< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي پسران البهبهاني

44/03/06

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: الأصول العملية/أصالة البراءة /مقدمات في أصول العملیة

 

مقدّمات في الأُصول العملية

فيها أُمور سبعة:

قد تقدّم([1] ) في أوّل الکتاب أنّ علم الأُصول أُسّس لمعرفة القواعد الأُصولیة و هي القواعد الممهّدة لتحصیل الحجّة على حكم العمل، و قلنا: إنّ هذه القواعد على أربعة أقسام:

القسم الأوّل: ما یوجب العلم الوجداني مثل الملازمات العقلیة.

القسم الثاني: ما یوجب العلم التعبّدي و هي الصغریات التي يستفاد منها ظهورات الألفاظ و الكبریات التي هي مباحث الحجج.

القسم الثالث: ما یوجب تعیین الوظیفة العملیة الشرعیة.

القسم الرابع: ما یوجب تعیین الوظیفة العملیة العقلیة.

و قد بحثنا في القسمین الأوّلین سابقاً و بقي الكلام في القسمین الأخیرین و هي مباحث الأُصول العملیة الشرعیة و العقلیة.


الأمر الأوّل: للحكم الظاهري و الواقعي اصطلاحان

إنّ الحكم الظاهري قد یراد منه ما هو أعمّ من مفاد الأمارات و الأُصول، و قد یراد منه الحكم المجعول في ظرف الشكّ الذي تتكفّلها الأُصول العملیة.[2] [3]

و یعبّر عن الأصول العملیة([4] ) بالدلیل الفقاهتي، كما أنّ الدلیل الذي یوصلنا إلى الحكم الواقعي([5] ) یسمّی بالدلیل الاجتهادي و لذا صرّحوا بأنّ مفاد الأمارة نفس الحكم الواقعي فالأمارات أدلّة اجتهادیة و الأُصول أدلّة فقاهتیة (و هذه التسمیة ممّا أبدعه الوحید البهبهاني) و الأمارات حاكمة على الأُصول، فإنّ الأمارات رافعة للشكّ - الذي هو موضوع الأُصول العملیة - رفعاً تعبّدیاً لا رفعاً وجدانیاً.


الأمر الثاني: متعلّق الشكّ لابدّ أن یكون حكما كلّیا

قال المحقّق النائیني:[6] إنّ متعلّق الشك إمّا حكم جزئي و إمّا موضوع خارجي و إمّا حكم كلّي، و البحث هنا بیان الوظیفة العملیة عند الشكّ في الحكم الكلّي و البحث عن الشكّ في الحكم الجزئي أو الموضوع الخارجي استطرادي، فإنّ الأُصول العملیة على قسمین:

ما یختصّ بالشبهات الخارجیة كأصالة الصحّة و قاعدة الفراغ و التجاوز.

و ما یعمّ الشبهات الحكمیة و هي البراءة و الاحتیاط و التخییر و الاستصحاب.

و سیأتي إن شاء الله تحقیق ما أفاده، فإنّ بعض هذه القواعد مثل قاعدتي الفراغ و التجاوز من الأمارات و كذلك الأمر في الاستصحاب، فإنّ الاستصحاب إما أصل عملي كما علیه الشيخ الأعظم الأنصاري و صاحب الكفایة و المحقّق النائیني و غیرهم، أم أمارة شرعیة كسائر الأمارات، كما ذهب إلیه جمع من قدماء الأصولیین و بعض المتأخّرین، مثل المحقّق الخوئي.

 


الأمر الثالث:
لزوم الفحص و الیأس عن الظفر بالأمارات لجريان الأصول العملية

إنّ الرجوع إلى الأُصول العملیة لا یجوز إلّا بعد الفحص و الیأس عن الظفر بالأمارات، و مع احتمال وجود الأمارة المعتبرة و احتمال الظفر بها لایكون الشكّ المذكور موضوعاً للأُصول العملیة.

فلابدّ من تقیید الشكّ في موضوع الأُصول العملیة بالشكّ بعد الفحص و الیأس عن الظفر بالأمارة.


الأمر الرابع: وجه افتراق الأمارات و الأُصول

هنا نظریات أربع:

إنّ الأعلام اختلفوا فیه من اتّجاهات عدیدة فلابدّ أن نتعرّض لأهمّ هذه النظریات:

النظریة الأُولى: من المحقّق النائیني[7] [8]

إنّ نكتة الافتراق بین الأمارات و الأُصول هي في سنخ المجعول فیهما، فإنّ المجعول في الأمارات الطریقیة فلیس فیها حكم من الوجوب و الحرمة، بخلاف المجعول في باب الأصول العملیة، فإنّه الجري العملي في الأُصول غیر المحرزة و تنزیل مؤدّی الأصل منزلة العلم بلحاظ الجري العملي، و بعبارة أُخری الطریقیة من حیث الجري العملي و بعبارة أدقّ المجعول في الأُصول المحرزة هو البناء العملي على أحد طرفي الشكّ على أنّه هو الواقع و إلغاء الطرف الآخر و جعله كالعدم.

و لذلك قال[9] : بأنّ مثبتات الأمارات حجّة، لأنّ العلم بالشيء علم بجمیع لوازمه و لكن مثبتات الأُصول لیست بحجّة لأنّ إیجاب الجري العملي على وفق أمر لایلزم منه إیجاب الجري العملي على لوازمه لأنّ الجري العملي فعل المكلّف و قد یحكم المولى علیه بوجوب الالتزام بأمر أو العمل به من دون أن یحكم على لوازم هذا الأمر بشيء.

النظریة الثانیة: من المحقّق الخوئي

إنّ المحقّق الخوئي التزم بنظریة أُستاذه المحقّق النائیني في نكتة افتراق الأمارات و الأُصول في سنخ المجعول فیهما، إلّا أنّه لم‌یلتزم[10] بما رتّبه علیه من حجّیة مثبتات الأمارات و عدم حجّیة مثبتات الأُصول، و الوجه في ذلك هو أنّ ما أفاده المحقّق النائیني من أنّ العلم بشيء علم بجمیع لوازمه إنمّا یصحّ في العلم الوجداني لا العلم التعبّدي، فإنّه یمكن التعبّد بشيء من دون تعبّد بلوازمه، فعلى هذا نفس دلیل حجّیة الأمارات لایدلّ على حجّیة مثبتاتها بل لابدّ من إقامة دلیل آخر على ذلك.

یلاحظ علیها

إنّ ما أفاده من إمكان التعبّد بشيء دون التعبّد بلوازمه و إن كان صحیحاً إلّا أنّ المدار على ملاحظة دلیل الحجّیة، فإنّ السیرة العقلائیة إذا قامت على العمل بشيء فهو بمعنی أنّ هذا الشيء عندهم كالعلم و لایعتنون باحتمال مخالفته للواقع و لیس للعقلاء تعبّد و تشریع.

قال المحقّق النائیني:[11] «إنّه لیس في ما بأیدینا من الطرق و الأمارات ما لایعتمد علیه العقلاء في محاوراتهم و إثبات مقاصدهم بل هي عندهم كالعلم، لایعتنون باحتمال مخالفة الطریق للواقع، و لیس اعتمادهم علیها من باب الاحتیاط و رجاء إدراك الواقع، لأنّه ربما یكون طرف الاحتمال تلف النفوس و الأموال و هتك الأعراض، فلو كان اعتمادهم على الطرق لمحض رجاء إدراك الواقع لكان الاحتیاط بعدم الاعتماد علیها في مثل هذه الموارد ممّا یكون خطر المخالفة [فیه] عظیماً، فإقدامهم على العمل بالطرق و الأمارات و الاعتماد علیها مع هذا الاحتمال لیس إلّا لمكان تنزیل احتمال المخالفة منزلة العدم ... إنّ الطرق عندهم من حیث الإتقان و الاستحكام كالأسباب المفیدة للعلم و لیس عند العقلاء جعل و تعبّد و تشریع».

فالنكتة الأساسیة في ما أفاده هي أنّ السیرة العقلائیة في حجّیة بعض الأمارات لیست من باب التعبّد حتّی یقال بإمكان التعبّد بشيء دون التعبّد بلوازمه.

 


[1] تقدّم في ج1، ص43 -44، المقدّمة الأُولى (فائدة علم الأصول و تعریفه).و ذكرنا في التعلیقة أنّ هذا التقسیم لمباحث علم الأصول هو مختار المحقّق الخوئي و ذكرنا أیضاً تقسیم المحقّق الإصفهاني و المحقّق الصدر. فراجع
[4] أي الحكم الظاهري بالاصطلاح الثاني.
[5] بالاصطلاح الثاني.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo