« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

47/06/26

بسم الله الرحمن الرحيم



المحاضرة 661

يوم الأربعاء 26/جمادي الثاني/1447

باب الالفاظ، مبحث العام والخاص

التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص

استصحاب العدم الازلي

بنية الظهور عرفية ام قواعد علمية

 

كان الكلام في تتمة استصحاب العدم الازلي ومر بنا ان التقييد والتضييق لا يختلف في التركيب النعتي او الانضمامي. شبيه ما قاله المرحوم النائيني ان متمم الجعل وان لم يكن متمم الجعل قالبا ولكنه نفس نتيجة التقييد.

فهذا الذي قال المرحوم النائيني يرد عليه ان التقييد تضييق سواء بالتقييدات الأولية او التقييدات الثانية. المحقق العراقي والكمباني رحمهما الله يقولان ان القضية الحينية صورة قضية حينية لكنها لبا مثل القضية الشرطية بلا فرق ولكنها معضلة منطقية كيف يحلوها. بتعبير المحقق العراقي حسب نقل تلميذه استاذنا الميرزا هاشم الآملي انها قضية صعبة غامضة كيف القضية الشرطية والقضية الحينية نتيجتهما واحدة وكذلك المرحوم الاصفهاني لما يقول بالعنوان المشير انه مثل المقيد وإن لم يكن يعنون بالمقيد. ليس تقييدا اصطلاحيا. هذا المبحث في المعنى الحرفي. بنى المرحوم الاصفهاني على العنوان المشير فهو عنوان شبيه بعنوان المقيد لكنه ليس مقيد بل يعبرون عنه بالعنوان المشير.

وان كان في الباري تعالى ومقام التوحيد يقولون انه حتى الإشارة فيها اشكال. في حديث الحقيقة «محو الموهوم وصحو المعلوم وكشف صبحات الجلال من غير إشارة».

لا اقل في الممكنات الامر سيان ان العنوان المشير نتيجته التقييد. فاذا سواء في التقييدات الأولية او التقييدات الثانوية لا فرق في ذلك من حيث الضيق.

نقطة أخيرة ذكرها الشهيد محمد باقر الصدر رحمه الله في شرحه على العروة على الطهارة وقال: ان تصوير استصحاب العدم الازلي مرتب ولطيف ونتيجته صحيحة وسديدة ولكنه دقة ومداقة عقلية بعيدة عن ادراك العرف. فالتمسك بعموم الاستصحاب بهذه المقدمات غير عرفي وليس بحجة. هذا محصل كلام الشهيد الصدر رحمه الله.

يعني انه ما اقتنع بمقدمات الميرزا النائيني انه تقييد ونعت. وقبل انه تركيب انضمامي لكن هذه المداقة لا يفهمه العرف حتى المداقة العرفية لا يفهمها. بل الاعلام بينهم الخلاف فليس بحجة. هذا محصل كلامه رحمه الله.

هذا المبنى في حجية الظهور ربما يبني عليه جملة من الاعلام في موارد عديدة ويتأملون ويشكلون بان هذا الظهور جيد ولكنه فيه مداقة غامضة بعيدة عن العرف. ولا تكون هذه الدلالة او هذا المفاد حجة. لابد ان نحكم الفهم العرفي.

هذا اجمال ويأتي بسطه في الظهور العرفي ولكن نرد على هذا المبنى عند كثير من الاعلام وليس فقط الشهيد الصدر.

الملاحظة عليه بشكل اجمالي والتفصيل في حجية الظهور:

طبعا فيه عرف ساذج وفيه عرف دقي وفيه ادراك عقلي وفيه ادراك عقلي غامض. الادراك العرفي والادارك العقلي درجات وليس درجة واحدة. فالمحكم في الظهور ما هو؟

ان المحكم في الظهور ليس الفهم العرفي ابدا. فيه خلط بين علوم اللغة التي يختزنه العرف (الرحمن .. خلق الانسان علمه البيان) اصل البيان في العلوم اللغوية في كل البشر موهبة الهية ولذلك فالانسان ناطق.

