« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث التفسیر

47/04/22

بسم الله الرحمن الرحيم

آية الكرسي آية ولاية التوحيد

الموضوع: آية الكرسي آية ولاية التوحيد

 

قلنا اية الكرسي بالاحرى تسمى باية التوحيد واية الولاية وهذه الاية فيها بيانات مؤكدة على ان الولاية لله وقوام التوحيد لله عز وجل بتولي الله مقابل ولي الله ان يعادي الله عز وجل فالولاية مقابل العداوة فالعداوة لله وان ادرك فكريا براهين التوحيد والواحدية والاحادية لله تعالى لكن قلبه ونفسه متمردة نافرة مدبرة عن الباري تعالى هذا ليس له في الايمان نصيب وليس له في التوحيد نصيب لان التوحيد الذي يذكر في علم الكلام ليس هو التوحيد الذي يذكر في بيانات القرآن والعترة فهذا التوحيد في علم الكلام او حتى في علم الفقه يمكن التأمل فيه انه بيان ناقص عن التوحيد الذي في القرآن فالتوحيد الكلامي هو جاف ناقص وليس بكمال التوحيد الذي يذكر في القرآن .

كلامنا ليس في كمال الدرجات والتوحيد العالي وانما في ادنى درجات التوحيد الذي يرتب عليها اثار التوحيد في بيانات القرآن ويختلف عما يذكر في علم الكلام الان لاحظ ما الفرق بين الفلسفة والعلوم الروحية؟ فالمدارس الفلسفية غالبا بياناتها للتوحيد جاف وفكري محض ولا يتناغم مع مشاعر القلب ومشاعر الروح بخلاف التوحيد الذي يذكره الانبياء والاوصياء والرسل والكتب السماوية هو توحيد يتفاعل مع مشاعر الروح والقلب ففي توحيد الوحي مزج بين الادراك الفكري وتفاعل المشاعر والروح وكما يبين الامام الصادق وهل الايمان الا الحب والبغض؟ يعني الحب قوام الايمان اذن ليس فقط المهم انه عندك ادراك دقيق لبراهين التوحيد الفكرية هذا ادراك او توحيد ناقص يجب ان يكون هناك تفاعل روحي ومشاعر روحية وقلبية ونفسية مع هذا الادراك .

تعبير القرآن الكريم في موارد عديدة ان زعمتم انكم اولياء لله من دون الناس فلم يقل اذكروا برهانا فكريا وانما يذكر حالة من حالات الروح والقلب وهو تمنى الموت فايها المنتمي للايمان ان وصل قلبك الى شغف المحبة للقاء الله فتمنى الموت وهذا ليس معناه ان تنعزل عن تدبير الدنيا ولكن هذا هاجس يسرك انك على موعد مع لقاء الله واذا وصل المسلم او المؤمن الى هذه الدرجة حينئذ هو ولي ثم يقول ولا يتمنونه ابدا بما قدمت ايديهم بسبب الاعمال .

فالايمان اذن ليس مجرد فكرة الايمان نظام روحي ونظام اعمال قل ان كنتم تحبون الله فحب الله ما دوره؟ ومن الناس من يتخذ من دون الله اندادا فحبهم لغير الله بدرجة حب الله بل اشد فالله يقول هذا كذب ليس بايمان ومن الناس من يتخذ من دون الله اندادا يحبونهم كحب الله والذين امنوا اشد حبا لله فعلامة الايمان لابد ان تكون المحبة اشد بين المؤمن والله من محبته لذاته ولنفسه وكما ورد متواترا عن النبي عند الفريقين لا يكتمل الايمان او في بعض الالفاظ اشد الايمان يكون الله ورسوله احب اليه من نفسه وماله وذريته وفي بعضها حتى يكون الله ورسوله وذريته المصطفين احب اليه من نفسه وماله وزوجته وذريته .

الزمخشري في الكشاف التفت الى النكتة جوهرة ثمينة بلاغية جدا في اية المودة قل لا اسألكم عليه اجرا الا المودة في القربى ونقل عنه السيد عبدالحسين شرف الدين وهو متضلع في علم البلاغة انه يقول ان اية المودة ليست في صدد ان مودة قربى النبي فريضة عظيمة فان هذا مفروغ منه وانما قربى النبي في اية المودة مطوي فيها مودة النبي لان مودة قربى النبي فرع مودة النبي فالاضافة تدل على ان النبي الاصل بمودته هو مودة الله لانه نبي الله فاذن هذه الاية في صدد مودة الله والنبي وقربى النبي .

