإسلامي)، ج‌1، ص328 إلى قول السید صدر الدین فقال: «و تقريب الاستدلال كما في شرح الوافية أنّ معنى الحديث أنّ كلّ فعل من جملة الأفعال التي تتّصف بالحلّ و الحرمة و كذا كلّ عين مما يتعلّق به فعل المكلّف و يتّصف بالحلّ و الحرمة إذا لم يعلم الحكم الخاصّ به من الحلّ و الحرمة فهو حلال ...».قال في الوافية في أصول الفقه، ص180، الباب الرابع (من الأبواب الستّة) في الأدلّة العقلیة، القسم الثالث (من الأقسام السبعة) أصالة النفي و هو البراءة الأصلیة: «يعلم عدم تكليف المكلّف، إذا لم يجد الدليل بعد التتبّع، بما في نفس الأمر، لأنّه تكليف بما لا يطاق، و يدلّ عليه الأخبار الكثيرة ... و في النوادر من المعيشة من الكافي، بسنده: عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله، قال: "كُلُّ شَيْ‌ءٍ يَكونُ فِيهِ حَلَالٌ وَ حَرَامٌ فَهُوَ لَكَ حَلَالٌ أَبَداً حَتَّى تَعْرِفَ الْحَرَامَ مِنْهُ بِعَيْنِهِ فَتَدَعَهُ" و بمعناه رواية أخرى عنه أيضاً»و في نسخة خطّیة من شرح الوافیة (الموجودة في مكتبة ملّي برقم 949 و هي النسخة 64 من 131 نسخة ذكرت في فنخا، ج12، ص508 بعنوان حاشیة الوافیة) من ص164 إلى ص171 تعلیقة على خبر عبد الله بن سنان قال في ص165: «قوله: «كُلُّ شَيْ‌ءٍ فِيهِ حَلَالٌ وَ حَرَامٌ» یحتمل أحد معان ثلاثة:الأوّل: أن كلّ فعل من جملة الأفعال التي تتّصف بالحلّ و الحرمة و كذا كلّ عین ممّا یتعلّق به فعل المكلّف و یتّصف بالحلّ و الحرمة إذا لم نعلم الحكم الخاصّ به من الحلّ أو الحرمة فهو لك حلال ... الثاني: أنّ كلّ شيء فیه الحلال و الحرام عندك بمعنی أنّك تقسمه إلى هذین و تحكم على أحدهما لا على التعیین و لاتدري المعیّن منهما فهو لك حلال.الثالث: أنّ كلّ شيء له نوعان أو صنفان نصّ الشارع على أحدهما بالحلّ و على الآخر بالحرمة و اشتبه علیك اندراج هذا الفرد فلاتدري من أي النوعین أو الصنفین هو فهو لك حلال .. و المعنی الثالث أخصّ من الأوّلین و الثاني مرجعه إلى الأوّل و هو الذي ینفع القائلین بالإباحة و الثالث هو الذي حمل القائل بوجوب التوقّف و الاحتیاط هذه الأحادیث علیه قال الشیخ المحقّق المدقّق الحرّ العاملي. بعد نقله لتلك الأحادیث في الفصول المهمّة في أصول الأئمة...».و قال في ص168: «ثمّ أقول: إنّك عرفت أنّ هذه الأحادیث یحتمل أحد المعاني المتقدّمة و دعوی ظهور الثالث منها تمسّكاً بأنّ الأمثلة ظاهرة فیه لا وجه لها ظاهراً إذ لایجب ذكر جمیع الأمثلة و لانمنع كون ما ذكر مثالاً أیضاً كما أنّ غیره مثال أیضاً و هل عدّ أحد من مخصّصات العامّ أو مقیّدات المطلق المثال؟ و أمّا لزوم كون المفروض كلّیاً منقسماً إلى الحلال و الحرام ففي المعنی الأوّل أیضاً كذلك»

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo