« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث التفسیر

47/06/12

بسم الله الرحمن الرحيم



التفسير

تأريخ الدرس : الاربعاء 12 جمادى الآخره 1447

عنوان الدرس : حقيقة الارتداد ليس تغيير الاعتقاد

 

كنا في هذه الكريمة لا اكراه في الدين في اية الكرسي من سورة البقرة و احد المعاني التي وصل البحث اليها هو حرية الاعتقاد والمعتقد في الاسلام وفي هذا المبحث نجد قضية المرتد وخلاصة ما مر في الارتداد ان الارتداد هناك شواهد قطعية دالة على ان الارتداد الذي حكمه كذا وكذا في الحقيقة ليس بمعنى خارج عن العرف العقلائي انه يكون كاتما للانفاس او ما شابه ذلك او تهديد او وعيد وليس خارج عن التشريعات العقلاء بل هو حكم متأصل عند العقلاء في كل الدول حتى الجهاد الابتدائي انت لاحظ هناك بند من بنود الامم المتحدة عبارة عن مد يد العون لشعوب العالم عبر الامم المتحدة يعني مثلا مظلومية الشعوب الا يجثوا على رقابهم طواغيت وفراعنة ومستبدين ودكتاتوريين وهلم جرا ولو هذه رسالة ترفعها شعارا الامم المتحدة ولكن لا تقوم بها بتاتا وانما تقوم بها فقط في دول العالم الثالث لمصالح دول العالم الاول ولكن كشعار وتنظير امر مقبول بشريا ان الامم المتحدة تكون راعية لجميع شعوب العالم .

هذا هو نفسه منطق الجهاد الابتدائي ما لكم لا تقاتل في سبيل الله والمستضعفين يعني نفس الموضوع استضعاف سواء في السياسة في الاقتصاد في الامن في اي جانب من الجوانب فاذن الجهاد هو بالمعنى الذي تذكره مدرسة اهل البيت لا بالمعنى الذي تنظر له مدرسة السقيفة وهذا لا ينافي القوانين العقلائية الفطرية الذي تعارف عند العقلاء نأتي للارتداد الكلام الكلام ايضا اذا فسر الارتداد بمعنى المناوئة والمصادمة والمحاربة مع النظام الديني الاجتماعي السياسي الكلام الكلام فان كل الدول من يريد ان يزعزع نظامها الاجتماعي ويشكل خطر على امنهم يستأصلوه وهذا منطق عقلائي موجود اما .

الان ما هي الشواهد القطعية في مدرسة اهل البيت لا في مدرسة السقيفة على ان معنى الارتداد هو هذا اي الالتزام بالعقد الاجتماعي للعقيدة ؟

الدليل على هذا الشيء ذكرنا جملة منها قلنا ان الاسلام كدين جعل التسليم والانقياد والالتزام عقدا من العقود فالاسلام عقد انشاء وليس هو فقط رؤية ومعرفية قلبية عقائدية بعبارة اخرى ما الفرق بين الاسلام والايمان? لماذا سمي الايمان ايمان وسمي الاسلام بالاسلام ؟ فالاسلام كدين اخذ فيه التسليم والانقياد كعقد بين افراد البشر وبين الله او بين النظام الديني فاذن الاسلام مأخوذ فيه التسليم يعني الانقياد والالتزام اذن الاسلام كدين ليس مجرد عقيدة وانما هو عقد اجتماعي لنسيج الاجتماع الديني ولو كان الاسلام فقط معتقد بما هو هو بغض النظر عن التعهد والالتزام وكان مجرد رؤية قلبية وتصديق قلبي وما شابه ذلك لكن الاسلام جعل هوية ومعلم ديموغرافي اجتماعي .

شبيه انت تقبل ان تكون عضوا مواطنا في هذا الوطن فهذا باختيار الانسان والا يمكن ان يهاجر ففي الاعراف العقلائية المواطنة عبارة عن عقد اجتماعي يعني هو يريد ان ينضم الى هذا النظام الاجتماعي ومن ثم لاحظ الان في الاعراف الغربية المهجرين لابد ان يدخلوا في عقد ومشاركة والتزام بالقوانين والهوية والمبادئ لهذا البلد وبالتالي المواطنة والوطن هي عقد اجتماعي وتعهد والتزام بين الطرفين في مقابل ان يدخل في المجتمع ويستفيد من النظام الاجتماعي ومزاياه وخصوصياته مثل ما ورد في النص من تشهد الشهادتين حقن عرضه وماله ودمه وحلت ذبيحته يعني تترتب عليه مزايا واختصاصات .

فاذا امعنا النظر في تعريف الاسلام انه تسليم نلاحظ في الاية الكريمة شاهد مستقل لا تقولوا لمن القى اليكم السلم لست مسلما وفي قراءة اخرى لا تقول لمن القى اليكم السلام لست مسلما في سورة البراءة وسورة النساء فنفسه عبارة عن التسالم والتسليم والانقياد هو التزام وعقد لان الاسلام هذا معناه وهو الالتزام بهذا النظام الاجتماعي فالاسلام الذي ينشأ بالشهادتين وبالاقرار هو بالدقة عبارة عن تعهد والتزام بين الناطق بالشهادات وتعهده بالالتزام بمقتضى هذه الهوية الاجتماعية والسياسية والديموغرافية فاذا كان الاسلام هذه حقيقته فواضح ان الردة خروج عن هذا العقد الاجتماعي وعن هذه الهوية الديموغرافية والخروج عنها يعني هو يرتد ويريد تبديل هذا النظام وتزعزعه والخروج عنه فهذه ليست مواطنة فكيف يؤمن على الوطن? فهو لا يسلم ولا يعترف بهذه المواطنة اي مواطنة اسلامية فيكون عنصر مقلق للامن العام ولهذا النظام الديني الاجتماعي السياسي .

من ثم نلاحظ ان احكام المحارب متقاربة مع احكام المرتد? نعم ليست عينه ولكنها متقاربة وهذا من الشواهد على ما ندعيه ومن ثم عبر في النصوص المستفيضة عن اهل البيت عن هذا الاسلام انه اسلام هدنة يعني فيه نوع من الهدنة وهي عقد ، فتكتسب في هذا المهادنة امن وسلام وتسليم فلا يكون محاربا وبالتالي يغنم خدمات النظام الاجتماعي الديني فيحقن دمه وماله ويحل نكاحه واللطيف ان النكاح كحكم اخذ في هوية النظام الديني الاجتماعي السياسي يعني الاسرة وهوية الاسرة لها دور محوري ركني في تشكيل النظام الاجتماعي ورتب على ذلك حقن ماله وعرضه ودمه وحلية نكاحه من ثم حتى في نكاح اهل الكتاب اللي هم من اهل الذمة جملة من الاعلام سوغوا النكاح سواء دائما او منقطعا بالذمية اما الكافر الحربي فقد استشكل بعض الفقهاء في صحة عقد نكاحهم لانه ليس عنده تسليم وانقياد فنفس التشهد بالشهادتين هو اقرار وتعهد والتزام ورتبت عليه هذه الاثار فالتسليم والانقياد بهذا المقدار حينئذ من يفسخه يرتد وبتعبير الشهيد الاول في الدروس انشاء الخروج من الاسلام يعني انا لا التزم بهذا النظام الاجتماعي الديموغرافي يعني لو كانت الامور بيده او حصل تعاون بينه وبين جهات اجنبية يزيل هذا النظام الديني الاجتماعي وليس النظام السياسي فالارتداد بهذا المعنى فسخ ونكث للمواثيق الاساسية لان العقد الاجتماعي ميثاق فالمرتد يقول ليس يلزمني اي تعهد معكم حتى الامن والامان وهذا يكون مصداقا لقوله تعالى وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ ( 3 ) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ( 4 ) يعني هذا اخراج عن النسيج والنظام الاجتماعي يعني كيف يلتحم ويبقى النسيج الاجتماعي وهو مستعد لخيانتك والبطش والتآمر والتواطؤ عليك ؟

اذن الارتداد عبارة عن اعلان النكث والخروج عن الميثاق الوطني فلا تأمن منه بلغ ما بلغ الخطورة لانه لا يرى في هذا النظام الاجتماعي عقد ملزم له فيفتح المجال لنفسه بان يرتكب اي شيء وليس عنده مانع ومحظور اما اذا تقول انا التزم بنظام اجتماعي فهذا ليس مرتدا ، نعم فكريا مرتد عن الايمان بحث اخر اما كعقد اجتماعي لا زال هو منقاد وملتزم واحد الشواهد نستطيع ان نقول هو وجود المروجين لافكار الزنادقة في عهد الائمة حيث لم يطالب ائمة اهل بيت السلطة العباسية ان تقضي عليهم وتعدمهم مع ان اهل البيت عندهم انضباط شديد في اجراء الحدود فلماذا بدل ان يحاورهم الامام الصادق او الباقر او الكاظم لم يبلغ السلطات ان هؤلاء حكمهم الاعدام لانهم يثيرون الشبهات او كذا او يميلون اليها ويظهرون الميل ولذلك قيل لابن ابي عوجاء كيف تحج انت اذا? يعني لا زلت ملتزما بهذا العقد الاجتماعي .

اتي لك بشواهد عديدة قطعية اخرى اتفق المذاهب المسلمين بما فيهم مذهب اهل البيت وعلماء الامامية ان المنافق اذا لم يظهر مناوئته وكيده لبيضة الدين والايمان يحكم عليه في الظاهر بالاسلام ولو كان عندنا علم اجمالي بان هذا منافق لان نفس هذا الانقياد من المنافق هو درجة من درجات التسليم او قل هو دخل في صفقة وعقد الميثاق الوطني لدين الاسلام من ثم هذا المنافق يحكم عليه بالاسلام بينما القرآن في جملة من اياته كسورة البقرة يذكر ان المسلمين الذين كانوا في قريش ولم يهاجروا مع رسول الله حيث هناك دولتان دولة في مكة ودولة الشريعة السماوية في المدينة المنورة هنا يقول القرآن : إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ( 72 )

