« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

47/05/11

بسم الله الرحمن الرحيم

منظومة الشبكة العنكبوتية في التقنين وحقيقة التخصيص

الموضوع: باب الألفاظ/ مبحث العام والخاص / منظومة الشبكة العنكبوتية في التقنين وحقيقة التخصيص

 

كان الكلام في حقيقة التخصيص.

مر بنا انه عند القدماء تجميد للعام في منطقة الخاص وليس محوا للعام فيها. ثم ذكرنا ان هناك ظاهرة موجودة في منظومة القانون سواء أ قانون عرفية او شرعية، ان عمومات الأسس غالبا خالية عن التقييد والتخصيص وهما يلاحظان عندما تتنزل تلك العمومات من القوانين الدستورية الى القوانين البرلمانية او الوزارية.

هذه الاصطلاحات (البرلمانية والوزارية) في الفقه السياسي كمثال والا البحث في الفقه الفردي او الأسري واحد لان طبيعة القانون طبقات تبدأ من أسس التشريع وتتنزل.

من ثم اذا دققنا اكثر نلاحظ ان بداية تولد التشريع هو الأسس التشريعية الفوقية والقوانين الدستورية وهي بداية التشريع. بعبارة أخرى ان الأسس التشريعية الفوقية تشريعات كلية لكل طبقات التشريع النازلة لا ان التشريعات النازلة الخاصة (سواء تطبيق تلقائي للعمومات او عبر اجتماع العمومات وتركبها في الخاص) تشريعات مبتدأة.

طبعا هذه التشريعات النازلة تقنين وتشريع حقيقة ولا نريد ان ننكر انه تشريع. يعني ان تشريع النبي حقيقة تشريع «حرم الله الخمر وحرم النبي صلى الله عليه وآله كل مسكر وحرم امير المؤمنين واهل البيت الفقاع والبيرة» هذا تشريع حقيقي. كما ان التشريع الوزاري تقنين وتشريع وكذلك التشريع البرلماني والتقنين البلدي تقنينات وطبقات في التقنين ولكن سنخ هذه التقنينات الأربعة في الأقسام والطبقات النازلة يختلف عن التقنين الأساس وسنخها انها امتداد.

في التقنين الفوقي الأساس بالدقة شرعت كل التشريعات بشكل كلي ويعبر عنه اجمالي ويعبر عنه جملي ومر بنا اصطلاح الإجمالي يختلف عن اصطلاح الجملي. فبالدقة صدور التشريع لكل التفاصيل وقوانين الشريعة حصل بتلك الطبقة الأولى من التقنينات الفوقية الا انه حصل بنحو اجمالي جملي وليس بنحو تفصيلي.

الطبقات اللاحقة والمتنزلة تفصيل فهي في سنخها شرح وتبيين وترجمان قانوني وليس فقط تطبيقا عفويا محضا كما نتخيل في القواعد الفقهية. فهو في حين انه تشريع فهو تبيين لما فوقه من التقنينات.

فأصل التشريع أساسه هي التقنينات الفوقية الأولى وما يصدر بعد ذلك بالدقة من قبيل التفسير والتبيين والتفصيل لهذا الاجمال. فالخاص ليس كما هو معشعش في الرؤية العامة في علم الأصول عند كثير من الأصوليين. ليس الخاص تشريعا مبتدأ دخل على الخط في وسط الطريق بل هو عبارة عن معجون عمومات أخرى غلبت على عموم آخر بنحو تزاحم المقتضيات والملاكات ليس بالمعنى المصطلح في تزاحم المقتضيات بل بمعنى عالم التقنين والتشريع أي ان الملاك يجمد الملاك الاخر في المرحلة الانشائية الثالثة ولا يمحوه.

على ضوء هذا المطلب نلتفت ان الخاص لا يستبطن مشروعية وتشريعا من نفسه بل دائما من الطبقات الفوقية الأولى و الثانية والثالثة. فعندما تصدر روايات مستفيضة عندنا ان أي رواية لابد ان تعرض على الكتاب والسنة يعني المحكمات لانها عمومات فوقية وهي الأساس للتشريع ولابد ان الخاص ينتمي اليها ولو بنحو عدم المعارضة وعدم المناقضة. لان عدم المناقضة نوع من المطابقة الكلية الاجمالية البعيدة. وهذا المقدار يعني انه يندرج تحت العموم بشكل او بآخر وان لم يكن اندراجه قريبا وواضحا لكن بالتالي ليس مخالفا له.

فلاحظ في نظام الحجية عند القدماء من المفيد والصدوق والكليني الى ابن ادريس حتى الشهيد الأول والمحقق الحلي في كتابه الشرائع ان المدار في حجية الاخبار الاحاد والتفاصيل ليس طريقها وسندها بل متنها لا يندرج في منظومة التشريع ولو بطبقاتها العليا فيكون موردا للسؤال واذا يندرج فالمتن صادر تفصيلا ولو يكون السند ضعيفا.

هذا التفصيل هو الصدور الإجمالي بلحاظ التشريعات العامة الفوقية للعمومات. العام يعني ان يعطي المشروعية لكل ما تحته الا ان يأتيك دليل من المعصوم ويقول ان العمومات الأخرى تزاحم هذا العموم يعني ان مقتضياتها تزاحم هذا المقتضى والا يعمل به. فالتشريع موجود. اصل المشروعية من الفوق والا الخبر الصحيح الذي عمل به الطائفة لايمكن ان يأتي المشروعية من الطريق. هذا هو اشكال ابن قبة. لا يمكن ان يعمل بخبر الواحد بلحاظ سنده ويعمل به كانه دين ونستولد منه حكما شرعيا في الدين. الدين هو الخيمة الكبيرة للطبقات العمومات. لذلك عند القدماء اصطلاح الخبر العلمي في قبال الخبر الواحد. خبر الواحد عندهم يعني خبرا لا عشيرة له ولا اصل.

الروايات المستفيضة عندنا ان استعرضوا الروايات على الكتاب والسنة معناها هو هذا. لابد ان ينتمي هوية متنه. اصل الحجية جاء من منظومة عمومات عرضية طولية مجموعة. وتأليف هذه المنظومة من العمومات عبر صناعات فقهية كثيرة او أصولية وليس بصناعة واحدة. ومن ثم في الاخبار الاحاد سواء كانت صحيحة السند او ضعيفة السند أول ما تلاحظ هو العموم القريب فوقه والاعلى فالاعلى.

نفس القوانين الوزارية طبقات ثم هذه القوانين مستولدة ومنشعبة من القوانين البرلمانية وهي أيضا طبقات طولا ومتكثرة عرضا ومنظومة مجموعا وهي مستولدة من القوانين الدستورية. فهي شبكة عنكبوتية. يعني كل الاتجاهات فيها. الطبقات والجهات والميلان مورب ومنظومة وتعقيدها اكثر من الدائرية والمثلث والمربع. الارتباطات بين عناصر هذه المنظومة جدا معقدة وبالدقة كل العلوم هكذا سواء العلوم الوحيانية او العلوم التجريبية. بحث أصول القانون علم منطقي. هي طبيعتها شبكة عنكبوتية يعني منظومت ذات اتجاهات لا تعد ولا تحصى.

نحن لما نلاحظ القوانين التفصيلية النازلة مع الطبقات الأعلى فالاعلى فاصل التشريع بالدقة يأتي من القوانين الفوقانية. مثل اركان الصلاة وبعض الأجزاء فريضة وبعض الأجزاء سنة النبي وبعض الأجزاء داخلة في الركن وبعض الأجزاء ليس من الركن فالصلاة ذات تركيب معين. فلما تأتيك رواية معينة مشابهاتها وفوقها وهل هي ملتئمة مع المنظومة والروايات فوقها.

هذه الارتباطات وعلائق ثبوتية وليست اثباتية وهذا هو منهج الحجية عند الفقيه حيث يعتمد على الفهم ولا يعتمد على الرواية والسمع. الفقيه مهندس الشبكات العنكبوتية لمنظومة القانون. لذلك عندنا روايات في الكتب الروائية ان دراية الرواية او الحديث تعادل ثلاث روايات وربما تعادل عشرة رواية يعني ان الفقيه يستغني برواية عن ثلاث روايات وفقيه يستغني بها عن عشرة روايات وفقيه يستغني برواية واحدة عن الفه رواية. «حديث تدريه خير من الف رواية ترويه»

لذلك ندقق في كلام المحقق الحلي والذي اخذه من نهج السيد المرتضى والشيخ الطوسي لما يقول ان هذا اشبه باصول المذهب وقواعد المذهب إشارة لهذا الجانب.

كذلك في آية النفر انها لا تسوغ الفتوى بمجرد الرواية. يعني بمجرد الحفظ السمعي للرواية. لابد من فهم الرواية «لتفقهوا» ثم بعد ذلك ينذروا ويفتوا. الإنذار مشروط بالفهم والفقاهة. الرواية عظيمة لكن ما هو تفسيرها ومفادها.

كذلك في «تبينوا» يعني تفهموا. كذلك ﴿اسئلوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون﴾ والايات التي استدل بها لحجية الخبر و الفتوى اخذ فيها الفهم. وليس مجرد الرواية وسماعها. الرواية كنز عظيم لكن سماعها فقط درجة من العلم سطحية ولابد ان يضم اليه الفهم و الفقه.

بالدقة اذا التخصيص ليس تشريعا مبتدأ.

كل بحث حجية خبر نفسره على منهج القدماء. الخبر العلمي يعني يجب ان ينتسب الى دولة منظومة القوانين. لا انه من الخبر الاحاد مهما كان رواته حتى لو كان من كبار الرواة.

ابن قبة لا ينكر العمل بالاخبار بل ينكر العمل بالاخبار بشكل موزعة وبشكل قشري ومبعثرة. هذا هو سيرة العقلاء. الناطق الرسمي اذا نطق بان هذا القانون صدر من البرلمان رسميا او الناطق الرسمي عن الوزارة او الناطق الرسمي عن البلديات. هذا لا يصبغ القانون شرعية. هي شرعية صورية. الشرعية الواقعية عند المحكمة الدستورية والمحكمة العليا. هي تشخص ان هذا القانون صحيح او لا.

الطريق شيء ظاهري كما ان القابلة والام تقول ان هذا الولد ابني لكن البحث في المتن كالبحث عن DNA وهو بحث قطعی و ثبوتی. حفظ الرواة ولو كان زرارة واعظم بزرارة واكرم به لكنه بالتالي راوي غير معصوم وكتابه كتاب عن غير معصوم ويدا بيد وصل الينا والواسطون أيضا ما كانوا معصومين. بخلاف ما اذا انتسب الى الكتاب والسنة.

هذا مسلك الاجتهادي والفقاهتي وليس مسلكا روائيا. مع احترامنا العظيم للرواة. لذلك زرارة لما تأتيه رواية من الروايات قال ان الامام اعطاك من جراب النورة. يعني هذه الرواية تقية. فالزرارة لا يوثق بالرواية من خلال الطريق. وشأنه يليق بهذا.

بحث منظومة الحجية في خبر الواحد يرتبط بهذا البحث في حقيقة القوانين ومنظومة القوانين وحقيقية التخصيص.

قاعدة أخرى: قاعدة التسامح في ادلة السنن فيها خمس او ست روايات صحيحة واردة. اذا بلغك عن النبي صلى الله عليه وآله والائمة الثواب على عمل فعمل السامع رجاء ذلك الثواب فيثاب وإن لم يكن قال به النبي.

ما هي حقيقة القاعدة؟ هل مشرعة او غير مشرعة. بالتالي خمس او ست شواهد دامغة على انها مشرعة والمشهور قالوا انها مشرعة الا متاخري هذا العصر من الشيخ الانصاري. بالدقة هذه القاعدة لا ان هذه الست او السبع روايات تريد ان تشرع لنا كل باب المستحبات وكل باب المكروهات بالاسانيد الضعيفة. لذلك المتاخرون ارتبكوا وقالوا لا يمكن ان يكون هكذا.

حقيقة هذه القاعدة هي ان هذا المضمون كالصلاة ليلة الرغائب هي صلاة وتذكر فيها سور واذكار وركعتان ركعتان وليست فيها زاوية من زواياها غير مشروعة بالقوانين الفوقية. كلها مشروعة. صلاة الغفيلة هكذا. ركعتان كالنوافل و تقرأ فيها الآيتان وليس فيها مشكل. أصلا مشروعية صلاة الرغائب وصلاة الغفيلة وغيرها بتركب عمومات فوقية.

لذلك السيد اليزدي والسيد الخوئي بجزم يقولان بجواز دخول صلاة جعفر الطيار في الصلاة اليومية. مثل الظهرين والعصرين. يمكن ان تدخل لكن لا تنوي صلاة جعفر الطيار. لاحظوا كتاب العروة فصل باب النوافل. افتى السيد اليزدي بالجزم. هذا تركب العمومات وهو تصنع لك ديكورات عديدة من الصلوات. لان الشارع ما منع ان تأتي بالاذكار في الصلاة اليومية. لا يقال ان هوية الصلاة عند العرف تتغير. لان العرف ليس حجة بل الحجة هي العمومات المقدمة على ارتكاز العرف حتي العرف المتشرعة.

اذا قاعدة التسامح ليست لهذه الروايات الواردة فيها بل تشير لك ان المشروعية أتت من العمومات الفوقية.

سألت عن الشيخ البهجت بحضور احد الفضلاء والاجلة من بيوتات كبيرة ان هذه الاذكار أربعين وخمسين ما مشروعيتها؟ قال مشروعيتها جاءت من العمومات. السيد عبد الحسين الكشميري رحمه الله أوصى احد الاخوة بقرائة «أليس الله بكاف عبده» 133 مرة. عجيب لاجل المخاوف. مشروعيته جاءت من العمومات. ما المانع في الخصوصية. لان العمومات ما عين عددا فيها. سنبين ان شاء الله كلام صاحب الجواهر وصاحب الرياض. انهم التفتوا الى ان الخصوصات آتية من العمومات وسنوضح كلامهم في الجلسة القادمة.

نفس قاعدة التسامح في ادلة السنن ما هو معناها؟ تفسير جديد مأخوذ من القدماء. يعني مشروعيتها موجودة. السيد الخوئي ولو هو لا يلتزم بهذه القاعدة لكن يلتزم بهذا التفسير صناعيا. يمكنك ادخال هوية صلاة جعفر الطيار في الصلاة اليومية من دون ان تنوي صلاة جعفر. السيد اليزدي والسيد الخوئي يجزمان بالجزم.

حواشي العروة كنز الصناعات.

logo