47/06/08
المحاضرة 647
يوم السبت 8/جمادي الثاني/1447
باب الالفاظ، مبحث العام والخاص
استصحاب العدم الازلي (۱)
كبريات الاستصحاب للعدم
ان البحث الجاري في استصحاب العدم الازلي في الحقيقة ليس في الاستصحاب.
نقطة كبروية في أصول القانون: ان قضية شرعية واحدة ذات مراتب. مثلا صلوة الطواف هل هي شرط او جزء او ليست بشرط ولا بجرء؟ هي مسألة واحدة ونتيجة واحدة. وفي عموم الأبواب كذلك مثل بيع المكره هل هو صحيح او لا. هذه المسائل كل واحد منها مسألة واحدة لكن هذه القضية الواحدة التي تجتمع على الموضوع والمحمول، في الحقيقة ذات مراتب وذات جهات وزوايا وكل زاوية وجهة تنقيحها له شأن يغنيه.
يعني يمكن ان يكون في استنباط قضية واحدة زاوية بدليل اجتهادي وزاوية أخرى باصل عملي وزاوية ثالثة بأصل آخر. فقضية واحدة تستنبط من مجموع عناصر مركبة أدلتها مختلفة الرتبة.
نفس هذا التصوير الصناعي تصوير كبروي صناعي مهم. ان القضية الواحدة والحكم الواحد يستنبط من مجموع ادلة اجتهادية وأصل عملي وقطعية.
نظير هذا الامر نجد في منجزية العلم الإجمالي او اصالة الاشتغال او اصالة الاحتياط بأسامٍ ثلاثة. في طرف منها يجري الاستصحاب وطرف آخر يجري البراءة ويبنون على ان الاستصحاب يتعارض مع البراءة ويتساقطان مع ان الاستصحاب مقدم رتبة على البراءة فكيف يتعارضان ويتساقطان؟ السبب ان موضوع البراءة مغاير لموضوع الاستصحاب والسبب للتعارض هو وجود العلم الإجمالي.
سيأتي ان بعض الاعلام يبني على تعارض الأصل العملي في طرف مع بينة في طرف آخر. لا أقول ان هذا القول متفق عليه لكنه مقالة لقائل. مع ان الدليل الاجتهادي لا يتعارض مع الأصل العملي وربما يبني على التعارض لانهما في الحقيقة لا يجريان في موضوع واحد وزاوية واحدة وجهة واحدة. قضية ان الأصل العملي مؤخر عن الدليل الاجتهادي فيما اذا فرض موضوع واحد وفي جهة واحدة وزاوية واحدة واذا اختلف الجهات والزوايا فليس هناك تقديم وتأخير.
فهكذا ربما قضية واحدة تستنبط لكنها فيها محمول وموضوع وزوايا متعددة ومراتب عديدة. ولما تكون زوايا عديدة فكل زاوية لها شأن من الأدلة. فيمكن ان يكون هناك استنباط لقضية واحدة قانونية بمجموع اصل عملي ودليل اجتهادي. لانه لا يجري الدليلان المختلفان رتبة وسنخا في عنصر واحد وزاوية واحدة. ربما يجريان في زوايا متعددة سواء أ أن يكون طوليين او متباينين مثل العلم الإجمالي الذي ليس الطرفان فيه طوليين.
المقصود ان مبحث ترتب الأدلة فيما اذا كان في زاوية واحدة وفي موضوع واحد وفي جهة واحدة. والا اذا اختلف الموضوع واختلفت الجهة وان كانت هذه العناصر في قضية واحدة لا تراعي الرتبة بينها.
مثل الصلوة اذا احرز صحة الصلاة بمجموع الأصل العملي كالاستصحاب في بعض العناصر والعلم ببعض العناصر. لان كل عنصر له شأن وله دليل مستقل يثبته مع انه قد يقال ان الصلوة واحدة لكن بالتالي عناصر بعضها احرزها بالعلم والوجدان وبعضها احرزها بالاصل العملي وبعضها احرزها بالاصل العملي العقلي. فاذا ما قرر من وجود التقدم والتأخر بين الأدلة انما هو في ما اذا كانت تلك الأدلة تجري في زاوية واحدة وعنصر واحد وجهة واحدة وجهة واحدة والا لا يتقدم بعضها على البعض وان كان بينها تركب في قضية واحدة.
طبعا هذا الكلام باعتبار ان الصلاة تركب الأجزاء فيها تركب انضمامي. هذه نكتة أخرى. التركب أنواع تختلف بعضها عن البعض وسيأتي مفصلا.
الصلاة واحدة في يوم واحد وزمن واحد لكن مع ذلك هي عناصر متعددة تنضم مع بعضها البعض لتحرز الصحة. فتتجزأ ويعملون بهذا في باب الصلاة وباب الحج كما اذا حكم بصحة الطواف بشكل وصحة الحج بشكل آخر. فهذه ضابطة صناعية مهمة في الاستنباط ان القضية وان كانت واحدة مع ذلك اجزاءها يمكن احراز الصحة فيها بأدلة مختلفة الترتبة تنضم مع بعضها البعض. فهذا ليس بشيء مستبعد ان يكون انضمام بين الأدلة.
ههنا كذلك الان. هذه نكتة يجب الالتفات اليها وليست خاصة ببحث العام والشك في مصداقية الخاص كي يمكن التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للخاص. هذه مثال للكبرى الكلية ان الاستنباط في القضية القانونية يمكن ان يتركب من ادلة مختلفة السنخ ومختلفة الرتبة.
هذه الكبرى اهم من بحث استصحاب العدم الازلي مع ان البحث في استصحاب العدم الازلي من اهم المباحث في يوميات الاستنباط. (مر بنا ان الشبهة المصداقية ليست خاصة بالشبهة الموضوعية بل تعمها والشبهة الحكمية) استصحاب العدم الازلي ينقح لنا الشبهة المصداقية. رغم أهمية هذا الاستصحاب لكن البحوث والكبريات التي يجريها الاعلام لتنقيحه هنا اهم بكثير منه مع انه محل ابتلاء يومي في الأبواب سواء أ الشبهة الموضوعية او الحكمية. هذه الكبريات سيالة في الأبواب اكثر من الاستصحاب هذا.
كثيرا ما البحوث والمباني والكبريات الكلية التي يبني عليه البحث الخاص اهم من البحث نفسه ولا نغفل عن تلك الكبريات. هذه البحوث التي يجريها الاعلام باهتمام وتدقيق مجهري فيما بينهم اهم من استصحاب العدم الازلي مع انه واسع الأهمية وسيالة في الأبواب. فلا نغفل عن الكبريات الحلالة لمشاكل وعقد كثيرة في الأبواب.
ربما نقلت لكم ان الميرزا النائيني، رسالته اللباس المشكوك تعتبر برج الأبراج للتفوق الصناعي في خضرمة مدرسته. هذه الرسالة اعقدت للكبريات التي يعتمد عليها استصحاب العدم الازلي. المحقق العراقي مع دقته وعملقته وكذا وكذا مع ذلك يصف الرسالة هذه بانها من الخزائن المكتنهة عند المحقق النائيني افشاها بعد ثلاثين سنة كما نقل عنه. احد خلاصات اللباس المشكوك في هذا البحث في استصحاب العدم الازلي. هذا تاريخ المسألة وليلتفتوا الى جذور المسألة. في الحقيقة شطر مهم من اللباس المشكوك موجود في هذا البحث.
هذه الكبريات التي يعتمد عليها استصحاب العدم الازلي باب جديد اثاره الاصوليون لم يكن معنونا في صناعة علم الأصول وهذا مما يدل على الحاجة لتجديد أبواب جديدة اعمق واهم من الأبواب المعنونة في علم الأصول كما مر بنا. لان البحوث التي يذكرونها في العام والخاص ضمنا هي اهم من العناوين التي يذكرونها في العام والخاص كمراتب العموم والعلاقة بين منظومة العموم. فهذه الأمور يجب ان نلتفت اليها.
