< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

40/10/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الاشتغال/ منجزية العلم الإجمالي.

المقام الرابع: في شمول أدلة الأصول لبعض الأطراف وعدم الشمول.

تقدم عندنا بأن الأصول وأدلة الأصول لا تشمل جميع الأطراف، يعني لا يمكن أن نجري الأصول في جميع أطراف العلم الإجمالي.

والكلام الآن: هل أن أدلة الأصول تشمل بعض الأطراف بمعنى أنه هل يمكن جريان الأصول في بعض أطراف العلم الإجمالي، فلو علمت بنجاسة أحد الإناءين هل يمكن أن نجري أصالة الطهارة في أحدهما فقط أو لا يمكن؟

هنا البحث ينبغي أن يقع في مرحلتين، مرحلة الثبوت ومرحلة الإثبات.

أما مرحلة الثبوت: فهل يمكن القول بجريان الأصول في بعض الأطراف أو لا يمكن؟ هنا من خلال استقصاء المباني الموجودة والسابقة التي تعرضنا لها أو في أكثرها نقول عندنا مبانٍ أربعة فما هو المبنى الذي يمكن أن يبحث عنه في المقام.

المبنى الأول: هو إمكان جريان الأصول في جميع الأطراف ثبوتا، وهذا هو الذي اختاره السيد الشهيد الصدر (قده).

على هذا المبنى المذكور سابقا لا حاجة للبحث في أنه هل يمكن أن تجري الأصول في بعض الأطراف أو لا، لأنه إن كان يمكن أن تجري في جميع الأطراف، فجريانها في بعض الأطراف لا إشكال فيه فلا حاجة لهذا البحث من حيث الثبوت.

المبنى الثاني: الذي اختاره المحقق العراقي (قده) وهو أن العلم الإجمالي علة تامة في التنجيز في المخالفة القطعية والموافقة القطعية بمعنى ان العلم الإجمالي علة تامة في التنجيز من حيث عدم المخالفة القطعية أي لا يصح المخالفة القطعية بنحو العلية، وأيضا بالنسبة إلى الموافقة القطعية يقول أيضا العلم الإجمالي علة تامة من حيث التنجيز، فكما أنه لا تجوز المخالفة قطعا تجب الموافقة قطعا، على هذا المبنى إذا ثبتت العلية التامة هنا لا نقول يمكن أو لا يمكن؟ لا يمكن جريان الأصول في بعض الأطراف.

المبنى الثالث: استحالة جريان الأصل في جميع الأطراف ولكن العلم الإجمالي في نفسه لا يستدعي وجوب الموافقة القطعية بل الموافقة القطعية تكون في طول عدم جريان الأصول العملية في الأطراف إذا جرت الأصول العملية في الأطراف وتعارضت تتساقط بعد تساقطها نقول يتنجز العلم الإجمالي، فالعلم الإجمالي منجز لكن بعد جريان الأصول في الأطراف وسقوطها بالمعارضة نقول الآن يتنجز العلم الإجمالي، فإذن العلم الإجمالي في حد نفسه لا يستدعي لزوم الموافقة القطعية، على هذا المبنى نقول أيضا لا حاجة للبحث، البحث هنا هو في إمكان جريان الأصول في بعض الأطراف وعدم إمكانه ثبوتا، إذا أخذنا بذلك المبنى وقلنا بأن العلم الإجمالي لا يستدعي التنجيز بنفسه وإنما بعد جريان الأصول وتساقطها، فإذن البحث في إمكان جريان الأصول في البعض وعدم الإمكان لا موضع له ولا محل له، إذاً على هذا المبنى أيضا نقول بعدم الحاجة إلى هكذا بحث.

المبنى الرابع: هو أن العلم الإجمالي بذاته يقتضي وجوب الموافقة القطعية، هنا هذا الاقتضاء في التحليل على نحو يقتضي بنحو العلية ويرجع إلى كلام المحقق العراقي الذي ذكرناه سابقا يقتضي بنحو الاقتضاء يعني يستدعي وجوب الموافقة القطعية وعدم الترخيص فيه بحد الاقتضاء لا بحد العلية التامة، هنا إذا كان بنحو الاقتضاء يعني بنحو التعليق على عدم ورود مرخص من قبل الشارع ونقول في نفسه مقتضي ولكن يتوقف على عدم ورود ترخيص من الشارع، إذا وُجد المرخص يمنع من هذا الاقتضاء، على هذا المبنى يصح البحث، هل يمكن أدلة الأصول تشمل بعض الأطراف دون بعض او لا؟

