« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

47/06/12

بسم الله الرحمن الرحيم



المحاضرة 651

يوم الأربعاء 12/جمادي الثاني/1447

باب الالفاظ، مبحث العام والخاص

استصحاب العدم الازلي وأنواع التركيب في الماهيات

 

كان الكلام في التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص بضميمة جريان استصحاب العدم الازلي حيث ان الأصل العملي ينقح المصداق وفي عين الحال العموم نفسه ينقح موضوع الاستصحاب تنظيرا وليس في البين دور او تهافت كما مر بنا.

فإمكان استثمار الاستصحاب العدمي انما هو فيما كان الخاص والمخصص يكسب العام عنوانا عدميا ليحرز عدم الخاص. هذا العدم الذي اكتسبه العام من الخاص إما يقرر انه عدم نعتي او عدم محمولي.

هذا التعبير بالنعتي والمحمولي تعبير منطقي ومقصودهم هو: ان «كل امرأة تحيض الى الخمسين الا القرشية» هل العنوان الذي اكتسبه العام «المرأة غير القرشية» او «المرأة ليست بقرشية»؟

فالمراد بالنعت الوصف والعدم النعتي يعني الوصف والعدم المحمولي يعني الضميمة.

هذا البحث في نفسه بغض النظر عن المقام مبحث حساس في أبواب عديدة.

ان العلاقة بين الشيء وشيء آخر «المرأة وغير القرشية» او «ليست بقرشية» هل هي العلاقة الوصفية او العلاقة بالضميمة؟ هذا المبحث تقريبا عمود فقري لكلام الميرزا النائيني في اللباس المشكوك.

من باب الموجز السهل:

ما هي علاقة الركوع والسجود والقراءة والتشهد في الصلاة؟ يقولون ان العلاقة بينها انها أجزاء منضمة بين بعضها البعض. هذا البحث في المتعلق للوجوب وهو الصلاة. او هذا البحث قد يأتي في قيود الوجوب. مثلا: صلاة المسافر ووجوب القصر فيها ثمانية عناصر فهل العلاقة بين بعضها وبعضها الاخر من قبيل الركوع والسجود او من قبيل الطهارة في الصلاة؟ او من قبيل آخر مثلا من قبيل القيام قبل السجود والقيام قبل الركوع؟ او من قبيل اخذ حد خاص في السجود؟

بعبارة أخرى عندنا أنواع من العلاقة بين عناصر المركب. سواء المركب هو ماهية الصلاة والمتعلق او المركب هو معاملة او المركب هو الموضوع بمعنى قيد الوجوب. لان القضية القانونية لها ثلاثة اضلاع؛ قيود الوجوب والمتعلق والحكم.

المتعلق الذي يتعلق به الحكم مركب. قيود الوجوب أيضا مركبة. فالمركب لا يختص بالفعل الذي يتعلق به الحكم. فالتركب في القضية الشرعية في البعدين ومعرفته مؤثر.

تركب الأجزاء مع بعضها البعض يعبر عنه بالتركيب الانضمامي او التركيب النعتي.

العدم إما يؤخذ بنحو الانضمام فيسمونه العدم المحمولي أو يأخذ بنحو النعت فيسمونه العدم النعتي ولكن هذا البحث ليس خاصا بالعدم. هذا بحث يعم كل عناصر المركب. سواء مركب قيود الوجوب او مركب متعلق الحكم. فالمركب إما عناصره كالاجزاء او عناصره كالاجزاء والشرائط.

اذا عندنا تركيب انضمامي وعندنا تركيب نعتي.

مثلا في البناء: أعمدة هذا البناء ترابطها انضمامي مع انها مرتبطة كما ان ثقل السقف مرتبط مع الجدران لكنها ارتباط انضمامي. اما وصف العمود وسخنه وطوله ارتباطه مع العمود بالتركيب النعتي. فيه فرق بين التركيب النعتي والتركيب الانضمامي في كل المركبات.

