« قائمة الدروس
بحث الفقه الأستاذ عبدالله احمدي الشاهرودي

46/07/06

بسم الله الرحمن الرحیم

مسالة ٣١: اذا اذن في مضاربة الغير

موضوع: مسالة ٣١: اذا اذن في مضاربة الغير

قد تقدم ان المالک اذا اذن للعامل فی ان یجعل العامل شخصا آخر عاملا للمضاربه بان یعقد العامل مع ذلک الشخص مضاربة ثانية فضاربه بجعله عاملا للمالك لا لنفسه فهذه المضاربة الثانية صحيحة و تنفسخ المضاربة الاولى بمجرد انشاء المضاربة الثانية. و السيد الماتن قدس سره قال:"وليس للأول شي‌ء، إلا إذا كان بعد أن عمل عملا وحصل ربح ، فيستحق حصته من ذلك وليس له أن يشترط على العامل الثاني شيئاً من الربح بعد أن لم يكن له عمل بعد المضاربة الثانية". و اورد عليه المحقق الخويي[1] بانّ ما ذکره الماتن هنا مخالف لما اختاره سابقا فانه اختار سابقا جواز اشتراط حصة من الربح للاجنبي مع انه قال هنا بعدم جواز اشتراط حصة من الربح للعامل الاول الذي هو اجنبي بالنسبة الى المضاربة الثانية، فما ذهب اليه هنا مخالف لما ذهب اليه هناك.

و لكن الذي يقتضيه التامل عدم تمامية هذا الايراد فان الماتن اختار سابقا جواز اشتراط المالك على العامل كون حصة من الربح للاجنبي مع انه اختار هنا عدم جواز اشتراط العامل الثاني حصة من الربح لنفسه لا انه لايجوز اشتراط المالك على العامل الثاني حصة من الربح للعامل الاول الذي يكون اجنبيا بالنسبة الى المضاربة الثانية. فالذي صار منشاً للایراد من السید الخویی علی الماتن هو زعمُه بانّ الماتن اراد هنا عدم جواز اشتراط المالک على العامل الثاني حصةً من الربح للعامل الاول الذي هو اجنبي بالنسبة الى المضاربة الثانية فاستشکل علی الماتن بمناقضة هذا مع ما اختاره سابقا، مع ان الماتن لم يرد هذا من كلامه هنا بل اراد عدم جواز اشتراط العامل الاول على العامل الثاني كون حصة من الربح له. و وجهُ عدم الجواز واضح فانه اذا باع زید بعمرو فهل یصح لخالد الذی هو اجنبی بالمره عن هذه المعلامله ان یشترط علی البائع مثلا کون بعض الثمن له؟! کلّا فانّ خالدا یکون کالحجر فی جنب الانسان بالنسبة الى المعاملة المذكورة فكيف يمكنه ان يشترط كون شئ من الثمن لنفسه؟! و هكذا الامر في المقام فانّ العامل الاول یکون اجنبیا بالنسبة الى المضاربة الثانية فكيف يجوز له ان يشترط على العامل الثاني كون بعض الربح له؟ نعم لو كان اذن المالك له في عقد المضاربة الثانية من جهتين الاولى في اصل انشاء عقد المضاربة مع الاخر، الثانية في اشتراط شئ من الربح في تلك المضاربة لنفسه، فحينئذ يجوز له الاشتراط المذكور فانّ حقیقة هذا الاشتراط هو اشتراط المالك للعامل الاول على العامل الثاني شيئا من الربح و هذا يجوز عند الماتن على ما اختاره سابقا من جواز اشتراط شئ من الربح للاجنبي.

هذا و لکن ذیل کلام السید الماتن غیر وجیه فانه قال "وربما يحتمل جواز اشتراط شي‌ء من الربح ، أو كون الزيادة له ، بدعوى أن هذا المقدار ـ وهو إيقاع عقد المضاربة ثمَّ جعلها للغیر نوع من العمل ، يكفي في جواز جعل حصة من الربح له" فانّ مجرد ان ینشئ العامل الاول عقد المضاربة مع العامل الثاني و القول بانّ هذا یکون نوعا و نحوا من العمل لایستلزم انتفاء کونه اجنبیا بالنسبة الى المضاربة الثانية بل هو مع ذلک اجنبی بالنسبة الى تلك المضاربة الثانية فانّ غایة ما يلزم من ذلك انه عمل عملا في المضاربة الاولى و لكن لايكون له ربط بالنسبة الى المضاربة الثانية فهو اجنبي عنه و لو مع القول بانّ نفس انشائه للمضاربة الثانية يُعدُّ نوعا من العمل. و لذا لایختلف حکم المساله و لو مع الالتزام بکون انشائه للمضاربة الثانية نوعا من العمل فانه لايُخرجه عن کونه اجنبیا بالنسبة الى المعاملة الثانية كي يقال بصحة اشتراطه على العامل الثانب بكون بعض من الربح الحاصل في تلك المضاربة له. و الحاصل ان القول بعدم جواز الاشتراط لايكون له ارتباط الى انتفاء عمل من ناحية العامل الاول حتى يصح اَن يقال بجواز الاشتراط مع الالتزام بكون نفس انشائه للمضاربة يكون نوعا من العمل فانّ القول بعدم جواز الاشتراط یکون مرتبطا الی کون العامل الثانی اجنبیا عن المضاربة الثانية و لايخفى ان اجنبيته عن تلك المضاربة باقية و لو مع الالتزام بكون نفس انشائه للمضاربة الثانية يكون نوعا من العمل فتدبر جيدا.

