« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي
بحث الفقه

47/06/20

بسم الله الرحمن الرحيم

 كتاب الصوم.

الموضوع: كتاب الصوم.

القول: في النيّة.

 

مسألة (1): يشترط في الصوم النيّة؛ بأن يقصد تلك العبادة المقرّرة في الشريعة، ويعزم على الإمساك عن المفطرات المعهودة بقصد القُربة. ولا يعتبر في الصحّة العلم بالمفطرات على التفصيل، فلو نوى الإمساك عن كلّ مفطر؛ ولم يعلم بمفطرية بعض الأشياء كالاحتقان -مثلًا- أو زعم عدمها، ولكن لم يرتكبه، صحّ صومه. وكذا لو نوى الإمساك عن امور يعلم باشتمالها على المفطرات، صحّ على الأقوى. ولا يعتبر في النيّة -بعد القربة والإخلاص- سوى تعيين الصوم الذي قصد إطاعة أمره. ويكفي في صوم شهر رمضان نيّة صوم غد؛ من غير حاجة إلى تعيينه، بل لو نوى غيره فيه -جاهلًا به أو ناسياً له- صحّ ووقع عن رمضان، بخلاف العالم به فإنّه لا يقع لواحد منهما. ولا بدّ فيما عدا شهر رمضان من التعيين؛ بمعنى قصد صنف الصوم المخصوص، كالكفّارة والقضاء والنذر المطلق، بل المعيّن أيضاً على الأقوى، ويكفي التعيين الإجمالي، كما إذا كان ما وجب في ذمّته صنفاً واحداً، فقصد ما في الذمّة، فإنّه يجزيه. والأظهر عدم‌ اعتبار التعيين في المندوب المطلق، فلو نوى صوم غد للَّه‌ تعالى، صحّ ووقع ندباً لو كان الزمان صالحاً له، وكان الشخص ممّن يصحّ منه التطوّع بالصوم، بل وكذا المندوب المعيّن أيضاً إن كان تعيّنه بالزمان الخاصّ، كأيّام البيض والجمعة والخميس. نعم، في إحراز ثواب الخصوصية يعتبر إحراز ذلك اليوم وقصده)[1] .

 

فإذا عرفنا أهمية الصوم وفوائده الجليلة مما تقدم من الأدلة.

فلا بد من كلمة في أقسام الصوم، وهي: الواجب، والمندوب، والحرام، والمكروه بمعنى قلة الثواب.

فأما الواجب منه فثمانية بالحصر الشرعي لما دلّ الدليل الخاص عليه، وسيأتي بيانه في محله إن شاء الله تعالى.

1_ صوم شهر رمضان.

2_ صوم القضاء.

3_ صوم الكفارة.

4_ صوم بدل الهدي في الحج.

5_ صوم النذر والعهد اليمين.

6_ صوم الإجارة ونحوها _كالشروط في ضمن العقد_.

7_ صوم الثالث من ايام الإعتكاف.

8 _ صوم الولد الأكبر عن أحد أبويه.

وأما صوم شهر رمضان فوجوبه من ضروريات الدين، وهذا ممّا يعرفه الناس جميعًا عن أن المسلمين يصومون شهر رمضان، يعرفه عنهم الداني والقاصي، من يعيش في بلاد المسلمين، ومن كان بعيدا عن بلادهم، حتى كافة أهل الأرض يعرف عنهم ذلك، من جميع أهل الشرائع والملل والنحل، فكيف بأنفسهم، فلا عذر لمن ترك الصيام بحجة جهله في حكم وجوب الصوم.

وقد وردت بعض الروايات على أن من أنكر الصيام فهو مرتد يجب قتله، وسيأتي التفصيل في ذلك، مع بيان الوجه فيه، وما هو المختار عندنا.

وأما من افطر في شهر رمضان وهو غيرُ مستحلٍّ له، وكان عالماً عامدًا، فحكمه التعزير إجماعًا ونصًا، كما في صحيح العجلي:

-(محمد بن يعقوب، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن بريد العجلي قال: سئل أبو جعفر (عليه ‌السلام) عن رجل شهد عليه شهود أنه أفطر من شهر رمضان ثلاثة أيام، قال: يسأل هل عليك في إفطارك إثم؟ فان قال: لا، فان على الامام أن يقتله، وإن قال: نعم فان على الامام أن ينهكه ضربا)[2] .

والتعزير بخمسة وعشرين سوطا، كما في خبر مفضل بن عمر عن مولانا الصادق (عليه السلام).

-)محمد بن يعقوب، عن علي بن محمد بن بندار، عن إبراهيم بن إسحاق الاحمر، عن عبدالله بن حماد، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبدالله (عليه ‌السلام) في رجل أتى امرأته هو صائم وهي صائمة، فقال: إن كان استكرهها فعليه كفارتان، وإن كانت طاوعته فعليه كفارة وعليها كفارة، وإن كان أكرهها فعليه ضرب خمسين سوطا نصف الحد وإن كانت طاوعته ضرب خمسة وعشرين سوطاً وضربت خمسة وعشرين سوطا)[3] .

والتحديد المذكور في الخبر يمكن النقاش فيه من جهتين:

الاولى: ضعف الخبر وقصور سنده.

الثانية: مخالفته لإطلاق ما تقدم من صحيح العجلي مع إطلاق كلمات الفقهاء (أعلى الله مقامهم) من أن التعزير غير مقيد بحد خاص، وإنما هو موكولٌ لنظر الحاكم الشرعي بعد إطلاعه على حيثيات الموضوع، نعم هناك مورد قد ذكره الفقهاء في تحديد التعزير بإثنى عشر سوطًا ونصف، ثُمن حد الزاني، وهو فيمن تزوج أمة على حرّة ودخل بها قبل الإذن، ولا يُتعدّ منه إلى غيره، وسيأتي في محله النقاش فيه.

وعودٌ على بدء، ثم من أفطر في شهر رمضان عالمًا عامدًا وهو غير مستحلٍّ في المرة الثانية فيستحق التعزير ثانيًا، فإن عاد قُتل على الأقوى فيما لو كان قد عُزّر في المرتين السابقتين وهو المشهور لموثق سماعة.

ومثله خبر أبي بصير وملحقه:

-(عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة قال: سألته عن رجل وجد في شهر رمضان وقد أفطر ثلاث مرات وقد رفع إلى الامام ثلاث مرات؟ قال: يقتل في الثالثة)[4] .

نعم، إذا ادعى شبهة محتملة في حقه فإنه يدرأ عنه الحد.


logo