< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

40/08/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الاشتغال/ منجزية العلم الإجمالي.

التحقيق في مسألة جريان الأصول في بعض الأطراف:أن الأصل المرخص في أطراف العلم الإجمالي هو البراءة مثلاً، والبراءة هنا لا يخلو أمرها إما أن تكون عقلية أو شرعية، إذا كانت هي البراءة العقلية أُخذ في موضوعها كما هو معلوم عدم البيان، قبح العقاب بلا بيان، العلم الإجمالي يعتبر بيانا بنظر العرف والعقلاء، وإن لم يكن كاشفا عن المعلوم بالإجمال بجميع تفاصيله وخصوصياته ولكن يعتبر بيانا، وإذا اعتبر بيانا فموضوع الأصل ينتفي فلا يجري في بعض الأطراف، وإن كانت البراءة شرعية: فالبراءة الشرعية أيضا فيها كلام من حيث مدلولها ما المقصود بالبراءة الشرعية،

عندنا احتمالان، الأول أن مفادها نفس مفاد البراءة العقلية وعلى هذا المفاد يأتي نفس الكلام من انتفاء الموضوع لوجود البيان، والثاني أن يكون مفادها جعل الإباحة والحلية في ظرف الشك، يعني بما أن المكلف يشك بالحكم ففي ظرف الشك نقول له أنت مباح لك هذا العمل، هذا الأمر يستتبع عدم العقوبة وعدم استحقاق العقوبة، وعلى هذا المعنى يختلف عن المعنى الأول، لا نقول أن موضوع البراءة الشرعية ينتفي عند وجود العلم الإجمالي، فيكون البحث في مثل هذا الفرد لا في مثل الفرض السابق، هنا نقول: لا مانع من جريان البراءة في أحد الأطراف ثبوتا لا في كل الأطراف، والسر في ذلك هو أن ما ذُكر مانعا عن جريان الأصول في جميع الأطراف لا يأتي في المقام، هناك ذكرنا بأن المانع الثبوتي من جريان الأصل في جميع الأطراف هو قبح الترخيص في المخالفة الواقعية، يعني قبح الترخيص في المعصية، بمعنى أن جريان الأصول في جميع الأطراف يستلزم الترخيص في المعصية وهو قبيح عقلا، فلهذا نقول لا تجري الأصول، هذا المعنى لا يتم في المقام لأنه لا يوجد عندنا ترخيص والترخيص يكون إذا أجرينا الأصل في الجميع، وأما إذا أجرينا في البعض دون البعض لا يلزم الترخيص في المعصية فينتفي القبح من هذه الجهة، الجهة الثانية هي المناقضة بين العلم الوجداني وبين هذا الترخيص وهنا أيضا لا توجد مناقضة في الأصول، المناقضة صورناها في خصوص مثل البينة الأمارة باعتبار أنها حجة في مدلولها المطابقي مدلولها الإلتزامي وأما في مثل الأصل فهو لا يحكي إلا عن مدلوله فلا تلزم المناقضة، يعني أحد الطرفين نحن نقول نشك في حكمه فتنقح موضوع البراءة الشرعية فتجري البراءة، لازمه أن الثاني حرام، هذا اللازم لا يدل عليه الأصل، فإذاً ما ذُكر من المانع في جريان الأصل في كلا الطرفين لا يأتي في جريان الأصل في أحد الطرفين،

فعليه: بالنسبة إلى جريان الأصل في أحد الطرفين لا محذور فيه ثبوتا.

