« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث التفسیر

47/05/19

بسم الله الرحمن الرحيم

مراتب الدين في الملل والنحل ومعاني الإكراه

الموضوع: مراتب الدين في الملل والنحل ومعاني الإكراه

كنا في الاية الكريمة الكرسي وهي ايات التوحيد والولاية ومر قوله تعالى ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾[1] طبعا هناك ايات اخرى موجودة ﴿إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ﴾[2] او ﴿فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ﴾[3] او مثلا ﴿إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ﴾ فايات عديدة في هذا البيان التي تبين ان ليس هناك الجاء في الدين ولكن اذا دققنا وتدبرنا فيها نجد المراد انه ليس الجاء في الدين وليس ان هناك لايوجد الجاء في الشريعة نعم في الشرعية الزام وكما مر لا يمكن خلو نظام اجتماعي عن الالزام القانوني والا يسبب الانفلات فحتى الباحثون والعلماء رأوا ان نظام الغابات فيه مقررات لذلك كثير من الحيوانات تعيش مع صنفها حياة اجتماعية لها مقررات وقوانين فهناك حياة الزامية يعني حتى في نظام الغابات قوانين وليس انفلات كما نظن فاذا كان المراد من نفي الاكراه هو نفي الاكراه القانوني الالزامي في مقابل السلوك الاجتماعي والفردي الجماعي والمجموعات لا يمكن ان تتصور انه لا يوجد الزام فهذا لا معنى له لذلك ارادة وحرية مطلقة بدون قيود ليست معقولة بل ضرورة الدين ثابت حتى عند الملاحدة يعني حتى لو نفترض مجتمع ملاحدة فهم لابد يتدينون ويتحاسبون ويحاسب بعضهم بعضا ضمن مقررات معينة .

فالدين ضرورة والا لا يمكن تأليف مجتمع معين حتى لو كان مجتمعا الحاديا علمانيا ماديا لا بد يتداينون يعني يلزم بعضهم بعضا ويداين بعضهم بعضا بمقررات معينة واصلا نفس الالحاد كنظرية هي معتقد ودين يعني حتى الملحدين يكرون على ما فروا اليه فالدين ضرورة سواء تبنيت انت الالحاد او الشرك او اي شيء فالدين او الرؤية الكونية ايضا كمعرفة لابد منها في كل الملل حتى الملاحدة والدهريين لابد لهم من رؤية كونية شمولية وهم يعبرون عنها ايدولوجية معينة اما دعوى انه ليس هناك الزام فهذا لا معنى له لان كل شيء فيه الزام وليس انفلاتا مطلقا والا لا يمكن حتى تأليف نسيج مجتمعي للبشر بل حتى للحيوانات لانها تعيش بنظم حيث وجد العلماء في عالم الحيوان انه اذا يكون خللا في مجموعة من المجموعات سيسبب خللا في كل الدورة الطبيعية الحياتية فحتى نظام الغابات فالبشر في تصوره وعلمه الناقص يقضي على ميكروب معين او على حيوان معين ثم يرى بعد ذلك انه يختل نظام الطبيعة كثيرا كالنباتيات والحيوانات والهواء والجماد الان البشر متخوف من الجفاف في الامطار والمياه وكثير يعترفون ان سبب هذا هو نفس يد البشر وعندنا ان المعاصي على حالها وان لم يعترف بها الماديون والملاحدة.

فالمعاصي توجب ان الله يمسك رزقه عن عباده والمطر هو اساس الحياة فكل دور المعيشية بكل نظمها صناعية تجارية زراعية كلها ترجع الى الماء وان انتفى الماء تنتفي الدورة الطبيعية كلها والطبائع كلها وفي الوحي حكم من احكام الله يقام ابرك على الارض من اربعين يوم مطر كما ان تعطيل حكم من احكام الله يحبس المطر عن اهل الارض وهذه قاعدة متواترة في بيانات الفريقين لا سيما عند اهل البيت لكن عبر عنها بلفظ حد والحد ليس المراد به العقوبة كما يتبادر الى ذهننا لكن في استعمال الوحي الحد يعني حكم الله .

مثلا في سورة البقرة يذكر الله تعالى ان الاحكام التي وضعها الله بين الزوجين يجب ان يلتزم به كلا الطرفين لكن يعبر عنها بالحد ﴿تلك حدود الله فلا تعتدوها﴾[4] افترض انت تنازع انه لا نريد حاكم ديني وانما نطالب بحاكم غير ديني لكن الحكم لا بد ان يكون دينيا يعني حكم الله ففرق بين الحكم والحاكم الان بغض النظر عن الحاكم انت تعال للحكم فكثير من المتدينين يخلطون ويخبطون بين الحاكم والحكم يعني لايفرقون بين الحكومة الدينية والحاكم الديني وحتى الفقهاء ذكروه .

مثلا السقيفة ليس معناه ان تحكم بما تهوى السقيفة الحكم لابد ان يكون لله لذلك امير المؤمنين كان يلزم حكام السقيفة باحكام الله سواء مع النظام السقيفي او الاموي او العباسي فالائمة يلزمون هذه الانظمة باحكام الله ويعترضون عليها بانها لابد تجري ذلك سواء في القضاء او في غيره من الموارد سواء في الضريبة في الاقتصاد هب انك تجحد الحاكم الديني ولكن ماذا عن حكم الحاكم عن حكم الدين? هب انك تنكر الحاكم الديني المنصوص عليه لكن الاحكام الدينية كيف? فليس لانك تنكر الحاكم الديني فاذن تنكر الحكم الديني والحكومة الدينية فان هذا لا معنى له طبعا الحاكمية الدينية يعطي للنخب وللخبرات هذا بحث اخر ولكن ليس بتجنيب احكام الدين ومن ثم ائمة اهل البيت مواقفهم سواء مع النظام السقيفي او الاموي او العباسي متصلبة في الحكم الديني وابدا لا يهادنون .

هنا نص الباري تعالى في سورة المائدة كيف يحكمونك وعندهم التوراة? حيث اليهود ارادوا ان ينتزعوا من النبي حكما يغاير حكم الله فالله استنكر انه كيف اليهود يريدون ان يجمدوا حكم الله ولكن في قبال حكم الله هم يتخيلون ان رسول الله ينشأ حكما اخر وهو ليس من صلاحية النبي فحكم الله مهيمن حتى على سيد الانبياء هب انك لا تعترف بسيد الانبياء كبعض العلمانيين من الفريقين بل حتى من الوسط الداخلي لا يعترفون الانبياء بانه حاكم ولا يعترفون لوصيه انه حاكم ولا يعترفون لفاطمة بان لها الفيء وهذا حتى من الوسط الداخلي ولكن حكم الله كيف? هذا كله بالنسبة لحاكمية النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين اما فاطمة ليست بحاكمة وليست بامرة وناهية وخطبتها في فدك لا نعير لها شأنا فهي ليست امرة لماذا تأمر وتنهى? ولماذا تقحم نفسها في اخطأ مصير يمر على المسلمين وكأنها قاضي القضاة للدين والملة تأمر وتنهى وتردع وتزجر ؟ افترض انت لا تؤمن بحاكميتها وبحجيتها وولايتها وبامرها العسكري للانصار حيث تأمرهم مرتين ان ينهضوا عسكريا في قبال النظام السقيفي افترض انت تقول هذا تقحم من فاطمة فيما ليس من شأنها وصلاحيتها لكن حكم الله ماذا تقول عنه? فحاكمية الله ان الله احكم الحاكمين ﴿ان الحكم الا لله﴾[5] وليس للبشر هذا التفكيك شيء عجيب .

