47/06/12
كتاب الشهادات.
الموضوع: كتاب الشهادات.
القول: القول: في الشهادة على الشهادة.
مسألة (10): إن كان المشهود به قتلًا أو جرحاً موجباً للقصاص واستوفي ثمّ رجعوا، فإن قالوا: تعمّدنا اقتُصّ منهم، وإن قالوا: أخطأنا كان عليهم الدية في أموالهم، وإن قال بعضهم: تعمّدنا وبعضهم: أخطأنا، فعلى المقرّ بالتعمّد القصاص وعلى المقرّ بالخطأ الدية بمقدار نصيبه، ولوليّ الدم قتل المقرّين بالعمد أجمع وردّ الفاضل عن دية صاحبه، وله قتل بعضهم، ويردّ الباقون قدر جنايتهم[1] .
تصوبر المسألة: أنه لو شهد الشهود بالشرائط المعتبرة في صحة وحجيّة الشهادة، وبعد أن تحقق الإستيفاء بعد الحكم، ومن ثم رجع الشهود عن شهادتهم، وهنا تارة يُقرّون بأنهم تعمّدوا ذلك، وأخرى يقولون بأنهم أخطأوا بالشهادة، وطورًا يكون حالهم حال المتعمّد منهم، والمخطأ منهم.
فإن لولي الأمر أن يقتص من المتعمّد منهم بالقتل بالغ ما بلغوا من العدد، حتى ولو كان أربعة أو أكثر، ولا مانع من قتل الأربعة بقتل نفس واحدة، منتهاه أنه يُردّ عليهم ما فضل من ديّة المقتول، فيأخذ كلّ واحد ما فضل من ديّته.
وأما بالنسبة لمن قال بأنه أخطأ، فلا قصاص ولكن عليهم الديّة من أموالهم فيما لو كان شبه عمد، أو الديّة على العاقلة فيما لو كان خطأ محضًا، وهذا ما تقدم في كتابنا (القصاص) فراجع.
ويدل عليه: بالإضافة إلى الإجماع ولقاعدة: (قوة المسبب على المباشر).
الروايات والنصوص الشريفة منها:
-(محمّد بن يعقوب، عن عليِّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا، ثمَّ رجع أحدهما بعد ما قتل الرجل، قال: إن قال الرابع: أوهمت، ضرب الحدّ واُغرم الدية، وإن قال: تعمّدت، قتل)[2] .
-(عن ابن محبوب، عن إبراهيم بن نعيم الأزدي، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أربعة شهدوا على رجل بالزنا، فلمّا قتل رجع أحدهم عن شهادته، قال: فقال: يقتل الرابع، ويؤدّي الثلاثة إلى أهله ثلاثة أرباع الدية)[3] .
-(محمّد بن عليّ بن الحسين بإسناده عن مسمع كردين، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في أربعة شهدوا على رجل بالزنا فرجم، ثمَّ رجع أحدهم فقال: شككت في شهادتي، قال: عليه الدية، قال: قلت: فانّه قال: شهدت عليه متعمّداً، قال: يقتل)[4] .
وهذه الروايات، وإن كان بعضها مطلق من بعض الجهات، إلا أنه يمكن تقييدها بصريح الروايات الأخرى.
وهكذا، فإن القصاص الوارد فيها وإن كان مختصًا بالقتل، إلّا أن المتفاهم العرفي منها عدم الفرق بينها.
مسألة (11): لو كان المشهود به ما يوجب الحدّ برجم أو قتل، فإن استوفي ثمّ قال أحد الشهود بعد الرجم -مثلًا-: كذبت متعمّداً، وصدّقه الباقون وقالوا:
تعمّدنا، كان لوليّ الدم قتلهم بعد ردّ ما فضل من دية المرجوم، وإن شاء قتل واحداً، وعلى الباقين تكملة ديته بالحصص بعد وضع نصيب المقتول، وإن شاء قتل أكثر من واحد وردّ الأولياء ما فضل من دية صاحبهم، وأكمل الباقون ما يعوز بعد وضع نصيب من قتل، وإن لم يصدّقه الباقون مضى إقراره على نفسه فحسب، فللوليّ قتله بعد ردّ فاضل الدية عليه، وله أخذ الدية منه بحصّته[5] .
