المحاضرة 655

يوم الثلاثاء 18/جمادي الثاني/1447

باب الالفاظ، مبحث العام والخاص

التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص

استصحاب العدم الازلي

أنواع الارتباط والتراكيب في الأبواب الفقهية

نستعرض كلام المرحوم الميرزا النائيني حيث يبين عدم جريان استصحاب العدم الازلي. ومقصوده ان الموضوع الذي يجري فيه او صياغة مجرى استصحاب العدم الازلي لا تثبت الموضوع للعموم. فيكون أصلا مثبتا والاصل المثبت في الاستصحاب ليس بحجة.

بعبارة أخرى: ان البحث في استصحاب العدم الازلي بالدقة ليس في الاستصحاب. انما هو بحث في مفاد التخصيص التنظيري الكلي الذي يهيئ الأرضية لجريان استصحاب العدم الازلي. حقيقة البحث ليس في الاستصحاب. نعم يستعان بالاستصحاب لتنقيح الشبهة المصداقية للمخصص لكن تنقيح جريان الاستصحاب من عدم جريانه ليس بالاستصحاب بل بالتنظير الكلي لعملية التخصيص. ان عملية التخصيص ماذا تصنع بالعام وماذا يحور ويغير من موضوع العام؟ اصل البحث في استصحاب العدم الازلي هو هذا. فأصل البحث تنظيري كلي لفظي.

فكما ان استصحاب العدم الازلي يعين الجانب المصداقي للعام، العام يعين الاستصحاب تنظيريا. هذا البحث كما مر امس او قبل امس ليس فائدته فقط في الاستصحاب العدمي بل هذا البحث سيال في الشهادة الثالثة وغيرها. اصل الشبهة في الفتنة الكاظمية سببه الغفلة عن أنواع التراكيب في ماهيات العبادات.

البعض يفسر توقيفية العبادة وتوقيتية. ماذا معنى التوقيفية؟ هل المعنى خصوص الأدلة الخاصة؟ تأتي هذه الغفلة عن كثير من الاعلام. يقولون ان التوقيفية تأتي من الأدلة الخاصة. فماذا عن الأدلة العامة وحكم العقل ومتمم الجعل وغيرها. ربما خمسة عشر نوعا من الأدلة صياغة الشارع في الجعل تختلف فيها. لباب علم الأصول هذا المطلب ان الأدلة لا تنحصر في الدليل الخاص ولا الدليل العام. حتى الأدلة التي تترائى لك في النظرة الأولى انها اجنبية، ليست اجنبية قد تكون متمم الجعل وقد تكون قضية حينية وقد تكون غيرها من الارتباط. وما يترائى انه جزء وشرط بالنظرة الثاقبة ليست جزء ولا شرطا مثل صلاة الطواف حيث بنى المتقدمون على انها ليست جزءا ولا شرطا بينما المتأخرون بالنظرة الابتدائية بنوا على انها جزء وشرط ويخل بصحة الطواف ويخل بصحة السعي والفورية وانها فورية تكليفية وضعية. والحال انها ليست جزءا ولا شرطا أصلا.

طواف النساء ذكر في الروايات البيانية للعمرة والحج وانها كذا. والحال انه ليس جزءا ولا شرطا ولا دخيلا في الصحة ابدا. مع انه وارد في الدليل الخاص. نعم، الذي يسترسل سطحيا في استظهاره يقول انه جزء وشرط. والحال انه مخرج مثل سلام الصلاة. بالدقة ليس دخيلا في الصحة.

استفتاء موجود عن السيد الخوئي رحمه الله في من اتى بعشر عمرات في سفر واحد وظن انه يكفيه طواف نساء واحد فما ذا يعمل؟ فأجاب السيد رحمه الله: يقضي تسعة طواف نساء الباقي. هذا ليس تداخلا. لان كل عمرة مستقلة عن بعضها البعض. كيف ينشأ عمرته وما خرج عن عمرته السابقة؟ انه خرج لكن بقي عليه بعض التروك الاحرام السابق. ادخال نسك في نسك باطل. لكن متى يبطل ومتى التداخل؟ لان طواف النساء ليس جزءا ولا شرطا.

لذلك بحر العلوم ذكر في ارجوزته ويجزم ان الشهادة الثالثة جزء واجب بضرورة المذهب وينسبه الى كل العلماء ويقول انهم عندما نفوا انما بالدليل الخاص والا بالدليل العام فهو واجب جزء عند الكل. هو فحل من الفحول.