فهذا الذي مر بنا ان الدين والمداينة لابد منه فحتى الالحاد هو دين ورؤية عقائدية وايدولوجية وعلى ضوئها تقرر مقررات وقوانين فلا يمكن للقوانين الاجتماعية ان لا تنبثق من رؤية ايديولوجية بل لابد ان تنطلق من ايديولوجية حتى العلمانية والالحاد والشرك هذا تسلسل قهري تكويني عقلي فلا يمكن ان ينبثق نظام اخلاقي من دون رؤية لا عقلا ولا تكوينا ولا جبلة لاحظوا الان الملاحدة او العلمانيون ينفضحون لو انكروا الفضائل الاخلاقية لانه حتى الحيوانات في الغابات عندها مبادئ خلقية يعني الملاحدة ما يمكن لهم ان يتنكروا او يجاهرون بانكار الفضائل الاخلاقية لانه سيتوحشون .

هذا الذي ذكره سيد الشهداء كونوا احرارا يعني التزموا بمبادئ اخلاقية فان لم يكن لكم دين على الاقل التزموا بمبادئ اخلاقية يعني المبدأ الاخلاقي هو دين الفطرة فلا اقل الدين بشكل ضامر وفطرة الدين بدرجة الضمور وهو انزل درجات الدين ان كنتم عربا كما تزعمون وهي المبادئ الاخلاقية وهذا نبراس عظيم الذي اعطاه سيد الشهداء العار خير من دخول النار والموت خير من ركوب العاري فهذه ثلاث درجات ذكرها سيد الشهداء هي منطق مبادئ فطرية اخلاقية حتى بدرجة الضمور يعني القرآن الكريم والقرآن الناطق سيد الشهداء يعلمنا ان لم يكن هناك دين لكن دين الفطرة هذا لابد منه فحتى الملاحدة لا يستطيعون ان يتنكروا له ولا العلمانيون لانه نظام الاخلاق لا يمكن ان يتبرأ منه ولا يمكن انكاره والمروق عليه لانه من ارتد عن دين الفطرة الاخلاقية سيتوحش البشر منه فالبشر يفضحوه ويدينوه يعني الفطرة انزل مرتبة في الدين يتداين البشر بل المخلوقات مع بعضهم البعض فالفطرة درجة ضامرة للدين وليس الدرجة المفتقة المفصلة .

لذلك لاحظ الملاحدة او العلمانيين او الرأسماليين لا يمكنهم ان يجحدوا الفضائل والرذائل لانه يتعرون وكل البشر يتشائمون منهم ويستوحشون وهذه قرارات الزامية فلا يوجد هناك كائن بشري او غير بشري مخلى السرب من قيود الفضائل والرذائل هذا ادنى درجات لا اكراه في الدين وهذا مبحث حساس يعتبر من ابواب علم الكلام الجديد يعني هي مدارس لقراءات جديدة في علم الكلام لا تتصادم مع ضروريات الاسلام بالعكس تبرهنه وتعززه اكثر ولكن بلغة عصرية .

من هذه البحوث في علم الكلام الجديد هو بحث الدين على مستوى الفطرة او الدين الفطري او الفطرة الدينية تعابير متعددة لانه مر بنا ان الدين هو غير الشريعة وغير الملة وغير الطريقة وغير المنهاج وغير الفرائض وغير السنن لانه في القرآن الفريضة تسند الى الله وايضا تسند الى الله سنة الله غير السنة النبوية سنة الله غير فريضة الله فهذه عناوين وحيانية متعددة مرت بنا الان ما الفرق بين الدين وبين هذه العناوين كلها? في احدى سور القرآن بين الله جملة من الاحكام الشرعية ثم يقول ذلك مما اوحينا اليك من الحكمة كما في سورة الاسراء مع ان الذي ذكر القرآن هو تشريعات لكن سماه حكمة وقد يسميه حكما وهو ليس عين القانون فلما بلغ اشده اتيناه حكما ، الحكم هنا ليس القانون فهذي العناوين المنهجية او المحورية في منظومة الوحي ما الفرق بينها وبين الدين? سبق ان تعرضنا الى موارد عديدة منها وان كان كثير من علماء الفريقين في العلوم المتعددة الدينية يخلطون بين الشريعة وبين العلم لانهم لم يتنبهوا الى تعاليم وبيانات اهل البيت وابتعدوا عنها فوقعوا فيما وقعوا فيه ولا يعلم الدين الا اهله او بالنسبة لعيسى يعلمهم الكتاب والحكمة الحكمة هنا ليس بمعنى القانون المقصود ان هناك محاور عديدة في الوحي ما الفرق بين الدين وهذه المحاور? ثم ما الفرق بين الدين الفطري ودين الوحي؟ فالفطرة هي نوع من الوحي كما يعبر علماء الامامية في علم الكلام او الاصول العقل وحي فطري ردا على الاخباريين المهم ان مباحث الفتطة معقدة موجودة في بيانات اهل البيت والقرآن الا ان الخلط فيها بشكل جدي في العقود الاخيرة ولكن مدرسة الامامية اخذ فيها في النهوض وهذا شيء مهم جدا حتى البشرية تنبض بهذا البحث الفطرة او الدين .

امير المؤمنين في الخطبة الاولى او الثانية في نهج البلاغة يبين معجزات مذهلة في العلوم منها فلسفة الانبياء والرسل فيبين ثلاث او اربع فلسفات لارسال الرسل من قبل الله ليثيروا دفائن العقول لا انهم ييلغوا العقول بالعكس هم يقومون بتطوير العقول لا انهم يلغون العقل لاحظ هذه معجزة كلام امير المؤمنين في القرن الاول ومع احترامنا لصحبة رسول الله وهم ليسوا اشخاص وانما نفس الصحبة شرف مقدس يا نساء النبي لستن كاحد من النساء ولكن مقيدة بـ ان اتقيتن والا يضاعف عليكم العذاب ، فالصحبة ايضا مقدسة ولكن ان لم يحدث ولم يبدل ولم يغير اما اذا بدل واحدث فلا كما يقول رسول الله على الحوض اصحابي اصحابي فيقال لكن ما تدري ما احدثوا من بعدك ثم يقول سحقا سحقا بعدا بعدا فمع ان الصحبة مقدسة لكن اين من اين? وبتعبير ابن سينا يقول علي بين الصحابة كالعقل بين الاجسام .

فامير المؤمنين يقول ارسل الرسل ليثيروا دفائن العقول فهناك تنمية وتطوير للعقول لا ابادة ويستئدوهم ميثاق فطرته لان الفطرة كما يقول امير المؤمنين فيها مواثيق يعني يجب تنمية الفطرة ورعايتها ميثاق فطرته فعدة فلسفات عظيمة لارسال الرسل يذكرها سيد الاوصياء يستئدوهم ميثاق فطرته اي الفطرة فيها مواثيق وهذا مبحث حساس هو ﴿فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم﴾[6] ولا يمكن ان ينكره العلمانيون ولا الماديون ولا الحداثويون بل حتى السقسطائيين يخشون جحد الفطرة الاخلاقية لانهم اذا انكروا ذلك وجحدوه سيتوحش البشر منهم اكثر مما يتوحشون من الوحوش لان التوحش الانساني اخطر من التوحش الحيواني فلاحظ بحث لا اكراه في الدين اي دين ؟ اذن الدين له مراتب ومن ثم امير المؤمنين من اعجازه في علم الملل والنحل والمذاهب يقول اول الدين يعني يبين ان الدين مراتب فهذا﴿لا اكراه في الدين﴾[7] هل كل المراتب ام كيف? هذا بحث مهم جدا

 


[1] السورة البقرة، الایة 256.
[2] السورة الغاشیة، الآیة 21.
[3] السورة النحل، الآیة 82.
[4] السورة البقرة، الآیة 229.
[5] السورة الانعام، الآیة 57.
[6] السورة الروم، الآیة 30.
[7] السورة البقرة، الآیة 256.
logo