47/05/17
باب الالفاظ، مبحث العام والخاص
الموضوع: باب الالفاظ، مبحث العام والخاص
بحث التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص او الصورتين السابقتين ثمرة لكبرى أخرى وهي اصل البحث ان المخصص كيف يتصرف في العام وفي أي مرتبة من مراتبه. هذا هو لب البحث.
مر ان المرحوم العراقي في التخصيص يقول ان الخاص لا يتصرف في العام وانما انعدام افراد في مرحلة التطبيق.
الشئون التي تجري على العام في مرحلة التطبيق لا صلة لها بالإطار التنظيري للعام. هذه الضوابط نواميس الظهور في الأدلة.
من باب الفائدة: قاعدة الجري والتطبيق اصلها من بيانات أئمة اهل البيت عليهم السلام وعلماء التفسير اقتبسوها من بياناتهم. والعنوان الوارد في الروايات قاعدة الجري الا ان الاعلام اضافوا اليها كلمة «التطبيق». من ثم حملوا ما ورد من الروايات في بيان ان المراد من هذه الآية هو اهل البيت ان هذه الروايات في صدد التطبيق وليس في صدد التنظير. او يقولون: أن احد اقسام التأويل هو الدليل الذي يتعرض الى التطبيق ولا يتعرض الى التنظير.
العلامة الطباطبايي والسيد الخوئي في البيان والسيد عبد الأعلى السبزواري في تفسيره المواهب وكذلك الشيخ البلاغي قبل هؤلاء السادة الاعلام. لكن في القواعد التفسيرية بينا ان فيه غفلة ان الروايات المتعرضة الى ان المراد من الآية هو اهل البيت عليهم السلام ليس من باب التطبيق والتأويل التطبيقي. بل هي من باب بيان المراد اللاستعمالي و المراد الجدي. على أي حال بحث طويل.
هل قاعدة الجري هي في التطبيق او قاعدة الجري هي في التنظير وهو الصحيح. التطبيق احد شئونها النازلة ولكن عمدة قاعدة الجري في التنظير وليست في التطبيق. وانما هذا منح عند قليل من علماء الامامية ان بيانات اهل البيت ليست تأويلية بل جلها تفسيرية لبيان ظاهر القرآن ولكن عشعش هذا القول في كثير من اذهان الاعلام ان الروايات متعرضة للتأويل وليست متعرضة للتفسير وجر ما جر في مسيرة علم التفسير وصارت غفلة كثيرة. حتى في علم الكلام وعلم الفقه.
المحقق العراقي هنا يقول ان المخصص يتصرف في التطبيق ولا يتصرف في التنظير. ا لاعلام جلهم عموما في روايات اهل البيت هكذا بنوا وهذا خطأ صراحة عدا قليل منهم مثل الراوندي وملا شريف الفتوني والفيض الكاشاني الذين ملتفتون الى ان الروايات تعالج الظهور.
المهم ان الدليل الآخر المنفصل هل يعالج التنظير او يعالج التطبيق؟ هذا بحث حساس عموما بغض النظر عن الاقول أي منها امتن.
أيضا لا بأس ان نذكر اقوالا لم يذكروها رسميا ولكنهم ذكروها في طيات بحوث أخرى.
فهل الخاص او المقيد (وان كان المحقق العراقي خصص كلامه في الخاص لا المقيد) يكسب العام عنوانا او لا؟ ثم هذا العنوان الذي يكسبه الخاص هل هو نعتي او انضمامي؟ هذه مرحلة صعبة مهمة.
هناك احتمال ثالث او مقام ثالث: بعض أنواع الخاص يعبرون عنها انها ينوّع العام ويصنفه. مثلا لو اتى دليل «ان الانسان له كذا كذا» فخرج منه كافر بدليل منفصل. الاعلام لا يستفيدون من هذا المخصص وخروج الكافر ان العام انسان ليس بكافر. يقولون ان الكفر منوع فينبهنا ان العام موضوعه ليس بالإنسان بل موضوعه مؤمن او مسلم. هذا تنويع.
مثلا ﴿ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾[1] فخرج منه المحرم. فالباقي ليس من ليس بمحرم بل الباقي هو الأجنبي لانه فيه تنويع. حسب هذا الباب هناك أنواع اجنبي ومحرم ومماثل وغير مماثل مثلا في باب الغسل. فتخصيص ا لمخصص او المقيد الذي هو تنويعي ليس فقط يكسب العام عنوانا لكي نقول انه نعتي او انضمامي بل هو كاشف ان موضوع العام ليس عاما بل موضوعه نوع آخر. «ما له فلس» و «ما ليس له فلس» فاذا في موارد الزواج «كل نكاح ترث الزوجة الا المنقطع» فالباقي هو النكاح الدائم لانه اما دائم او منقطع. حتى في موارد التنويع الثلاثي. في هذه الموارد سيما اذا كان ثنائيا بنوا على ان كون المصنف منوعا او مصنفا في صدد التنبيه على ان العام موضوعه النوع الباقي او الصنف الباقي.
هذه النكتة يجب ان نلتفت اليه وان لم يذكروه في علم الأصول ولكن ذكروها في ثنايا بحث الأصول والفقه. حتى آغا ضيا الذي لا يقبل تصرف الخاص في العام هنا يقبل التنويع والتصرف بهذا الشكل.
نرجع الى نفس المبحث:
بحثنا في التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للخاص مثل الخاص المنفصل. ومر ان البحث فيه قد تكون شبهة حكمية وقد تكون شبهة موضوعية لان المصداق اذا كان كليا تنظيريا انزل طبقة فتكون شبهة حكمية وان لم يكن شبهة حكمية لنفس الدليل العام ولا شبهة حكمية لمفهوم الخاص. لكن هذا المصداق كلي مرتبط بجعل وتشريع الشارع لذلك يصير شبهة حكمية. وقد يكون المصداق شبهة موضوعية اذا يرجع الى حكم جزئي.
فعندما يقال التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص في الشبهة الحكمية لا يظن انه تنظير في الخاص. هو تنظير في تقنين آخر يكون مصداقا للخاص لا في نفس الخاص. فالشبهة الحكمية المصداقية ليس تنظيريا في نفس الخاص بل في مصداق الخاص. لان الأدلة التنظيرية الكلية طبقات.
نقطة أخرى ثمينة عن حقيقة التخصيص:
يقولون ان التخصيص والتقييد اخراج حكمي. مع انهم يقولون ان الخاص يتصرف في العام لبا ومآلا لكن صورة بلحاظ المفاد الاستعمالي او التفيهيمي سيما في المنفصل وحتى في المتصل يقولون ان التخصيص والتقييد إخراج حكمي.
بخلاف عملية الورود او بعض أنواع الحكومة في الدليل الحاكم. وهذا تترتب عليه آثار كثيرة. فرق بين ان يقوم الدليل المنفصل بالاخراج الحكمي او غيره. الإخراج الحكمي يعني ان الدليل المنفصل لا يتصرف في موضوع العام صورة وقالبا. عندما يخرج الكافر لا يعني ان الكافر ليس بإنسان بل هو انسان غاية الامر اخرج الكافر بلحاظ الحكم.
ما الثمرة؟ الإخراج الموضوعي يعني قبل ان يخرجه حكما أخرجه موضوعا وقال ان هذا ليس بإنسان. في الإخراج الموضوعي ليس فقط اخرجه عن هذا الحكم بل اخرجه عن الموضوع وبتع ذلك اخرج عن الحكم فأي احكام أخرى مترتبة على الانسان لا يترتب على الكافر. فلا يكون الإخراج بلحاظ حكم واحد.
الإخراج الموضوعي أيضا اقسام ولكن لا نريد ان ندخل في التفاصيل لكن فيه اخراج موضوعي وإخراج حكمي وفي الإخراج الحكمي يخرج الكافر عن عموم هذا الحكم فقط والموضوع على حاله.
«ابن الزنا لا يرث» هل هو اخراج موضوعي عن الرحم والابناء؟ اغلب كلمات الاعلام في الأبواب ظاهر في انه اخراج موضوعي لكن في باب واحد بينوا ان مرادنا ليس اخراج موضوعي بل اخراج حكمي.
ذكرت لكم ان بعض الاعلام الكبار بنوا على ان ابن الزنا ليس بولد موضوعا، يجوز تزوج الوالد الزاني من بنته من الزنا. والحال انه لا يمكن. لان عبائر الاعلام وتقريبهم للادلة في كل الأبواب الا باب واحد انه اخراج موضوعي ويقولون انه لغية.