أما ما ذكره المحقق العراقي للإجابة على النقض الذي أفاده السيد الخوئي، بأن الشارع اكتفى بالامتثال الاحتمالي في العلم التفصيلي فضلا عن العلم الإجمالي وقال هذا من باب جعل البدل، نقول: جعل البدل في مثل مورد العلم الإجمالي لا تفسير له إلا بجواز الترخيص في أحد الأطراف، جعل البدل في مثل قاعدة الفراغ أو قاعدة التجاوز مثلا، أو أوضح من ذلك في مثل قاعدة لا تعاد الصلاة إلا من خمس، لو نسي المصلي القراءة الشارع يقول له أنا أكتفي بهذا المقدار الذي أتيت به بل هنا نقول جعل بدل، يعني الشارع اكتفى في مقام الامتثال بالفرد الناقص بما أنه في حالة نسيان، هذا المعنى لما يراد تطبيقه في العلم الإجمالي هنا أعلم إجمالا بأحد الطرفين وأردت جريان الأصل في أحد الطرفين نقول لك أنه الشارع كما اكتفى بالامتثال الاحتمالي في صورة العلم التفصيلي أيضا يكتفي بالامتثال الاحتمالي في العلم الإجمالي، هو يقول هذا من باب جعل البدل وليس من الترخيص، هنا جعل البدل في مثل هذا المقام إلا الترخيص بأحد الأطراف، الفرض أنه الآن أنا أعلم إجمالا بأحد الطرفين وأشك هل هو هذا الطرف أو هذا الطرف، الآن الشارع ابتداءً لما يريد أن يقول اجرِ الأصل في أحد الأطراف، أو نكتفي منك بالامتثال الاحتمالي، هما عبارة واحدة، لا تعاد انتهى الآن صلى وعلم بأنه لم يأتي بالقراءة، الشارع يقول بما أنك في حالة النسيان أنا اكتفي بهذا المقدار، في قاعدة الفراغ شكَّ، يقول أنا اكتفي بهذا الامتثال، هنا عندنا علم إجمالي والآن أريد أن أعمل ما هو الفرق بين أن يقول لك يجوز لك جريان الأصل في أحد الطرفين أو يقول لك أنا اكتفي بالامتثال بأحد الطرفين هما على حد سواء، إذاً هو ليس جعل البدل الذي أفاده لرفع الإشكال، ليس إلا عبارة أخرى عن إمكان الجريان الترخيص في أحد الأطراف.

النتيجة إلى هنا: أنه لا مانع ثبوتا من جريان الأصل في أحد طرفي العلم الإجمالي، هذا كله في المقام الثاني.

المقام الثالث:

