47/06/26
التفسير
تأريخ الدرس : الأثنين 26 جمادي الأولى ١٤٤٧ ه
عنوان الدرس : مراتب الاختيار في الدين ونفي الإكراه
لا زلنا في اية الكرسي التي هي اية التوحيد بالدقة وليست اية الكرسي وهذه الايات تبين ان التوحيد لا تقوم له قيامة الا بالولاية لله ولا زلنا في هذا المقطع من الاية لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فاحد معاني هذه المعادلة القرآنية العظيمة هي بلحاظ فعل القلب ونحن استعرضنا جملة من المعاني لهذه الاية او هذه المعادلة ومر بنا ان جماعة من الاعلام يرون صفات القلب او حالاته ليست اختيارية بينما الصحيح وفاقا لجماعة اخرى انها اختيارية ولو بتوسط مقدمات سابقة او لاحقة سواء بالمباشرة او بتوسط وسائط مقدمية مثلا صعودك على سطح هذا المبنى يكون باستعانة السلم اما اذا كان دفعيا فلا تستطيع ذلك فانت تستطيع ان تكون فوق سطح المبنى ولكن بمقدمات غير مباشرية .
اذن كثير من الافعال الاختيارية انما نقوى عليها بتوسط مقدمات اعدادية فهي ليست اختيارية دفعة ولكنها اختيارية بالتدريج وبالمقدمات سواء مقدمات لاحقة او سابقة والشيخ الانصاري ربما يناقض نفسه او عنده تدافع في المبنى حيث في بحث التجري يذهب الى ان صفات القلب والنفس ليست اختيارية ولكن الافعال البدنية او الافعال النازلة في النفس المنبعثة عن صفات القلب او عن افعاله تلك اختيارية وجماعة من العلماء في العلوم الدينية المتنوعة يذهبون الى هذا ان افعال القلب وصفاته ليست اختيارية لكن افعال البدن وافعال النفس المنبعثة من صفات القلب اختيارية وهذه نكتة مهمة في ابحاث المعارف يعني قد الشيء هو نفسه غير اختياري لكن ما ينبعث عنه يكون باختيار الانسان فكونه غير اختياري كحالات القلب وصفات النفس والافعال الاولية للقلب لكن ما ينبعث عنها من افعال بدنية او نفسانية نازلة هو اختياري.
نحن لا نقبل هذا التفصيل ولكن نستعرض كلامهم فكون المنشأ او المنبع غير اختياري لا يعني ان المسبب المتوالد من ذلك السبب هو غير اختياري بل هو اختياري وتحت سيطرة الانسان وهذه نكتة جدا مهمة وحتى ذكره بعض الفقهاء مثلا قالوا الحسد قد بعض الانبياء مبتلون به في درجاته الخفيفة فكيف بغير الانبياء وغير المعصومين? فالعلاج هو ان تسيطر على ما ينبعث من افعال البدن او افعال النفس في الطبقات النازلة فما ينبعث عن الافعال يجب ان يكون محل سيطرة وتتحكم فيها فلا يعذر الانسان ان تصدر هذه الافعال منبعثة عن هذه الصفات القلبية فاذا قلنا الصفات القلبية او حالاتها غير اختيارية مع ذلك ما ينبعث عنه اختياري كيف يكون ذلك? بل الانسان على نفسه بصيرة ولو القى معاذيره او طوعت له نفسه قتل اخيه ولكن هذا ليس معناه انه غير اختياري بل هذا اختياري .
هذا فضلا عما اذا قلنا بان صفات النفس وافعال القلب اختيارية ولو بمقدمات كما هو الصحيح فهذا المطلب يذكره جملة من الاصوليين كالشيخ الانصاري ولكن يتدافعون مع التزموا به انفسهم ان الصفات القلبية ليست اختيارية حيث ذكر هؤلاء الاصوليون في مبحث البراءة في رفع عن امتي ما لا يعلمون او ما اضطروا اليه او ما لا يطيقون او ما اكرهوا عليه او النسيان او او او استنادا لحديث الرفع فوقع الكلام بين الاعلام انه هل النسيان قهري او غير قهري? او الخطأ الذي يرفع هو قهري او غير قهري وكذلك ما لا يطيقون وما لا يقدرون قهري او غير قهري ؟ وبعبارة اخرى هذا الرفع الذي هو امتنان من الله معنى الامتنان انه مقتضى المؤاخذة على الانسان موجودة يعني الله جعل النسيان عذرا والا هو ليس بعذر ولكن يتباهى النبي كرامة دون بقية الانبياء في خصوص امته امتن الله عليه ان جعل النسيان عذرا والحرج عذرا والاكراه عذرا فرفع عنهم مؤاخذة الجهل وغيره من الامور التسعة فهي ليست بعذر ولكن الله جعلها كرامة لسيد الانبياء ومنة منه عذرا .
فحينئذ كيف النسيان او الاضطرار او الحرج او الخطأ كيف يستحق ان يؤاخذ عليه العبد لكن منة من الله لم يؤاخذ وهذا بحث صعب في حديث الرفع فيجيب الشيخ الانصاري والاعلام عن هذا الاشكال يقولون انه عندنا براءة عقلية وبراءة شرعية فالبراءة العقلية يحكم العقل بان هذا غير مؤاخذ وهو معذور يعني العقل يحكم بالعذر اما في البراءة الشرعية حسب كلام الشيخ في بداية حديث الرفع ان العقل لا يحكم بالعذر بل يقول باستحقاق العقوبة ولكن منة من الله تكون البراءة الشرعية فعلى هذا الكلام لا البراءة العقلية ولا البراءة الشرعية فاذا كان هناك براءة عقلية فلا تصل نوبة الى البراءة الشرعية واذا براءة شرعية فمعناه انه منة من الله انا الان لا احدد الرأي النهائي للشيخ الانصاري ما هو? فالبراءة مرتبطة بفعل القلب ففي البراءة العقل يتصور منة من الشارع لكن الشيخ يقول يمكن تصوير البراءة الشرعية في موارد البراءة العقلية وفي غيرها يقول ان في موارد البراءة العقلية هل للشارع ان يشرع الاحتياط ام لا? يقول نعم واذا شرع الاحتياط ترتفع البراءة العقلية ايضا فالبراءة الشرعية وجودها امتناني فكيف الشرع يجعل الاحتياط في موارد النسيان وفيما لا يطيقون?
قال الشيخ حتى في البراءة العقلية والبراءة الشرعية امتنان موجود لان للشارع ان يشرع وجوب الاحتياط في موارد البراءة العقلية فعدم جعل الشارع الاحتياط هو منة منه فيصير براءة شرعية فالكلام هو انه كيف يمكن للشرع ان يشرع الاحتياط? ويلزم الاحتياط في موارد البراءة العقلية ؟ فالعقل يحكم بالبراءة اذا كان الانسان عاجزا ففي الناسي عاجز عاجز وفي الخطأ عاجز وهذا هو معنى العذر العقلي فكيف الشيخ يقول للشارع ان يلزم? كيف يلزم مع وجود العجز العقلي? قالوا يمكن للشارع ان يمتن بالبراءة الشرعية في موارد البراءة العقلية ويمكن له ان يجعل احتياط بلحاظ المقدمات البعيدة والسابقة حيث الان عاجز لكن اذا كان من مدة سابقة يذكر نفسه بان لا يقع في النسيان فهو ليس بعاجز او الان هو اخطأ لكن يمكنه ان ينبه نفسه قبل ان لا يقع في الخطأ فالامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار .
اذن في موارد البراءة العقلية الانسان عاجز في الدائرة الضيقة لكن في الدائرة الوسيعة قادر واذا قادر فللشارع ان يجعل ويلزم بالاحتياط فيجب ان يتحفظ ويراعي المكلف هذا الامر بمقدمات بعيدة فلو كنا نحن والعقل فليس بالضروري ان يكون معذورا وانما هو معذور بلحاظ الوضع الحالي اما بلحاظ مقدماته البعيدة والسابقة فغير معذور .
انا طرحت هذا المطلب لان الشيخ يعترف ان المقدمات البعيدة توجب الاختيار سواء السابقة او اللاحقة وهذا خلاف ما اختاره الشيخ الانصاري في التجري والصحيح هذا ان الانسان مختار .
دعونا نذهب الى معنى اخر في قوله تعالى لا اكراه في الدين وهذا المعنى ليس هو بمعنى عدم الاكراه القانوني او التشريعي وسبق الاشارة الى هذا المطلب وانما المراد نفي الاكراه والالجاء التشريعي والقانوني اما الاكراه والالجاء والجبر التشريعي ما المانع منه فهو يبقى على حاله ما دام الاختيار التكويني موجود الا ان في التشريع القانوني يلزمك ففرق بين ان نقول لا اكراه في التشريع والشريعة وبين ان نقول لا اكراه في الدين فهذه الاية ليست في صدد نفي الالزام التشريعي وانما في صدد نفي الاكراه تكويني اذن لا اكراه في الدين ليس معناها لا الزام تشريعي في الدين وانما المراد به لا اكراه تكويني في الدين لست عليهم بمسيطر هذا بلحاظ التكوين لا بلحاظ التشريع اذن معنى لا اكراه في الدين ليس هو نفي الالزام التشريعي وانما هو نفي الالزام التكويني فعلى هذا الضوء الالزام التشريعي ليس اكراه تكويني ونحن في الجزء الاول في الامامة الالهية بينا ان الصحيح خلافا للمشهور ووفاقا للمحدثين امكان تصور وظائف دينية واحكام دينية في اصول العقائد حيث هناك لغط ومعركة اراء بين الاعلام في هذا الجانب ونؤجله الى غد.