الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي
بحث الفقه
45/09/30
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب القضاء.
الموضوع: كتاب القضاء.
القول: في أحكام اليد.
مسألة (5): لا يعتبر في جواز شهادة البيّنة ولا في قبولها هنا، غير ما يعتبر فيهما في سائر المقامات، فلا يعتبر إشهادهما على حكمه وقضائه في التحمّل. وكذا لا يعتبر في قبول شهادتهما إشهادهما على الحكم، ولا حضورهما في مجلس الخصومة وسماعهما شهادة الشهود، بل المعتبر شهودهما: أنّ الحاكم حكم بذلك، بل يكفي علمهما بذلك[1] .
وهذا ممّا لا خلاف فيه وذلك لحجية البيّنة في كل الإخبارات والإنشاءات سواءٌ أكانت فيما ذكر ههنا من المواراد أم في غيرها في سائر الموضوعات في الابواب الفقهية في مقام قبولها، فليس هناك شرائط أخرى لحجية البيّنة في هذا الباب، وعليه فلا يُعتبر في قبول شهادتهما إشهادهما على الحكم، ولا حضورهما في مجلس الخصومة، وسماعهما شهادة الشهود، ويكفي علمهما بذلك كلّه.
نعم، ما ذكره صاحب الجواهر تبعًا لصاحب الشرائع (رحمهما الله) من إعتبار بعض ما تقدم في المتن من موارد أو كلها، إنما هو من باب الاحتياط ليس إلا، كما قال صاحب الجواهر: ((وأما الشهادة فإن شهدت البينة بـ) ـإنشاء (الحكم وبإشهاده إياهما على حكمه تعين القبول) بلا خلاف محقق أجده فيه وإن أشعر به ما عن المختلف، بل عن غاية المراد عليه استقر فتاوى معظم الأصحاب، بل عن الإيضاح أنه اتفق عليه، ولعله لعموم ما دل على وجوب قبول حكمه الذي هو من حكمهم (عليهم السلام) ولذا كان الراد عليه رادا عليهم، وما دل على حجية البينة و(لأن ذلك مما تمس الحاجة إليه، إذ احتياج أرباب الحقوق إلى إثباتها في البلاد المتباعدة غالب، وتكليف شهود الأصل التنقل) إلى تلك البلاد لو فرض حاكم فيها وأمكن تزكية الشهود فيها (متعذر أو متعسر، فلا بد من وسيلة إلى استيفائها مع تباعد الغرماء، ولا وسيلة إلا رفع الأحكام إلى الحكام، وأتم ذلك احتياطا) في الإنهاء (ما حررناه) من حضور الشاهدين إنشاء الحكم وإشهادهما عليه.
لا يقال: (يمكن أن) يتوصل إلى ذلك بالشهادة على شهود الأصل (فلا تمس الحاجة إلى الإنفاذ المزبور الذي هو حكم بغير علم) لأنا نقول: (أولا شهادة الفرع ليست عامة، وثانيا (قد لا يساعد شهود الفرع على التنقل و(أيضا لا يمكن فروع الفروع لأن) الشهادة الثالثة لا تسمع (فضلا عما فوقها بخلاف الإنفاذ، فإنه يستمر باستمرار الأزمنة)[2] .
مسألة (6): قيل: إن لم يحضر الشاهدان الخصومة، فحكى الحاكم لهما الواقعة وصورة الحكم، وسمّى المتحاكمين بأسمائهما وآبائهما وصفاتهما، وأشهدهما على الحكم، فالأولى القبول؛ لأنّ إخباره كحكمه ماضٍ، والأشبه عدم القبول إلّا بضمّ عادل آخر. بل لو أنشأ الحكم بعد الإنشاء في مجلس الخصومة، فجواز الشهادة بالحكم بنحو الإطلاق مشكل بل ممنوع، والشهادة بنحو التقييد -بأنّه لم يكن إنشاء مجلس الخصومة ولا إنشاء الرافع لها- جائزة، لكن إنفاذه للحاكم الآخر مشكل بل ممنوع[3] .
حكي هذا القول عن المحقق الحليّ (قده) الوارد في كتابه الشرائع حيث قال: (ولو لم يحضرا الواقعة وأشهدهما بما صورته أن فلان بن فلان الفلاني ادعى على فلان بن فلان الفلاني كذا وشهد له بدعواه فلان وفلان ويذكر عدالتهما أو تزكيتهما فحكمت وأمضيت ففي الحكم به تردد مع أن القبول أرجح خصوصا مع إحضار الكتاب المتضمن للدعوى وشهادة الشهود)[4] .
واستدل المحقق على ذلك بأن حكمه كما كان ماضيًا، كان إخباره ماضيًا، بل ذهب (قده) إلى أن قبوله أولى.
ولكن يمكن النقاش فيه بأن إخبار الحاكم عن حكمه للشهود لا يعدو عن كونه إخبار عادل واحد، وهذا لا يكفي في إثبات الموضوعات الخارجية، فلا بد من ضمّ عادل آخر حتى يندرج في عموم حجية البيّنة.
وأما إدعاء الأولوية فهي غير متحققة ههنا، وذلك لأن إخبار الحاكم عن إنشائه للحكم ليس إلا كما قلنا بأنه إخبار عادل واحد، والبيّنة لا تتم إلا بشاهدي عدل وليس بواحد، وإذا قلنا بحجية إخباره في المقام تمسكًا بدليل حجية إنشائه، (الراد عليه كالراد عليهم (عليهم السلام)).
فإن ذلك يستلزم القول بحجية إخباره في سائر الموضوعات ولا سبيل للإلتزام بذلك.
بل أيضًا نقول بممنوعية جواز الشهادة بالحكم بنحو الاطلاق، كما لو أنشأ الحكم بعد الإنشاء في مجلس الخصومة، وأُشهد الشاهدين على هذا الحكم الثاني المُنشأ ثانية، وذلك لأن هذا الحكم الثاني ينصرف إلى الحكم المُنشأ أولًا، والذي قطع النزاع بين المتخاصمين.
نعم، لو أنشأ الحكم في صورة التقييد بأن أشهد الحاكم الشاهدين على أن هذا الحكم المشهود به الآن ليس ذلك الحكم الذي حلَّ النزاع وفصل الخصومة، فهذا وإن كان جائزًا إلا أنه لا ينفع في المقام، وذلك لكون أدلة إنفاذ الحكم مقتصرة على إنقاذ الحكم المنشأ أولًا والذي نتج عنه ذاك الحكم بعد إعمال الحاكم نظره فيما يوافق مقتضيات القواعد والأصول الجارية في المقام، فلا يكون ذلك شاملًا للحكم الثاني خاصة مع عدم إحراز الحكم الأوّل، وعليه فيكون الحكم الثاني لغوًا لا فائدة منه.