أنواع الأدلة تختلف. من اين تفسرون ان التوقيفية انما تأتي من الدليل الخاص. هذه النكات ليس لاجل البتر الفقهي. مشكلة الوهابية والسلفية انما هي هذه في سطحية الدليل الخاص. الأدلة في الدين والشريعة بصياغات متعددة. اجتماع الامر والنهي صياغة مع انه تلاقي الأدلة صدفة والترتب كذلك تلاقي صدفوي وكذلك متمم الجعل والنهي يقتضي الفساد وكذا وكذا. هذه نكات. فمعنى التوقيفية لا يعني الدليل الخاص. بل عشرة او عشرين نوعا ذكروا في علم الأصول وكلها دخيل في الصحة مع انها ليست بالدليل الخاص.

اصل مبحث استصحاب العدم الازلي هكذا. ماذا يصنع الخاص في العام تنظيرا. هذه نكات مهمة لابد ان نلتفت اليها.

حديث تدريه خير لك من الف رواية ترويها او عشر او ثلاثة. يعني انه دائر مدار الدراية، كلما ازداد يكفيك عن رواية الرواية أكثر. ليس بسطحية القراءة والاستنباط بل بالعمق. رب حامل فقه وهو ليس بفقيه ورب حامل فقه الى من هو افقه منه.

يقولون هل يعقل ان تكون الشهادة الثالثة في الصلاة وما سمعناها من أئمة المعصومين ولا الاصحاب أتوا بها؟ القضية مرتبطة بالدليل لا بالسيرة والتاريخ. لابد من الدليل ولو كان بعيدا بالدلالة المتينة. مع ان بحث السيرة موجودة.

مثل استدلال «لو كان لبان» ماذا يعني هذا الاستدلال؟ هل السقيفة تسمح بالشهادة الثالثة وبنو امية وبنوا عباس. الدولة البويهية أعلنت بالشهادة الثالثة في الاذان صار سببا لان يسيل الدماء للمؤمنين ثلاثمأة سنة في بغداد. شيعة بغداد دفعوا ضريبة ثلاثمأة سنة في الشهادة الثالثة. من سنة 355 بدأت سيل دماء مؤمني بغداد 650 وذكرها ابن اثير وابن الجوزي وتاريخ بغداد والقاضي الطنوخي المعاصر من الطرف الآخر. الى حد ان هدم قبر الامام الكاظم عليه السلام ونبشوا القبر لكنهم لم يصلوا بحمد الله لكي ينقلوا جثمان الامام الكاظم عليه السلام الى مكان آخر في سنة 444. كان الشيخ الطوسي المرجع الأعلى في بغداد ولم يأمر الشيعة بأن تراجعوا عن الشهادة الثالثة. لما حرقت مكتبته في 448 اضطر الهجرة والا لم يفتي بان يتراجعوا عن الشهادة الثالثة. هل كان من اوجب الواجبات والشيخ المفيد ما افتى والسيد المرتضى ما افتى أيضا. هذا تاريخ جزمي. ابن براج أيضا. كان دماء واعراض واموال وبذل شيعة بغداد فداء كبير. الصدوق نفسه منذ بدأ الدولة البويهية ان تعلن الشهادة الثالثة ما زار الحج. في طريقته الى الحج سنة 358 تقريبا عبر عن بغداد. اذا كان ضد الشهادة الثالثة فلماذا لم يأمرهم بترك الشهادة الثالثة. بل الدولة البويهية بيده. زعماء المذهب كيف ارتؤوا ان الدماء تبذل من المؤمنين في بغداد واعراض و أموال ولا يتراجعون عن الشهادة الثالثة. انه لو كان واجبا لابد ان يتراجعوا فكيف بالمستحب. او ليس بواجب ولا بمستحب هل تبذل هكذا بالدماء. كم مرجع من المراجع الكبيرة وما افتوا بالتراجع. هذه الأمور لابد ان يقرأ. في نفس الزمن المتزامن كان الدولة البويهية تعلن بالشهادة الثالثة والدولة الحمدانية في شمال سوريا أيضا هكذا تعلن بالشهادة الثالثة وكذلك الدولة الفاطمية في مصر. هذا التاريخ لازم ان نقرأها. هؤلاء زعماء المذهب مع ذلك اصروا وثبتوا على هذه الأمور.

فنرجع الى نفس البحث: هذا البحث في ان الخاص ماذا يصنع في العام هو البحث الأساسي عن الميرزا النائيني في اللباس المشكوك.

الميرزا النائيني خلاصة رأيه في ان الخاص ماذا يصنع بالعام؟ وكيف يحدث مركبا؟ المركب له ربط بالشهادة الثالثة. الميرزا النائيني يقول: كل الكلام في ما يكون المخصص وجوديا. سبق ان مر بنا ان المخصص قد يطلق كثيرا ما على الدليل الذي يخرج من العام. وبعض الأحيان قد يطلق المخصص على الدليل الذي يدخل في العام ويغير العام يعني مثل القيد المتصل الوجودي، يعني المضيق.

مر بنا ان المخصص تارة يطلق على المضيق وتارة يطلق على المخرج مع ان كل مخرج يلازمه التضييق. الان كلام الميرزا النائيني فيما اذا كان المخرج وجوديا فماذا يصنع هذا المخصص المخرج الوجودي في العام؟ لكن ليس الكلام في المخصص العدمي وان يتصرف في العام.

فالكلام ينصب في المخصص الوجودي المخرج، ماذا يتصرف في العام؟ وليس الكلام في المخصص بمعنى المضيق وهو المخصص المتصل عادة.

المخصص المتصل مضيق ويدخل ضيقا في العام ويتصرف داخليا ومباشرة. هذه النكات يجب ان نلتفت اليها. لانه متصل وتركيب فتستظهر انه نعت او ليس بنعت وهلم جرا. لابد ان القيود المتصلة ليست من الضروري ان تكون كلها نعتية. مثلا في صلاة الجماعة ورد في الدليل حسب استظهار كثير من القرن الأخير «اذا كبرت وركعت والامام راكع...» هذا قيد ولكنه ليس قيدا نعتيا.

نكتة لطيفة لفظية: مضى الفوارق والاثار الثبوتية والاثباتية للفرق بين التركيب الانضمامي والتركيب النعتي. من الأدوات اللفظية التي يستظهر منه الاعلام انه اذا اتى القيد بلفظة «واو» هذا تركيب انضمامي وليس نعتيا. التركيب النعتي انه مفروض انه يأتي في القيد المتصل بالوصف والموصوف. «اذا ركع والامام راكع» هذا تركيب انضمامي وليس نعتيا.

اذا ركع والامام راكع» الواو قيد لكنه ليس قيدا نعتيا. بل انضمام. مثل ان الصلاة ركوع وسجود وتشهد. هذه نكتة مهمة كيف التركيب بين العناصر في ا لماهية انضمامي او نعتي.

مثلا الاستقرار في السجود والاستقرار في الركوع ليس نعتا للسجود والركوع. هو نعت للذكر او قيد للذكر. ففي الذكر اذا اخل بالاستقرار لابد ان يأتي بذكر مستقر في السجود والركوع.

هذه النكات لا تقل أهمية عن استصحاب العدم الازلي. فمن ثم ينبغي ان انبه عليها.

مثلا الطهارة شرط مجموع الصلاة اما الاستقرار في السجود بالدقة شرط الجزء او شرط جزء الجزء أي شرط الذكر في السجود. هذه الأمور لها اثار ثبوتية وآثار اثباتية في خلل الصلاة وصحة الصلاة.

مضى في بحث خلل الصلاة في الفقه انه ليس كل ما في الركن ركن. الركوع ركن ولكن ليس كل أجزاء الركوع وشرائطه ركن. السجدتان كذلك. بعض ما في السجدتين هو الركن حقيقة. القبلة ركن لكن ليس بالدقة كل حالات القبلة ركن. ما بين اليمين واليسار ركن. اما الزاوية بالدقة لا يخل بالصلاة. لان ليس كل درجات القبلة ركن.

مثل هذه النكات لابد ان نلتفت اليها في كيفية التركيب. عمدا امكث في الهيكلة الكلية للبحث لانها اهم بكثير من الدخول في التفاصيل.

الخلاصة لليوم ان الكلام في استصحاب العدم الازلي اين؟ ليس في المخصص المخرج العدم بل لابد ان يكون وجوديا. فماذا يتصرف في العام. وليس الكلام في المخصص الداخلي المتصل المضيق.

هذه صور وشقوق للمخصص لابد ان نلتفت اليها.