ما ذكره سيدنا (قده) في هذه المسألة ليس مختلفًا عمّا تقدم في المسألة السابقة (10) سوى في كون المسألة السابقة تتحدث عمّا لو كان المشهود به قتلًا أو جرحًا موجبًا للقصاص، وأما هنا فإنها تتحدث عمّا لو كان المشهود به ممّا يوجب الحد برجم أو قتل.
وفي المسألتين فإن رجع الشهود عن شهادتهم وقالوا أو بعضهم بأنهم تعمدوا الكذب، كما لو قال إني تعمدت الكذب وصدّقه الباقون، فإن لولي الدم قتلهم بعد ردّ ما فضل من الديّة، بخلاف ما لو لم يصدّقه الباقون، فلا يمضي إقراره إلا على نفسه.
وهذا ما عليه الإجماع أيضًا.
وأما خبر أبن نعيم:
-(عن ابن محبوب، عن إبراهيم بن نعيم الأزدي، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أربعة شهدوا على رجل بالزنا، فلمّا قتل رجع أحدهم عن شهادته، قال: فقال: يقتل الرابع، ويؤدّي الثلاثة إلى أهله ثلاثة أرباع الدية)[6] .
فلا وجه له، إذ لا معنى لمؤاخذة أحد بإقرار غير، فلا بد من حمله على بعض المحامل.
مسألة (12): لو ثبت أنّهم شهدوا بالزور نقض الحكم واستعيد المال إن أمكن، وإلّا يضمن الشهود، ولو كان المشهود به قتلًا ثبت عليهم القصاص، وكان حكمهم حكم الشهود إذا رجعوا وأقرّوا بالتعمّد، ولو باشر الوليّ القصاص واعترف بالتزوير كان القصاص عليه، لا الشهود ولو أقرّ الشهود أيضاً بالتزوير، ويحتمل في هذه الصورة كون القصاص عليهم جميعاً، والأوّل أشبه[7] .
أما نقض الحكم هنا فالمراد به بطلانه، وتسميته بالنقض إنما هو من باب المسامحة بالتعبير لعدم تحققه من الأوّل.
وأما إستعادة المال فيدل عليه:
أولًا: الأصل.
ثانيًا: الإجماع.
ثالثًا: للنصوص المعتبرة في المقام ومنها صحيح إبن مسلم:
-(محمّد بن يعقوب، عن أبي عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار عن صفوان، عن العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في شاهد الزور ما توبته؟ قال: يؤدّي من المال الّذي شهد عليه بقدر ما ذهب من ماله، إن كان النصف أو الثلث، إن كان شهد هذا وآخر معه)[8] .
وموثق جميل:
-(عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليِّ بن الحكم، عن جميل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في شاهد الزور قال: إن كان الشيء قائماً بعينه ردّ على صاحبه، وإن لم يكن قائماً ضمن بقدر ما أتلف من مال الرجل)[9] .
وأما لو كان المشهود به قتلًا ثبت عليهم القصاص، وكان حكمهم حكم الشهود إذا رجعوا وأقروّا بالتعمد، وذلك لثبوت التسبيب عرفًا، فتشمله ظاهر الأدلة بالإضافة إلى الإجماع، وهذا ما تقدم منا سابقًا.
وأما لو باشر الولي القصاص، وأعترف بالتزوير كان القصاص عليه لا الشهود، وذلك لصدق مباشرة القتل ظلمًا بالنسبة إلى الولي فيأخذ حكمه.
أما قول سيدنا (قده): (ولو أقرّ الشهود أيضاً بالتزوير، ويحتمل في هذه الصورة كون القصاص عليهم جميعاً، والأوّل أشبه).
والوجه بالأشبهية كونه المباشر للقصاص، وتقديم المباشر على السبب حينئذ عرفًا وذلك لوجود التزوير فيه أيضًا، وهم معه كالممسك مع القائل حيث إن القصاص على القائل، ومجرد تعاون الممسك على القتل لا يوجب صيرورته كالقاتل من هذه الجهة وهو واضح. ولكن مع إحتمال كونه على الجميع.
ولكن مع هذا فالأحوط التصالح والتراضي مع أولياء الدم.