فلاحظ فرق بين الاعتقاد والاسلام فالاية اعتبرت الذي لا يتوطن دار الاسلام ليس له خدمات دار الاسلام وليس له استحقاق الرعاية والضمان الا في بعد الدين وان استنصروكم في الدين فعليكم النصر هذا الاية مستقلة في هذا الجانب ودليل على ان الاسلام مواطنة وتوطن دار ولا تعرب بعد الهجرة يعني لا يتخذ بلاد الكفار وطنا يدخل في مسؤولياتهم الاجتماعية لان كل عقد مواطنة او التزام اجتماعي يرتب له حقوق وعليه حقوق فاي مواطن في هذه البلاد يلتزم بالمواطنة له حقوق وعليه حقوق لان طبيعة الميثاق هي المواطنة ميثاق والتزام فلماذا المذاهب الاسلامية تقول دار الاسلام وهل الاسلام يدون الاراضي? نعم يدون الاراضي لان المراد به النظام الاجتماعي وهذا دليل مستقل على ان الاسلام المراد به هذا العهد والعقد والنظام الاجتماعي السياسي الديني والتعبير الوارد في النصوص والفتاوى دار الاسلام دار الايمان دار الكفر دار الحرب .

فاذن هناك شواهد عديدة على ان هذا الاسلام او الردة عنه او الدخول فيه هو عبارة عن النظام الاجتماعي السياسي وهناك شواهد اخرى اكثر في هذا المجال قطعية وليست ظنية فلنلتفت الى ان الردة ليست بحث العقيدة وانما بحث التسليم بان النظام السياسي هو هكذا وهي تنبه على ان الارتداد بهذا المعنى ليس بالعقيدة وانما الميثاق الاجتماعي الان في العلوم السياسية والقانونية والاجتماعية والانسانية عندهم نظام الهوية الدينية والاجتماعية فوق النظام السياسي فقد النظام السياسي يتبدل كان يصير عباسي سقيفي اموي فالنظام الاموي ليس على هيكلة النظام السقيفي وان كان بينهما تحالف كما ان النظام العباسي كنظام سياسي اختلف عن النظام السياسي الاموي فالانظمة السياسية قد تتبدل وان كان اكثر تبادلا هو الحكومات فالحكومات كل خمس سنوات تتبدل لكن النظام يبقى ، فالانظمة السياسية قد تتبدل لكن النظام الديني الاجتماعي يبقى على حاله فالنظام الديني الاجتماعي السياسي رسوخه وبقاؤه اكثر امدا من النظام السياسي المؤقت .

ثم هذه النصوص الثابت عند كل مذاهب المسلمين دار الاسلام يعني هذا نظام ديني ودار الايمان نفس الكلام ونفس التصوير ونفس الصياغة ومن الشواهد على هذا المعنى في تعدد هياكل نظام ديني اجتماعي سياسي ولو بطيء التغير او طويل الامد الى حد ما هو تغيير حكمها انه لماذا في دساتير كل الدول في ديباجة الدستور ومطلع القوانين يحددون دين المجتمع ما ربطه بعلم القانون السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية والاحوال الشخصية ؟ فحتى الدول العلمانية تنبه على الدين مما تجعله ديانات او تجعل دين او لا دين بل حتى الالحاد كرؤية وعقيدة يحدد ؟ فلماذا في دساتير العالم العقلائية يتكلمون عن عقيدة المجتمع سواء ملحدة او بوذية او مسلمة او نصرانية ؟ فلماذا يتكلمون عن العقيدة ويجعلوها من البنود الاساسية في الدستور من حيث ان القانون والدين كنظام ديموغرافي ونسيج اجتماعي مهيمن على النظام السياسي والنظام السياسي مهيمن على الحكومات فذاك اكثر ثباتا .

اذا اتضح هذه الانظمة فالخروج عن هذا النظام الاجتماعي الديني والمناوأة له عبارة عن زعزعة لامن هذا المجتمع ولحضارته هذا هو الاسلام كعقد ميثاق اجتماعي فالاسلام يستعمل بمعاني وبمقامات وشؤون هنا هذا المعني يعني الخروج عن هذا النظام الديني يعني اصل دستور البلد لا يمكن ان تقول لا اقبله فاي ميثاق بينك وبين هذا البلد واهله ونظامه ؟ يعني حتى لو يأتي اجنبي تتواطأ معه بتغيير هذا النظام وامنه العام وهوية المجتمع فانت لست مسالما ولا مهادنا انت محارب بشكل خفي او معلن حتى في بحث المحارب الان تحقيقات جديدة عند الفقهاء رب محارب بالقوة الناعمة اخطر من المحارب بالقوة الساخنة فالساخن عنده سلاح وينشر سلاحه ويقتل عددا محدودا من البشر اما بالقوة الناعمة يستطيع ان يهدد كل المجتمع ويزعزعهم ويوجب التخلخل في النسيج الاجتماعي والهوية الاجتماعية اذن هذا البعد في الارتداد صار واضحا بهذا اللحاظ ونكتفي بهذا القدر وان كانت هناك معاني اخرى لا اكراه في الدين والا ننتقل الى المقطع الاخر في اية الكرسي .

 

logo