46/05/18
بسم الله الرحمن الرحیم
زیادة توضیح/الفصل السادس: حجّیة العامّ قبل الفحص/العامّ والخاصّ
الموضوع: العامّ والخاصّ/الفصل السادس: حجّیة العامّ قبل الفحص/ زیادة توضیح
متن الکفایة:
فالتحقيق عدم جواز التمسك به قبل الفحص ، فيما إذا كان في معرض التخصيص كما هو الحال في عمومات الكتاب والسنة ، وذلك لأجل إنّه لولا القطع باستقرار سيرة العقلاء على عدم العمل به قبله ، فلا أقل من الشك ،كيف؟ وقد ادعي الاجماع على عدم جوازه ، فضلاً عن نفي الخلاف عنه ، وهو كافٍ في عدم الجواز ، كما لا يخفى.
وأما إذا لم يكن العام كذلك ، كما هو الحال في غالب العمومات الواقعة في السنة أهل المحاورات ، فلا شبهة في أن السيرة على العمل به بلا فحص عن مخصص.
وقد ظهر لك بذلك أن مقدار الفحص اللازم ما به يخرج عن المعرضية له ، كما أن مقداره اللازم منه بحسب سائر الوجوه التي استدل بها من العلم الإِجمالي به أو حصول الظن بما هو التكليف ، أو غير ذلك رعايتها ، فيختلف مقداره بحسبها ، كما لا يخفى.[1]
زیادة توضیح
بعبارةٍ أخرى، إنّ الدلیل على حجّیة أصالة العموم هو سيرة العقلاء وأنّهم یعملون بهذه القاعدة فیما إذا لم یکن الدلیل العام في معرض التخصیص. ولذلك فی الموارد التي - کما في الخطابات الشرعیّة - یجعل الشارع المقدّس غالبًا مراده الجدّي من خلال دلیل منفصل، تکون هذه الخطابات في معرض التخصیص والتقیید، فلا یعمل بها قبل الفحص عن المخصّص. نعم، بعد الفحص عن المخصّص وعدم العثور على دلیلٍ یدلّ على التخصیص، یخرج الدلیل العام عن کونه في معرض التخصیص، فیمکننا حینئذٍ التمسّك بأصالة العموم لإثبات الحکم المذکور فیه لجمیع أفراده ومصادیقه.
فائدة
قال المحقّق الخوئي (رحمه الله) في محاضراته -علی ما في تقریراته- في مقام نقد بیان المحقّق الخراساني(رحمه الله) بعد بیان نظریته في المقام الثاني : «و غیر خفي أنّ ما أفاده لا یرجع بظاهره إلی معنی محصّل، فإنّ تلک العمومات إذا کانت في معرض التخصیص لم تخرج عن المعرضیة بالفحص عن مخصّصاتها، لأنّ الشیء لا ینقلب عمّا هو علیه، بل إنّ القطع الوجداني بعدم المخصّص لها لا یوجب خروجها عن المعرضیة، فضلًا عن الاطمئنان.»[2]
ولکن، یبدو أنّ هذا الإیراد غیر وارد، لأنّ مراد المصنّف من "المعرضیة" لیس المعرضیة الذاتیة، أي قابلیة التخصیص فی حدّ ذاته، بحیث یُقال إنّ هذه المعرضیة تبقی قائمة حتی بعد الفحص، بل المراد هو المعرضیة العرضیة؛ أي إنّ أسلوب الشارع المقدّس غالبًا هو بیان مراده الجدّي بدلیلٍ منفصل. ومن الواضح أنّ هذه المعرضیة تزول قطعًا بعد الفحص، ویُکشف مراده الجدّي. وبناءً علی هذا التفصیل، یمکن القول بأنّه إذا کان أسلوب المتکلّم یختلف في المسائل المختلفة - بحیث یذکر مراده الجدّي في بعض المسائل غالبًا بدلیل منفصل، وفي مسائل أخری عبر دلیل واحد دون الاعتماد علی دلیل منفصل - یجوز في الحالة الثانیة التمسّك بأصالة العموم قبل الفحص، لإثبات حکم الدلیل العام لجمیع أفراده ومصادیقه، بخلاف الحالة الأولی.
المقام الثاني: في مقدار الفحص
بعد قبول لزوم الفحص للعمل بأصالة العموم في الخطابات الشرعیة، وإثبات الحکم العام لجمیع أفراد العنوان العام، یُطرح السؤال: ما هو المقدار الواجب من الفحص؟
بالرجوع إلی کتب علماء العامّة والشیعة الإمامیّة، یمکن تقسیم الآراء في المسألة إلی ثلاثة نظریّاتٍ رئیسة. وقد قال المحقّق الخوئي (رحمه الله) في محاضراته: «وأمّا مقداره، فهل یجب الفحص علی المکلّف بمقدار یحصل له العلم الوجداني بعدم وجود المخصّص أو المقیّد في مظانّه وإن احتمل وجوده في الواقع، أو بمقدار یحصل له الاطمئنان بذلک، أو لا هذا ولا ذاک، بل تکفي تحصیل الظنّ به؟ فیه وجوه.»[3] وعلی هذا، فالآراء الرئیسة في هذه المسألة ثلاثة وهي: القطع بعدم وجود المخصص وتحصیل الاطمئنان بعدم وجود المخصص وکفایة الظن بعدم وجود المخصص.
بیان النظریة الأولی
ضرورة القطع بعدم وجود مخصّصٍ في الواقع أو في مظانّ وجوده. وقد نسب الزرکشي فی البحر المحیط هذا الرأي إلی القاضي أبی بکر الباقلاني، وقال: «رابعها: لابد من القطع بانتفاء الأدلة، وإلیه ذهب القاضي.»[4]
وقد نقد المحقّق الخوئي(رحمه الله) الرأي الأول في محاضراته فقال: «هو غیر لازمٍ جزماً، لأنّ تحصیل العلم الوجداني بعدم وجود المخصّص بالفحص یتوقّف علی الفحص عن جمیع الکتب المحتمل وجوده فیها، وإن لم تکن من کتب الحدیث. ومن الطبیعي أنّ هذا یحتاج إلی وقتٍ طویل، بل لعلّه لا یفی العمر بمثل هذا الفحص في بابٍ واحدٍ من أبواب الفقه، فضلًا عن جمیع الأبواب. هذا، مضافًا إلی عدم الدلیل علی وجوبه کذلک.»[5]
و علی ما قاله إنّ تحصیل القطع الوجداني فیما نحن فیه غیر لازمٍ قطعًا، لأنّه أوّلًا أمرٌ غیر ممکن، ومِن لوازمه تعطیل الاجتهاد واستنباط الأحکام. وثانیًا -کما تقدّم- إنّ دلیل حجّیة أصالة العموم هو سيرة العقلاء، والعقلاء قطعًا لا یلزمون بمثل هذا المقدار من الفحص فیما یعملون بأصالة العموم. وعلی هذا، لا وجه لإلزام هذا النوع من الفحص.