البيان عموما «البلاغة والعلوم اللغوية كلها» في الأبحاث البشرية يقولون ان هذه القدرة على البيان معجزة الهية. فلسفة الالسنيات الحديثة تصب في هذا المطلب ان هذه هبة الهية للإنسان وغير الانسان وهي معجزة الهية عظيمة جدا والى الان علماء النفس وعلماء الطب وعلماء اللسان وعلماء علوم اللغة في مجال ان الانسان كيف يقدر ان يتكلم. ترجمة من الذهن والنفس الى نهايته. كيف تتم؟ الامر ليس بسهل.

يعني فلسفات الالسنية الان او العلوم الالسنية بغض النظر عما مزج فيه العلمانيات وكذا لكنها علوم جدا عظيمة. نفس البيان ظاهرة كونية عظيمة تحتاج الى فلسفة تبينها. دعني عن السماء والأرض والروح. نفس هذا البيان قناة بين أعالي الانسان الى بدن الانسان وكيف يتبادل المعاني مع غيره. هذا البيان ليس بشيء سهل. شيء جدا عظيم. يستحق ان تكون فلسفات بشرية تدرس هذا الشيء ومن ثم عندهم فلسفات السنية. في الحقيقة كثير من بحوث الفلسفات الالسنية تثبت معاجز القرآن ومعاجز اهل البيت والتي كانت تطعن عليها مدرسة السقيفة انها باطنية وقنوصية وتأويلية والان ظاهر انها من التكامل المعجز في مدرسة اهل البيت اعني تعدد القراءات.

المقصود ان العرف يحكم بهذا المعنى، يعني الارتكازات الموجودة لديهم وعلوم اللغة الموجودة لديه ولو بنحو اندماجي. تلك العلوم صحيحة واما قدرة العرف في استخراج ذلك العلم الارتكازي واستثماره والاستفادة منه ابدا ليست محكمة. بل حتى العرف الدقي بل حتى عرف الفقهاء والعلماء ليس هو المدار. بل حتى الرعيل الأول من العلماء ليس المدار. بل المدار هو العلوم والضوابط والقواعد في تلك العلوم. وهذا ليس الان نقوله. بل في زمن الجاهلية كان عندهم منتديات في النقد الادبي وهو يعني ان الناقد يفهم ما لا يفهمه غيره لكن بالضوابط والشواهد بل قد يفهم الناقد الادبي ما لا يفهمه نفس المتكلم. الناقد الادبي يفهم من المعلقات السبع أمورا قد لا يفهمه الشاعر نفسه. وذكرنا ان العلم التحليلي في العلوم اللغوية هو المحكم كما ان العلم الإجمالي في العلوم اللغوية أيضا محكم. فكلاهما محكمان. العلم الإجمالي مثل ما يقال الاديب بالفطرة مثل الارتكاز.

زمخشري لم يكن من أبناء اللغة العربية ولم لكن قويا في التكلم باللغة العربية ولكنه في العلم التحليلي للقران يفوق عرب زمانه من جهة استخراج المطالب. مثلا سيبويه كان من الفرس لكنه يقدر الاستخراج اكثر من عامة العرب في العلم التحليلي.

السيد عبد الحسين يقول ان الزمخشري في الكشاف استخرج سرا عجيبة في آية المودة لم يكشفه قبله من علماء الفريقين. بل لو راجعنا كلام الزمخشري في ذيل الآية ما استطعنا ان نستخرج ما استطاع السيد عبد الحسين شرف الدين يستخرجه. باعتبار ان السيد رحمه الله كان متضلعا في علم البلاغة فقدر ان يستخرج من كلامه.

فقضية تحكيم فهم العلماء فضلا عن الفضلاء والعرف ليست صحيحة. انما المحكم هو نظام القواعد.

معجزة القرآن ماذا يعني؟ هو معجز يعني ان يستطيع ان يعمل قواعد علوم اللغة بشكل ما يستطيع ان يأتوا بقية البشر مثله.

لذلك هناك مشكلة حقيقة بل عزل قدرة الأشخاص والبشر وبين العلم نفسه. أي علم من العلوم فيه معجزات لا يستطيع ان يستخرجه البشر الا المعصوم والمعصوم بمدد الوحي. طبيعة العلوم وكل علم لا متناهية. لانها من آيات الله عزوجل وهي مظهر الالوهية. فلان الطبيعة ترجع الى آية الالوهية ففكك بين العلم وبين العلماء وبين العلم وبين الأشخاص. موت العلم اذا قزمت العلم بقامة العلماء. العلم فيه مظهر الجانب الالوهي. بل حتى مسير العلم ليس مسير عموم الأنبياء الا مسير سيد الأنبياء. لان سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله واهل بيته وحي لا ينزف. اما ان تجعل مسير العلم مربوطا بقدرة البشر هذا موت العلم. لذلك هذا معنى المعجزة يعني لا يقدر البشر عليه سواء في فهمه او في استثماره كما استثمر القرآن الكريم قواعد العلوم اللغوية.

نعم اذا اردت ان تستكشف من العرف خلل هذا الاستنباط من جهة قاعدة لغوية فهو صحيح. فيرجع الى القاعدة اللغوية التي يخزنها العرف.

اما العرف اين يحكم في هذا المجال؟ النقد الادبي معناه استثمار قواعد اللغة والمحكم قواعد العلوم وليس الأشخاص والعرف وقدرة العرف.

اما السيرة العرفية والعرف اين يحكم في القانون والتقنين هذا بحث آخر مجاله في بحث ا لحجج. لان بحث العرف بحث ذو أبواب وذو فصول عديدة. اما هذا الباب وباب بنية الظهور ابدا قدرة العرف ما محكمة.

لذلك العلماء يستعين بعضهم بجهود البعض من جهة انه يمكن ان يعقل عالم بزاوية وعالم آخر بزاوية أخرى. اعقل القوم من جمع العقول الى عقله. واعلم القوم من جمع علوم الناس الى علمه.

مثلا في باب انقلاب النسبة مبحث معقد جدا. مع ان الشهيد الصدر أيضا يرتضي. اجتماع الامر والنهي بحث معقد وكثير من العلماء يرتضونه. مبحث الترتب ومبحث النهي يقتضي الفساد في المعاملات او في المعاملات.

صحيح ان مقدمات هذه الأبواب عقلية وفلسفية لكنها تنتهي ا لى الظهور. هل ترجع الى التعارض او التزاحم. كذلك في اقسام الوجوب. أصلا علم الأصول علم تحليلي دقي. احد انكفاء جملة من الاخباريين عن مباحث الأصول انها معقدة وتحليلية.

علماء المعاني في علم البلاغة يذكرون نكات يراد الانسان ان يتدبر الانسان فيها ساعة حتى يعرف ما يقولون. هم علماء اللغة. ثمان أبواب في علم المعاني غامضة ودقيقة.

فاذا عندنا كما مر بنا مرارا علم تحليلي وعلم اجمالي وكلاهما يستثمر ويستفاد.

شيء اذكر: معنى العلم التحليلي وطبقات الدلالات دقته وغموضه لا يعني انه ليس بسهل. هو سهل اخذه ارتكازا وان كان بيانه تفصيلا معقد. مثل المعنى الحرفي دائما يستعمل الانسان المعنى الحرفي. لكن هذا المعنى الحرفي كم هو معقد جدا يحتار فيه العلماء. او بدن الانسان يتعاطى مع بدنه واعضاءه ولكن لو يقف على المخصصات الطبية يرى المعجزات والدقائق التي يكون العلماء في حيرة. كلما يستكشفون العجائب يرون عجائب واسئلة اكثر.

قد يستلم الانسان كما قالوا في المعنى الحرفي. يتعاطى الشيء ارتكازا اجمالا واندماجا ولكن متى تدخل فيه بتحليل مجهري يرى انه صعب جدا.

التعاطي مع الشيء اجمالا في العرف وغيره شيء والتعاطي بالعلم التفصيلي شيء آخر. البديهي اغمض الغموض فيه. فيه غموض من جهة العلم التفصيلي وان كان سهل التناول في العلم الإجمالي.

هذه أجوبة متعددة بالنسبة الى ضابطة تحكيم العرف في الظهور. ان شاء الله هذا يكون آخر الكلام في استصحاب العدم الازلي وان شاء الله ندخل في مباحث أخرى.

logo