لا بأس ان اذكر هذا المطلب. مثلا الشهيد السيد محمد باقر الصدر رحمة الله عليه رغم نبوغه وذكاءه قبل استصحاب العدم الازلي دقة وعقليا ولكنه يقول لانه بعيد عن الذوق العرفي فلا ابني على استصحاب العدم الازلي. ظاهرا شرح العروة في الطهارة بقلم السيد وهناك ينقح بحث استصحاب العدم الازلي بشكل دقيق ولكن في نهاية المطاف يقول لا ابني عليه. هذا المانع ليس بسديد طبعا في قناعتنا. لكن انظر تعقيد المسألة وهي ليست بسهل. يعني ان ما منعه عن البناء على استصحاب العدم الازلي ليس عدم تقنية المقدمات والبنيويات بل كلها متقنة. لكنه يقول ان هذه الدقة المجهرية بعيدة عن الاستظهار العرفي وسنرى ان هذا الكلام ليس بصحيح. متى يلجأ الى العرف في هذه الأبحاث ومتى لا يلجأ؟ والا كل مباحث الأصول الغامضة ليس للعرف ان يشمها. اذا تكون ضابطة ونكتة سنذكرها ان شاء الله. على أي حال اتى السيد ضابطة ان الشيء الذي لا يفهمه العرف فليس بحجة مع ان الترتب وانقلاب النسبة وكل مراتب الأصول غامضة ودقيقة والعرف وعلماء القانون الوضعي لا يشمونه. تنبيهات الاستصحاب غامضة جدا ومباحث منجزية العلم الإجمالي كذلك وهو لا يتمسك بهذه الضابطة في كل مكان. مثلا الصحيح والاعم. مثلا اكثر مباحث علم الأصول الموجودة عندنا لا يشمها علماء القانون الوضعي لانهم لا يدخلونها. هذا ليس تعصبا بل هذا مسير علمي تاريخي.
السيد محمد تقي الحكيم رحمة الله عليه دعي لايقاع كلمة في مؤتمر في قاهرة. فاستشار السيد محمد الروحاني فاقترح عليه ان الق عليهم نظريات الامامية في المعنى الحرفي. فاخذ يتردد حسب كلام السيد محمد الروحاني رحمه الله. فراح القاها فأعطوها الدوكتورا الفخرية لان المعنى الحرفي في علم الادب لكن بهذه الدقة والغور ما عندهم. اعطوها مباشرة بعد القاء الكلمة. هذا ليس تعصبا. بل هذه المداقات الموجودة في علم الأصول ليست بشيء سهل.
المقصود ان بحث الاستصحاب العدم الازلي مع انه بحث مهم لكن المباني الكلية التي يبتني عليها اهم منه بكثير وتفيد في مباحث كثيرة جدا كاجتماع الامر والنهي والنهي عن العبادة والتعارض وغيرها. غالبا ان لم يكن دائما المباحث المهمة والكبريات التي تعتمد عليها تلك المباحث المهمة اهم منها ويغفل عنها.
نقطة أخرى في استصحاب العدم الازلي: كيف التلفيق بين العام واستصحاب العدم الازلي؟ باعتبار ان استصحاب العدم الازلي ينقح لنا الموضوع والدليل الاجتهادي إنما هو بلحاظ المحمول. ومر بنا ان رتبة الموضوع عند الأصوليين مقدمة على رتبة المحمول. فمن ثم قد يكون هناك اصل عملي ينقح الموضوع ومصداقه وفرده وهو يكون حاكما ومقدما وواردا على الدليل الاجتهادي لان الدليل الاجتهادي يجري في المحمول وهو مؤخر رتبة عن الموضوع. فالدليل الذي يجري في الموضوع وان كان سنخه مؤخر لكنه مقدم على الدليل الذي يجري في المحمول وان كان سنخه مقدم. هذه نكتة مهمة.
فمن ثم هنا في بحث العام والخاص اقحموا أصلا عمليا اسمه استصحاب العدم الازلي. لان هذا الأصل العملي يجري في مصداق الموضوع. ومصداق الموضوع مقدم على المحمول و العام دليل اجتهادي لكنه يجري في المحمول سواء محمول العام او محمول الخاص. فالدليل الاجتهادي مجراه مؤخر رتبة فيتأخر رتبة عن مجرى استصحاب العدم الازلي لان مجراه الموضوع.
رتبة مورد ومجرى الدليل اهم من رتبة الدليل نفسه. هذه صناعة يجب ان لا ننساها. يعني لا يكفي معرفة الدليل سنخا فقط. في موارد المنازعات القانونية الذكاء القانوني ان يذهب الى المورد ومجرى الدليل واذا كان مقدما يلغي منظومة من الأدلة. وهذه نكتة عجيبة. ربما يكون وزير ذو صلاحية لكن موظف بسيط في دائرة بسيط يغير الموضوع الخاص ويسد الباب على الوزير. هذا حق القانون. ثبت العرش (المورد والمجرى) ثم انقش.
المهم زوايا عديدة في هذا البحث استصحاب العدم الازلي ويجب ان يتنبه اليه الانسان. هذه المباحث ما وراء السطور.