« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث التفسیر

47/05/12

بسم الله الرحمن الرحيم

لا إكراه في الدين (1)

الموضوع: لا إكراه في الدين (1)

 

مر ان اية الكرسي هي اية التوحيد والولاية وهذه الايات الكريمة في اية الكرسي تبين ان الولاية ليست في قبال التوحيد وانما الولاية لله قوام الايمان بالتوحيد كما ان الولاية للرسول قوام النبوة كاصل اعتقادي بالنبوة ووصل بنا الحديث الى قوله تعالى لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ومر انه لماذا قيد هذا البيان منه تعالى بالدين ولم يذكر الشريعة والاحكام التشريعية والمنهاج والطريقة والملة والحكمة حيث هناك عناوين عديدة مرتبطة بالدين ولم يذكر الباري تلك العناوين وانما خصص عدوان الدين فهل هو اخبار او تشريع؟ كما بحثه الفقهاء في لا ضرر ولا ضرار هل هو اخبار او تشريع؟ او من جهة اخبار ومن جهة تشريع .

والاكراه هنا بمعنى الكراهة او معنى الاجبار لا سيما اذا التفتنا الى هذا المبحث ان الدين عام لكل المخلوقات وليس لخصوص الثقلين من البشر والجن ومن خصائص افتراق الدين عن الشريعة ان الاخيرة هي للجن والانس اما الدين عام لكل المخلوقات ولكل العوالم بينما الشريعة بحسب بيانات القرآن واهل البيت ليست خاصة بالحياة الدنيا الاولى وانما تعم البرزخ وتعم الرجعة الى مبدأ القيامة الملة ، ومرتبطة بالوضع الاجتماعي وربما يقال بتعميمها للمنهاج والطريقة هذا بحث اخر وقد يستفاد من الطريقة انها هي كالدين ليست خاصة بعالم الدنيا وان لو استقاموا على الطريقة لاسقيناهم ماء غدقا فليس من الضروري ان تكون محصورة بعالم الارض سيما اذا فسرت الطريقة بالولاية فاذن هي عامة وحتى في عالم الجنة هناك دين بل حتى في عالم الاسماء هناك دين شبيه يسبح لله ما في السماوات وما في الارض فليس فقط في عالم الارض حتى في عالم السماوات يوجد التسبيح والمعرفة والتنزيه وما من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم فالتسبيح هو من اصول الدين يعني تنزيه الباري تعالى وهو عبادة عقلية وروحية وبدنية فالدين بهذا اللحاظ عامل لكل المخلوقات وحيث هناك بيانات ان الارض تسبح : انا عرضنا الامانة على السماوات والارض فابين ان يحملنها وحملها الانسان انه كان كفورا فمسئولية الدين لكل المخلوقات ليست على درجة واحدة فالثقلان او الملائكة درجة تحملهم لمسؤولية الدين اكثر ولكن الدين ليس مقتصرا عليهم ولا اكراه في الدين ليس المخاطب به خصوص الجن والانس وانما كل المخلوقات التي تنتمي الى الباري تعالى فليس هناك اكراه لها .

فالاكراه قد يفسر بالاجبار فلا اجبار في الانقياد للدين وهناك عدة محتملات لهذا المعنى لان الدين بالتالي نوع من التكامل وهذا لا بد ان يقع بدرجة من الاختيار فمما يدلل على انه الاختيار والارادة مكنونة في كل المخلوقات لكن بدرجات متفاوتة وهذا ربما توصل اليه جملة من فلاسفة الشيعة مثلا حديث جذع النخلة وحنينيها وانينها هذا الحديث دال على معجزة لسيد فبكاء الجذع وحنينه من مفارقة سيد الانبياء حديث متواتر عند الجمهور على حدة وعند الخاصة على حدة .

هناك قول ان الاختيار ليس تفويضا محض وانما نسبة من التفويض مع نسبة من الجبر وهذا من اوهن واخطر التفاسير للاختيار ان نقول بان الاختيار نسبة مئوية من التفويض ونسبة مئوية من الجبر فالجبر ما موجود في البين ولا تفويض لان التفويض يعني استقلال فكيف يكون المخلوق عنده استقلال؟ فكل المخلوقات ولو بقدر رأس ابرة عندها تفويض يعني هذا استقلال؟ كلا هذا باطل .

من ضمن الاسئلة من الائمة هل هناك جبر؟ قالوا بل هناك امر ثالث اوسع مما بين السماء والارض يعني الاختيار لا يلتئم مع الجبر ولا مع التفويض وانما امر اخر غير الامرين غاية الامر الاختيار درجات ومضى بنا هذا البحث سابقا ان الفلاسفة والمتكلمين او المفسرين او العرفاء يفسرون بيان اهل البيت لا جبر ولا تفويض ولكن امر بين امرين كانما يحصروه في افعال المخلوقين ومن ثم يقولون هذا بالنسبة للبشر او الجن وليس لكل المخلوقات حتى الكثير ربما يصرح ان الملائكة مجبورين وليسوا مختارين وهذا خطأ ففي كل افعال المخلوقات هكذا ولكن لا جبر ولا تفويض وغاية الامر نسبة ودرجة الاختيار متفاوتة وليست واحدة ثم هذا الاختيار الذي هو درجات ليس فقط في الافعال بل في الذوات يعني حتى في ايجاد الباري للذوات الجوهرية للمخلوقات لا جبر ولا تفويض وانما امر بين امرين .

قد يقال اذن هو مخلوق قبل ان يخلق فكيف نصور له الاختيار؟ نحن نقول له تصوير قاعدة لا جبر ولا تفويض ولكن امر بين امرين اولا غير مختص بافعال البشر وتعم كل افعال المخلوقات ثانيا لا تختص بافعال المخلوقات بل حتى باصل وجود جوهر للمخلوقات فالباري لا يجبرها ولا يفوض اليها الامر وانما هي اختارته شبيه يا ممتحنة امتحنك الله الذي خلقك قبل ان يخلقك يعني قبل تمام مراتب الخلقة او بعض مراتب الخلقة قبل ان يخلقك في الارض او في بعض العوالم امتحنك .

فالمقصود ان قاعدة نفي الجبر ونفي التفويض غير خاصة بالافعال العرضية بل تعم وتشمل الوجود الجوهري للمخلوقات ولا تختص بالجن والانس ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا فسنة الله في خلق المخلوقات سنة واحدة مثلا من الشبهات التي يوردها الصوفية او العرفاء او الفلاسفة حول خلود بعض اهل النار مثل ابن عربي وغيره يعني عندهم يستحيل خلود اهل النار في النار وانهم يقولون لماذا يخلقه الله ويخلده في النار نفس هذه الشبهة هي جواب الشبهة وتعتمد على ان الوجود الجوهري كيف هو وهذه احد الشبهات الابليسية السبعة المعروفة وانه تعلم اني ساعصي وتعلم اني سادخل النار فلماذا خلقتني؟ ونفس هذا الاعتراض من ابليس او من العرفاء والصوفية على الخلود متضمن للجواب لان هذا الاعتراض يتضمن حب المخلوق لوجوده والا لماذا يعترض؟ حيث يقول انا مخلوق ولي حق وحقيقة واستحقاق اذن هو يحب وجود نفسه فوجود نفسه اعز من كل شيء ، فيحب نفسه يعني باختياره يقبل ويريد فقاعدة لا جبر ولا تفيض وانما امر بين امرين ربما كثير من علماء الكلام الامامية خاضوا فيها ولكن فتقها ائمة اهل البيت عليهم السلام قبلهم والا الفلسفة القديمة لليونان تقول بالجبر وحتى ربما في ارتكاز المسلمين ان الملائكة مجبورين وهذا خطأ هذه قاعدة ثمينة ومهمة ذكرناها في سنين سابقة ونقلنا بيانات اهل البيت انها لا تنحصر في الافعال وانما تعم وجود الجواهر وتصويره بحاجة الى دقة كما انها لا تختص بالبشر والجن بل تعم كل المخلوقات في افعالها او في وجوداتها ومر بنا في بداية الحديث ان الدين عام لكل المخلوقات ولكل العوالم وهذا الوجود المخلوق مديون به تعالى فبحث لا اكراه في الدين ملحمة مهمة في اية الكرسي وفي ابعاد عديدة نتناولها في الجلسة اللاحقة .

 

 

logo