46/08/09
بسم الله الرحمن الرحیم
/دوران الأمر بین النسخ والتخصیص/العامّ والخاصّ
الموضوع: العامّ والخاصّ/دوران الأمر بین النسخ والتخصیص/
متن الکفایة:
وأما لو جهل وتردد بين أن يكون الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام وقبل حضوره ، فالوجه هو الرجوع إلى الأصول العملية.
وكثرة التخصيص وندرة النسخ هاهنا ، وإن كانا يوجبان الظن بالتخصيص أيضاً ، وإنّه واجد لشرطه إلحاقاً له بالغالب ، إلّا إنّه لا دليل على اعتباره ، وإنما يوجبان الحمل عليه فيما إذا ورد العام بعد حضور وقت العمل بالخاص ، لصيرورة الخاص لذلك في الدوام اظهر من العام ، كما أشير إليه ، فتدبرّ جيداً.[1]
وأمّا بالنسبة إلی الصورة السادسة يقول المصنّف(رحمه الله) : لا وجه لترجيح التخصيص على النسخ أو العكس، بل يجب الرجوع إلى الأصول العمليّة، إذ الأمر يدور بين كون العمل بالخاصّ في الماضي من مصاديق المأمور به، فيكون مجزياً، أو أنّ الإرادة الجدّيّة من المولى لم تتعلّق به من البداية، فيكون العمل به غير مجزٍ.
وهنا يُطرحُ سؤال، وهو أنّه لماذا لا يُتمسّك ـ كما مرّ ـ بكثرة التخصيص وندرة النسخ فيُحمل الدليل الخاصّ على كونه مخصّصاً؟
فيجيب المصنّف(رحمه الله) : وإن حصل الظنّ بالتخصيص، ووجب -طبقاً لقاعدة أنّ الظنّ يلحق الشيء بالأعمّ الأغلب- الحمل على التخصيص، إلّا أنّه لا دليل على حجّية هذا الظنّ في ما نحن فيه؛ لأنّه ـ كما تقدّم ـ لا يمكن فرض التخصيص في بعض حالات الصورة الثالثة، فلا مجال للحمل على المخصّصيّة وفق القاعدة المتقدّمة.
وبيان ذلك أنّ الصورة السادسة راجعة في واقعها إلى الصورة الثانية أو الثالثة، وقد تقرّر سابقاً في الصورة الثالثة أنّه إذا كان الدليل العامّ بصدد بيان الحكم الواقعي، فلا يمكن تخصيصه بعد فوات وقت الحاجة، وإلّا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة، وهو قبيح، فلا بدّ من حمل الخاصّ على النسخ. وواضح أنّه مع احتمال كون المورد من هذا القبيل، لا يمكن التمسّك بقاعدة الكثرة، ولا بحمل الدليل الخاصّ على كونه مخصّصاً في جميع الصور.
فائدتان:
الفائدة الأولى:
كما تقرّر سابقاً، إذا كان الدليل العامّ بصدد بيان الحكم الواقعي والإرادة الجدّيّة للمولى، وكان الخاصّ وارداً قبل وقت العمل بالعامّ، حُمل الخاصّ على التخصيص، مع وجود احتمال النسخ، لكثرة التخصيص وندرة النسخ.
وأمّا إذا ورد الخاصّ بعد وقت العمل بالعامّ، فلا مجال لحمله على التخصيص، إذ يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة، وهو قبيح، فلا بدّ من حمله على النسخ.
وعليه، ففي ما نحن فيه، حيث إنّ الدليل الخاصّ وارد بعد العامّ، ولكن لا يُعلم هل ورد قبل وقت العمل بالعامّ أو بعده، يكون الاحتمالان ـ التخصيص والنسخ ـ واردين من جهة الإثبات، فيحصل الإجمال، ويجب الرجوع إلى الأصول العمليّة.
نعم، إذا لم يكن الدليل العامّ بصدد بيان الحكم الواقعي والإرادة الجدّيّة، فإنّه يُحمل الخاصّ على التخصيص مطلقاً، سواء ورد قبل وقت العمل بالعامّ أم بعده، ولا يحصل إجمال.
الفائدة الثانية:
في مراد المصنّف(رحمه الله) من الحكم المذكور في ما نحن فيه، وهو: إجمال الكلام ووجوب الرجوع إلى الأصول العمليّة، احتمالان:
الأوّل: أن يكون المراد الزمن بعد ورود العامّ والخاصّ؛ ففي هذه الحالة، لا يجوز العمل بمقتضى العامّ كـ «أكرم العلماء» بالنسبة إلى الخاصّ كـ «لا تكرم الفسّاق من العلماء»، سواء كان الخاصّ ناسخاً أم مخصّصاً؛ فلا وجه للإجمال ولا الرجوع إلى الأصل العملي.
الثانیة:أن يكون المراد الزمن الواقع بين ورود العامّ وورود الخاصّ؛ ففي هذه الفترة، يشكّ في جزئية العمل بالخاصّ أو عدم سقوط التكليف؛ لأنّه إن كان الخاصّ ناسخاً، فالعمل به كان من مصاديق المأمور به، وإلّا فلا، فيجب حينئذ الرجوع إلى الأصل العملي.
ويظهر من سياق كلام المصنّف(رحمه الله) أنّه بصدد الاحتمال الثاني، وإن كان هذا الحمل خلاف الظاهر، إذ الظاهر أنّه في مقام بيان الوظيفة الفعليّة في الزمن الحاضر، وهو الذي يُشكّ فيه بين ناسخيّة الخاصّ ومخصّصيّته.