إذا اتضحت هذه الجهة وهي محل البحث في مقامنا الآن نقول إمكانا ثبوتا هل يمكن أو لا يمكن؟ نقول من حيث الإمكان ثبوتا يمكن شمول أدلة الأصول لبعض أطراف العلم الإجمالي، بمعنى أنه يمكن للشارع أن يقول للعبد: أنا أكتفي منك في مرحلة الامتثال بترك أحد الأطراف، لما علمت إجمالا بنجاسة أحد الإناءين يمكن للشارع أن يقول اترك أحد الإناءين واستعمل الآخر، هذا المقدار كافي من حيث الامتثال، فإذا من حيث الإمكان والثبوت يمكن ذلك لا محذور فيه، ولعل ما يُذكر أنه جُعل بنحو البدل في هذا الباب، مثلا في قاعدة التجاوز المكلف يشك هل أتى بالقراءة أو لم يأتِ بالقراءة بعد الركوع الشارع يقول له امضِ حتى لو كان في الواقع لم يقرأ تكون الصلاة صحيحة، هذا جعل بدل للواقع، الحكم الأولي هو الصلاة التامة من حيث الأجزاء والشرائط والقراءة جزء الآن بما أنه شك بعد تجاوزه أو فراغه الشارع يقول له امضِ ولا تعتنِ، فهنا جعل بدل لو صادف مخالفة الواقع الشارع يكتفي بذلك هذا المعنى من هذا الباب يعني أنه إمكانا يمكن للشارع أن يقول اترك أحد طرفي العلم الإجمالي ويمكنك الإتيان بالآخر، المحذور الثبوتي الموجود في جريان الأصول في كلا الطرفين لا يأتي هنا، والمحذور الثبوتي هنا الذي ذكره السيد الخوئي (ره) هو الترخيص في المعصية، إذا علمت إجمالا بنجاسة أحد الإناءين الشارع إذا قال أجرِ أصالة الطهارة في الإناء الأول وأجرِ أصالة الطهارة في الإناء الثاني يعني يجوز استعمال كلا الإناءين وهنا وقعت في المخالفة القطعية قطعا أحدهما نجس ولا يجوز شربه والآن قلت لي أجرِ أصالة الطهارة في الإثنين يعني يجوز شربهما فهنا إيقاع في المخالفة القطعية، هذا هو المحذور الثبوتي في جريان الأصول في كلا الطرفين، وهذا المحذور لا يأتي هنا لأن جريان الأصول في أحد الطرفين لا يستلزم الوقوع في المخالفة القطعية، ارتكب أحدهما وترك الآخر هنا مخالفة احتمالية وليست قطعية.

المحذور الثبوتي الآخر الذي ذكرناه أيضا لا يأتي هنا وهو أن أي حكم ناشئ عن مصلحة أو مفسدة واقعية فالحكم بالنجاسة من قبل الشارع والحكم بحرمة الشرب أو حرمة أكل الميتة ناشئ عن مفسدة إلزامية في أكل الميتة إذا أجاز الشارع جريان أصالة الحلية في هذا اللحم وفي هذا اللحم وأنا أعلم أن أحدهما ميتة يعني الشارع قال بأن هذا فيه مفسدة واقعية وليس فيه مفسدة واقعية وهذا يكون تناقضا في حكم الشارع نفسه، بل ترقينا وقلنا أنه يكون من باب تخلف المعلول عن العلة، المفسدة الواقعية بمثابة العلة للحكم بالحرمة فإذا حكم الشارع بحرمة الميتة يعني المفسدة الموجودة في الميتة هي علة للحكم بالحرمة فإذا أجاز الشارع ارتكاب كلا الطرفين يعني أجاز لك أكل الميتة يعني تخلف المعلول وهو الحكم بالحرمة عن علته وهي المفسدة الموجودة في الميتة، هذا المحذور الثبوتي الذي ذكرناه هناك واخترناه هنا لا يأتي، لأن هنا قلنا إمكانا هل يمكن جريان الأصول في بعض الأطراف أو لا ؟ هنا لا يلزم منه التناقض في الحكم العقلي ولا يلزم منه التخلف لأن هذا الحكم ظاهري لم ينشأ عن مفسدة واقعية بخلاف ما لو أجاز الإثنين فلو أجاز الإثنين يقع البحث، فإذن إلى الآن نقول بأنه جريان الأصول في بعض أطراف العلم الإجمالي لا محذور فيه ثبوتا ولكن الشأن في المرحلة الثانية المرحلة الإثباتية، إثباتا لا دليل عليها والدليل قاصر إثباتا لا يمكن أن نتمسك بدليل الأصول لجريان الأصل في أحد الطرفين، وذلك ببيانين.