في أن أدلة الأصول هل فيها إطلاق يشمل الأصول في أطراف العلم الإجمالي أم لا؟ والآن الكلام إثباتا، المقام والمقام الثاني الكلام كان ثبوتيا، وقلنا بأنه جريان الأصول في الطرفين يمتنع ثبوتا، في أحد الطرفين ممكن ثبوتا، الآن المقام الثالث في شمول أدلة الأصول لأطراف العلم الإجمالي، هل تشمل أو لا تشمل؟ هنا في المقام أيضا في جميع الأطراف، بالنسبة إلى شمول الأدلة إلى جميع الأطراف من ناحية الإطلاق نقول هكذا: الكلام كما أسسناه سابقا في الحكم الظاهري من حيث يشمل مورد الأمارة ويشمل الأصل التنزيلي والأصل غير التنزيلي، بالنسبة إلى الأمارة فهي خارجة عن البحث، يعني بعد أن اتضح لنا بالامتناع الثبوتي في كلا الطرفين هنا أيضا، لأن الأمارة تارة تقوم على حكم إلزامي والمعلوم بالإجمال حكم ترخيصي وتارة العكس المعلوم بالإجمال حكم إلزامي وما قامت عليه الأمارة حكم ترخيصي، يعني من باب المثال تارة تكون الحالة السابقة في الإناءين هي النجاسة والآن علمت إجمالا بطهارة أحدهما الأمارة قامت على نجاسة هذا الإناء(أ) وأمارة أخرى قامت على نجاسة (ب) هنا المعلوم بالإجمال ترخيصي وما قامت عليه الأمارة حكم إلزامي، وتارة بالعكس الحالة السابقة كانت هي الطهارة والآن علمت إجمالا بنجاسة أحدهما البينة قامت على طهارة هذا الإناء، طبعا هنا لا نحتاج حالة سابقة البينة قامت على طهارة هذا الإناء والبينة الثانية قامت على طهارة الإناء الثاني المعلوم بالإجمال هي النجاسة، في كلا الفرضين سواء كان المعلوم بالإجمال حكما إلزاميا كما في الصورة الثانية أو كان حكما ترخيصيا كما في الصورة الأولى في الموردين نقول الأمارة لا تأتي لأن الامتناع الثبوتي قائم هنا، وهو أن الأمارة حجة في مدلولها المطابقي وفي مدلولها الإلتزامي، فإذا قالت الأمارة هذا طاهر يعني تقول الآخر نجس والأمارة الثانية بالعكس فيلزم أن يكون كل واحد طاهر ونجس وهذا لا يمكن، فلا فرق إذا بين أن يكون المعلوم بالإجمال حكم إلزامي أو حكم ترخيصي وما قامت عليه الأمارة حكم إلزامي أو حكم ترخيصي، يمتنع ثبوتا فلا مجال لأن نقول بأن دليل الأمارة مطلق يشمل حتى هذا المورد مورد أطراف العلم الإجمالي، إنما الكلام في الأصول، في الأصول يوجد عندنا محتملات ثلاث: الاحتمال الأول المنع مطلقا، الاحتمال الثاني الجواز مطلقا، الاحتمال الثالث التفصيل بين الأصول التنزيلية و الأصول غير التنزيلية، بالنسبة إلى الاحتمال الأول، وهو المنع مطلقا مقصودنا من المنع مطلقا يعني سواء كان متعلق العلم الإجمالي حكما إلزاميا أو حكما ترخيصيا مثل ما صوّرنا في الأمارة لكن نرفع الأمارة ونضع الأصل، الحالة السابقة كانت الطهارة في الإناءين أعلم إجمالا بنجاسة أحدهما استصحاب الطهارة في هذا واستصحاب الطهارة في ذاك، أو الحالة السابقة كانت النجاسة وأعلم إجمالا بطهارة أحدهما هنا استصحب نجاسة هذا واستصحب نجاسة ذاك، هذا الاحتمال يقول مطلقا لا نجري الأصول بمعنى أنه أدلة الأصول لا تشمل موارد العلم الإجمالي إثباتاً، سواءً كان المعلوم بالإجمال حكما إلزاميا والأصول ترخيصية، أو كان المعلوم بالإجمال حكما ترخيصيا والأصول إلزامية، هذا الرأي هو الذي اختاره الشيخ الأعظم (قده) وبيانه في ذلك: هو وجود التهافت بين صدر الدليل وذيل الدليل لو قلنا بالشمول للعلم الإجمالي، وبيان ذلك: عندنا في الأدلة مثلا أدلو الاستصحاب بعض الروايات بينت في الصدر لا تنقض اليقين بالشك وفي الذيل ولكن انقضه بيقين آخر، وعندنا أيضا في الأصول الأخرى كل شيء لك حلال حتى تعرف أنه حرام بعينه، هنا في الصدر سواء في الدليل الأول أو في الدليل الثاني، في الدليل الأول مثلا صدر الرواية يقول: لا تنقض اليقين بالشك، يعني إذا كنت على يقين من شيء ثم شككت فيه فابنِ على يقينك لا تنقض اليقين بالشك يلزمك العمل باليقين، هذا الصدر إذا قلنا بشموله إلى العلم الإجمالي ينطبق على أطراف العلم الإجمالي لأن الطرف الأول كنت على يقين من طهارته والآن أشك في نجاسته مقتضى لا تنقض اليقين بالشك هو أن لا أنقض اليقين بالطهارة وأبني على الطهارة وأتعامل معه معاملة الطاهر، أيضا بالنسبة إلى الإناء الثاني كنت على يقين من طهارته ثم شككت فهنا أيضا لا تنقض اليقين بالشك أبني على طهارته، هذا مقتضى صدر الحديث، ومقتضى الذل ولكن انقضه بيقين آخر هنا عندي علم إجمالي بنجاسة أحدهما هنا ينطبق عليه ولكن انقضه بيقين آخر المعلوم بالإجمال، كنت شاكا الآن أنا على يقين من طهارتهما الآن على يقين بطهارة أحدهما، ولما كنت على يقين بطهارة أحدهما هناك يجب العمل باليقين في كلا الطرفين هنا لا يجوز العمل باليقين في أحد الطرفين، مقتضى الصدر يجب العمل باليقين في كلا الطرفين ومقتضى الذيل ولكن انقضه بيقين آخر هو لا يجوز العمل باليقين السابق في أحد الطرفين يقع التناقض، يلزم العمل بكلا الطرفين ولا يجوز العمل بأحد الطرفين يلزم منه التناقض، فعلى هذا تلخص كلام الشيخ إلى أن أدلة الأصول لو قلنا بشمولها من حيث الإطلاق إلى أطراف العلم الإجمالي لزم التهافت فيها بين الصدر والذيل، بهذا البيان الذي قدمناه وهذا البيان أيضا ينطبق على كل شيء لك حلال حتى تعرف أنه حرام، إذا علمت إجمالا بحرمة أحد الأطراف هنا مقتضى كل شيء لك حلال هذا الطرف أشك حلال أو لا هو حلال والطرف الثاني نفس الكلام، والطرفان عندي معلوم بالإجمال أحدهما حرام، فمقتضى الصدر أن تحكم بحلية كليهما ويجوز لك أكل كليهما ومقتضى الذيل يحرم عليك أكل أحدهما فيلزم التناقض، هذا ما أفاده الشيخ الأعظم (قده) وللكلام تتمة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo