« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث التفسیر

47/06/17

بسم الله الرحمن الرحيم



التفسير

تأريخ الدرس : الاثنين 17 جمادى الآخره 1447

عنوان الدرس : الدين والرشد وإقامة النظام الاجتماعي الديني

 

كنا في هذه الفقرة لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فهذا تبيين وتعليل انه لماذا لا اكراه في الدين? فكنا في ان القرآن اخذ هذا العنوان كعلة وغاية لنظام التشريع ولنظام الدين ولاسس نظام العقائد فالاصل في الدين ليس التعبد الظني وانما المساحة المركزية الاصلية في الدين هو الرشد والعلم واليقين والتعقل والبينات وما شابهه من العناوين الاخرى لاحظ لماذا لا اكراه في الدين? لانه انت مع العلم لا تكره على شيء فصار واضحا وطلع الصباح فاطفئ السراج فاذا كانت شمس الحقيقة بزغت كيف انت تستعين بالشمعة?

فالدائرة المركزية للدين هي معارف بدرجة العلم واليقين والقطع وليست بدرجة الظن كما يتوهمه الحداثويون او الحشويون من رجال الدين في الفريقين وحتى السيد الخوئي يعترف بان الظنون لا يعول عليها بنفسها وانما لا بد ان تتناهى وتعتمد وتستند الى اليقين الذي هو حجة الحجج في الدين وهذا هو الذي يركز عليه ابن قبة كما سيأتي شرحه في مباحث الاصول قريبا وهو نفسه مبنى المفيد حيث الاخير متأثر علميا الشيء الكثير بابن قبه وهو من متكلمي علماء الامامية ومستبصر ومضى مدة مديدة في الاستبصار لا انه في اخريات حياته استبصر وانما لعله في منتصف او بدايات عمره العلمي فاصبح من رموز علماء الامامية .

نرجع لهذا المطلب ان اليقين والعلم هو مصدر المصادر في الدين وحجة الحجج اما الظن بنفسه فلا يعتمد عليه ابدا ودرجة وشأن اليقين والعلم فوق درجة الظنون فالعالم الذي يستنبط ويعتمد كثيرا ما على اليقين والاطمئنان ولو اليقين الكسبي المكتسب بلا ريب يكون اكثر دقة ونظما من الذي يعتمد على الظنون لا سيما اذا اعتمد على الظنون بشكل مشتت منفلت لا بشكل منظومي .

فالنكتة اذن مهمة على التعليق الموجود في هذه الاية الكريمة قد تبين الرشد من الغي واللطيف في مقابل الرشد لم يجعل الجهل وانما عبر غي فما الفرق بين ضلال الضالين والمغضوب عليهم? اعوذ بالله من الشيطان الغوي الرجيم فالغواية مقابل الرشد فالغواية لانه اسباب العلم موجودة ومع ذلك عنادا تعنتا يترك اسباب العلم وينحرف في المسير فيصير غوي انا غويناكم كما غوينا فالغواية اشد من الضلال ومن الجهل او هو معاند لان اسباب العلم متوفرة مع ذلك يغوي فالرشد مقابل الغي فالرشد يتضمن العلم وسلامة الاختيار والتسليم فهو علم وتسليم بالعلم علم وتسليم بالرشد فمعرفة الشيء تنظيرا والالتزام به تطبيقا بخلاف الغواية حيث هو عنده علم ويعاند تطبيقا جحودا وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم .

هنا الغواية في مقابل الرشد وليس ضلال يقولون جحد جاحد هذه غواية وهناك تعبير في القرآن الكريم موسى يقول انك لغوي لانك تسبب فتنة ليس عن جهل وانما عن عنجهية وعناد انك غوي مبين وليس غوي خفي وهذا ملف عجيب في القران يجب الالتفات اليه وان يروا سبيل الغي اتخذوه سبيلا يعني عن علم وعناد وتعنت وشقاء وشقاق والشقاق غير الضلال يعني يكون مغضوب عليه اشد فمن ثم وصف اليهود بالمغضوب عليهم اما وصف المسيحيون بالضالين لان اولئك عن علم وعناد وتعنت .

فالغواية هكذا في مقابل الرشد فالرشد عنوان اهتم به القرآن باشتقاقات مختلفة كذلك القاسطون فالقسط يستعمل بمعنيين معنى قريب من العدل وان كان يختلف عنه يملؤها قسطا وعدلا القسط عبارة عن الاستحقاق الناتج من العدل القسط يوضح نظام العدل وقد يستعمل القسط بمعنى المضاد يعني الجور فالفرق بين الجور والظلم كالفرق بين القسط والعدل فيستخدم القسط بمعنى الجور ان تأخذ سهم الطرف الاخر وتنهبه وتغتصبه وتارة معناه الظلم عن علم وعمد وقد امر الله نبيه وهو امر امير المؤمنين بان يحارب الناكثين والقاسطين والمارقين يعني ثلاث مناهج في الانحراف وهذه الثلاث مناهج في كل زمان موجودين فالقاسطين يستخدم في مقابل الراشدين يعني الجور عن عناد وعلم وعنت .

كذلك فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون يدل على ان الرشد لا يكفي فيه العلم وانما يحتاج الى العمل والانقياد فيعمل ما يعلم والا غوى وهوى الرشد حصيلة العمل بالعلم اما التمرد على العلم في مقام العمل يكون غواية اذن قد تبين الرشد يحمل معنى اخر فليس مجرد النشر العلمي لمعارف وعلوم الدين الرشد يتضمن اقامة صرح الدين وبناء اقامة المجتمع والنظام الاسلامي فيسبب الرشد فايها المرشدون لا يكفي النشر العلمي وان كان هو من اوجب الواجبات اساس الارشاد لكن هو بالمفرده لا يكتفى به بل عليكم بالسعي لاقامة الدين على وجه الارض لان الرشد يتضمن العلم والعمل فمجرد التنظير بان الاسلام عدل عظيم في الاقتصاد وفي الاسرة وفي القضاء لا يكفي ما دام لم يقام القضاء الاسلامي فهذا ليس رشد ولا يصدق التعبير عليه بانه قد تبين الرشد .

فلا اكراه في الدين الدين ليس مجرد معارف ومعلومات انما هو بناء واقامة صرح اجتماعي بشري فلابد ان يكون النظام الاجتماعي دار الاسلام ودار الايمان هنا قد تبين الرشد من الغي مر بنا الغي مخالفة ومعصية مع العلم اذن الاية في صدد انه متى يكون لا اكراه في الدين? متى يكون قد تبين الرشد? انه في مقام العمل الاجتماعي والسياسي والمجتمعي والعمل المجتمعي اعظم من العمل الفردي يجب ان تقام حدود الدين والحدود ليست مقابل القصاص وانما الحدود يعني التشريعات الدينية فكل تشريع ديني يسميه القرآن حدا من حدود الله كما بين الزوجين اذا تنازعا ولم يتقيدا بالاحكام الشرعية يعبر القرآن في سورة البقرة في عدة موارد ان الزوجين انما يستمران في الزواج اذا علم انهما يقيمان حدود الله اما اذا كان كل منهما يتمرد على الاخر او احدهما يتمرد فهذا ليس زواجا ناجحا وانما هو بؤرة معاصي وانزلاق ويهدد حتى التركيبة الاجتماعية .

فاذن قد تبين الرشد من الغي فالغي جانب علمي عملي الرشد ايضا جانب علمي عملي حينئذ يتضح واضحا ان النظام الاسلامي والنظام الاجتماعي لا يكره على العقائد نعم يكره على اسلمة الانظمة السياسية والاجتماعية وليس اسلمة العقائد وانما قد تبين الرشد من الغي فمن شاء يتخذ هذه الهوية التي اقيم على صرحها النظام الاجتماعي الديني فاذن بدون اقامة مجتمع مسلم مؤمن لا يتحقق الرشد ولا يتبين .

الامام الصادق والائمة اقاموا مجتمعات ونسيج ديموغرافي ايماني خفي عن السلطة الاموية والعباسية وسعوا في اقامة انظمة اجتماعية اعظم من الانظمة السياسي المؤقتة التي يعبر عنها الان في العدوم الحديثية بالديموغرافية من ثم الامام الصادق في مجتمع الكوفة انذاك وان لم يتمحض هو بالمؤمنين لكن مساحة مهمة اجتماعية في مجتمع الكوفة ومجتمع العراق اصبح دار ايمان وليس دار اسلام بينما في المدينة المنورة التي فيها الامام الصادق يعتبر الامام الصادق المجتمع المدني دار اسلام وهناك دار الايمان فبعد واقعة كربلاء بل بدءا من امير المؤمنين عندما هاجر الى الكوفة بدأ العمل في تشكيل انظمة اجتماعية دينية في التركيبة الاجتماعية والهوية الدينية على جناح ناعم ديموغرافي وهذا السعي لبناء انظمة اجتماعية مؤمنة دينية لم ينفتل ولم ينقطع الائمة عن بناءه وهو اعظم من بناء الانظمة السياسية المؤقتة فقام بها امير المؤمنين بدءا في المدينة المنورة وكذلك فاطمة ثم الحسن ثم الحسين في الكوفة وكذلك امير المؤمنين في الكوفة وفي العراق ثم بقية الائمة فهذا ليس بالشيء السهل .

التحول الفكري الذي يحصل في عصرنا في البلدان الغربية اخطر من التحول السياسي وهو بسبب مواقف اتباع اهل البيت حيث اوجدوا صحوة سواء مواقفهم السياسية العسكرية الامنية الفكرية التنظيرية وهو ببركة الامام الغائب فهذا بلا شك لكن المقصود حسب الظاهر وليس لنا اطلاع على ما وراء الكواليس فهذه الصحوة الفكرية في العالم شيء جدا مدهش ومرعب للحكام الغربيين وللطبقة البرجوازية او البيروقراطية او الرأسمالية في انظمة الحكم الغربي وقد تنبأ بها احدهم في كتابه وهو فرنسا توا في كتاب الشيعة والعالم او الشيعة في العالم باللغة الفرنسية تنبأ بها قبل ثلاثين سنة قال اذا كانت مبادئ هذا الرجل الغائب تنتشر سوف يكون ولاء تلك الشعوب له اشد من ولائها للانظمة الحاكمة الغربية وقال احذر ساسة العالم ان تنتشر مبادئ ومشروع هذا الرجل الغائب والا سيزعزع هؤلاء الشعوب فبدل ان تكون ولائهم للانظمة السياسية سيكون ولائهم له .

وقد اشار الشهيد مطهري وكلامه صحيح ينقل عن الاكابر ان صياغة منظمة الامم المتحدة وعصبة الامم هو خطوة مهدوية لانه يتفهم البشر انه لا بد من حاكمية نظام موحد قانوني وهي المبادئ المهدوية فالبشرية في اللاشعور تتحرك نحو نفس المبادئ في المشروع المهدوي .

اذن كما يشير القرآن متى لا اكراه في الدين قد تبين الرشد? يجب ان يكون اقامة والا مجرد التنظير السياسي لا يفيد فلابد من اقامة انظمة اجتماعية دينية وليس معناه فقط العقائد وانما نفس النسيج الديموغرافي والتركيب الاجتماعي يجب ان يكون ، فهم كلما حاولوا ان يقفوا امام المد الاسلامي والمد الايماني تجد بالعكس تنجذب الشعوب الغربية اكثر فاكثر .

احداهن تقول اني لست مسلمة ولكن هذا الجو الاسلامي في بلادنا يشعرني بالحياء عن عدم الحجاب لانهم اناس يعيشون في الفضيلة والفضائل وكونهم يشكلون جوا يحركون فيه الحياء من التبرج فتقول انا اخجل مع اني من جهة فكرية لا انتمي لهم فلاحظ اقامة احكام الدين كيف يثمر على الصعيد الاجتماعي? وكيف يوجب ايقاظ النبض والفطرة البشرية ؟ فهي تقول نعم انا متبرجة شابة ولاني ارى ابناءهم واولادهم واباؤهم يتعاملون مع بعضهم البعض برحمة وبحنان وبعطفة وبفضيلة فالعيش في ظل هذا الجو يحرك عندي جانب الحياء والخجل من التبرج .

فاذن الرشد يحصل باقامة الصعيد الاجتماعي لاحظ عندنا في قاعدة مستفيضة ومتواترة في الابواب الفقهية اقامة حد من حدود الله يعني كل احكام الشرع والدين وليس باب الحدود والعقوبات هذا الحد اقامته اكثر بركة واعظم بركة على الارض من مطر اربعين يوما او اقامة احكام الشريعة في الاسرة في القضاء في البنوك في الزراعة في الامن في النظام العسكري في النظام الامني اقامة هذا الحد اعظم بركة على الارض من مطر اربعين يوما هذا التصحر خطير فقد تبين الرشد يعني باقامة احكام الله واقامة اجتماعية ليس بالضرورة بنظام حكومة سياسية وانما النسيج ديموغرافي اجتماعي هو اعظم بقاء .

مر بنا ان كل دولة في كل اصقاع الارض عندما يقولون دين الدولة في بداية الدستور يعني معناه ان النسيج الاجتماعي ونسيج الهوية هو مهم ومقدم على النظام السياسي ومهيمن على الحكومات فما يمكنها ان تتجاوزه ففي كل دساتير العالم يذكر اول شيء هو مبدأ الدين لهذا المجتمع مما يدل على ان هذا بند من بنود الدستور الاساسي ويهيمن على كل شيء فما دامت الهوية الاجتماعية لهذا البلد ليس من حق اي فريق سياسي ان يغير النظام الاجتماعي الديني فهو ينهدم ويهوى اذن هذه الاية الكريمة تشير الى امر مهم فاية الكرسي قيل عنها اية الولاية بحق هي اية الولاية والتوحيد ، فولاية التوحيد وتوحيد الولاية هنا ايضا لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي مرتبط باقامة الدين.

 

logo