البيان الأول: الذي ذكره السيد الخوئي (ره) وحاصله، أنه إذا أردنا أن نتمسك بالدليل إما أن نتمسك به في أحد الطرفين بعينه أو التمسك به في أحد الطرفين بعينه ترجيح بلا مرجح كلا هما يتساويان من حيث الإحتمال، أحتمل وقوع النجاسة في هذا الإناء وأحتمل وقوعها في الإناء الثاني وكلا الطرفين متساويان من حيث الإحتمال، فلماذا أجري أصالة الطهارة في هذا الإناء بعينه دون ذاك ترجيح بلا مرجح وجريانه في غير المعين، غير المعين إما ان يفترض هو الفرد المردد والفرد المردد كما ذكرنا كرارا لا هوية له ولا وجود له، المردد الواقعي الخارجي لا وجود له لأن الوجود يساوق التشخص، فلا يمكن أن نقول هذا الموجود الخارجي مردد، فإذا أُريد منه الفرد المردد شمول الدليل لأحد الطرفين المردد فهو لا هوية له، أما إذا لم يكن المراد الفرد المردد أحدهما لا على التعيين يعني يجوز جريان الأصل في أحدهما لا على التعيين باختيار المكلف غير معين حتى لا يلزم الترجيح من غير مرجح، غير المعين لا يصح جريان الأصل فيه لأن غير المعين مساوق عادة للعلم بالطهارة بمعنى أنا عندما علمت بنجاسة أحد الإناءين فلذلك عندي علم بطهارة الآخر ربما نتصور في بعض الصور عدم العلم ولكن الآن نسير ببيان السيد الخوئي، عندما علمت بنجاسة أحد الطرفين في الغالب أعلم بطهارة الآخر وإذا علمت يعني علمي بطهارة غير المعين هذا معناه لا يجري الأصل لأن الأصل يجري في حالة الشك إذا تشك هذا طاهر أو نجس الآن تجري الأصل، هنا لما صورت أعلم بطهارة أحدهما وأعلم بالنجاسة تقول أجر الأصل في أحدهما غير المعين وأحدهما غير المعين أعلم بطهارته، وإذا علمت بطهارته أعلم لم يتحقق موضوع الأصل وموضوع الأصل هو الشك، أنا غير المعين أعلم بطهارته لا أشك فلا يصح فيه الأصل، فإذن جريان الأصل في أحدهما المعين ترجيح بلا مرجح وجريانه في أحدهما غير المعين إن كان المردد لا هوية له وإن كان غير المعين فرد غير معين فأنا أعلم بطهارته فلا يجري الأصل فلا يصح جريان الأصل في أحد الطرفين.

فإذا الإشكال يكون إشكالا إثباتيا وليس إشكالا ثبوتيا، هذا المعنى الذي ذكره السيد الخوئي ليس على إطلاقه، يعني ليس على إطلاقه أنه إذا علمت بنجاسة أحد الإناءين يعني أعلم بنجاسة الآخر لا ربما أحتمل أعلم بنجاسة أحد الإناءين والآخر أحتمل نجاسته وأحتمل طهارته، صورة ممكن تُتصور لا محذور فيها، إذا كان المانع هو العلم يعني لا يكون على إطلاقه يعني ما ذكره السيد الخوئي من الدليل أخص من المدعى، والمدعى أنه لا تجري الأصول في بعض الأطراف مطلقا في حالة العلم الإجمالي لا تجري الأصول في بعض الأطراف هذا البيان ينطبق على خصوص عدم جريانه في بعض الأطراف إذا كنت أعلم بالطهارة كما أني علمت بالنجاسة علمت بالطهارة كما علمت بحرمة أحد اللحمين علمت بحلية أحدهما في هذا الفرض، في الفرض الآخر صورة أخرى أنه بالنسبة لأحدهما أعلم بالنجاسة وبالنسبة للآخر أشك، أعلم بكون أحد اللحمين ميتة وأشك بالنسبة للآخر هذه الصورة متصورة فهذا البيان لا ينفع.

هناك بيان آخر ذكره السيد الروحاني (ره) وهو بيان دقيق، حاصله: هو أننا في حالة العلم الإجمالي يوجد عندنا شكَان، الشك في الحلية والحرمة أو في الطهارة والنجاسة من حيث الفرد في نفسه مشكوك فيه هذا حلال أو حرام أشك، هذا طاهر أو نجس أشك، وعندنا من حيث كونه طرفا في العلم الإجمالي أشك أيضا هل هو حلال أو حرام هل هو طاهر أو نجس، إذاً عندنا حيثيتان أشك في الطهارة والنجاسة من حيث الطرف نفسه وحيثية أخرى من حيث كونه طرفا من أطراف العلم الإجمالي، أدلة الأصول ناظرة إلى الجهة الأولى، إذا شككت في شيء هل هو حلال أو حرام تقول كل شيء لك حلال إذا شككت في شيء هل هو طاهر او نجس قاعدة الطهارة تقول كل شيء لك طاهر لا إشكال فيها، من حيث أنه طرف من أطراف العلم الإجمالي قاعدة الطهارة تقول كل شيء لك طاهر لا إشكال فيها، من حيث أنه طرف من أطراف العلم الإجمالي إذا شككت في نجاسته أو عدمه أدلة الأصول غير ناظرة إلى أنه كل شيء لك طاهر من حيث أنه طرف من أطراف العلم الإجمالي أو كل شيء هو حلال من حيث أنه طرف من أطراف العلم الإجمالي، غير ناظر إلى هذا، إذا غير ناظر إلى هذا يكون الدليل إثباتا قاصر من حيث الشمول إلى أحد طرفي العلم الإجمالي.

والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo