47/05/12
الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث العام و الخاص / الخاص تنزل لمجموع عمومات وتركب صناعي
كان الكلام في حقيقة التخصيص والتقييد على ضوء مباني القدماء او الاعم.
ذكرنا تفسيرا ثالثا متمما لتفسير القدماء ان التخصيص نوع من التأليف والتنسيق التشريعي بين العمومات الفوقية عند تنزلها. هذا غير مباين لكلام القدماء لكنه يفسر كلامهم.
فالخاص ليس كما ينطبع في الاذهان انه تشريع خاص مبتدأ من رأس بل في الحقيقة منشأ الخاص ليس الخاص وانما هو عمومات فوقية ومن خلال تلك العمومات يحصل التقديم والتأخير في تزاحمات الملاكات الاقتضائية. هذا التزاحم ليس التزاحم المتبادر في الذهن في مقام الامتثال ومقام الحكم الجزئي بل هذا تزاحم في عوالم التقنين والقوانين. يعني ان نفس القوانين وطبقات القوانين فيما بينها لها نظام التزاحم أي ليس احد التشريعات يلغي التشريع الاخر ويمحوه من رأس وانما يجمده وما شابه ذلك
اذا بين التشريعات في حالة تنزلها نوع من الصياغات والتركيبات المتعددة. الكلام في البعد الثبوتي لا البعد الاثباتي مثل مبحث انقلاب النسبة. فالتشريعات المختلفة يمكن صياغتها وتركيبها وتوازنها بخيارات متعددة.
هنا مثال لا ادري ان هناك من صرح به من علماء الامامية لكن قبل خمسة وعشرين سنة في بحث النكاح التفتنا الى ان الروايات المستفيضة الواردة الينا في عقد المتعة تشير الى ان عقد المتعة ليس تشريعا خاصا من النبي صلى الله عليه وآله. ليس تشريعا خاصا مبتدأ. بل هو تشريع منشعب من العمومات. تركيب قاعدة الشروط وقاعدة امضاء النكاح وقاعدة اوفوا بالعقود. من ثم يبين أئمة اهل البيت عليهم السلام في روايات كثيرة موارد عدم ذكر الشرط وحكمها. يعني في الحقيقة عقد المتعة عبارة عن تركيب العمومات الفوقية. هذا رد للمذاهب الأخرى. قد يكون تحريمه تحريما ولائيا مثل برهة معينة منع عنه الامام الصادق عليه السلام ابان بن تغلب فنهاهم عن العقد في مدينة المنورة لانه يسبب توتر اجتماعي او اعلامي على الامام عليه السلام. هذا نهي ولائي يعني بما هو امام وولي يمنع عن ان يمارسوا هذا التشريع في منطقة معينة. شبيه تحريم النبي صلى الله عليه وآله لذبح الفرس او الحمر للأكل مع انه حلال وهذا التحريم ليس تحريما تشريعيا بل تحريم تدبيري لفترة معينة بلحاظ انها آليات للحرب فيضعف جانب القوة عند المسلمين.
حتى دخول التقنين الولائي التدبيري على التقنين التشريعي نوع من التوليف بين الاحكام. طبعا العامة افتهموا ان هذا تحريم تشريعي والحال انه تحريم تدبيري في زمن موقت وبلحاظ موقت.
المقصود فرق بين ان اقرأ الخاص كتشريع تعبدي خاص غير معلوم النسب وبين ان اقرأه انه تقديم لجملة من العمومات. فيه فرق كبير. هكذا يعرف هوية الخاص.
فأصل التشريع أولا هو العمومات وهي ليست في الخصوصات. يعني ان المبتدأ في الاجتهاد والاستنباط او الفقهاء الذين دأبهم الجمود على الدليل الخاص لكن عند فحول الفقهاء يقرأون الدليل الخاص بمنشأه من العمومات الفوقية وحقيقته. هذا من النكات العظيمة ان التشريع في الخاص ليس مبتدأ من رأس وممتنع ان يكون تشريع الخاص مبتدأ من رأسه بل هو ينحدر من القوانين الفوقية.
الثاني: خطأ ان يجمد على الخاص بما هو خاص بل يجب ان يفهم الخاص تحت مظلة وهيمنة مجموع عمومات متناسبة معه فوقية. والا لا نفهم الخاص بحقيقته.
طبعا لا أقول ان الفقيه او الفقهاء يستطيعون ذلك دائما لكن بقدر وسعه اذا استطاع ان يراعي هذه الموازين الصناعية.
بعبارة أخرى بين القوسين ان الفقاهة درجات. فيها درجة الرواية ويفتي على الرواية حرفيا وهذه درجة نازلة. درجة أخرى يفهم الرواية ويحللها ويصاعد شيئا فشيء ويلاحظ مجموع الأدلة والتناسب بينها والدرجة الأخرى يلاحظ الفقيه الأدلة الخاصة والتناسبات بينها ومع ذلك يلاحظ التشريعات الفوقية كيف هي فيما بينها وكيف تتنزل. بالتالي صراحة الاستنباط على درجات عند الفقهاء بحسب تنمر الفقيه او بدويته.
قد يكون فقيه فحلا لكن في مسألة لا يسع وقته وليس ضروريا ان الفقيه الفحل دائما يمارس الاستنباط بدرجة عالية. كثيرا ما الفقهاء لضيق الوقت وللعجلة ولعلل متعددة تراهم يمرون مرورا كراما في مسائل متعددة وسطحيا. يعني ان الاستنباط سواء من فقيه فحل او فقيه متوسط على درجات سواء مارسه الفقيه المتنمر او مارسه الفقيه المستنبط او الفقيه الضعيف واحكام الاستنباط على درجات بالتالي.
اذا حقيقة الخاص هي متنزلة من العمومات. هذا التنزل بأي نحو يكون؟ له وجوه متعددة. في زمن كاشف الغطاء كان هذا الوجه دائرا وصاحب الجواهر نبه عليه وقبلهم بحر العلوم أستاذ كاشف الغطاء أشار اليه في ارجوزته انه يمكن من العمومات مثل العموم الذي ما مرتبط بالصلاة لكنه عموم عبادي او عقائدي نستفيد منه جزئية واجبة في الصلاة. أشار اليه بحر العلوم في ارجوزته في باب التشهد في الاذان وذكر اننا يمكن ان نستفيد الجزئية الواجبة من العمومات. يستفيد من الدليل العام غير خاص بالصلاة جزئية جزء في تشهد الاذان والصلاة ثم هذا الجزء واجب.
المقصود هذا التركيب من بحر العلوم في التشهد وهو قال في ارجوزته في تشهد الاذان والإقامة أن الفقهاء الذين نفوا الجزئية مقصودهم نفي الجزئية المستفادة من الدليل الخاص والا من الأدلة العامة هو جزء وواجب ويسند ذلك الى كل فقهاء الامامية. كلامه في الشهادة الثالثة وهي معلم عظيم في التشريع. انت ملزم ان تتدين بالادلة ا لعامة كما تتدين بالادلة الخاص والا تطلع من الدين. من رأى صلاة النبي؟ هل الصحابة كان يقدرون ان يفهموا صلاة النبي؟ يجيء الامام الحسن العسكري بعد مأتين سنة يشرح صلاة النبي. تلاميذ الامام الصادق عليه السلام ما عرفوه. زرارة ما عرف ذلك. لانه ما قدر ان يتحمل من الامام الصادق كل شيء. كما ان أصحاب النبي ان يتعلموا من النبي كل شيء. لم النبي ركز على الأركان؟ لانه اذا ركز على التفاصيل خلاف الحكمة. هذا تدريج في البيان. نحن نفكر ان التدريج في البيان فقط في 23 سنة في زمن النبي. لا بل التدريج في الف واربعمأة سنة. حتى اذا يظهر الصاحب ما يستطيع البشر ان يدرك كل ما عند الامام عليه السلام والا يستغنون من الائمة. معنى الحاجة الى الائمة يعني ان البشر ولو سلمان ولو زرارة ولو ابان ما يستطيعون ان يتحملوا ما لدى المعصوم من العلوم وما يستطيع المعصوم ان ينزل الملفات كلها في بشر واحد. تدريجية البيان شيء مهم. الدليل بانه لو كان لبان من اضعف الأدلة. التدريج في البيان ضروري الى يوم القيامة. جملة من الاحكام حتى صاحب العصر في ظهوره لا يبينه ولا يتحملها الناس. سيبينها الامام الحسين في رجعته. جملة من الاحكام سيبينها الأمير المؤمنين في رجعته
واحد سأل الامام الصادق عليه السلام من النوافل الخاصة التي يأتي بها رسول الله. قال اسكت ولا تسألني عن النوافل التي يأتي بها رسول الله. لو كان الصحابة يستطيعون ان يلموا بصلاة النبي فما نحتاج الى امير المؤمنين عليه السلام بعد النبي ولو كان أصحاب امير المؤمنين عليه السلام يلمون بتشريعات امير المؤمنين لما نحتاج الى الامام الحسن والامام الحسين والسيدة فاطمة صلوات الله عليهم. وهلم جرا.
معنى الحاجة ان البيان لا يمكن ان يبين المعصوم في دفعة واحدة كل التشريع. لذلك باجماع الامامية بعض موانع الصلاة او الحج او الصوم بينت على لسان الامام الحسن العسكري او الهادي او الجواد عليهم السلام وأصحاب الامام الصادق ما كانوا يدرون بها. بل حتى الاصحاب قسم يسأل الامام عليه السلام عن باب معين ويرجعهم الامام عليه السلام الى من علمه كزرارة. لان زرارة ان يستوعب كل شيء. قال زرارة للإمام عليه السلام سألتك عن الحج أربعين سنة. قال الامام عليه السلام: بيت بني قبل آدم بألفي عام وانت تريد ان تنفذ مسائله في أربعين سنة. لذلك عندنا روايات في تشريعات الحج كتبها معاوية بن وهب وليس زرارة. وهما تلميذان في الحج عند الامام الصادق. السبب هو هذا ان غير المعصوم ولو بلغ ما بلغ ان يستوعب كل شيء عند الامام. هل الخضر الان يستطيع ان يستوعب كل شيء عند الامام صاحب العصر عليه السلام؟ لا. لا يقدر ولو كان يقدر فاستغنينا بالخضر عن الامام عليه السلام. النبي موسى الذي هو وزير لإمام العصر ولا يستطيع ان يستوعب كل ما عند الامام والا كنا نستغني عن الامام بالنبي عيسى. هذا الدليل بانه لو كان لبان دليل اوهن من بيت العنكبوت. لذلك كثير من الفقهاء استخرجوا أمورا كثيرة لم يحتمله الفقهاء السابقون. المهم ان تستدل بالدليل والقواعد والموازين ولا تخالف ضرورة من الضرورات.
اجمالا بحر العلوم أشار الى هذا المطلب ان من العمومات نستطيع ان نستنبط مثل التشهد وبالجزم يقول ان العلماء الذين ينفون الشهادة الثالثة في التشهد انما هو بلحاظ الأدلة الخاصة. والا بلحاظ الأدلة العامة هو شيء مبده. والحال ان الشهيد الثاني يجزم ان الشهادة الثالثة ليس جزء من الاذان.
الان نحن نقحنا ان القضية خلاف العلمين. نوافق بحر العلوم بلحاظ الأدلة العامة نخالف العلمين بلحاظ الأدلة الخاصة. رحمة الله عليه الشيخ حسين العصفور في كتبه ملتفت ان الشيخ الطوسي يقول بالجزئية الواجبة بمعنى من عمل بهذه الروايات لم يأثم. يقول ان الجزئية الواجبة تستفاد من الروايات التي طعن فيها الصدوق في الظاهر. هو تنبه الى شيء لم يتنبه اليه بحر العلوم و الشهيد الثاني.
ومعروف ان في موارد التخيير الاحوط التقصير والأفضل الاتمام. قال الشيخ حسين العصفور هذا خطأ ان الاحوط هو الجمع بين القصر والتمام. لان السيد المرتضى يقول بالوجوب التعييني للإتمام. هذه النكات الصناعية وهي صناعة وكان تبحره في التتبع عجيبا وعظيما.
مقصودي ان الأدلة والمواد قد تخفى على الاعلام. التدريج في البيان والأمور ضروري. معنى التخطئة يعني ان ليس حدا يقف عنده اكتشاف الحقيقة على ضوء الشواهد والأدلة
اذا باب التخصيص يمكن تفسيره صناعيا بوجوه لا تنتهي. صاحب الجواهر وكاشف الغطاء ذكر. ان الأدلة العامة يمكن تركيبها معا في المركبات. ومن ثم استظهرنا في النهي عن العبادة ان السيد الخوئي يفتي بجواز الشهادة الثالثة في تشهد الصلاة ان لم يقصد الجزئية قال في تشهد الاذان وغيره. هذا نص عبارته في المنهاج وهو في باب الأصول ذكر ان الذكر العبادي لا يتحول لكلام آدمي قطعا. اضف اليه كلاما ثالثا ان الشهادة الثالثة ذكر بضرورة آيات الغدير. هكذا يصرح السيد الخوئي في شرح العروة في باب الاذان.
لطيف ان بحر العلوم يستفيد تركب الجزئية والسيد الخوئي يستفيد المشروعية. ولكل وجه وشرحنا ستة وجوه في الجزء الأول واضفنا وجوه أخرى في الجزء الثالث. يعني من الأدلة العامة يمكن التركيب وتلفيق مركب معين. امس مر بنا ان السيد اليزدي والسيد الخوئي بانه تستطيع ان تدخل هوية صلاة جعفر الطيار في صلاة الظهر والعصر في موارد القصر. فتأتي بالظهر والعصر قصرا بهيئة صلاة جعفر الطيار من دون ان تنويها. بجزم يفتيان. لان هذا ذكر مطلق والذكر جائز.
المقصود بالدقة الأدلة الخاصة والتقنينات الخاصة هي في الحقيقة عبارة عن معجون من العمومات الفوقية كيف تتركب هذا المعجون؟ بتركب صناعي. مثل هذا التركب الصناعي الذي يفتي به السيد الخوئي ولا حد لهذه التركيبات الصناعية. بشكل متناسب ومتناسق وليس فيه تشريع. من لا يلتفت الى هذه القواعد من أصول القانون يستوحش لان طبيعة استنباطه استنباط الرواة. بينما من يطلع على هذه المنظومة يمكن ان يركبها في المعاملات وغيرها.
مثلا التأمين كيف حقيته؟ جرت محاولات أخرى من الفقهاء. لماذا نحصر تنقيح الحال في عقد التأمين في انه عقد جديد وماهية جديدة من رأس. يمكننا ان نصور انه تركيب بين العقود. ويمكن ان نلفق له احكام من العقود المركبة. التأمين الان باب عظيم من أبواب الاقتصاد والاستثمار وغير البنوك وغير الصيرفة وغير النفط وغير الاستثمار السيبراني. هو باب يسمى التأمين وأنواع. ما هو التخريج الشرعي؟ هو مزج مركب من العقود والشروط.
الخلع ما هو؟ هل هو تشريع جديد؟ بالدقة هو صلح ما بين الطلاق وتنازع المرأة عن مهرها. بل هناك محاولات نقلت لكم عن محشي العروة ان الجعالة هل هي تشريع من رأس خاص او هي مولودة من مواليد مركب الاجارة وقاعدة الشروط. يعني اذا تلاحظون الجعالة والمضاربة والانواع المختلفة محشوا العروة ان هذه العناوين في الأدلة ليست ادلة خاصة مشرعة مبتدأة من رأس. بل هي تلفيق للقواعد السابقة بل حتى البيع اذا تلاحظون يقولون هو صلح بين الهبتين ويمكن ان يقال هكذا. وبقينا فيه كثيرا. ما الفرق بين شرط النتيجة وشرط الفعل في التبادل. اذا الاعلام في باب المعاملات وباب العبادات يفعلون هكذا.
حقيقة التقنينات المتوسطة كالبرلمان والوزارات ما هي؟ هل ليس لها دور في التقنين او لها دور؟ هل الدليل الخاص ليس له تشريع مستقل ابدا وهو تبع او له شيء من الاستقلال؟ هذا بحث مهم وحساس.
حتى في العبادات وبحث التركب في العبادات ودور الدليل الخاص بين الاستقلال وا لتبعية المحضة وكذلك في المعاملات. ان شاء الله في الجلسة اللاحقة.