« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث التفسیر

47/05/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الدين والشريعة وأركان الفروع

 

الموضوع: الدين والشريعة وأركان الفروع

الكلام في اية الكرسي انها اية التوحيد واية الولاية وصلنا الى قوله تعالى في الاية الثانية ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾[1] فكلامنا في ﴿لا اكراه في الدين﴾[2] ولم يقل لا اكراه في الشريعة او لا اكراه في الملة او لا اكراه في الطريقة وهلم جرا وانما لا اكراه في الدين والاخير يطلق على العقيدة فالعقيدة هي جل الدين بل كل الدين فوجوب الصلاة هو وجوب اصل الصلاة والاعتقاد حيث الاعتقاد بها من اصول الدين ولذلك مر بنا انه يقال اركان الفروع فاركان يعني اصول اركان ، يعني اصول الفروع فيقال اركان الفروع عشرة فعشرة هوعدد الاركان فوجوب الصلاة ليست من الفروع كما نبه الفقهاء في اول مبحث الصلاة فلا ينسخ وجوب الصلاة ووجوب الحج لانه من الاصول لذلك تعرض الفقهاء في اول مبحث من كتاب الحج الى ذلك وكذا في اول مبحث الصلاة وكذا في الصوم وكذا الزكاة وكذا الجهاد فبحث الفقهاء في هذه الابواب عن حكمها في اول مسألة يتعرضون فيها تبعا للادلة ورتبوا على ان انكار هذه الابواب يؤدي الى الارتداد فلماذا بحثه الفقهاء?

هناك غفلة عجيبة عن انه لماذا ركز الفقهاء في كتاب الصلاة اولا على وجوب الصلاة وان انكاره يوجب الارتداد لا انه يوجب القضاء والفساد والصحة كذلك الصوم والزكاة والخمس والجهاد والحج وهذا بحث عقائدي ولم ينقحه علم الكلام وانما علم الفقه لذلك ذكرنا ان في الفقه قائمة من ابحاث عقائدية خطيرة بامتياز وكثير ممن يخوض في الفقه لا يغوص غوصا كافيا في هذه المسائل العقائدية التي نقحها علم الفقه والفقهاء فلدينا قائمة من المباحث العقائدية لم يخض فيه المتكلمون في علم الكلام ولا الفلاسفة ولا العرفاء ولا المفسرون انما نقحها الفقهاء في ابواب الفقه فبالدقة مباحث كلامية وليست فقهية محضة ومع ذلك تعرض لها الفقهاء فمن ثم هم فرقوا بين ترك اداء الصلاة وانكار وجوب الصلاة وكذا في باب الحج كلماتهم حافلة بهذا فلو تجمع كلمات طبقات الفقهاء فقط في هذا الموطن لتتوفر على مباحث عقائدية جمة مهمة .

انت لاحظ الردة والارتداد هل هو خروج من الدين او الملة هذا لم يبحثه المتكلمون بشكل كافي نعم بحثوه بشكل اجمالي مبهم بينما الفقهاء في ابواب عديدة بحثوا الاردة وهذا مبحث عقائدي بامتياز وصعب مستصعب غامض معقد فلو تجمع كلمات الفقهاء في هذا لتتوفر على مادة عقائدية مهمة في التمييز بين علم الكلام وعلم الفقه .

الفرق بين الاسلام الظاهري والايمان تعرض له الفقهاء وبسطوه اكثر مما تعرض له علماء الكلام فدائما في علم الكلام هناك اجماليات لكن في الفقه يتعرضون الى تفاصيل دقيقة هذه قائمة اخرى من المباحث العقائدية الموجودة في الفقه بلغة فقهية وليست بلغة كلامية محضة وانما هي مخلوطة فقهية كلامية وهذه القائمة من المسائل العقائدية في الفقه ليس كل الفقهاء متضلعون متوسعون فيها وانما كثير من الاعلام يمرون عليها مرور الكرام نعم هناك جماعة ممن توسعوا في هذه المباحث في الفقه .

فاذن لا نظن ان كل ما يبحث في الفقه هو في الفروع بل بحث الفقهاء ايضا في الاصول كما ان الروايات الواردة في الفروع جملة منها تتعرض الى الاصول الاعتقادية والعقدية مثلا مبحث فرق المذهب عن الدين? سواء كان مذهبا اعتقاديا فقهيا ما الفرق المذهب عن الدين وعن الشريعة هذا المبحث بحثه الفقهاء بتدقيق اكثر مما بحثه علماء الكلام فالمذهبية والتمذهب والملة والنحلة بحثه الفقهاء .

اذن لاحظ هناك بحوث كلامية عقائدية جمة موجودة في الفقه وليس كل الفقهاء غاصوا فيها او تضلعوا حيث الكثير ان لم يكن الاكثر من الفقهاء يغوصون ويتضلعون في المباحث الفقهية الكلامية في الفقه ويمرون عليها مرورا سطحيا فاذن عندنا اركان من الفروع هي اصول تذكر مرتبطة بالفروع لا انها فروع فهنا تعبير ﴿لا اكراه في الدين﴾ [3] يدل على ان وجوب الصلاة لا نسخ فيه وليست من قبيل ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾[4] واما الدين فليس فيه نسخ ومن ثم لا يتصور في وجوب الصلاة نسخا بين الانبياء لان وجوب الصلاة ليست من الفروع وانما هي من الاصول نعم شرائط الصلاة واجزائها تختلف من نبي لاخر كذلك وجوب الصوم لانه من الدين وليس من الشريعة وكذا وجوب الحج ووجوب الجهاد .

لاحظ النصرانية المحرفة عن النبي عيسى تنسب زيفا انه ليس هناك جهاد في شريعة عيسى وهذا كذب على عيسى فوجوب الجهاد ما يمكن ان ينسخ في شريعة من الشرائع حيث الشريعة لا تستطيع ان تنسخ الدين ولذلك ورد في بيانات ائمة اهل البيت وهم ادرى بما في بيت الوحي والنبوة ان عيسى قام بالجهاد العسكري عدة مرات حيث كان له نشاط عسكري وسياسي فعيسى عنده مقارعة الدول وانشطة عسكرية وسياسية كما ان النبي موسى هكذا وكذا ابراهيم مع ان الاخير لم يؤسس دولة ولكن كان عنده جهاد عسكري للعمالقة والدول العظمى فكلمة عمالقة في الروايات تعني الدول العظمى وكان المعسكر الذي ينطلق لمحاربة الدول العظمى هو مسجد السهلة وهو معسكر النبي ابراهيم ولعل المراد من نمرود يعني الدولة العظمى في زمانه فكان هناك حرب عسكري قام به النبي ابراهيم وكذا موسى وعيسى ونوح .

فالمقصود ان وجوب الجهاد لا ينسخ بين الانبياء وكذا وجوب الزكاة ووجوب الحج ووجوب الصلاة نعم تفاصيل الصلاة تنسخ لانها اجزاء وشرائط وكذلك تفاصيل الصوم فلنفكك بين وجوب الصلاة وفروع الصلاة .

لاحظوا الدين امده ليس محدودا بعالم الدنيا او البرزخ نعم الشريعة محدودة بعالم الدنيا والبرزخ والرجعة وليس في عالم القيامة شريعة اما الدين فهو شامل لكل العوالم يعني حتى في عالم الجنة وجوب الصلاة موجود ولكن كيفية الصلاة الله اعلم وكذا وجوب الزكاة ووجوب الجهاد قد يكون جهاد النفس مثلا ووجوب الصيام مثلا الصوم عن اللغو ﴿قاصرات الطرف﴾[5] يعني ﴿يغضضن من ابصارهن﴾ [6] يعني عالم الجنة فيه الزاميات شبيهة بالزاميات الانبياء حيث الانبياء يحاسبون حتى على ترك الاولى نعم الجنة عالم بهجة وانس وراحة هذا كله صحيح ولا ينافي ان يكون فيه دين فحتى الانبياء عندما يعيشون في عالم الدنيا يعيشون في عالم سعادة وبهجة وحياة طيبة لا تنافي دقة الحساب .

ورد في الاية لاحيينه حياة طيبة وبالعكس ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا في﴾ [7] مقابل الحياة الطيبة فالحياة الطيبة ليس بالضروري ينحصر في الاخرة وانما هو الان يعيش روحيا حياة طيبة فالانبياء هم الذ من يلتذ بعالم الدنيا وليس بشكل حيوان ظلماني شهواني بل بنمط نوري فهناك من يلتد بالدنيا بدرجتها النورية فحتى النكاح والاكل في النور الذ منهما في الظلمة ، ليس لهم طعام الا من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع فعالم الجنة يحاسب فيها اهل الجنة حتى على ترك الاولى فالجنة فيه وجوبات وجوب الزكاة والصلاة والصوم اما كيف فبحث اخر فعالم الجنة الدين هو هو ولذلك الملائكة رغم ان ليس لهم شريعة الا انهم يقومون بالجهاد واوحى ربك الى الملائكة ان ﴿اضربوا منهم كل بنان﴾ [8] فالملائكة يقومون بجهاد الشياطين والجن اني ارى ما لا ترون مثل ﴿ان الله وملائكته يصلون﴾[9] فالملائكة ايضا يصلون يزكون يحجون يجاهدون الا انهم ليسوا مخاطبين بالشريعة التي نحن فيها وهكذا اهل الجنة واهل كل العوالم لان وجوب هذه الامور من الدين وليس من الشريعة والدين يسع لكل العوالم عوالم الخلقة .

اذن هنا التعبير هو بلا اكراه في الدين وليس بلا اكراه في الشريعة والاصل في الدين العقيدة والقلب فليس هناك اجبار ولذلك ورد هكذا ﴿فمن يكفر بالله﴾[10] ﴿من بعد ما تبين له الهدى﴾ [11] ﴿الا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان﴾[12] فالقلب ما يمكن ان يكره بلى من شرح للكفر صدرا فالصدر شيء خفي .

