47/06/05
كتاب الشهادات.
الموضوع: كتاب الشهادات.
القول: القول: في الشهادة على الشهادة.
مسألة (8): لو رجع الشاهدان أو أحدهما عن الشهادة قبل الحكم وبعد الإقامة، لم يحكم بها ولا غرم، فإن اعترفا بالتعمّد بالكذب فسقا، وإلّا فلا فسق، فلو رجعا عن الرجوع في الصورة الثانية فهل تقبل شهادتهما؟ فيه إشكال. فلو كان المشهود به الزنا واعترف الشهود بالتعمّد حدّوا للقذف، ولو قالوا: اوهمنا، فلا حدّ على الأقوى[1] .
مسألة رجوع الشاهدين عن شهادتهما تتضمّن فروعًا متعددة،
لا كلام ولا خلاف في نفاذ الحكم فيما لو رجعا عن شهادتهما بعد حكم الحاكم.
والكلام هنا فيما لو رجعا عن شهادتهما قبل الحكم وبعد الإقامة، وهنا لا يحكم بالشهادة، ولا غُرم على الشاهدين.
ويمكن الإستدلال على ذلك بالآتي:
أولًا: للأصل.
ثانيًا: للإجماع.
ثالثًا: لخبر جميل (مرسلة) ولكن بمثابة الصحيحة:
-(محمّد بن يعقوب، عن عليِّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عمّن أخبره، عن أحدهما (عليهما السلام) قال في الشهود إذا رجعوا عن شهادتهم وقد قضي على الرجل: ضمنوا ما شهدوا به وغرموا، وإن لم يكن قضي طرحت شهادتهم ولم يغرموا الشهود شيئاً)[2] .
وكما عن صاحب الجواهر (قده) حيث قال:
(لو رجعا) أو أحدهما (عن الشهادة قبل الحكم لم يحكم) بها ولو بعد الإقامة ولا غرم بلا خلاف أجده فيهما بيننا كما اعترف به غير واحد، بل في كشف اللثام الاتفاق على ذلك إلا من أبي ثور، للأصل بعد ظهور النصوص في كون ميزان الحكم غير المفروض، خصوصا بعد مرسل جميل عن أحدهما (عليهما السلام) الذي هو كالصحيح سيما بعد اعتضاده بما عرفت «في الشهود إذا شهدوا على رجل ثم رجعوا عن شهادتهم وقد قضي على الرجل ضمنوا ما شهدوا به وغرموه، وإن لم يكن قضي طرحت بشهادتهم ولم يغرم الشهود شيئا» على أنه لا ترجيح لتقديم قولهم الأول على الثاني)[3] .
وكما عن صاحب الرياض حيث قال:
(الرابع في اللواحق وفيه مسائل: الأولى: إذا رجع الشاهدان قبل القضاء لم يحكم، ولو رجعا بعد القضاء لم ينقض الحكم وضمن الشهود. وفي النهاية: إن كانت العين قائمة ارتجعت ولم يغرما، وإن كانت تالفة ضمن الشهود)[4] .
وقد أخذ بها المشهور وأفتوا بمضمونها بلا خلاف.
رابعًا: إنصراف أدلة حجية الشهادة عن مثل تلك الشهادة التي رجع الشاهدان عنها، وتصور شمولها لها.
خامسًا: يمكن الإستدلال بالسيرة العقلائية حيث إنها لا تجري على حجية خبر الثقة إذا رجع المخبر عن إخباره.
وأخيرًا يمكن القول: بأن رجوع الشاهد عن شهادته، وإظهار الخطأ في شهادته الأولى، فهو يعني شهادة ثانية منه على نفي المشهود به سابقًا، وعندئذ فلا كلام في سقوط الشهادة الأولى لمقام التعارض مع الثانية، فضلًا عمّا لو صرّح بأن شهادته الأولى كانت كذبًا، وهذا يكشف عن كونه فاسقًا حين الشهادة، وهو يعني فقدان العدالة التي يُشترط تحققها بالشاهد.
نعم إذا لم يكن الرجوع بإقراره بأنه كان كاذبًا، فلا فسق، لإحتمال الاشتباه في الشهادة.
وأما لو رجع الشاهدان عن الرجوع في صورة الإشتباه وعدم الكذب، فهل تقبل شهادتهما؟
إستشكل سيدنا (قده) في هذه الصورة، ولم يعطِ جوابًا.
مع أن صحيحة محمد بن قيس:
-(محمّد بن يعقوب، عن عليِّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عاصم بن حميد، عن محمّد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل شهد عليه رجلان بأنّه سرق، فقطع يده، حتّى إذا كان بعد ذلك جاء الشاهدان برجل آخر، فقالا: هذا السارق، وليس الّذي قطعت يده، إنّما شبّهنا ذلك بهذا، فقضي عليهما أن غرَّمهما نصف الدية، ولم يجز شهادتهما على الآخر)[5] .
تدل بوضوح على عدم قبول الشهادة منهم في المقام.
وقد أفتى بمضمونها جملة من الفقهاء (اعلى الله مقامهم).
وهكذا كما عن مسالك الافهام: حيث قال:
(ولو رجعوا بعد القضاء، فرجوعهم إما أن يكون قبل الاستيفاء أو بعده. فإن رجعوا قبل الاستيفاء، نظر إن كانت الشهادة في مال استوفي، لأن القضاء قد نفذ فيه، وليس هو ممّا يسقط بالشبهة حتى يتأثّر بالرجوع. وفيه وجه آخر أنه لا يستوفي، لأن الحكم لم يستقرّ بعد، والظنّ قد اختلّ بالرجوع..... إذا رجعوا بعد الاستيفاء وكان المشهود به ممّا يتعذّر تداركه كالقتل والجرح، فإن قالوا تعمّدنا فعليهم القصاص أو الدية في موضع لا يقتصّ فيه من ولو قال أحد شهود الزنا بعد رجم المشهود عليه: تعمّدت، فإن صدّقه الباقون، كان لأولياء الدم قتل الجميع، ويردّوا ما فضل عن دية المرجوم)[6] .
وقد خالف بذلك صاحب (كشف اللثام) حيث قال: (الأقوى القبول إذا كانا معروفين بالعدالة والضبط)[7] .
والانصاف: أن رواية محمد بن قيس وإن كانت صحيحة، إلاَ أنه يمكن ترك العمل بها لسببين:
الأول: أنه يؤخذ بها إذا لم تحمل على مجرّد الإرشاد إلى أفضليّة ذلك في مقابل العمومات، والإطلاقات الدالة على القبول.
الثاني: أنه مع التسليم بأن العمومات والإطلاقات شاملة لتلك الشهادة، إلاّ أنه لا يبعد دعوى الإنصراف عن مثل هذا المورد، ولعلّه لأجل ذلك إستشكل سيدنا في المسألة والله العالم.