فاذا عندنا تركيب نعتي وعندنا تركيب انضمامي. فالمركبات ليس تختص بالمتعلقات بل تعم الموضوعات وقيود الوجوب.

مر بنا ان التعقيد في صلاة المسافر حيث ان فحول الفقهاء يترجلون في جملة من القيود سببه ان عناصر وقيود الوجوب في صلاة المسافر ضبطها صعب. انها بأي نحو؟ لان القضية لا تنتهي بالتركيب الانضمامي والتركيب النعتي بل كل منهما أنواع. القضية متلونة.

من باب المثال: السيد الخوئي رحمه الله في منهاج الصالحين وتلاميذه في باب الاذان وتشهد الاذان عبارته: يستحب ذكر الشهادة الثالثة في الاذان وغيره «ما استثنى الصلاة». كلمة الاذان مركب متعلق. يعني ان الشهادة الثالثة من دون قصد الجزئية كما في عبارة منهاج الصالحين ما قيدت بغير الصلاة. الفتاوى التي فيها الاحوط ان لا يذكر الشهادة الثالثة وتنسب الى السيد الخوئي تلك بقصد الجزئية لا مطلقا. لكن من دون قصد الجزئية يفتي السيد الخوئي بالاستحباب في مركب الاذان او أي مركب آخر يعني الصلاة او غيرها.

اللطيف ان السيد الخوئي هنا قرن شيئين مستحبين وليس فقط الشهادة الثالثة. هما الصلاة على النبي وآله. يستحب ذكرها في الاذان وغيره أي الصلاة او أي مكان آخر. فهذا الذي ذكره السيد الخوئي بقرينة الصلاة على النبي واله حيث انها في أي مركب عبادي تذكر اسم النبي تستحب الصلاة عليه. اللطيف ان الذي دل علي هذا الاستحباب صحيحتان كما ان عندنا صحيحة دالة على استحباب الصلاة على النبي وآله في الاذان وغيره بنفس التعميم ذكر السيد الخوئي الشهادة الثالثة. هذا دليل ان مراده من غيره المركبات. لذلك قيد «من غير قصد الجزئية» الجزئية في الشيء المركب. فهذا نص صريح من السيد الخوئي على استحباب الشهادة الثالثة حتى في الصلاة لكن من دون قصد الجزئية.

اريد ان استفيد من المركب الشرعي والمركبات الشرعية متعددة. كلام الاعلام في المركب والتركيب الانضمامي والتركيب النعتي واقسامهما في كل المركبات. من ثم السيد الخوئي هنا قرن الصلاة بالتشهد والنص الصريح في الصلاة ان ذكر اسم النبي في الاذان او في الصلاة فصل عليه وآله. هنا قرن بين الصلاة والشهادة الثالثة في التشهد. ان من ملازمات ذكر اسم النبي في التشهد ان تصلي عليه ومن ملازم ذكر اسم النبي في التشهد في الصلاة او أي مركب آخر ان تقرن به الشهادة الثالثة. يعني متلازمان لملزوم واحد في المركبات. من ثم قيد بقيد «من دون قصد الجزئية» يعني انه مستحب لكن من دون قصد الجزئية.

هذه نكات لازم ان نلتفت اليها موجودة في الأدلة.

لذلك السيد عبد الرزاق المقرم رحمه الله نقل ما يقارب من ثمانين فتوى من علماء مجتهدين او الفقهاء او المراجع في كتيبه قبل ثمانين او سبعين سنة. فتاوى هؤلاء الاعلام نفس المطلب واغلبهم نجفيون. هؤلاء الاعلام الذي افتوا بالاستحباب نفس التعبير عندهم انه يستحب ذكر الصلاة على النبي والشهادة الثالثة في تشهد الاذان وغيره يعني المركبات والصلاة. النصوص واردة على ان الصلاة على النبي مستحبة اكيدة حتى لو كنت ذكرت اسم النبي في مركب عبادي شرعي. هكذا قرن اسم هارون بموسى. او قرن اسم امير المؤمنين برسول الله صلى الله عليهما وآلهما. بل ذكر السيد الخوئي ان هذا الاقتران ضرورة الآية الواردة في اكمال الدين.

كلامي الان في المركب. لذلك من يفتي بالاستحباب للشهادة الثالثة كثيرون. والعهدة على السيد عبدالرزاق المقرم وهو كتب هذا الكتاب في قبال الفتنة الكاظمية آنذاك واستنفر علماء النجف ضد هذه الفتنة. المقصود اغلبهم عشرات من الاعلام نفس التعبير يستحب الصلاة على النبي والشهادة الثالثة في الاذان وغيره.

اذا بحث المركب بحث اصطلاحي فتوائي. ما هو المراد من المركب؟ المركب كالصلاة والحج والمتعلقات للاحكام والمركب كموضوعات الاحكام كالاستطاعة وزوال الشمس. هذا مركب شرعي لان الشارع يأخذ عناصر ويجعلها مركبة وقيودا لوجوب الصلاة. فالمركب لا ينحصر لا بالموضوع ولا ينحصر بالمتعلق بل كلاهما مركبان. هذا اصطلاح شرعي. لازم ان نلتفت اليه.

فماذا يعني انه لا تقصد الجزئية؟ ليس كلامنا في الشهادة الثالثة بل كلامنا في القضية الصناعية في ذاك البحث. كم نوعا من التركيب عندنا؟ تركيب الأجزاء والشرائط والموانع او اكثر.

التركيبات عند الاعلام كثيرة بحسب ما ورد في الأبواب الفقهية. هذا في الحقيقة روح بحث استصحاب العدم الازلي كيف تشخص المركب وموضوع الاستصحاب. المسألة ليست مجرد القلم بل صناعة مجهرية والتدقيق ولا يمكن التسرع فيه لا في النفي ولا في الاثبات.

فالتركيب عند الاعلام تركيب انضمامي وتركيب نعتي. تلقائيا دخلت في هذه المقدمات الثلاث التي ذكرها الميرزا النائيني.

ماذا يقصدون من التركيب الانضمامي؟ هذا اصطلاح فلسفي ومنطقي وكلامي. من الأمور اللطيفة من تدقيقات المتاخرين يقولون ان التركيب الانضمامي (في المجلد الأول في الشهادة الثالثة ذكرت ستة اقسام للتركيب عند الأصوليين وفي الجزء الثالث ذكرت اكثر) كيف نتعرف على التركيبات في الأبواب الفقهية وما هي اثار هذه التنوع والاختلاف. اثارها في الأدلة الاجتهادية كثيرة وآثارها في الأدلة أصول العملية كثيرة.

مع احترامنا لكلمات الاعلام جملة ممن استشكل في الشهادة الثالثة ما التفت الى الدقة في المركبات. والا هي متنوعة. اذا تراجعون فتاوى في كتاب السيد عبدالرزاق المقرم تركيز الاعلام في دفع فتنة الكاظمية انهم لا يلتفتون الى أنواع التركيب الصناعي. يجب التدقيق في كيفية المركب.

التركيب في المركبات تركيب انضمامي وتركيب نعتي. ربما في ذهننا ان الشرائط تركيب نعتي والاجزاء تركيب انضمامي. ولكن هذا ليس صحيحا.

الاعلام لاحظوا بعض الشرائط ارتباطها بالمركب تركيبا انضماميا. فليس كل الشروط تركيبها تركيبا نعتيا. مثلا الطهارة مع الصلاة اتفق الكل ان تركيبها انضمامي وليس نعتيا. بعض الشروط تركيبها نعتي قالوا اذا كان في الوجود الخارجي المشروط والشرط معروض وعرض حينئذ يكون التركيب نعتيا. والا اذا كان الشرط معروضه ومحله غير المشروط يكون العلاقة ا نضمامية وليست نعتية. ما الفرق بين النعتية والانضمامية؟ فيه فرق في الاثار الشرعية و الواقعية. في صلاة المسافر اثار كثيرة.

مثلا قصد الاباحة اذا كان تركيبه مع المسافة تركيبا نعتيا فاذا كان ناويا لقصد المعصية من السفر وطوى بعض المسافة او كل المسافة بقصد المعصية ثم تبدل نيته الى نية الطاعة فما يقصر. التركيب النعتي يحصص المنعوت. اذا تريد عمودا بهذا الطول فلا يفيد العمود القصير أصلا. فالنعت يحصص المنعوت.

اما التركيب الانضمامي فالمنضمان احدهما لا يحصص الآخر. فلو بنينا على ان قصد الاباحة قيد انضمامي فاي وقت نوى الاباحة فيقصر. واذا نوى المعصية فيتم فحتى لو تبدل واضطربت نيته فكل ما نوى المعصية يتم واذا نوى الاباحة يقصر.

عشرة أيام للإقامة نعت وليس انضماما فهو تحصيص لها. اذا تمر اثناء السفر بوطن من مواطنك او مقر عمل من مقرات عملك تنقطع المسافة لان المسافة ثمان فراسخ اخذ فيها ثمانية متصلة وليست منفصلة. هنا الثمانية شرط نعتي وتركيب نعتي. هذه القضايا ليس زخرفا من الأبحاث بل ابتلائيات.

فالتركيب النعتي والتركيب الانضمامي الامر فيه جدا حساس. لازم ان نلتفت الى ان التركيب الانضمامي أنواع. شاهدت بعض الشروط تركيبها انضمامي وبعض الشروط تركيبها نعتي.

بعبارة أخرى ان التركيب النعتي غالب المشهور عندهم ان التركيب النعتي بين العرض والمعروض. لكن مع ذلك التركيب الانضمامي أنواع يجب التعرف اليه. الباحث الفقيه او المجتهد الفقيه او المراجع قد يحفظ نوعا من التركيب ويغيب عنه أنواع أخرى من التركيب فيستشكل. المناورة الصناعية للفقيه واسعة ان كان فحلا في الصناعة. ولا يبعد تعبيرهم سلام الله عليهم ان كلامنا يتصرف يعني ان نفس المعاني أنواع.

ان شاء الله ندخل فيه شيئا فشيء لو قلنا ان هذه الأنواع من التركيب الانضمامي اهم من استصحاب العدم الازلي. هذا البحث اكثر افقا واستثمارا من استصحاب العدم الازلي.

مثلا الطواف اتصال الأشواط نعتي او انضمامي او يختلف الأربعة الأولى عن الثلاثة الثانية وكذلك السعي. طبيعة خلل الحج ما تعرفها اذا ما تعرف أنواع التركيب. اعمال يوم الحادي عشر او الثاني عشر من أيام الحج أي تركيب بينها وبين الحج. مع احترامنا لجملة من المجتهدين ربما يظن كثير من الفقهاء ان اعمال هذين اليومين مركب. هذا التركيب يختلف عن التركيب في المزدلفة والوقوف. ما هو التركيب بين عمرة التمتع وحج التمتع؟ لايمكن ان تكليها بكيل واحد. علم الأصول ليس جزافا. أمور عصيبة جدا. أنواع من المركبات في الشريعة وآثارها تختلف واحكامها تختلف والخلل فيها تختلف ويجب الالتفات اليها. ما الارتباط بين حج الافراد حجة الإسلام وعمرة الإسلام التي في حج الافراد؟

مثلا نظام فدرالي ونظام كنفدرالي ونظام أقاليم. الصلاحيات تختلف والآثار تختلف. كما يقولون في دولة روسية كل أنواع التركب موجودة.

التركب والتركبات ليست على وتيرين وقسمين. بل أنواع واقسام.

 

logo