ثم انه قد ذكر بعض[2] في مطاوي ما ذكره في المقام ان ما رواه احمد بن محمد بن عيسى في نوادره يدل على صحة المضاربة الطولية(اى صحة جعل العامل شخصا اخر عاملا لنفسه) فانها تدل على صحتها في الجملة قال: «سئل أبو جعفر عليه السلام عن رجل أخذ مالًا مضاربة أيحلّ أن يعيّنه‌ غيره بأقل ممّا أخذ؟ قال: لا[3] ».

بتقريب ان هذه الرواية تدل على عدم صحة أخذ الزيادة و انه لايجوز ان يجعل الربح للعامل الثاني اقل من المقدار المجعول منه في المضاربة الاولى، و الوجه في دلالتها على الصحة في الجملة ان السائل كان اصل صحة المضاربة الطولية مفروغا عنها عنده و لذا لم يسال عن أصل الطولية في المضاربة فانه انما خصص سواله بصورة خاصة من المضاربة الطولية و هو ما اذا جعل الربح في المضاربة الثانية اقل من المقدار المجعول له من الربح في المضاربة الاولى لأنّ المستفاد من فرض السائل أنّ جهة الاشكال عنده انما هو ذلك، و الإمام عليه السلام لم يقل له انّه لا يجوز ذلك حتى بالمساوي و لم يردع عن ارتكازه، وإنّما منع عن جوازه بأقل مع السكوت عن ما كان يفترضه هذا السائل من الصحة في صورة التساوي، و هذا يدلّ على امضائه ذلك، وإلّا كان عليه البيان.

اقول:

انّ ما ذكره غير تام بوجهين:

الوجه الاول انه يلزم مما ذكره ثبوت المفهوم لكثير من موارد اللقب مثلا اذا سال شخص:"هل يجب اكرام زيد العالم؟" فقال المولى:"نعم" فيكون لازم كلام هذا القائل ان نلتزم هنا بوجوب اكرام جميع العلماء فانّه یستفاد من سوال السائل انّ اکرام سائر العلماء ما عدا زید یکون مرکوزا فی ذهنه و انما شک فی وجوب اکرام زید العالم فسال عن خصوصه، و لولا ذلک لکان مقتضَی العاده ان یسال عن انه هل یجب اکرام العلماء؟ فانه لاوجه لتخصیص زید العالم بالذکر فی السوال الّا ارتکاز وجوب اکرام سائر العلماء فی ذهنه،فحیث لم یردع المولی عن ذلک الارتکاز فیستفاد منه امضائه لذلک الارتکاز، مع انه کما تری فانه مما لم یتفوه به احد. و الوجه فی ذلک عدم دلالة هذه الكيفية من السوال على الارتكاز المذكور فانّ من الطبیعی انّ الشخص یسال عن حکم ما صار مبتلی به فعلا و لم یسال عن سائر الافراد التی لایکون مبتلی بها فعلا، مثلا نری ان المسافر یسال عن المولی بانه هل یجوز لی فی سفری هذا ان اذهب للسیاحة ساعة في اثناء اليوم؟ فهو يخصص سواله بالسفر فانه مورد لابتلائه فعلا مع انه لو قيل له "هل يسمح لك المولى بالذهاب للسياحة في الحضر؟"، لاجاب ب "لاادري" و مع ذلك خصص صورة السفر بالسوال لكونه محل ابتلائه فعلا. و الحاصل ان مجرد السوال عن صورة خاصة لايدل على وضوح الحكم في ارتكازه في غيرها، فلايتم ما ذكره القائل.

الوجه الثاني انه لو سلم دلالتها على وجود الارتكاز المذكور و لكنه لادليل على وجوب تصحيح الامام عليه السلام لارتكاز الناس اذا كان غير مطابق للواقع، مثلا اذا جاء شخص الامام عليه السلام و علم الامام صلوات الله عليه ان المركوز في ذهن ذلك الشخص وجوب غسل اليد اليسرى قبل اليد اليمنى في الوضوء فهل يجب على الامام عليه السلام ان يردع عن ارتكازه ما لم يتلبس ذلك الارتكاز لباس التحقق؟ كلّا فانّ مجرد الارتکاز و لو کان غیر مطابق للواقع لاتُعدّ مخالفة للشرع کی یقال بلزوم ردع الامام علیه السلام عنه و انما المخالفة للشرع تتحقق مع تلبس الارتكاز لباس العمل.


[1] .مبانی فی شرح العروة ج31 ص70 قوله:«ما افاده قدس سره انما یتم بناء علی ما اخترناه...».
[2] .کتاب المضاربة الهاشمی الشاهرودی ص326 قوله:«و اِما بالتمسک بما ینقله احمد بن...».
[3] .وسائل ب23 من ابواب المضاربة ح1.
logo