46/08/10
بسم الله الرحمن الرحیم
/ دوران الأمر بین النسخ والتخصیص /العامّ والخاصّ
الموضوع: العامّ والخاصّ/ دوران الأمر بین النسخ والتخصیص /
متن الکفایة:
ثم إن تعيّن الخاص للتخصيص ، إذا ورد قبل حضور وقت العمل بالعام ، أو ورد العام قبل حضور وقت العمل به ، إنّما يكون مبنيّا على عدم جواز النسخ قبل حضور وقت العمل ، وإلاّ فلا يتعين له ، بل يدور بين كونه مخصصاً وناسخاً في الأول ، ومخصصاً ومنسوخاً في الثّاني ، إلّا أن الأظهر كونه مخصصاً ، وإن كان ظهور العام في عموم الأفراد أقوى من ظهوره وظهور الخاص في الدوام ، لما أشير إليه من تعارف التخصيص وشيوعه ، وندرة النسخ جداً في الأًحكام.[1]
وأمّا الصورة السابعة: لم يتعرّض المصنّف(رحمه الله) لبيان هذه الصورة، ويظهر أنّ وجه ذلك رجوعها في الحقيقة إلى الصورة الرابعة والخامسة، وكما سبق أنّه في كلتا الصورتين، يُجعل الدليلُ الخاصّ ـ بحسب مقام الإثبات ـ مخصّصاً للدليل العامّ، وعليه ففي كلتا الصورتين يكون العمل بالفرد الخاصّ من مصاديق المأمور به، ومجزياً، سواء ورد الدليل العامّ قبل وقت العمل بالخاصّ أم بعده، فافهم.
تنبيه: ذكر المصنّف(رحمه الله) في ذيل الصورة السادسة، بعد أن بيّن أنّ كثرة التخصيص وندرة النسخ في الصورة السادسة لا ترفع الإجمال ولا توجب الحمل على التخصيص، قال: «إنّما يوجبان الحمل عليه فيما إذا ورد العامّ بعد حضور وقت العمل بالخاصّ، لصيرورة الخاصّ بذلك في الدوام أظهر من العامّ، كما أُشير إليه».
وعليه، ففي ما نحن فيه، وفي الصورة الثامنة أيضاً، كما أنّ ورود العامّ قبل وقت العمل بالخاصّ يُعدّ من موارد التخصيص، كذلك ورود العامّ بعد وقت العمل بالخاصّ يُعدّ تخصيصاً، وفي كلا الحالين لا يقع الكلام مجملاً، لا بالنسبة إلى ما بعد ورود العامّ والخاصّ، ولا بالنسبة إلى ما بينهما؛ سواء كان ورود العامّ قبل وقت العمل بالخاصّ في الواقع، أم بعده.
قوله: «ثمّ إنّ تعيّن الخاصّ للتخصيص إذا ورد قبل حضور وقت العمل بالعامّ، أو ورد العامّ قبل...»
كما تقدم، فإنّه في الصورة الثانية ـ وهي ورود الخاصّ قبل وقت العمل بالعامّ ـ وفي الصورة الرابعة ـ وهي ورود العامّ قبل وقت العمل بالخاصّ ـ وقع النزاع في إمكان النسخ وعدمه. ولهذا صرّح المحقّق الخراساني(رحمه الله) بأنّ تعيّن التخصيص في هاتين الصورتين مبنيّ على مبنى عدم جواز النسخ قبل حضور وقت العمل بالدليل، وإلّا فلا وجه لتعيّن التخصيص، بل يكون من موارد دوران الأمر بين النسخ والتخصيص، بل في الصورة الرابعة من دوران الأمر بين التخصيص وكون العامّ ناسخاً للخاصّ.
ومع ذلك، إنّ المحقّق الخراساني(رحمه الله) يرى أنّه حتى في مثل هذه الموارد، يُحمل الكلام على التخصيص، وذلك لكثرة التخصيص وندرة النسخ، أي أنّ الأنس الذهني بالتخصيص، وعدم الأنس بالنسخ، يوجب حمل كلام المتكلّم على التخصيص، حتّى لو كان الدليل العامّ أقوى دلالة من الخاصّ، فإنّه يُحمل على التخصيص، رغم أنّه على مبنانا لا يجوز التخصيص في مثل هذه الموارد.
الصورة الثامنة: وأمّا هذه الصورة، فلم يذكر المصنّف(رحمه الله) فيها كلاماً، وهي في الواقع ترجع إمّا إلى الصورة الثانية، أو الثالثة، أو الرابعة، أو الخامسة. وعليه، فبحسب مبنى من يرى في جميع الصور المذكورة كون الدليل الخاصّ مخصّصاً، لا إجمال في المسألة، كما أفاد المحقّق الخوئي(رحمه الله) في خاتمة بحث دوران الأمر بين النسخ والتخصيص بعد عرض الصور المختلفة، حيث قال: «فالنتيجة في نهاية المطاف أنّ المتعيّن هو التخصيص في جميع الصور المتقدّمة، ولا مجال لتوهّم النسخ في شيء منها»[2] .
ولكن بناءً على رأي المصنّف(رحمه الله) القائل بالنسخ في الصورة الثالثة، فإنّه يقع الإجمال في ما يتعلّق بعمل المكلّف بالفرد الخاصّ قبل ورود الدليل الخاصّ، أي في الفترة بين ورود العامّ والخاصّ، فيُشكّ في الإجزاء وعدمه، ولا بدّ من الرجوع إلى الأصول العمليّة، كما سبق بيانه. وأمّا بالنسبة إلى العمل في الوقت الحاضر، فلا إجمال فيه، والعمل بالفرد الخاصّ لا يجوز، إلّا إذا قيل بأنّ الدليل العامّ ناسخ للدليل الخاصّ في الصورة الخامسة، فعلى هذا المبنى، يجوز العمل بالفرد الخاصّ، كما في مثال: «لا تُكرِم العالم الفاسق» و«أكرِم العلماء»، فإذا كان العامّ ناسخاً، يكون زمان عدم وجوب إكرام العالم الفاسق قد انتهى، ويجب إكرامه وفقاً للعامّ، فافهم فإنّه دقيق جدّاً.