المقصود فيه فرق بين الدليل المنفصل بين الإخراج الموضوعي وا لاخراج الحكمي وحتى في العقائد هكذا وفي العلوم الدينية الأخرى. فالتخصيص يقولون انه اخراج حكمي والتقييد اخراج حكمي وليسا اخراجا موضوعيا.
الورود والتوارد او بعض أنواع الحكومة والدليل الحاكم اخراج موضوعي. طبعا الإخراج الموضوعي اقسام.
هذا البحث مهم ان الدليل المنفصل ماذا يصنع؟ هو منفصل ومقدم لكن ماذا يصنع.
مثلا: أقضية او قضايا التي قضى فيها امير المؤمنين من زمن النبي صلى الله عليه وآله وفي زمانه عليه السلام. هذا دليل منفصل وكيف نسبته مع عموم قول النبي صلى الله عليه وآله «انما اقضي بينكم بالبينات والايمان»؟ وهو ما قضى لا بالبينات ولا بالايمان. هي في الحقيقة قضاء للعلم لا بالعلم الحدسي. العلم الحسي الذي نوع البشر يلتفت اليه وهو كان يستخرج هذا العلم مثل منهج التحريات الجنائية لدى البشر الان. فهل هذا المسير الغاها النبي عندما قال «انما اقضي بينكم بالبينات والايمان» او هو على حاله وقول النبي في موارد الظن. على كل هذا دليل منفصل وما يصنع بعموم قول النبي صلى الله عليه وآله. ولو نبهنا في جملة من الموارد ان قوله «انما اقضي...» في النزاعات الفردية او شبه الفردية اما النزاعات الاجتماعية موردها التحريات والتحقيقات التي تحصل العلم مثل القضايا السياسية او القضايا بين الدول او بين الشعوب.
لنفترض دليلا ورد في حجية خبر الواحد مع اننا سنبين ان الأدلة ليست في صدد حجية خبر الواحد وان كنا نبني في الدورتين السابقتين. هل دليل حجية خبر الواحد يلغي دليل حجية العلم الحاصل من تراكم الاخبار؟ لا، لا يلغي.
اجمالا الدليل المنفصل ماذا يصنع في الدليل المتصرف فيه؟
لنأت الان الى الدليل الذي استدل به لجواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص:
ان العام تام تنظيرا وتطبيقا. لان المخصص اخراج حكمي والمصداق لا زال مصداقا للعام. على فرض انه مصداق للخاص مع انه مشتبه ولو قدر في الواقع انه مصداق للخاص فهو أيضا مصداق للعام لان الخاص لا يخرج مصادق العام موضوعا. فالعام تام في انطباقه على المصداق.
لكن الخاص تام تنظيرا وليس تاما تطبيقا. اذا الخاص لم تتم حجيته تطبيقا فما هو التام وهو العام مقدم على الخاص. وما هو حجة لا يزاحمه ما ليس بحجة.
رد الاعلام لهذا الاستدلال بنقطة واحدة: ان العام والخاص كليهما يتكفل تنظير الكلي وكليهما لا يتكفل التطبيق. عالم التطبيق له شأن آخر. نحن احرزنا ان هذا مصداق للعام وهو صحيح ولكن ليس من شأن العام التكفل للتطبيق. لا سيما ان الخاص تصرف في العام واكسبه عنوانا. بلحاظ المراد الاستعمالي لا يخرج الخاص منطقة الخاص عن العام او بلحاظ المراد التفهيمي او قل حتى المراد الجدي ولكن بلحاظ الحجية منطقة الخاص خارجة موضوعا.
فالتخصيص ليس اخراجا لمنطقة الخاص اخراجا موضوعيا بلحاظ المفاد الاستعمالي والتفهيمي ولكن بلحاظ الظهور الجدي او بلحاظ حجية الظهور الجدي هو اخراج موضوعي. فانطباق العام بما هو حجة مشكل ومشكوك على المصداق.
كانما بلحاظ الحجية تخصص وليس تخصيصا. ومن ثم نقلنا في الجلسات السابقة انه بلحاظ اللوح المحفوظ عند متاخري الاعصار ليس هناك عام وخاص بل كله خصوصات. على مبنى متاخري العصر التشريعات كلها خصوصات. لكن على مبنى القدماء اصل التشريع عمومات. هذا فرق بين مبنى المتقدمين والمتاخرين.