السيد المرتضى في الاسئلة والاجوبة يقول وجوب معرفة اهل البيت في الصلاة امر اعتقادي وليس امرا فرعيا فالصلاة على النبي واهل بيته في تشهد الصلاة هذا امر اعتقادي وليس فرعا من فروع الدين فالتشهد عبارة عن العقيدة ومر بنا الصلاة برمتها هي انشودة عبادية عقائدية وليست فرعية يعني حتى اداء الصلاة طقس عقائدي من اولها الى اخرها فكل اقوال الصلاة طقس عقائدي سواء ركوع سجود قنوت قيام خضوع فافعال الصلاة كلها طقوس عقائدية فاصل الصلاة ليس فيها رأس ابرة فرع عملي وانما كلها طقوس عقائدية عقائد الايمان او عقائد ظاهر الاسلام من ثم لما تكون عقائدية هل هو عقائد الايمان او عقائد ظاهر الاسلام? انها عقائد الايمان ومن ثم الشهادة الثالثة هي هكذا .

السيد المرتضى يقول حكم الصلاة على النبي والال حتى لو قلة من المسلمين ذهبوا للاستحباب ولكن الاكثرية يذهبون الى الوجوب نقول هب لو ان الصلاة على النبي والال مستحبة ولكن بضرورة المسلمين الصلاة على النبي والال حكمها مطلوب يعني ليست فتوا ظنية وانما مطلوبيتها بغض النظر عن كونها وجوبية او وضعية او ندبية الشهادة الثالثة في تشهد الصلاة ضرورة لدى المسلمين يعني امر اعتقادي حيث كل ضرورة واي حكم في الفروع يصل الى درجة الضرورة يخرج من الفروع ويدخل في الاصول لان الضروريات يجب معرفتها والاعتقاد بها .

السيد الخوئي في كتاب الصلاة في شرح العروة يقول مطلوبية اقتران الشهادة الثالثة بالشهادتين هذه المطلوبية بضرورة اية اكمال الدين يعني ان الاقتران بين الشهادة الثالثة والشهادتين ليست ظنية اجتهادية وانما بضرورة الدين والضرورة يعني امر اعتقادي ، يعني الصلاة اخذ فيها الاعتقاد باهل البيت والاقرار بهم .

فالسيد المرتضى يفتي بوجوب الشهادة الثالثة في الاذان وفي التشهد بوجهين لا بوجه واحد ، وجه ذكره في اجوبة مسائل لمنطقة في شمال العراق الوجه الثاني ان مطلوبية الصلاة على النبي في الصلاة وهي اعم من الاستحباب والوجوب ومن الوضعي والتكليفي وانما هي بحسب فتوى كل مذاهب المسلمين يعني ليست امرا اجتهاديا يعني معناه ان السيد المرتضى والسيد الخوئي ينسبان الى كافة علماء الامامية وعلماء المسلمين بل ضرورة اسلامية ان الشهادة الثالثة والاقرار باهل البيت امر مطلوب مع الشهادتين وهذا ليس فقط وجوب وانما ضرورة واذا كان احد ينفي فهو بحسب الادلة الخاصة لا بحسب الادلة العامة والضرورة .

فهما ليسا فقط يبنيان على الوجوب الاعتقادي بل بالنسبة الى كافة علماء المسلمين ينسبان الضرورة الشيخ الطوسي في كتاب الخلاف يذهب الى ان الصلاة على النبي والال في التشهد ركن وصاحب كتاب مجمع البيان عنده كتاب اسمه المؤتلف افتى بنفس فتوى الشيخ الطوسي ، الفقيه الكيدري في الاصباح فسر فتوى الشيخ الطوسي بانه ركن التشهد وليس ركن الصلاة ولكن ظاهر كلام الطوسي ليس هكذا وانما هو ركن الصلاة .

فيجب ان نلحظ ان الشيء اذا بلغ الضرورة يصبح من منطقة العقائد لا الفروع فمطلوبية الصلاة على النبي والال في الصلاة هو ركن يعني عقيدة فبدون الولاية ليست الصلاة صحيحة فركن الفروع غير الفروع الضرورة تدخل الشيء ركنا في الدين ووجدنا خمسة او ستة من الفقهاء يقولون بضرورة الشهادة الثالثة وليس فقط وجوبها .

 

 


[1] السورة البقرة، الایة 256.
[2] السورة البقرة، الایة 256.
[3] السورة البقرة، الایة 256.
[4] السورة المائدة، الآیة 48.
[5] السورة الرحمن، الآیة 56.
[6] السورة النور، الآیة 31.
[7] السورة طه، الایة 124.
[8] السورة الاتفال، الآیة 12.
[9] السورة الاحزاب، الآیة 56.
[10] السورة البقرة، الآیة 256.
[11] السورة النساء، الآیة 115.
[12] السورة النحل، الآیة 106.
logo