شبيه انما وليكم الله ورسوله والذين امنوا او هذه الثلاثية موجودة فاية المودة تبين ان اصل الدين ثلاثية الشهادة وهذه من ضمن الايات التي تبين التأصيل القرآني للشهادات الثلاث والزمخشري عنده نكتة عظيمة نفيسة فالزمخشري يقول مودة القربى النبي هذا مفروغ منه وانما الاية في صدد ان مودة القربى ناشئة من مودة النبي ومودة النبي ناشئة من مودة الله فالاية في صدد ان مودة الله ونبيه وقربى نبيه يجب ان تكون حاكمة ومقدمة على كل المودات والمحبات والانتماءات والولايات .

ففث هذا الحديث النبي يقول لا يكمل ايمان عبد حتى يكون الله ورسوله وذريته المصطفين احب اليه من كل المحبات الاخرى يعني احب اليه من نفسه وتكون عترتي احب اليكم احب اليه من ذاته وهذا نفس النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم فكما ان النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم فوصي النبي اولى بالمؤمنين كما قال النبي من كنت مولاه فعلي مولاه فكيف النبي اولى بهم من انفسهم؟ فعلي ولايته اولى فالاية في صدد ان كل المحبات والمودات يجب ان تكون تحت هيمنة محبة الله ومحبة الرسول ثم محبة اهل البيت وان ساويت بين مودتك وودادك لغير الثلاثة مع الثلاثة فانت لن تكون اتيت اجرة الدين قل لا اسألكم عليه اجرا على الدين وهذا البيان في اية المودة عين البيان في اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا وعين ما هو موجود في اية الكرسي فمن يكفر بالطاغوت؟ يعني ولاية ائمة الجور ويؤمن بالله يعني يؤمن بالله وبنبي الله .

ففي اية المودة يضمن الشهادة الثالثة بالشهادة الثانية والاولى فالمدلول المطابقي لاية المودة والاطار الظاهر لها هو الشهادة الثالثة اي مودة ذوي القربى لكن في الحقيقة هذه منطوية فيها الشهادة الثانية والشهادة الاولى وتارة في بيانات القرآن يكون العكس يذكر الله الشهادة الاولى لكن مراده ينطوي فيها الشهادة الثانية والشهادة الثالثة كذلك يذكر الشهادتين لكن منطوي فيها الشهادة الثالثة فذكر احد الشهادات الثلاث ليس اضغاء لبقية الشهادات الثلاث وانما مطوي مثل دليل اني ولمي فمنطوي فيهما اكثر هذه البيانات .

فمن جانب يقول ومن يطع الله ورسوله كثير في القرآن ورددت في اية واحدة اطيعوا الله واطيعوا الرسول اذن هذه مفسرة لكل تلك الايات فلا تقل انه عشرات الايات فقط فيها ثنائية الشهادتين يطع الله ويطع الرسول فلا نحكم الاية التي فيها الثلاثية على الثنائية اقول هذه ليست معقولة فواضح الاية اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر بمثابة مفسر لتلك الايات ومن يطع الله ورسوله فهذه الثنائية موجودة في الثلاثية .

لاحظ التنوع واللسان القرآني فتارة يقول الله هو الولي كذا كذا لكن في جانب اخر يقول انما وليكم الله ورسوله والذين امنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون علي ابن ابي طالب اذن ايات الولاية التي فيها شهادة واحدة ربما الشهادة الاولى توضحها الايات التي فيها الشهادة والولاية لله ولرسوله وتوضح ايضا هذه الايات اية انما وليكم الله ورسوله والذين امنوا فهي ثلاثيا وهذا شبيه الطاعة تارة اطيعوا الله هذه شهادة اولى وتارة اطيعوا الله واطيعوا الرسول ولا تنافي بينهما فاذا كان كنت فقيها متكلما مفسرا تجمع بينهما فهكذا في الولاية والمودة .

مثال اخر في اية الحشر فالخمس جعل لله وللرسول ولذي القربى وكذلك الفيء في سورة الحشر جعل ولايته لله مع ان الاية السابقة لله وللرسول لكن هذه الاية في سورة الحشر لله والرسول وذوي القربى وليس تنافي فيها ولا يوجد تناقض بينها وانما مجمل ومبين .

مثال رابع وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله وفي اية اخرى وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وهي ثلاثية وفي ايات كثيرة ان الله رقيب وان الله شاهد يعني فقط شهادة اولى وفي ايات شهادتين وفي اية ثلاثية .

مثال خامس ايات الشهادة فتارة الله شهيد وتارة الله ورسوله شهيد وتارة الله ورسوله وذريته شهداء ملة ابيكم ابراهيم يعني ذرية ابراهيم يعني اسماعيل وذريته هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس انت لاحظ في القرآن مقام الشهادة على الاعمال وهذا لم يسنده القرآن الى نوح موسى وعيسى وابراهيم هذه شهادة الاعمال على جميع الناس ما اسندت الا الى النبي محمد ، النبي عيسى يقول وكنت شهيدا عليهم ما دمت فيهم او ايات اخرى يوم ندعو كل اناس بامامهم وايات اخرى تقول ان كل امة لها رسول فاذا جاء يقام حسابهم وهؤلاء الشهداء هم ذرية ابراهيم ملة ابيكم ابراهيم وكما في سورة البقرة وفي سورة الحج ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا امة مسلمة لك وهم ذرية اسماعيل لا ذرية اسحاق يعني اهل البيت فالشهادة على جميع الامم وجميع الناس لم يسنده الله الى نوح وابراهيم وموسى وعيسى فضلا عن بقية الانبياء ولكن اسنده لسيد الانبياء ولقرباه واسند اليهم الشهادة على جميع الناس في هذه السورة وفي سور عديدة وجئنا بك على هؤلاء شهيدا فليس هنا تنافي هذا نظام الشهادة يفصله القرآن من خلال سور عديدة لا من خلال سورة واحدة .

نعم ورد في الدليل الشهادتان لكن وردت في ادلة متعددة ان الشهادة هي الشهادات الثلاثة والا ايضا ورد في رواية الشهود يجزئك الشهادة الاولى ولم يعمل بها احد ففسروها وحملوها على معاني يعني وما تتضمنه ، كما انك يجزيك الشهادتان في تشهد الصلاة لم يعمل به الاعلام لان الصلاة على النبي والال عنصر ثالث واجب فهذا البيان اما اجمالي يفسره البيانات التفصيلية وهذا ليس تناقض بالعكس بيان حقيقي لتفاصيل هذه المنظومة فهذه نكتة مهمة التفت اليها الزمخشري ونبه عليها السيد عبدالحسين شرف الدين ان الله لم يقل مودة القربى وانما المودة في القربى فهو يأتي بست احتمالات في الترتيب لم يأت به القرآن يقول هذه لها معاني اخرى بخلاف قل لا اسألكم عليه اجرا الا المودة في القربى يعني احصروا كل المودة ومركزها هو مودة اهل البيت وهذا تدقيق بلاغي بديع من الزمخشري فالتوحيد ليس قوامه ادراك فكري وانما تولي قلبي وعملي .

مثلا هل يمكن ان نقول ان عدوا من اعداء الله ولكنه يدرك براهين التوحيد فهو موحد ؟ كلا وحاشا وهو ليس مؤمن اذن ليس التوحيد كما يصور في علم الكلام او الفقه هو مجرد ادراك واحدية الله لابد حب الله وتولي الله والاقبال على الله موجود من ثم كان ابليس متمردا على الله وعدو له وكافرا وليس موحدا كما يتخيله عرفاء الصوفية ، هل الايمان الا الحب ؟ فالايمان ليس فقط فكر وبرهان فالولاية لله في الاصل وفي التوحيد امر لا مفر منه وهذا باصل التوحيد وليس في الكمالات العليا في التوحيد فالشهادة الثالثة التي تمثل ولاية الله في الاصل ثم ولاية الرسول ثم ولاية علي ابن ابي طالب هي مأخوذة في اصل التوحيد هذا نظام القرآن والكفر والشرك في الولاية اعظم من الكفر والشرك في الادراك الفكري ونقلت لكم هذا القائل الذي يقول الكفر والشرك في القرآن ما نستطيع ان نقبله انه ورد في الولاية ، نحن نقول في قباله كله في الولاية لان الادراك الفكري حتى المشركون يدركوه والملاحدة قلة وهذا ما تريد ان تؤكده اية الكرسي التي هي اية الولاية واية التوحيد.

 

logo